حسن حنفي.. أبرز فلاسفة العصر الحديث ورائد «الإسلاميون التقدميون»
رحل اليوم عن عالمنا الفيلسوف الدكتور حسن حنفي أستاذ الفلسفة بجامعة القاهرة وهو واحد من أشهر الفلاسفة في مصر، ومنظر بارز في تيار اليسار الإسلامي أو ما يطلق عليهم "الإسلاميون التقدميون" وتيار علم الاستغراب.
ولد الدكتور حسن حنفي في الثالث عشر من فبراير لعام 1935 في القاهرة، وقد ألتحق بكلية الأداب جامعة القاهرة ليدرس الفلسفة وتخرج منها عام 1956 ليسافر بعدها في العام نفسه إلى فرنسا ليستكمل دراساته العليا وبالفعل قد حصل على درجة الماجستير ثم درجة الدكتوراه من جامعة السوربون بعد حوالي 10 أعوام من سفره.
بعد حصوله على الدكتوراه تعين في جامعة محمد بن عبدالله بفاس لمدة عامين وكان يحب هذه الجامعة كثيرًا حتى إنه مان دائمًا يصفها ب "بيته الأول"، ثم بعد ذلك سافر إلي اليابان ليعمل بالتدريس فيها لمدة ثلات سنوات وقد عمل مستشارا لبرامج البحث العلمي لجامعة الأمم المتحدة في طوكيو أيضا. عاد حنفي إلى القاهرة عام 1987، حيث أشرف مع آخرين على إعادة تأسيس الجمعية الفلسفية المصري عام 1989 وشغل منصب السكرتير العام للجمعية منذ هذا التاريخ.
ينتمي الدكتور حسن حنفي - كما ذكرنا - إلى تيار اليسار الإسلامي وهو تيار فكري ذو مرجعية إسلامية ظهر في مصر وكان هو رائده ثم في دول عربية أخرى مثل تونس، يتبنى هذا التيار رؤية مقاصدية للإسلام و يدير منتدى فكريا مفتوحا على كل التيارات يسمى "منتدى الجاحظ" كما أنشأ في 2013 جمعية تسمى "رابطة تونس للثقافة و التعدد" وقد أصدر هذا التيار في بداية الثمانينات مجلة فكرية عنوانها مجلة الفكر الإسلامي التقدمي 15-21 ولكنها توقفت عن الصدور في مطلع التسعينات.
وكما قلنا أن الفيلسوف حسن حنفي كان ممن فسروا "تيار الاستغراب" وعملوا من خلاله تحديداً في قضيته ومشروعه الأهم" التراث والتجديد " ولمن لا يعرف ف مصطلح "الاستغراب" يعني ظاهرة نفسية واجتماعية وثقافية معاصرة، يتميز الأفراد الذين يجسدونها بالميل نحو الغرب والتعلق به ومحاكاته، نشأت في المجتمعات غير الغربية؛ سواء أكانت إسلامية أم لا، على إثر الصدمة الحضارية التي أصابتها قبيل الاستعمار وخلاله.
وقد قال الدكتور حسن حنفي عنه إنه فك العقدة التاريخية المزدوجة بين الأنا والآخر... والقضاء على مركب العظمة لدى الآخر الغربي، بتحويله من ذات دارس إلى موضوع مدروس... مهمة علم الاستغراب هو القضاء على المركزية الأوربية، وبيان كيف أخذ الوعي الأوربي مركز الصدارة عبر التاريخ الحديث، داخل بيئته الحضارية الخاصة. وقد ألف الدكتور حسن حنفي كتابه مقدمة في علم الاستغراب عام 1992.
-مشروع التجديد والتراث
يقول الكاتب أبو بكر الجيلالي في دراسة له عن مشروع التجديد والتراث للفيلسوف حسن حنفي "إن مشروع "التراث والتجديد" يحمل هموم الإنسان فكرًا وواقعًا ووطنًا في العالم العربي المعاصر، وهو يقاوم لإبداء الموقف الحضاري من التراث العربي الإسلامي ومن التراث الغربي ومن الواقع بأبعاده الاجتماعية والسياسية والأخلاقية والثقافية والفكرية والفلسفية، هذا الصراع والاجتهاد في فكّه يعكس حاجة الإنسان المعاصر في عالمنا العربي والإسلامي إلى نظرية تفسر الواقع، وهو اجتهاد يتمّ بصورة لا تخلو من الانسجام والنسقية بين الجبهات التي فتحها المشروع، وهو شرط التخلص من التخلف الفكري والاجتماعي، الانسجام بين العقل والتراث والواقع والآخر.
