أن تعمل القيادة على تطوير بلادها فى الظروف العادية وتواجه التحديات، وتحقق تطورًا وتغييرًا حقيقيًّا، فهذا يعبر عن قيادة وطنية صادقة ذات نهج قائم على حب الوطن وتعزيز المواطنة. لكن أن تعمل وسط تحديات تاريخية غير مسبوقة وسط عالم يغلى أمنيًّا واقتصاديًّا، فهذا يعبر عن قيادة حكيمة مخلصة.
رأينا بأعيننا، واختبرنا كيف يؤدى غياب المواطنة لخراب الأوطان، وكيف من دونها يغيب الأمن ويسود الخوف، ورأينا أيضًا كيف تسهم القيادة إما فى نهوض بلادها والعمل على تعزيز التسامح والعيش المشترك، وبالتالى إعداد الطريق نحو المواطنة، أو فى زرع فتيل الكراهية والتقاتل والفرقة، مما يُدخل البلاد فى نفق مظلم ومصير مجهول.
هذه المقدمة ضرورية حين أتحدث عن إنجازات الجمهورية الجديدة فى ملف المواطنة، وهو مرتبط ارتباطًا وثيقًا بوضع الأقباط فى مصر؛ لأن ازدهار المواطنة معناه أن يشعر الأقباط فى مصر أن لهم وجودًا واعتبارًا، ويسهم فى سيادة حالة من السلام والتماسك المجتمعي. لهذا فإن النقاش حول قضية المواطنة لا يتقادم ولا يقفد أهميته؛ فهى مفهوم شامل وعملية مستمرة من التشكيل والتطبيق والتطور وفقًا لاحتياجات المجتمع المتجددة والمتعددة.
والمواطنة فى الجمهورية الجديدة ليست مجرد فكرة أو شعار سياسي، بل هى ممارسات عملية نرى أن العقل الجمعى المصرى قد بدأ يستوعبها ويعمل فى إطارها، فهى الآن فى طور الاكتمال والنضوج؛ إذ تأخذ فى اعتبارها كل أوجه الاختلافات الثقافية داخل النسيج الاجتماعى المصري، فى إطار محكم من سيادة القانون. هذا الأمر يتجاوز المساواة ليصل إلى العدالة بربط الحقوق السياسية بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
وإذا وضعنا الحالة المصرية فى ضوء ما عرضته، سنجد أن الدولة المصرية -فى خضم تحديات عنيفة، وأمام ظروف عالمية غير مسبوقة- ماضيةٌ فى طريقها لبناء دولة المواطنة، التى يتمتع جميع مواطنيها بالمساواة أمام القانون، دون تفرقة؛ فجاءت قرارات ترميم الكنائس المتضررة عقب شهر أغسطس 2013، وإعادتها إلى أفضل مما كانت عليه، ثم صدور قانون دور العبادة، وتقنين أوضاع الكنائس، وغيرها من الخطوات والأحداث التى أكدت حرص الدولة المصرية على تفعيل المواطنة، ومعالجة قضايا عانت منها مصر على مدار عقود متصلة.
إذن نحن أمام إجراءات وأحداث تتجاوز الشكل الرمزى والبروتوكولى الذى كان فى عقود سابقة، وكذلك فى مواجهة خطاب كراهية حاول المساس بوحدة الشعب المصرى فى فترة من الفترات، وكان مناقضًا لمفهوم المواطنة وشكَّل خطرًا على سلامة مصر وأمنها. لهذا نستطيع أن نقول إن هدف تحقيق دولة المواطنة فى مصر قد صار الآن فعلا على أرض الواقع ، والعمل على تعزيز المواطنة هو عمل مجتمعى يشترك فيه الجميع لأجل الجميع لبناء الجمهورية الجديدة.
وفى عصرنا هذا، ليس خفيًّا ما يمر به العالم من تغيُّرات سريعة وتحديات تنشأ كل دقيقة؛ فالحروب والقلاقل تشتعل وتستمر فى البلاد المجاورة لمصر بشكل غير مسبوق. ولأن مصر دولة كبيرة فى المنطقة فلها دور فعال ومؤثر، لهذا نرى الدولة المصرية وهى تعمل على كل الأصعدة؛ خارجيًّا بموقف وطنى ثابت وحازم أمام محاولات فرض قرارات تتعارض مع قيم الدولة المصرية ومصالحها، وداخليًّا بإجراءات التنمية ومحاولات التعامل مع تداعيات الأزمات العالمية والحروب. وما لم يكن المجتمع متماسكًا أمام كل هذا، وما لم تكن المواطنة عنوانًا لفلسفة القيادة المصرية ومحركًا لاستراتيجياتها وقراراتها، فما كان ممكنًا لمصر أن تعيش بهذا الثبات وتتخذ هذه المواقف المشرِّفة أمام العالم أجمع.
نحن المصريين نؤمن بالله، وبقدرته العظيمة على تغيير الواقع، وتفيض قلوبنا بالحب لهذا الوطن، هو حاضر دائمًا فى صلواتنا وطلباتنا أمام الله. ونثق بقدرة الشعب المصرى على التعامل مع التحديات، وعلى تعزيز تماسكه، كما نثق بقدرة الدولة المصرية على قيادة الأمور واتخاذ مزيد من الخطوات فى طريق المواطنة. وإلى جانب الثقة نعمل كلنا ونتكاتف ونتعاون فى الأزمات ناظرين إلى هدف واحد مجيد، وهو عزة بلادنا ورفعة شأنها ورقيها ورفاهتها.
