«عرين أنثى».. تفترش داخل فخ عينيها شهوات المتعة والخديعة لاصطياد شبل ضمن قطيع النزوات.. هكذا أوجز صُناع فيلم «شباب امرأة» الذى يعد ضمن قائمة أهم 100 فيلم فى تاريخ السينما المصرية بناء على اختيار النقاد لهذه القائمة.. تم إنتاج هذا الفيلم عام 1956 للكاتب أمين يوسف غراب، وإخراج مخرج الواقعية الراحل صلاح أبو سيف فى محاولة منهما لاستعراض الصراع ما بين انتصار غريزة الجنس الممثلة فى شخصية «شفاعات» التى لعبتها باقتدار الراحلة تحية كاريوكا، وبين قصة الحب العفيف التى جمعت الشاب الريفى «إمام بلتاجى» وحبيبته «سلوى» ابنة أحد أقاربه،
ورغم انتصار الغريزة فى بدء الأمر على عفة القلب «الحب»، إلا أن هذا الفيلم الذى ارتبط به المصريون بحالة من العشق للحوار الذى كتبه الراحل السيد بدير، معتمدًا على بعض صور التورية التى تربط ما بين البطل «سى إمام» و»بغل طاحونة سرجة الست شفاعات» ما زال متربعًا على عرش وجدانهم، لكننا فوجئنا بالإعلان خلال الماراثون الرمضانى عن تقديم مسلسل يحمل الاسم نفسه بطولة النجمة غادة عبدالرازق التى أراها قد أهدرت بأدائها المفتعل قيمة هذا الفيلم الذى يعد من أهم كلاسيكيات السينما العربية، وليست المصرية فحسب.
لا أبالغ إذا وصفت هذا المسلسل بأنه أشبه بالشروع فى قتل «تحية كاريوكا شفاعات رمز الرغبة وبطلة الأنوثة والخيال» على يد غادة عبدالرازق ورفاقها من صُناع هذا المسلسل المشوّه بسبب سفه الإفلاس الفنى الذى يظهر جليًا فى إطاحة هذا المسلسل بجماليات هذا الفيلم المحفور فى ذاكرة المصريين.. لم أكن أتخيل أن أحدًا سيجرؤ فى يوم ما على المساس بفيلم يتمتع بقدسية تحديه للنسيان، آفة كل الأزمان، مثل فيلم «شباب امرأة».
أرى أن أداء غادة عبدالرازق لشخصية «شفاعات» لم يجعلها توفّق فى الإمساك بتلابيب شخصية «شفاعات» فجعلتها تتحول إلى «الست سخافات»، فمن الواضح أن المؤلف محمد سليمان عبدالمالك قام بتفصيل أحداث مسلسله لكى يتناسب مع أهواء غادة عبدالرازق مدعيًا أنه يقدمه برؤية فنية تتواكب مع معطيات هذا العصر ما جعل أحداثه تعجّ بالمزيد من الإسفاف، ما جعلنى أيضاً أتساءل مثل جموع المصريين: ما الضرورة التى جعلت صُناع هذا المسلسل الفجّ يرتكبون كل هذه الجرائم فى حق «شفاعات» أسطورة الرغبة والهوى «تحية كاريوكا»؟ ما الداعى الذى جعلهم يشوّهون هذا الفيلم الذى ما زال الجميع ينتظر موعد إذاعته حتى الآن بشغف شديد؟
فمن أهم المآخذ التى سقط فيها المؤلف هى إقحامه لبعض الشخصيات بالمسلسل ما تسبب فى تشتت الجمهور، خاصة أن أمين يوسف غراب الكاتب الأصلى لهذه الرواية ركز على قصة غواية البطلة لشاب ريفى، ولم يتطرق لمثل هذه القصص الواهية التى لا تسمن ولا تغنى من جوع، بيد أن المؤلف أراد أن يمطّ أحداث هذا المسلسل بإضافة تفاصيل لا تضيف لأبعاده الدرامية أى شيء غير كونها تمثل نوعًا من العبث الذى نشاهده فى كل ليلة مثل طلاق خادمة شفاعات من زوجها، والصراع بينهما، وقصة الحب التى تجمع شخصية «سلوى» بالمعيد داخل كليتها، فكل هذه الأمور جعلت من هذا المسلسل نوعًا من المسخ الذى ليس له أى مبرر، غير أن القائمين عليه يتعاملون معه على أساس أنه «أكل عيش أو سبوبة».
بالإضافة إلى أن الصراع داخل المسلسل تحول إلى صراع مادى ما بين «شفاعات» والحاج «مدبولى»، تلك الشخصية التى اختلقها المؤلف دون داعٍ سوى إقحام المتفرج فى «حواديت» أضرت بسياق العمل الفنى، فضلًا عن كونه أراد إضفاء طابع بوليسى باهت على مسلسله، حيث فاجأنا فى الحلقة الخامسة بأن «الست شفاعات» عفوًا أقصد «الست سخافات» قد قُتلت على يد مجهول لتبدأ أحداث المسلسل فى كل حلقة باستدعاء وكيل النيابة لأحد المشتبه فيهم لكى يستجوبه، ما جعل المسلسل يتطرق للأحداث بنظام «الفلاش باك»، فترتب على ذلك إصابة المشاهدين له بحالة من فقدان المتعة أثناء متابعتهم لحلقاته التى يشوبها المط والتطويل والملل.
