الخميس 6 يونيو 2024

أيـن حفـلات زمـــان من حفلات اليوم؟

عمرو دياب

5-6-2022 | 07:46

عمرو والى

تعد الحفلات الغنائية متنفسا للجمهور لاسيما فى فصل الصيف، حيث يستمتعون بمطربهم المفضل، وسط أجواء من المرح والبهجة، فيما تغير شكل الحفلات عبر الأزمنة المختلفة، فقديما اقتصر الأمر على الحفلات الكبرى، لكبار المطربين، مثل: «أضواء المدينة» أو «ليالى التليفزيون»، أما الآن فشهدت الكثير من التطورات ودخول التكنولوجيا، والإضاءة، والاستعراضات ليطغى الجانب البصرى.. «الكواكب» طرحت تساؤلات عن أبرز الاختلافات بين الحفلات الغنائية قديما وحديثا؟ وأسباب ذلك؟ وفكرة الخروج للمسارح المكشوفة متى بدأت؟ وما هو التغيير الذى طرأ على حفلات المطربين والمطربات؟ وشكل الجمهور نفسه؟، وناقشتها مع المتخصصين من خلال السطور القادمة..

«عصر التيك أواى»

فى البداية يرى الشاعر الغنائى الكبير عوض بدوى: أن اختلاف العصر هو ما فرض الكثير من الفوارق بين الحفلات الغنائية قديما وحديثا، ففى السابق كان الغناء والطرب هو المسيطر، أما فى العصر الحالي فتحول الأمر إلى شكل آخر، حيث يتم أحياناً الرقص، والقيام بحركات لتفريغ شحنات طاقة فقط لاغير.

وأضاف بدوى قائلا: المتلقى فى زمن أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب، وعبد الحليم حافظ، وغيرهم كان يرتدى البدلة والكرافتة، ويستعد للحفلة التى كانت بمثابة حدث في حياة الأشخاص وقتها، يستمعون بشغف، ينتظرون سماع كلمة ولحن وجملة موسيقية تثرى الوجدان، وتقيم السلوكيات، وتهذّب النفوس، أما الآن فالقصة فى بعض الأحيان فقدت معناها تماما، فالجمهور يذهب فى بعض الأحيان للتنطيط وتفريغ الشحنات، والفنان أحياناً يظهر على المسرح بملابس شبابية مثل شورت، وترينينج.. ففي عصر التيك أواى كل شىء يستهدف الكسب السريع قبل تقديم فن ذى قيمة، فقديما كانت الحفلات يستمر التحضير لها لعام كامل، وكنا نجد العظام أمثال السيدة أم كلثوم، والفنان فريد الأطرش، والفنان عبد الحليم حافظ، وغيرهم وغيرهم، يستمرون لأسابيع طويلة من التحضيرات والعزف، والبروفات، مع الشعراء والملحنين والعازفين، لمجرد خروج أغنية واحدة فقط، إلى النور في حفلة للجمهور، فكان الفنان يستمر فى التعديل فى الكلمة واللحن، والجملة الموسيقية، وشكل المقدمة الموسيقية، والصولو لآلة موسيقية واحدة حتى يرضى هو نفسه عن الأغنية، ومن ثم يعرضها للجمهور» .. أما الآن فالملحن أحياناً فى سهرة واحدة يصنع 10 أو 12 أغنية وهو جالس بلا أى تحضيرات أو صناعة حقيقية لمجرد انتهاء الألبوم فى وقت معين، وبعض المطربين أصبحوا غير حريصين على الأغنية واستقبال الجمهور لها، فمعظم الأغنيات يتم

صناعتها لتأخذ وقتها، وتتعرض فورا للنسيان مع صدور أغنية أخرى لمطرب آخر، والفنان قد تكون لديه حفلة على سبيل المثال يوم الخميس، وخلال نفس الأسبوع يقوم بتجميع العازفين فنجد منهم المتواجد خارج البلاد، وغيرهم فى إجازة، فيتصل المطرب بالفرقة، وإبلاغهم بالحفل قبلها بيومين فقط دون بروفات أو تحضيرات.

