بينما خرج الرئيس الأمريكى ترامب ينذر «حماس» ويهددها بجحيم واسع، إذا لم تفرج فورًا عن كل المحتجزين الإسرائيليين فى غزة، كان مبعوثه الشخصى لشؤون الرهائن آدم بوهلر يلتقى مع قادة حماس ويتفاوض معهم حول إنهاء الحرب فى غزة!.. ليست هذه المفاجأة الوحيدة فقط، وإنما المفاجأة الأخرى الكبرى هى إعلان «بوهلر» أن تلك المفاوضات مع قادة حماس كانت مفيدة جدًا!.. ولعل هذا ما أزعج حكومة نتنياهو مرتين، المرة الأولى لأن أمريكا قبلت التفاوض مع «حماس» المدرجة فى قوائم المنظمات الإرهابية لديها، والتى تبغى الحكومة الإسرائيلية نسفها وإخلاء قطاع غزة من عناصره المسلحة وطرد قادته خارجه، وليس فقط إبعادها عن حكم القطاع، والمرة الثانية والتى كانت بمثابة الصدمة لنتنياهو عندما اعتبر مبعوث ترامب حول الرهائن أن مباحثاته مع قادة حماس كانت مفيدة جدًا.
فعندما عرفت إسرائيل بأمر هذه المفاوضات الأمريكية المباشرة مع قادة حماس كانت تتطلع لفشلها لتظل أمريكا تصطف إلى جانبها وتبقى المواقف الأمريكية تتطابق مع المواقف الإسرائيلية، لكن ذلك لم يحدث وخرج بوهلر ليشير إلى إمكانية التوصل إلى شيء ما أو اتفاق بخصوص الإفراج عن جميع الرهائن المحتجزين فى غزة، وليس الأمريكيون فقط.. والأكثر من ذلك رد على الضيق الإسرائيلى للمباحثات الأمريكية المباشرة مع قادة حماس بالاكتراث أو الاهتمام، عندما قال فى تصريحات علنية: نحن الولايات المتحدة.. نحن لسنا عملاء لإسرائيل.. لدينا مصالح محددة فى اللعبة.. ما أردت إنجازه هو بدء بعض المفاوضات التى كانت فى وضع هشّ للغاية، وأردت أن أقول لحماس ما الغاية التى تريدون الوصول إليها، لقد أردت تحديد الغاية النهائية للحركة بهدف إنهاء القتال.
وبما أن بوهلر رأى أن مباحثاته مع قادة حماس كانت مفيدة جدا، فإنه ظفر بما يريده، وعرف أن حماس تريد وقف القتال وإنهاء الحرب وانسحاب قوات الاحتلال من أراضى القطاع كلها، وأنها باتت مستعدة للتخلى عن حكم القطاع الذى حددت الورقة المصرية لإعمار القطاع أن يكون للجنة من التكنوقراط وليست فصائلية لنحو ستة أشهر التى تستغرقها عملية التعافى، التى تقضى بتوفير منازل جاهزة وخيام ليعيش فيها أهل غزة حتى يتم إنجاز إعمارها، ثم تتولى السلطة الفلسطينية إدارة شؤون القطاع بعد تدريب عناصر الأمن فى مصر والأردن.
ولعل تصريحات بوهلر حول مباحثاته مع قادة حماس تتماهى وتتماشى مع تصريحاتهم عن هذه المباحثات، فهذه التصريحات تشى بإمكانية حدوث حلحلة فى مباحثات تثبيت اتفاق وقف إطلاق النار فى القطاع، والانتقال إلى تنفيذ مقتضيات المرحلة الثانية منه، التى تقضى بالوقف الدائم لإطلاق النار، والانسحاب الكامل لقوات الاحتلال من القطاع، والإفراج عن كل المحتجزين الإسرائيليين فيه، والبدء فى إعمار القطاع دون تهجير أهله.
غير أن واشنطن إزاء مماطلة حكومة نتنياهو فى بدء مفاوضات المرحلة الثانية من اتفاق غزة خشية أن تتعرض للانهيار والسقوط -فكرت فى طرح مشروع اتفاق جديد للقفز فوق المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار ذى المراحل الثلاث.. وهذه الأفكار لم تعلن عنها واشنطن علنًا وصراحة وإنما تركت لإسرائيل الحديث عنها.. وتتراوح هذه الأفكار ما بين تمديد الهدنة الحالية لفترة محددة جديدة مقابل الإفراج عن عشرة من المحتجزين الأحياء وجثامين المحتجزين الذين قُتلوا، وما بين الإفراج عن كل المحتجزين مع تثبيت وقف إطلاق النار فترة أخرى من الوقت.
وحماس تقبل عقد صفقة شاملة للإفراج عن بقية المحتجزين فى غزة وأعلنت ذلك، ولكنها ترى أنه فى ذات الوقت يستلزم وقفًا مستدامًا لإطلاق النار، وإنهاءً للحرب، وانسحاب قوات الاحتلال من كل أراضى القطاع. وتتبنى القاهرة -كما أعلنت أكثر من مرة- ضرورة تنفيذ اتفاق غزة كاملًا بكل مراحله، وأن تصبّ أية مقترحات أمريكية جديدة فى إطار الوقف الدائم للقتال، والإنهاء الكامل للحرب، ثم الشروع فى إعادة إعمار القطاع طبقًا للخطة المصرية التى صارت عربية بعد القمة العربية، وهى الخطة التى لاقت قبولًا أوروبيًا عبّرت عنه كل من فرنسا وألمانيا وإيطاليا، وقبولًا أمميًا عبّر عنه الأمين العام للأمم المتحدة.
وفى هذا المناخ تصل وفود مصرية وأمريكية وإسرائيلية للدوحة لاستئناف مفاوضات اتفاق وقف إطلاق النار، وسوف ينضم إليهم ويتكوف، مبعوث ترامب للشرق الأوسط، لإجراء مباحثات مكثّفة للتوصل إلى اتفاق فى نهاية المطاف، مدعومًا بما تشى به تصريحات زميله مبعوث الرهائن من بعض التفاؤل، فى إمكانية التوصل إلى اتفاق يقضى بالإفراج عن كل المحتجزين فى غضون أسابيع، وهذا سبب جديد لانزعاج حكومة نتنياهو مما حدث بين «حماس» وواشنطن.
