نقصد بالإرهاب الرث ذلك الذى أسسه تنظيم داعش وهو إرهاب يفتقر للمعنى أو الفهم.. فكل عنف فى التحليل النهائى يحتاج لنوع من العقلنة.. لماذا تمارس العنف المروع ضد المدنيين؟ ماهى الأهداف من وراء ذلك؟ القاعدة مثلا.. تحدثت عن العدو البعيد واعتبرت أمريكا هى العدو الرئيسى لها باعتبار أنها فى الحقيقة هى من تستهدف عالم الإسلام بنهب ثرواته ودعم حكامه المستبدين وأنها من تجيش الجيوش وتحركها وتحتل بها بلدان العالم الإسلامى.. وكانت استراتيجية القاعدة تقول لأننا لا يمكننا أن نحارب أمريكا فى عقر دارها لبعد المسافة بيننا وبينها فإننا نقوم بعمليات ترغمها هى على المجىء هنا إلى عالمنا العربى والإسلامى لكى تكون قريبة من أيدى التنظيم.. وللأسف فإن أمريكا ابتلعت الطعم وغزت أفغانستان التى تعد أكبر مستنقع وأطول أزمة يواجهها الجيش الأمريكى.. فالحرب الأمريكية فى أفغانستان أطول من حربها فى فيتنام.. وتواجه أمريكا فى أفغانستان اليوم ليس فقط عدوها التقليدى هناك وهى طالبان وإنما أضيف إليها عدو جديد ينتمى لما أطلقنا عليه «الإرهاب الرث» هذا العدو هو تنظيم الدولة الإسلامية.. داعش.
وكذلك الحال فى العراق جاءت أمريكا بجيشها هناك فى وقت سطوة وحكم المحافظين الجدد مدعومين بالأصوليين الإنجليين، وكان مجيئها للعراق واحتلالها لبغداد عاصمة العباسيين وإسقاطها لنظام صدام حسين وحل جيشه وحزب البعث معا.. قام بتلك الجريمة بريمر أول حاكم أمريكى على العراق.. وهو ما فتح الباب واسعا لتحالف ضباط البعث مع تنظيم التوحيد والجهاد الذى قاده وقتها «أبو مصعب الزرقاوى» وتطور ذلك التحالف عبر ما عرف باسم «مجلس شورى المجاهدين» ثم الدولة الإسلامية فى العراق.. كان جيل أبو مصعب الزرقاوى وهو مواليد عام ١٩٦٦ مختلفا عن جيل أسامة بن لادن وهو من مواليد ١٩٥٧.. فقد كان جيل الزرقاوى هو من وضع الفسائل والبذور الأولى لما أشرنا إليه أنه «الإرهاب الرث» فهو اعتبر أن الشيعة العرب العراقيين هم العدو الرئيسى له وليس الولايات المتحدة الأمريكية وبدأ يستخدم المفخخات المروعة ضد قطاع من الشعب العراقى وهم الشيعة العرب فى العراق انتصارا وقتها لما اعتبره تحالفا إيرانيا شيعيا مع الولايات المتحدة الأمريكية لإزاحة أهل السنة عن حكم العراق وهم تقليديا الجماعة التى تحكمه منذ الملك فيصل فى العشرينيات.
توقفت القاعدة عن شن عمليات داخل العالم الإسلامى ومن ذلك مصر، لأن هذه العمليات تصيب مسلمين ومدنيين لا علاقة لهم بالصراع الدائر بينها وبين نظم الحكم.. ومن هنا كان اعتبارهم أن أمريكا هى العدو الأساسى لهم.. بصرف النظر عن صحة تلك التقديرات أو خطئها فإنها فى النهاية لها منطق وعقل ويمكن تفهمها.. أما الإرهاب الرث فهو ذلك الذى يمارسه تنظيم داعش الذى يحارب العالم كله.. ويحارب طوائف ومجموعات السنة التى لا تتفق مع رؤيته الخلاصية للعالم.. فهو يحارب كل التنظيمات والفصائل التى خرج منها هو نفسه والملاسنات الحادة بين الظواهرى أمير القاعدة وبين أبى محمد العدنانى المتحدث السابق باسم القاعدة والذى قتل فى غارة أمريكية.. تعكس الصراع على الزعامة حول من يكون الخليفة؟
أبو بكر البغدادى يرى نفسه خليفة المسلمين وأن على كل المسلمين فى العالم مبايعته، بينما لا يرى تنظيم القاعدة أن شروط الخلافة متوفرة فى الخليفة المزعوم ولا شروطها الموضوعية قائمة على الأرض..
