رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

«أخلاقنا المحمدية» الحياء.. حال أهل الله


14-3-2025 | 16:49

.

طباعة
بقلـم: د. محمد عبد الرحيم البيومى

زاد الله كلمة الحياء تشريفًا وتعظيمًا، فقد اجتمع فيها شرف المنزلتين: شعبة إيمانية ضابطة لكل الشعب، وخلق نبوى هو شمس الأخلاق ونبراسها. الحياء يرتقى بك من مقام إلى مقام ومن حال إلى حال، فإذا كنت فى مقام الإسلام فلكل دين خلق، وخلق الإسلام الحياء، وإذا ارتقيت إلى مقام الإيمان، فالحياء والإيمان قرينان جميعًا، والحياء شعبة من الإيمان. أما عن مقام الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه وإن لم تكن تراه فإنه يراك، فبابه هو الحياء من الله. فالحياء هو حال أهل الله، تستشعر فيه انقباضًا للنفس، وتزكية للروح، وإحياء للضمير، ومرضاة للرب، وسموًا للأخلاق، وتركًا لثقافة الفحش، ودفعًا للتبرج والسفور، وحائطًا صادًا أمام الرذيلة والعرى، حتى لا ينطبق عليك الوعيد النبوى (إذا لم تستحى فافعل ما شئت). ومن جميل صنعك أن الحياء صفة من صفات الله (فالله حيى كريم يستحى إذا رفع العبد إليه يديه أن يردهما صفرًا خائبتين). ألم تر هذا الوصف للجمال المحمدى (أشد حياء من العذراء فى خدرها)؟

أليس نتاج التطبيق العملى لخلق الحياء هذا النيشان المحمدى الذى تقلده عثمان رضى الله عنه (ألا استحى من رجل تستحى منه الملائكة)؟

 

أيها الشاب، اجعل درب حياتك يوسفى الطهر، مريمى النقاء، موسوى غض البصر، محمدى الحياء، وانقش بماء الحياء والعفة على قلبك (إنه ربى أحسن مثواي)، واجعل لسانك رطبًا بهذا الدعاء الترياق (اللهم ارزقنى الهدى والتقى والعفاف والغنى). أيها الشاب، لماذا تفقد رصيد إيمانيتك عند أول نظرة حرام؟ لماذا تذهب لذة الأنس والقرب من ربك، بسبب مشهد خارج أو صورة ماجنة أو إدمان لموقع إباحى تعطيك لذة مؤقتة بعدها عذاب مستمر للروح والبدن؟ هل هذه حياة تستحق أن توصف بوصف حياة؟

 

تذوق هذا الحال حينما تعرض عليك علاقة غير شرعية مقرونة بحب زائف وقلب يتألم. أن تتنفس حياء وتردد (اللهم ارزقنى حبك وحب من أحبك وحب كل عمل يقربنى إليك)، لتكن يوسف عصرك، فتُعرض عليك الفتن، وتغرق حولك الشهوات، وتنهار أمامك النزوات ومحرم العلاقات، ولا تملك إلا أن تدعو وتقول (رب الانقطاع إليك والوقوف على بابك، أحب إلىّ مما يدعوننى إليه) فيتحقق فيك مراد ربك (كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء). فحياؤك لا يأتى إلا بخير، وحياؤك كله خير، فهو منحة إلهية ومثوبة ربانية تجعلك خاليًا من العيوب، وقد تلقاك الناس بالقبول. فهو باب التقوى الذى يفتح به بركات من السماء والأرض، واهديك هذا الإكرام الإلهى لموسى عليه السلام، وقد تجلى فى زوجة صالحة، وإقامة طيبة، وعقد عمل، وطمأنينة، وأمان، والذى لم يكن وليد صدفة بل عاقبة حياء وعفة (إنى أريد أن أنكحك إحدى ابنتى هاتين على أن تأجرنى ثمانى حجج، فإن أتممت عشرا فمن عندك).

 

واقتبس أيضًا من هذا المشهد مشية حياء، وكلمة حياء لدرة مصونة، ولؤلؤة مكنونة، زادها الله عفة، وأعطاها الله شرف الزواج بكليم الله، لترى الشهود والأنس، لتكون الرسالة واضحة لبناتنا: ألم يحن الوقت بعد لكى تعشن أحوال زوجات الأنبياء وأمهات المؤمنين؟ حياء وحجاب وطهر ونقاء (يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ) أم تبقى ثقافة التيك توك والتريند حاضرة تنشر الفحش وتنهش فى جسد الأمة وثقافة الوطن، وقد تحقق صدق البيان النبوى (إذا لم تستحى فاصنع ما شئت).

 

ومن جميل ما كان يعلمه سهل التسترى تلك الكلمات (الله ناظري.. الله شاهدي.. الله حسبي... الله مطلع علىّ). لماذا لا نعلم شبابنا وبناتنا تلك الكلمات لنشر ثقافة وتربية (ألم يعلم بأن الله يرى) فى إسعاف عاجل لجيل مظلوم؛ بسبب هذا الطوفان التكنولوجى من تطبيقات تفتح الباب أمام محادثات محرمة، ومواقع مشبوهة، وصفحات إباحية، وقمار إلكترونى، وشهوة وشراهة أمام «التريند» وتحقيق أعلى المشاهدات؟

 

نحن لا نحتاج إلى برامج للرقابة الأسرية على مواقع التواصل على الشبكة العنكبوتية، بقدر ما نحتاج إلى تعظيم تلك الآية فى جينات الدم عند هذا الجيل المظلوم (ألم يعلم بأن الله يرى).. فهذا هو معنى الحياء التطبيقى.

 

لتكن جلسات المصارحة والصداقة بين الوالدين والأبناء حاضرة، ليكن الحياء منهجًا وفلسفة حياء ليكون هذا المعنى حاضرًا (ولكم فى الحياء حياة)، اللهم ارزق شبابنا عفة يوسف عليه السلام وبناتنا طهارة مريم عليها السلام، وجملهن بالحياء، واجعل شعارهن الاقتداء بفاطمة الزهراء.