رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


أهلاً رمضان

2-6-2017 | 15:33


بقلم : د. عبدالله النجار

أقبل شهر رمضان، وحل على الدنيا والوجود بخيره ونوره، وصومه وقرآنه، فأحدث فى القلوب بهجة، وفى النفوس سروراً، وأضاء فى الدنيا نوراً وسعادة يشعر بهما كل من يعيش أيام هذا الشهر الكريم ولياليه، بل ساعاته ودقائقه، فكل لحظة من أيامه تمثل حكاية متكاملة من السعادة لكل إنسان يعيش فى الكون، وقد بشر النبى - صلى الله عليه وسلم - الدنيا بهذا الفرح الرمضانى حين قال: "أيها الناس لقد أظلكم شهر كريم مبارك فرض عليكم صيامه وشرع لكم قيامه من تقرب فيه بخصلة من خصال الخير كان كمن تقرب بأضعافها فيما سواه"، ثم قال: "وهو شهر تصفد فيه الشياطين"، وقال: "من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه"، وقال: "من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه"، وقال: "من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه".

 وكما يبدو من مجمل هذا البيان النبوى الوارد فى تلك الأحاديث وغيرها، أن شهر رمضان يمثل تجسيداً لرحمة الله بخلقه، فهو يتيح فرصة لكل من يشهده صائماً قائماً مبتهلاً داعياً لربه راجياً عفوه وطالباً إحسانه، أن ينال ما يرجوه فى هذا الشهر الكريم، لأنه شهر الخير والإحسان والعتق من النار، وقد نوع الله عز وجل أبواب الخير وفرص الطاعة التى يمكن أن ينال فيها الصائم خير هذا الشهر، ما بين الصيام والقيام والصدقة وقراءة القرآن، بل والإحسان إلى الناس بكل ما يمكن أن يقدمه الإنسان من وجوه الإحسان ومن أهمها السلوك الطيب والخلق الرفيع.

نعم، إن السلوك الطيب والخلق الرفيع، وأدب التعامل مع الناس، كل ذلك يمثل نوعاً من القرب التى يتعبد الناس بها لربهم فى شهر رمضان، ويحصلون بحسن أخلاقهم ما لا يقل عما يحصلوه بصلاتهم وصيامهم، بل إن هذين الفرضين إذا انفصلا عن الخلق الرفيع والسلوك الطيب لا يكون لهما ثمرة، ولا للقيام بهما معنى، وصدق الله العظيم حين قال فى الصيام: "يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون"، وحين قال فى الصلاة: "إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر"، فجعل للصوم وللصلاة غاية سلوكية لا بد أن تظهر ثمرتها فى التعامل مع الناس، وهذه الثمرة هى الأخلاق الطيبة والسلوك الحميد، وفى خصوص الصيام بيّن النبى - صلى الله عليه وسلم - أهمية هذا المسلك الطيب، وهو السلوك الحميد، والقدوة الحسنة، والتحدث مع الناس بأسلوب لطيف مهذب، وذلك فى حديثه الصحيح: "الصوم جنة "أى ستر ووقاية من الذنوب "فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب، وإن أحد سابه أو شاتمه، فليقل إنى امرؤ صائم"، إن الإسلام لم يقبل فى الصوم أن يرد المعتدى عليه فى الإساءة بمثلها كما قال الله تعالى: "فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم"، ولكنه يطلب منه الصفح والعفو، وأن يتنازل عن حقه فى الرد رجاء ما عند الله، وليدفع السيئة بالحسنة، كما قال الله تعالى: "ولا تستوى الحسنة ولا السيئة ادفع بالتى هى أحسن، فإذا الذى بينك وبينه عداوة كأنه ولى حميم، وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم"، ولهذا بيّن النبى - صلى الله عليه وسلم - أن الإنسان فى الصوم إذا وقع عليه سباب أو شتم، فإنه يتعين عليه أن يصفح ويصبر، وأن يكتفى من أمره بقوله: "اللهم إنى صائم"، وهذا يدل على أن السلوك الرفيع، والأدب الكريم من أهم قربات هذا الشهر الكريم التى يجب أن يتعلمها الناس فيه، وأن يتزودوا بهذا السلوك القويم طوال أيام العام، حتى يكون شهر رمضان مدرسة حقيقية لتعليم الناس أدب التعامل وجمال السلوك وحتى ننظف حياتنا من السلوكيات الرديئة والتلوث السمعى أو اللفظى الذى يطفئ جمال الحياة، ويقوّض ما فيها من محبة ومودة وسكينة. بقى أن نبين معنى (تصفيد الشياطين) أو حبسها فى شهر رمضان، وما إذا كان ذلك الحبس حقيقياً فلا يكون للشياطين نشاط أو وجود فى شهر رمضان، أم أنه حبس معنوى، الواقع أن حبس الشياطين ليس على حقيقة، فإن لهم وجوداً ملموساً فى مواسم الطاعات ليصدوا الناس عن حسن القيام بها، كما أخبر القرآن الكريم عن الشيطان, وأنه يترقب مواسم الطاعات ليضل الطائعين فى قوله تعالى: "قال فبما أغويتنى لأقعدن لهم صراطك المستقيم"، فهو يقعد للناس فى كل صراط مستقيم ومنه الصوم، ومن ثم يكون معنى التصفيد أو الحبس أنه مغلول بما يبعثه الصوم فى قلب الصائم من قوة الإيمان التى يضعف أمامها الشيطان، فيكون كالمحبوس المغلول الذى لا يقدر على أن يفعل شيئاً مع الصائم، وذلك من بركات رمضان.