وتعتبر قضية التراث والتجديد عي محور حياة الدكتور حسن حنفي وقد قسم العمل على هذه القضية إلى ثلاث مستويات منها، الأول سعى لمخاطبة المتخصصين، وفي ذلك قد حرص ألا يغادر الجامعات والمعاهد العلمية؛ والمستوى الثاني كان للفلاسفة والمثقفين بهدف نشر الوعي الفَلسفي وبيانِ أثرِ المشروعِ في الثَّقافة؛ والأخيرُ للعامَّة، بغرضِ تَحويلِ المَشروعِ إلى ثقافةٍ شعبيَّةٍ سياسيَّة.
وفي المقابل يقول الكاتب محمد حلمي عبدالوهاب في مقالة له إن مشروع حسن حنفي يتوزع حول «التراث والتجديد» على عدة محاور رئيسية؛ بحيث شملت معالجاته أغلب القضايا التراثية من جهة، وأهم التيارات الفكرية الغربية من جهة أخرى. ومن ثم، يمكن القول: إن السمة الرئيسية المميزة لمشروع، أو قراءة، حنفي للتراثين: العربي والغربي، تتمثل في اتساع رقعة المشروع والشمولية، الأمر الذي انعكس بصورة سلبية على حساب الدقة في الطرح، والموضوعية في التناول.
وكان الفيلسوف حسن حنفي يرى أن الأزمة الفكرية العربية الحقيقية هي سجن العربي في النصوص، لم يقصد النصوص الدينية وحدها ولكن كل نصوص التراث فقد أصبح العربي ينتظر في كل خطوة في حياته نصًا يعتمد عليه ويرجع إليه ولم يحاول هو تجديد هذا التراث وهذه النصوص لتواكب حياته المُعاصرة.
وقد قال الدكتور حسن حنفي عن تجديد الخطاب الديني في أحد المؤتمرات :في تجديد الخطاب الديني هناك خطأن الأول :استمرار اللغة القديمة خوفًا من أن أتابع ثقافة كل عصر، وهنا تنشأ الحركة السلفية ولغتها وخطابها الذي لا شأن له بالواقع ولا شأن له بلغة العصر.
أما الخطأ الثاني، استعارة لغة التجديد من الغرب عن طريق التعريب، هناك خطر أن تترك سلفية تستمد لغتها من القديم وخطاب أخر يستمد ثقافته من التغريب.
قال الدكتور حسن حنفي في حوار صحفي إنه يحلم بالنهضة الفكرية العربية ولن تحدث هذه النهضة إلا عندما تكون مقوماتها التعلم من فجر النهضة العربية في فترتي الليبرالية والقومية، بعد أن سُلب العرب وانهارت مشاريعهم، وأحسوا بالعجز والإحباط والضياع، وهذا في مجمله يشكل بداية مخاض قريب قادم بعد أن نصل إلى نهاية القاع. ينقصنا، كعالم عربي، القشة التي تقصم ظهر البعير. بعدها قد تتحرك الشعوب، وتحدث الهبّات من المحيط إلى الخليج.
وقد أثرى حنفي المكتبة العربية بالعديد من الترجمات التي عكف عليها لدراسة التراث الغربي بما يخدمه مشروعه فيما بعد و لدحض نظرية أن الأفكار الغربية هي أصل الإنسانية والتنوير، فقدم ترجمات مثل نماذج من الفلسفة المسيحية، رسالة في اللاهوت والسياسة لسبينوزا ، تربية الجنس البشرى للسنج ، تعالي الأنا موجود لسارتر
ومن كتبه التراث والتجديد، من العقيدة إلى الثورة ، الدين والثورة في مصر ، ومن النقل إلى الإبداع.
وبالطبع لم تكن حياة الدكتور حسن حنفي هادئة كل الهدوء فقد أتهمه الكثيرين بالإلحاد والكفر بسبب أفكاره الخاصة بالتجديد، وعاصر صراعات كثيرة منها انتماءه للإخوان المسلمين ثم إنشقاقه وأمور أخرى، لكن أتفق الجميع على مكانته التي لا يضايها أحد وجهوده في الفلسفة والفكر العربي وإعمال العقل سواء من طلابه أو من أوساط المثقفين.