على ما يبدو أن إسرائيل على وشك حركة ضخمة من العصيان العسكرى والمدنى، إذ أعلن ما يقرب من 250 جنديًّا احتياطيًّا من وحدة الاستخبارات النخبوية 8200 فى الجيش الإسرائيلى دعمهم لطيارى سلاح الجو الإسرائيلى الذين دعوا أخيراً إلى إنهاء الحرب فى غزة وانضم إليهم سلاحا البحرية والمدرعات، كما انضم على المستوى المدنى عدد من الأطباء داعمين مطالبات أهالى الأسرى بضرورة وقف الحرب وإبرام صفقة تبادل تعيد أبناءهم من قبضة حماس.
بدأت الدعوات الرافضة لاستمرار الحرب بمجموعة من حوالى 1000 جندى من جنود الاحتياط وقدامى المحاربين فى سلاح الجو الإسرائيلى، غالبيتهم العظمى متقاعدون، والذين نشروا رسالة يطالبون فيها رئيس الوزراء بإنهاء الحرب وإعطاء الأولوية إلى الأسرى العالقين فى مناطق القصف بالقطاع، بدلًا من إعطاء الأولوية لمصالحه الشخصية ومجده السياسى. وفى أول رد للجيش على الرسالة التى أطلق عليها نتنياهو، مسمى «وثيقة العصيان»، أعلن عن قرار تسريح كل من شارك فى التوقيع على الرسالة ممن لا يزالون فى الخدمة، ووفقًا لما أوردته صحيفة تايمز أوف إسرائيل، فإنه لا يزال نحو 60 من أصل ألف جندى فى سلاح الجو الإسرائيلى جنود احتياط عاملين، وقد أعلن سلاح الجو الإسرائيلى أنه سيُفصلهم. ورغم قرار الجيش الذى فسره بعدم أحقية استخدام شعار الجيش فى الحركات الاحتجاجية، وقع عدد من جنود سلاحى البحرية والمدرعات على «رسالة القبطان» التى تضم صوتها إلى رسالة الطيارين.
وفى تعليق لـ«المصور»، أكد الدكتور أشرف الشرقاوى، أستاذ اللغة العبرية والدراسات الإسرائيلية، أن خطاب الطيارين الشهير الذى أرسله نحو ألف طيار من الجيش الإسرائيلى إلى رئيس الوزراء أدى إلى تداعيات لم تكن متوقعة إلى حد كبير، إذ انضم إلى الطيارين فى خطابهم الاحتجاجى مئات من جنود المدرعات ومن جنود الإدارة الطبية فى الجيش، ثم لحق بهم مئات من ضباط المخابرات السابقين من الوحدة 8200 الشهيرة ذات السمعة السيئة، وانضم إليهم أخيرًا نحو ألفان من أعضاء هيئة التدريس فى الجامعات الإسرائيلية المختلفة. ويجمع المشاركون فى هذه الخطوة الاحتجاجية على أن حكومة نتنياهو اليمينية تحاول العمل على استمرار الحرب لتحقيق أهدافها السياسية، وعلى رأسها الأهداف السياسية لرئيس الحكومة نفسه، وليس لتحقيق الأهداف المعلنة للحرب.
وأوضح «الشرقاوى»، أن الحرب فى اعتقادهم، أو الضغط العسكرى كما يحلو لنتنياهو وأعضاء حكومته كما يصفونه، لن يكون سببًا فى الإفراج عن الأسرى الإسرائيليين فى غزة، وهو أحد أهم أهداف الحرب المعلنة، بل على العكس ربما يتسبب فى مصرعهم أو مصرع بعضهم على الأقل، بنيران صديقة، كما حدث عدة مرات خلال الحرب. وأضاف: «لن تفلح الحرب فى القضاء على حركة حماس، وهو الهدف المعلن الثانى للحرب، وذلك لأن حماس فى رأيهم - وهذا واقع - هى حركة قائمة على عقيدة. والعقائد لا تموت. فحتى لو تمكنت إسرائيل من إبادة كل مقاتلى حماس والحركات التحررية الأخرى، وبقى شخص واحد غير مقاتل وغير مشارك مع حركات التحرر مطلقًا، ويؤمن بالمعتقدات نفسها، فسيعيد بناء الحركة حتى لو كان هذا تحت اسم آخر».
وتابع «الشرقاوى»، كاشفًا عن أن خلاصة تلك المعضلة أن المحتجين الإسرائيليين، الذين أصبح عددهم يقدر بالآلاف خلال بضع ساعات من إعلان خطاب الطيارين، يطالبون رئيس الوزراء بالتوصل إلى صفقة للإفراج عن جميع الأسرى الإسرائيليين، حتى لو كان ثمنها وقف الحرب. وأنه يجب ألا نخطئ هنا بالاعتقاد بأن هناك أحدًا فى المجتمع الإسرائيلى وجيشه يقف مع الحق العربى أو يرى أن الفلسطينيين مضطهدون، فقد اجتمع المجتمع الإسرائيلى، يمينه ويساره، على ضرورة إبادة غزة، ولكن بعد الإفراج عن الأسرى الإسرائيليين؛ لدرجة أن هناك كثيرين يطالبون نتنياهو بتوقيع اتفاق للإفراج عن الأسرى ثم انتهاكه بعد أن يحصل على أسراه وإبادة الفلسطينيين.

وحول ما يُطرح حول إمكانية تعرض إسرائيل لانقلاب عسكرى، كشف الشرقاوى، قائلًا: «قد يخطئ البعض بالظن بأن إسرائيل فى طريقها لانقلاب عسكرى، غير أن هذا فى اعتقادى مستحيل، على الأقل فى المرحلة الحالية. وذلك لأن المجتمع الإسرائيلى بالكامل هو مجتمع عسكرى، يخدم جميع أفراده فى جيشه حتى سن الخمسين، باستثناء القلة المتدينة الأرثوذكسية، ويكاد يكون دور كل فئة فيه محددًا. وفى اعتقادى الشخصى، أن له قيادة جماعية تحدد من الذى سيحكم فى كل مرحلة. وبالتالى لا مجال فيه لانقلابات»، فى إشارة إلى أن ما يمكن أن نشهده فى المرحلة القادمة هو تفعيل آلية مقاومة الاحتجاجات غير المرغوب فيها. وهى آلية سياسية استخدمتها الحكومات المتعاقبة منذ حرب أكتوبر 1973 مع الحركات الاحتجاجية مثل حركة السلام الآن لتحييد آثارها. فإذا زاد حجم الحركة الاحتجاجية عن الحد المطلوب سياسيًّا، يتم دفع شخصيات عامة كبيرة للانضمام إليها، فيحاولون تحويلها إلى جماعة منظمة. وبعد أن تصبح جماعة منظمة، يتم الدفع باتجاه اختيار قائد لها يكون تحت السيطرة الأمنية. ولا يتم السماح بتسجيلها حسب قانون المنظمات غير الحكومية، بحيث يمكن وقت اللزوم التعامل مع احتجاجاتها على أنها احتجاجات مخالفة للقانون، وفى الوقت نفسه يمكن الاستفادة من قدرتها التنظيمية من خلال القائد الخاضع لسيطرة أجهزة الأمن، لتنظيم نوعية معينة من الاحتجاجات تسفر عن دعم المواقف الحكومية فى مواجهة أطراف خارجية.