ماهى سمات الإرهاب الرث؟
الجيل الجديد الذى يمارس الإرهاب الرث جيل يتبنى الإرهاب والعنف بالمعنى الاجرائى.. أى أنه يمارس العنف والإرهاب دون أن يكون هناك مبرر واضح ومفهوم لعملياته سوى إحداث أكبر قدر من النكاية والإنهاك والتنكيل فيمن يستهدفهم بإرهابه؟
الجيل الجديد الذى يمارس الإرهاب الرث هو جيل ليس له تاريخ معروف فى الحركات الإسلامية المتشددة، وإنما هو انتسب فجأة لتلك الحركات تعبيرا عن استجابة عاطفية وغرائزية بحثا عن القتل للقتل باعتباره عملا مثيرا يرى فيه الدم ويرى فيه الإنسان يتعذب ويرى فيه ضحاياه مجرد أدوات فى لعبة يمارسها من ألعاب الريموت.
الجيل الجديد الذى يمارس الإرهاب له سوابق جنائية.. فتقريبا القيادات التى نفذت عمليات باريس المركبة كانت له صحف جنائية وكانوا معروفين بسجلات جنائية قبل ارتباطهم بتنظيم داعش، كما هو الحال بالنسبة لعبد الحميد أبو عود، العقل المدبر لأحداث باريس والتى تم التخطيط لها من حى مولينبيك فى بلجيكا، وهو سافر إلى سوريا والعراق وحصل على تكليفات بتنفيذ عمليات فى أوروبا، والأمر نفسه بالنسبة لصلاح عبد السلام الذى كان يدير بارا فى بلجيكا وكان صديقا لعبدالحميد أبو عود.
الجيل الجديد الذى يمارس الإرهاب هو جيل خوارجى ضد العالم وضد الإنسان وضد العصر وضد الحضارة، ولذا فهو ينفذ عملياته فى أوربا وفى روسيا وفى تركيا ضد المدنيين.. فكل العمليات تقريبا هى ضد المدنيين وعادة ما يتم تنفيذ العمليات فى أوقات نهاية الأسبوع حيث يكون هناك أعداد كبيرة من المشغولين بالاحتفال وقضاء وقت سعيد فى نهاية أسبوع عمل، هنا فكرة الخوارجية التى يتسم بها الإرهابيون الذين ينتمون للإرهاب الرث لا تعنى معرفة بفكر الخوارج القديم وإنما تعنى تمردا وعدوانية وكراهية للعصر والعالم والحضارة.
الجيل الجديد الذى يمارس الإرهاب الرث ليس لديه معرفة بالدين أو تضلع فى علومه وإنما فقط يستخدمون الدين لتبرير جرائمهم البشعة، واستجابة لمجرد نداءات محفزة لقادة تنظيم داعش للقيام بتدمير الحضارة الغربية.
الجيل الجديد الذى يمارس الإرهاب يستخدم ما يمكنه من أدوات لتحقيق عنفه وإرهابه من أول الدهس بالسيارات كما حدث فى نيس، وكما حدث أمام مبنى البرلمان البريطانى من قبل «خالد مسعود»، كما يستخدم السكاكين لمهاجمة ضحاياه.