«تذوق الفن»

وألقى الموسيقار هاني مهنا باللوم على الجمهور فى المقام الأول، مشيرا إلى أن الجمهور أصبح يذهب إلى الحفلات من أجل المشاركة بالحركة والغناء مع المطرب لا لسمع الأغانى أو تذوق الفن، واصفا ما يحدث فى معظم الحفلات فى الوقت الراهن مجرد فضول وعدوى ليس أكثر، من أجل مشاهدة ماذا سيفعل الفنان على المسرح.

وأضاف مهنا: مقارنة الماضى بالحاضر لا تجوز، لأن العصر والذوق اختلف، وكنت أسأل الموسيقار الكبير محمد عبد الوهاب، أثناء تسجيل أحدى الأغانى، وقلت له يا أستاذ ما رأيك فى الموجة الجديدة من الأغانى الشبابية فرد قائلا الجمهور المتذوق مات، وكان ذلك فى حقبة الثمانينيات، لأن المضمون واللحن والكلمة، والصوت كانت دون المستوى.

وختم مهنا: «نستمد قوتنا من تاريخنا فقط، ورموز الفن ممن عاشرناهم، والآن فى عصر التريندات من الممكن أن أنجح وأنا طالع على المسرح لا أقدم أغنية طويلة أو تدوم فيما بعد».

«سلاح ذو حدين»

ويقول الناقد الموسيقى، أحمد السماحى: إن الفوارق بين الحفلات الغنائية قديما والآن تتمثل فى العصر ولغته وأدواته بما يشمل قيمة الفن وقدسيته، فقديما كان الفنان لديه رسالة وهدف وقيمة، والفن له جمهوره، الذى يفرض على الفنان احترامه، ولا يظهر عليهم إلا ومعه فرقته الموسيقية الكاملة، والتى تضم أمهر العازفين، ليقدم أغنية جديدة لهم بعد بروفات، وتحضيرات، وشعور بالخوف يتملك الفنان لفترات طويلة حتي يطمئن لردود أفعالهم.

وأضاف السماحى قائلا: أتذكر المطرب الكبير محرم فؤاد فى أحد لقاءاته معى انتقد بعض مطربى الجيل الجديد فى عملهم لحفلة واحدة فقط فى العام، ووقتها كان هذا الجيل به أسماء هم عمالقة الآن أمثال على الحجار، ومحمد الحلو، وغيرهما، فقديما كان المطرب يقدم ما يقرب من 10 إلى 15 حفلة فى العام، وأحيانا يصل العدد إلى 30 حفلة على مدار العام، بعد عدد كبير من البروفات حتى تحفظ الفرقة المطرب من حركة العينين، والتنافس فى الأغانى كان مصاحبا له تنافس من نوع آخر فى الملابس، فالمطربون والمطربات كانوا يتنافسون على شراء أحدث الملابس والموضات العالمية ليظهروا على الجمهور فى كامل أناقتهم وشياكتهم.

واستطرد السماحى حديثه: الجمهور قديما كان يربط الملابس بالأغانى فى الحفلات، فهنا نتذكر فستان السيدة أم كلثوم فى أغنية أنت عمرى، وبدلة عبد الحليم حافظ فى حفلة أغنية قارئة الفنجان، والسيدة وردة بفستانها فى أغنية شعورى ناحيتك، أو فستان السيدة نجاة بأغنية عيون القلب، وغيرها، وغيرها، أما الآن فالفنانون يظهرون على المسارح بملابس شبابية خاصة فى حفلات الصيف، فيما عدا حفلات مهرجان الموسيقي العربية، والقلعة، ودار الأوبرا، وهي الحفلات التى مازالت تتميز بدرجة كبيرة من الرقى، والفن الحقيقى.

وأشار السماحى: إلى أن دخول التكنولوجيا إلى مجال الحفلات كان سلاحا ذا حدين ،فبعض الفنانين أصبحوا يعتمدون على الفلاشة التى تحمل مزيكا، ليقوموا بالغناء أغنية واحدة لايف، وباقى الحفلة بطريقة البلاى باك، وهو ما أحدث تأثيرا سلبيا على العازفين والموسيقيين، وعانى بعضهم البطالة، لافتا إلى أن الإضاءة والشو والألعاب النارية، وعناصر الإبهار مثلت عنصرا إيجابيا مهما افتقده الغناء قديما، ولكن أصبح الاعتماد على الجانب البصرى أكبر، وحفلات الصيف تحولت إلى مجرد طقس، كجزء من المصيف، أو كنوع من تغيير الأجواء وإذا أقيمت حفلة لأى مطرب لن يفرق كثيرا لأن الجمهور يريد الترفيه عن نفسه بعيدا عن فكرة الغناء والموسيقى.

