التيس المستعار.. يكذب أم يتجمل؟
تابعت حلقة برنامج "يحدث في مصر" التى قدم فيها لقاء لشاب يطلق على نفسه لقب "محلل شرعي"، والذى قال إنه يمارس هذا العمل لوجه الله تعالى، وبلا مقابل نقدى ومساهمة منه فى جمع شمل الأسر التى عصفت بها لحظات غضب فأودت بالزوج إلى طريق الطلاق البائن بينونة صغرى، وهو الزواج الذى يقع فيه الطلاق ثلاث مرات متفرقة فتحرم به الزوجة على زوجها، إلا إن هى تزوجت بغيره زواجا شرعيا صحيحا متوافرا له كل أركانه واشتراطاته الشرعية والقانونية، ثم تطلقت منه أو عليه فهنا يحق لزوجها الأول الزواج بها من جديد وطبقاً للتوجيه القرآني، وقال هذا الشاب أيضًا إنه قام بمهمة المحلل الشرعى لعدد 33 حالة، على حد قوله!
وحدوتة المحلل الشرعى ليست بدعة مستحدثة فى عصرنا الحالى، بدليل وجود حديث نبوى شريف تحدث فيه سيد الخلق (صلى الله عليه وسلم) عن تلك الظاهرة، وورد فى الحديث الذى رواه ابن ماجة والحاكم وغيرهما: عن النبى صلى الله عليه وسلم. قال: ألا أخبركم بالتيس المستعار؟
قالوا: بلى يا رسول الله، قال هو المحلل.
ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: لعن المحلل والمحلل له.
والمحلل له سمى تيسًا مستعارًا، لأنه جيء ليدخل بالزوجة يجامعها مرة ثم يفارقها، لأن الله تعالى قال (فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ)، فهذا المطلق الطلقة الثالثة لما رأى أنه لا حيلة له إلا بزوج وهو يريدها وتريده، زين لهما الشيطان هذا العمل السيء، وهو الاتفاق مع شخص يسمى المحلل، ويعطونه ما شاء الله من المال، فترضى به الزوجة رضاء مؤقتًا ليحلها لزوجها الأول، وهذا من أقبح الباطل، ومن أعظم الفساد، لأنه ما تزوجها لتكون زوجة لتعفه لتبقى لديه لتحصنه ليرجو منها وجود الذرية لا، إنما جاء تيسًا مستعارًا ليحلها لمن قبله بوطء مرة واحدة، ثم يفارقها وينتهى منها.
هذا هو المحلل، ونكاحه باطل، وليس بشرعي، ولا يحلها للزوج الأول، فوجب أن يعزر القائمون به، المحلل والمحللة والمحلل أيضا كلهم، والمرأة إذا كانت راضية وعالمة بهذا الشيء فهى أيضًا تستحق التعزير والتأديب لرضاها بالمعصية أو مواطأتها عليها.
ثم فوجئت عقب هذا اللقاء بموجة من الغضب المجتمعى جراء هذا اللقاء المثير للجدل، وهو ما تزامن أيضًا مع خروج هذا الشخص (المحلل الشرعي) بالعديد من المداخلات واللقاءات مع وسائل إعلامية متعددة سواء فى مداخلات هاتفية أو فى بث حى ومباشر لأحد المواقع الإلكترونية يتحدث عن مهمته الإنسانية التى يمارسها كمحلل شرعي، طيب تمام جميل جدًا وايه المشكلة فى كل ده؟
هاقولك اهو يا سيدي، فجأة وبدون مقدمات خرج علينا هذا الشاب عبر مكالمة هاتفية على أحد البرامج التلفزيونية من جديد يبكى وينوح بزعم أنه لا يعلم شيئا عن مهنة المحلل الشرعي، وأن الحلقة تم إعدادها والاتفاق عليها مع أحد أفراد إعداد البرنامج، وأنه تم إملاء عليه ما يقول، وأن الحلقة كلها "فنكوش" والغرض منها هو ركوب الترند وإحداث نوع من البروباجندا ليس إلا، وأنه يعمل كممثل هاوٍ وله سابق خبرة بمجال الإعلانات، وأنه وافق على الظهور بالبرنامج من قبيل السعى خلف الشهرة ليس إلا!