الإرهاب الرث فى مصر
كما تشير المعلومات فإن المجموعة التى نفذت عمليات الكنائس الثلاث هى مجموعة يقودها «عمرو سعد» وهو من قرية الشويخات بقنا.. وهو هارب ومعه ١٧ من المجموعة التى يقودها، بينما يُحاكم أمام المحاكم العسكرية المقبوض عليهم فى قضايا الكنائس الثلاث.. وبقراءة فى الخريطة الاجتماعية للشبكات التى يقودها عمرو سعد، نلحظ أنهم جميعا تقريبا من بلد واحد وأنهم تربطهم علاقة جيرة وصداقة ومصاهرة كما أنهم ينتمون لجيل واحد أغلبهم من جيل الثمانينيات والتسعينيات.. وهم أغلبهم تخرجوا من المدارس الصناعية المتوسطة.. وهم يتشابهون فى ذلك مع أعضاء التوحيد والجهاد الذى أسسه خالد مساعد فى سيناء.. قبل أن يصبح أنصار بيت المقدس.. أغلبهم تعليم متوسط.. وهذه أحد ملامح ما أطلقنا عليه أنه «إرهاب رث».
الإرهابى الرث لا يمارس عمله الإرهابى ضد الدولة التى يعتبرها دولة لا تحكم بالشريعة وفق مفاهيم الحاكمية.. ولكنه فى الصعيد يمارس بشكل أساسى عنفه وإرهابه ضد قطاع من مواطنيه مختلفين عنه فى الدين وهم المسيحيون.. وهذا جيل أكثر تدهورا وبؤسا مما عبر عنه «أبو مصعب الزرقاوى» بالتوجه بعنفه للشيعة فى العراق.. فهؤلاء يعتبرون المسيحيين هدفا لهم.. هم فى الحقيقة يريدون مس عصب حساس لدى النظام يؤلمه ولكن عن طريق مجموعات من المواطنين ليست لها علاقة بالصراع السياسى الدائر بين تلك المجموعات وبين النظام السياسى.. هو هنا يستخدم الإنسان كأداة فى الصراع لتحقيق أكبر قدر من الإيذاء لطرف آخر.
تشير التحقيقات إلى أن هذه المجموعة التى يقودها عمرو سعد لها علاقة بالأساس بمجموعات إرهابية فى لييبا أشاروا إلى أنها ولاية طرابلس، والعديد من المصريين موجودون فى ليبيا.. كما أن تنظيم داعش أرسل حين حوصر فى الموصل وبدأت الضربات توجه إليه بما لا يقل عن ٣٠٠ مقاتل لتأسيس موطئ قدم له فى ليبيا.. وهو ما يعنى أن هناك تهديدا للأمن القومى المصرى من مجموعات إرهابية غير عقلانية وهم قوة عمياء شبابية حين توفر لها السلاح والمال وعربات الدفع الرباعى فأنت تفتح على البلاد نذر خطر يحتاج لتفكير مختلف للتعامل مع ذلك الإرهاب الرث..
نحن بحاجة إلى اختراق هذه المجموعات فى عقر دارها حيث توجد.. بحيث يمكن نقل خططها والمعلومات عن تشكيلاتها وطبيعة علاقاتها وطرق تمويلها.. المعركة مع ذلك الإرهاب الرث هى معركة معلومات.. وفى نفس الوقت فإن الهاربين من تلك القضية يمثلون خطرا هائلا لا بد من ملاحقتهم والقبض عليهم.. لأن وجود عمرو سعد فى الخارج يعنى مزيدا من الشبكات والعمليات الإرهابية.. التحدى الأكبر الآن هو القبض على قائد المجموعة والهاربين منها ومعرفة من قام بالعملية الأخيرة التى استهدفت مواطنين مسيحيين متدينين.. أغلبهم من النساء والأطفال والفقراء.. ولم ينس الإرهابيون أن يحصلوا على ما كان مع ضحاياهم من أموال وذهب.. إنه نوع رخيص من الإرهاب ينتمى لما أطلقنا عليه «الإرهاب الرث» وذلك يحتاج لطريقة مختلفة فى التعامل معه.