رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

علَّمن العالم أمُّ سلَمة صاحبة الرأى الراجح


15-3-2025 | 17:48

.

طباعة
بقلـم: د. محمد عبد الله فايد

كانت السيدة أم سلمة من أعقل وأحكم نساء الإسلام، عُرفت بفقهها ورجاحة عقلها، وكان لها دور كبير فى الدعوة الإسلامية. وهذا جانب من سيرتها العطرة، فهى: أُمُّ المُؤْمِنِيْنَ، هِنْدُ بِنْتُ أَبِى أُمَيَّةَ بنِ المُغِيْرَةِ المَخْزُوْمِيَّةُ، بِنْتُ عَمِّ خَالِدِ بنِ الوَلِيْدِ. وأُمُّهَا: عَاتِكَةُ بِنْتُ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ جَذِيمَةَ، وكانت أُمُّ سَلَمَةَ ممن أسلمَ قديمًا هى وزوجها أبو سَلَمَة، وهو عَبْدُاللَّهِ بْنُ عَبْدِالأَسَدِ، وَأُمُّهُ بَرَّةُ بِنْتُ عَبْدِالْمُطَّلِبِ بْنِ هِشَامِ بْنِ عَبْدِمَنَافِ بْنِ قُصَّىٍ.

لقد أسْلَمَ زَوْجُهَا أَبُو سَلَمَةَ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَارَ أَرْقَمَ بْنِ أَبِى الأَرْقَمِ، وَقَبْلَ أَنْ يَدْعُوَ فِيهَا، وَكَانَ أَبُو سَلَمَةَ مِنْ مُهَاجِرَةِ الْحَبَشَةِ فِى الْهِجْرَتَيْنِ جَمِيعًا وَمَعَهُ امْرَأَتُهُ أُمُّ سَلَمَةَ بِنْتُ أَبِى أُمَيَّةَ فِيهِمَا جَمِيعًا، فولدت له سَلَمَةَ هناك، ثم قدما مكة وهاجرا إلى المدينة، فولدت له عُمَر، وَزَيْنَب، وَدُرَّة، وأولادها كلهم صحابيون.

 

وكانت السيدة أُمُّ سَلَمَةَ تُعد مِن فقيهات الصحابيات، روت أُمُّ سَلَمَةَ ثَلاَثَمائَةٍ وَثَمَانِيَةٍ وَسَبْعِيْنَ حَدِيْثًا، وَاتَّفَقَ البُخَارِى وَمُسْلِمٌ لَهَا عَلَى ثَلاَثَةَ عَشَرَ، وَانْفَرَدَ البُخَارِى بِثَلاَثَةٍ، وَمُسْلِمٌ بِثَلاَثَةَ عَشَرَ.

 

ورَوَى عَنْهَا: سَعِيْدُ بنُ المُسَيّبِ، وَشَقِيْقُ بنُ سَلَمَةَ، وَالأَسْوَدُ بنُ يَزِيْدَ، وَالشَّعْبِيُّ، وَأَبُو صَالِحٍ السَّمَّانُ، وَمُجَاهِدٌ، وَنَافِعُ بنُ جُبَيْرِ بنِ مُطْعِمٍ، وَنَافِعٌ مَوْلاَهَا، وَنَافِعٌ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ، وَعَطَاءُ بنُ أَبِى رَبَاحٍ، وَشَهْرُ بنُ حَوْشَبٍ، وَابْنُ أَبِى مُلَيْكَةَ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ.

 

وتزوج النَّبِى صلى الله عليه وسلم بأم سلمة فِى سَنَةِ أَرْبَعٍ مِنَ الهِجْرَةِ، وَكَانَتْ مِنْ أَجْمَلِ النِّسَاءِ وَأَشْرَفِهِنَّ نَسَبًا؛ عن عُمَرَ بْنَ أَبِى سَلَمَةَ قَالَ: لَمَّا انْقَضَتْ عِدَّةُ أُمِّ سَلَمَةَ خَطَبَهَا أَبُو بَكْرٍ فَرَدَّتْهُ، ثُمَّ خَطَبَهَا عُمَرُ فَرَدَّتْهُ، فَبَعَثَ إِلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: مَرْحَبًا بِرَسُولِ اللَّهِ وَبِرَسُولِهِ، أَخْبِرْ رَسُولَ اللَّهِ أَنِّى امْرَأَةٌ غَيْرَى وَأَنِّى مُصْبِيَةٌ (أى ذات أولاد صغار)، وَأَنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ مِنْ أَوْلِيَائِى شَاهِدٌ، فَبَعَثَ إِلَيْهَا رسول الله: أَمَّا قَوْلُكِ: إِنِّى مُصْبِيَةٌ فَإِنَّ اللَّهَ سَيَكْفِيكِ صِبْيَانَكِ، وَأَمَّا قَوْلُكِ: إِنِّى غَيْرَى فَسَأَدْعُو اللَّهَ أَنْ يُذْهِبَ غَيْرَتَكِ، وَأَمَّا الأَوْلِيَاءُ فَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْهُمْ شَاهِدٌ وَلا غَائِبٌ إِلا سَيَرْضَانِي، قَالَتْ: يَا عُمَرُ (ابنها)، قُمْ فَزَوِّجْ رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَمَا إِنِّى لَا أَنْقُصُكِ شَيْئًا مِمَّا أَعْطَيْتُ أُخْتَكِ فُلَانَةَ رَحَيَيْنِ وَجَرَّتَيْنِ، وَوِسَادَةً مِنْ أَدَمٍ، حَشْوُهَا لِيفٌ».