بالإضافة إلى أن المؤلف شرع فى تقديم هذا المسلسل بأسلوب الدراما المقلوبة أو بمعنى أدق أنه اقتبس قصة مقتل «شفاعات» على غرار فيلم «المذنبون» الذى سبق أن قدمته النجمة الكبيرة سهير رمزى فى عام 1975، تأليف الأديب العالمى نجيب محفوظ، وإخراج سعيد مرزوق.
علاوة على أن هذا المسلسل قدم لنا شخصياته الرئيسية مثل «شفاعات وإمام وحسبو» بشكل مهلهل دراميًا، حتى عندما أراد المؤلف أن تتواكب أحداث مسلسله مع واقع عام 2025 باستبعاده ظهور «بغل السرجة» من الأحداث الذى كان يحل أزمة لأمين يوسف غراب بالتصريح ببعض المعانى والكلمات بإسقاطها عليه بطابع كوميدى رافعًا شعار «الحدق يفهم».
كل هذه الأمور جعلتنى أتساءل أثناء مشاهدتى لهذا المسلسل الممسوخ من فيلم أمين يوسف غراب: لماذا احتفظ مؤلفه محمد سليمان عبدالمالك بعنوان «شباب امرأة» ما دام أنه أراد أن يشوّه هذا الفيلم باستبداله لبعض الرموز الجوهرية به مثل «بغل الست شفاعات» وامتلاكها سيارة مرسيدس، وتغيير نشاطها التجارى من كونها صاحبة سرجة إلى كونها تمتلك محلا لتجارة الموبيليا؟ أعتقد أنه كان من باب أولى له أن يقدم هذا المسلسل بعنوان آخر دون المساس بفيلم «شباب امرأة»، حتى لا يتسلل الشعور بالسخط عليه لدى الجمهور.
الأعجب من ذلك أن مخرج المسلسل لم يفلح هو الآخر فى اختيار ممثليه خاصة فى اختياره لبعض الوجوه الشابة التى ظهرت فى هذا المسلسل لكونها تفتقد الحضور والموهبة ومنهم داليا شوقى التى تلعب دور الفنانة الكبيرة «شادية»، حيث يغلب على أدائها نوع من الفتور، كما أن ظهور حسن أبو الروس فى شخصية «عجوة» الذى يعمل نبطشيًا فى الأفراح ليس له أى مبرر لكى تربطه صداقة بـ«الدكتور إمام».
أما فيما يخص أداء النجمة غادة عبدالرازق لدور «شفاعات» فحدّث ولا حرج، حيث استشعرت من خلال أدائها المفتعل أنها تقلد النجمة الكبيرة نادية الجندى فى فيلم «وكالة البلح» الذى قدمته فى عام 1982 للأديب العالمى أيضًا نجيب محفوظ والمخرج الكبير الراحل حسام الدين مصطفى، بل إن استعراض غادة عبدالرازق لكمّ العباءات التى تظهر بها ضمن أحداث هذا المسلسل جعلنى أراه أنه بمثابة عرض أزياء لملابسها لكى تضفى نوعًا من الإبهار على أدائها المفتعل لشخصية «شفاعات» إلى جانب استخدامها لبعض الإفيهات المتدنية؛ مثل: «أنا عاملة عملية وشايلة الحنية» ومنحها لوالدة إمام لقب «طنط» ما أضفى على أدائها طابعا هزليا، خاصة أنها تقدم إلينا يوميًا وصلة ردح بنبرة صوتها الصاخب، كما أن الشكل العام لشخصية «شفاعات» بهذا المسلسل عرّضها لانتقاد نساء الأحياء الشعبية، لأن غادة عبد الرازق ترتدى غوايشها الذهبية فوق أكمام عباءاتها بشكل مقزز يتنافى مع طبيعة زينة هؤلاء النساء.
كما أن أداء الفنان الكبير محمد محمود المصطنع لشخصية «حسبو» جعله يدخل فى مقارنة ليست فى صالحه مع العملاق شيخ الممثلين «عبدالوارث عسر» الذى جسّد هذه الشخصية بحرفية أدائه لها وتنوعه ما بين الطابع الكوميدى بإسقاطاته والتراجيدى بنصيحته لـ«إمام بلتاجى» بضرورة ابتعاده عن ممارسة الرذيلة مع «شفاعات»، بمقولته الخالدة بأن «مَن جار على شبابه جارت عليه شيخوخته».
بينما جسده الفنان محمد محمود بحالة من التوهان التى باتت السمة الرئيسية لأبطال هذا المسلسل.