وعقب هذا اللقاء خرج علينا هذا الشاب من جديد فى مؤتمر صحفى ليحكى تفاصيل هذا اللقاء الكاذب وكيف تم استغلاله فى هذه الحلقة تحت وطأة العوز المادى والفقر، وأنه لا علاقة له بموضوع المحلل الشرعى هذا، وأن الصفحة المزعومة والمنسوبة إليه (حسب كلام إعداد البرنامج) ليست خاصة به، وفوجئ الشاب بأسئلة مستنيرة والمنطقية من عدد من الصحفيين الحاضرين لهذا اللقاء، والذى تم إذاعته فى بث حي، ما جعله يرتبك بشكل ملحوظ، وواجهته إحدى الصحفيات بسؤال وبمضمون بمكالمة هاتفية دارت بينهما، إلا أنه أنكرها أيضًا؟
ثم فوجئت أمس ببوست عبر فيس بوك للأستاذ "ياسر التلاوي"، وهو معد الحلقة (المشكلة)، وهو من قام بالتواصل مع هذا الشاب واتفق معه على اللقاء، وهو ما دفعنى للتواصل مع ياسر هاتفياً لاستيضاح حقيقة الموقف، وخلال مكالمة هاتفية مطولة معه أخبرنى بجميع تفاصيل اللقاء، وأنه عثر على الصفحة بشكل عارض حال بحثه فى ظاهرة تعدد الزوجات، إلا أنه وجد هذه الصفحة مما أثار فضوله الصحفى ليعلم حقيقتها، ما استتبع التواصل مع القائم على هذه الصفحة وطلب منه الظهور بالبرنامج فى لقاء مذاع على الهواء مباشرة، وأن الشاب حضر ومعه نسخ العقود (العرفية) وأطلعه عليها، ولكنه أفاد باستحالة نشر تلك العقود على الهواء لكونها تتعلق بأشخاص مهمين بالمجتمع، وظهور هذه العقود على الهواء سيحدث مشكلة لا قبل له بها، وهو ما وافق عليه الضيف وظهر بنفسه على الهواء وقال ما قال، وكان يستشهد طوال حديثه بعدم وجود ما يجرم فعلته شرعًا أو قانونًا (على حد قوله) .
وأرسل لى مُعد الحلقة نسخة مصورة من المحادثة التى دارت بينه وبين الضيف عبر تطبيق (الدردشة بفيس بوك) وهو ما تأكد به صدق إعداد البرنامج، وبه أيضًا تأكد كذب هذا الشاب، وإن كنت لا أعفى البرنامج من مسألة إظهار تلك النماذج السلبية المسيئة للمجتمع، فى وقت نحن أحوج ما نكون فيه إلى إظهار كل ما هو إيجابى وبناء وداعم لتوجه القيادة السياسية الرشيدة، ومخططاتها الطموحة صوب النهوض المجتمعى المنشود فى كافة مناحى الحياة بمجتمعنا المصرى معتدل المزاج، ووسطى النهج والمنهجية.
ختامًا أقول: أتمنى من محامى الشعب الموقر معالى النائب العام المحترم حمادة الصاوي، أن يتصدى لكل ما أثير حول هذا اللقاء بالتحقيق، واستيضاح وجه الحق فى ما قاله الشاب وما جاء بأقواله سواء بلقائه المثير للجدل على الهواء، أو ما تبعه من مداخلات هاتفية وأحاديث للمواقع الإلكترونية، أو حتى تراجعه الدراماتيكى عن تصريحاته، لأنه ليس من المقبول أن نترك بيننا من يتخذ من منهجية (خالف تعرف) وسيلة لهدم قيم المجتمع، وإثارة جدل مجتمعى غير مقبول، ويعمل على زعزعه ثقة المواطن فى الإعلام من ناحية، وفى توجيهات الشرع وإحكام قبضة القانون على من يجدون به ثغرات ينفذون من خلالها إلى تحقيق مكاسب خاصة من ناحية أخرى، اثق بشده فى محامى الشعب والذى سن سُنة حسنة وغير مسبوقة من خلال تصديه الدائم لكل ما يهدد قيم المجتمع بشكل لحظى وحاسم، وحتى نعلم ايضًا - هل التيس المستعار يكذب أم يتجمل؟