 

كما كانت أُمُّ سَلَمَةَ على علاقة طيبة بجميع أزواج النبى صلى الله عليه وسلم؛ حتى إنهن كُنَّ يرسلنَ أُمَّ سَلَمَةَ لكى تتحدث نيابةً عنهنَّ عند النبى صلى الله عليه وسلم؛ روى البخارى عن عُروةَ بنِ الزبير، قَالَ: كَانَ النَّاسُ يَتَحَرَّوْنَ بِهَدَايَاهُمْ يَوْمَ عَائِشَةَ قَالَتْ عَائِشَةُ: فَاجْتَمَعَ صَوَاحِبِى إِلَى أُمِّ سَلَمَةَ، فَقُلْنَ: يَا أُمَّ سَلَمَةَ، وَاللَّهِ إِنَّ النَّاسَ يَتَحَرَّوْنَ بِهَدَايَاهُمْ يَوْمَ عَائِشَةَ، وَإِنَّا نُرِيدُ الْخَيْرَ كَمَا تُرِيدُهُ عَائِشَةُ، فَمُرِى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَأْمُرَ النَّاسَ أَنْ يُهْدُوا إِلَيْهِ حَيْثُ مَا كَانَ أَوْ حَيْثُ مَا دَارَ، قَالَتْ: فَذَكَرَتْ ذَلِكَ أُمُّ سَلَمَةَ لِلنَّبِى صلى الله عليه وسلم قَالَتْ: فَأَعْرَضَ عَنِّي، فَلَمَّا عَادَ إِلَى ذَكَرْتُ لَهُ ذَاكَ، فَأَعْرَضَ عَنِّي، فَلَمَّا كَانَ فِى الثَّالِثَةِ، ذَكَرْتُ لَهُ فَقَالَ: يَا أُمَّ سَلَمَةَ، لَا تُؤْذِينِى فِى عَائِشَةَ، فَإِنَّهُ وَاللَّهِ مَا نَزَلَ عَلَى الْوَحْى وَأَنَا فِى لِحَافِ امْرَأَةٍ مِنْكُنَّ غَيْرِهَا؛».

 

ولقد كانت أم سلمة قدوة لنساء الصحابة فى الأخلاق، العبادة، والعبودية لله، كما كان النساء يلجأن إليها للتعلم والاستفسار عن أحكام الطهارة والزواج، وكانت تشرح وتُبيّن الأحكام الخاصة بالمرأة فى الإسلام؛ لذا قالت السيدة عائشة رضى الله عنها فى حقها: «ما رأيت أحدًا كان أكثر علمًا وورعًا وأقربَ إلى النصح والإصلاح من السيدة أم سلمة».

 

وكانت أيضًا صاحبة مشورة راجحة يوم الحديبية، كان دليلاً على حكمة السيدة أم سلمة وفهمها العميق لطرق الدعوة إلى الله، وكيفية التعامل مع المواقف الصعبة؛ لذا كان الصحابة يطلبون مشورتها فى الأمور الشرعية، بل وكانوا يثقون فى علمها وتفسيرها للأحكام، مما جعلها مصدرًا رئيسيًا فى نشر الدعوة الإسلامية من خلال تعليمها للآخرين.

 

ولقد كانت السيدة أُمُّ سَلَمَةَ رضى الله عنها آخِرَ مَنْ مَاتَ مِنْ أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِيْنَ، عُمِّرَتْ حَتَّى بَلَغَهَا مَقْتَلُ الحُسَيْنِ الشَّهِيْدِ، فَوَجَمَتْ لِذَلِكَ، وَغُشِى عَلَيْهَا، وَحَزِنَتْ عَلَيْهِ كَثِيْرًا، لَمْ تَلْبَثْ بَعْدَهُ إِلاَّ يَسِيْرًا، وَانْتَقَلَتْ إِلَى اللهِ تعالى، توفيت أُمُّ سَلَمَةَ سنة إحدى وستين من الهجرة فى خلافة يزيد ين معاوية، عَاشَتْ أُمُّ سَلَمَةَ نَحْوًا مِنْ تِسْعِيْنَ سَنَةً.

 

وهكذا كانت السيدة أم سلمة رضى الله عنها كانت من أكبر دعاة الإسلام فى زمنها، حيث قدمت النصيحة والمشورة، وكانت مرجعية علمية فى الفقه، كما كان لها دور محورى فى نشر الدعوة بين النساء، وتوجيه الصحابة، وكان لها دور كبير فى معالجة العلاقات الاجتماعية بين الصحابة، بما فى ذلك حل النزاعات الصغيرة والمشاكل العائلية، من خلال مشورتها وحكمتها، مما عمل على تعزيز وحدة الصحابة حول رسالة الإسلام.

 

رَحِمَ اللهُ تعالى السيدة أُمَّ سَلَمَةَ رحمةً واسعةً، وجزاها عن الإسلام خير الجزاء، وآخر دعوانا أن الحمدُ لله رب العالمين، وصلى اللهُ وسلم على نبينا محمدٍ، وعلى آله، وصحبه، والتابعينَ لهم بإحسان إلى يوم الدين.