«منافسة شرسة»

وقال الدكتور أشرف عبد الرحمن، أستاذ النقد الموسيقى بأكاديمية الفنون، إن تحول الأغنية إلى الرتم الإيقاعى الراقص كان كلمة السر فى تغيير شكل الحفلات الغنائية، والذى فرض مصاحبة حركية للمطرب أو المطربة على المسرح، فكانت بداية التغيير فى الحفلات، فلا يجوز أن يكون الأداء ثابتا والأغنية إيقاعية وبها حركة، ومع انطلاق الأغنية السريعة الشبابية مع بداية حقبة الثمانينيات، بدأت الحركة والرقص فى الظهور لمواكبة العصر، فالمطرب بدأ يستعين بالاستعراضات للرقص أو القيام بحركات بسيطة مثل التصفيق للمساعدة، وهو ما حدث مع الراحل على حميدة، على سبيل المثال فاستعان بفرقة لتصاحبه فى أداء أغنية لولاكى، ومنذ بداية هذا التاريخ وحتى الآن حدث تطور كبير وانتقل الأمر من الشكل التقليدى التطريبى الذى يعتمد على اللحن والإمتاع السمعى فى المقام الأول إلى الامتاع البصرى فى الحركة والشو وإبهار الجمهور.

وأضاف عبد الرحمن قائلا: متطلبات ومقتضيات العصر اختلفت، والجمهور نفسه اختلف ذوقه، فوسيلة العرض نفسها اختلفت، فقديما كانت حفلات أضواء المدينة يعرضها التليفزيون، والجمهور ينتظرها بشغف على الهواء، وكانت تجمع العديد من كبار النجوم، وكان من الطبيعى أن تجد فى هذا الوقت نجوم الصف الأول في الغناء والطرب في حفلة واحدة، أما الآن فكل مطرب يكتفى بنفسه فقط، ويتم تسويق الحفلة باسمه فقط، فالجانب التجارى الاستثمارى أصبح هو الطاغى أحياناً أكثر من الجانب الفنى، وهو أمر لاعيب فيه، لأن

البدائل أصبحت متوافرة، وهناك الكثير والكثير من الفنانين والفنانات، واعتقد أن الحفلات قديما كانت أكثر ثراء، وتنوعا خاصة من الناحية الإبداعية.

وختم عبد الرحمن حديثه قائلا: قديما كان التليفزيون المصرى، وقطاع الإنتاج هما من ينتج الحفلات الغنائية، أما الآن فدخلت أكثر من جهة إنتاج على الخط، وهو ما أحدث إيجابية فى نقطتين مهمتين الأولى: أحدث ثراء وفخامة على الحفلات، فالمنتج يريد المكسب وتعويض ما أنفقه، وهو ما صنع تنافسية وجعل المسارح تظهر فى أبهى صورة لها، من إمكانيات وأدوات، أما النقطة الثانية دخلت التكنولوجيا والساوند سيستم على المسارح، فحدث للجمهور إمتاع بصرى، وبهجة، من خلال استعراضات مبهرة لم تكن موجودة فى زمن عبد الحليم حافظ أو أم كلثوم، وأصبح هناك خلفيات، وإضاءة، ومؤثرات، وتطوير، وهو أمر إيجابي فى صناعة الأغنية والحفلات بشكل عام.

«أفكار مبتكرة»

وقال الفنان أحمد عصام، المتخصص فى الألعاب النارية، والفايروركس والإشراف على الكثير من الحفلات الغنائية للفنانين إن الألعاب النارية والمؤثرات أصبحت جزءا لا يتجزأ من الحفلات الغنائية أو الحفلات بشكل عام حاليا ،لأننا أصبحنا نعيش عصر الصورة، مشيرا إلى أن فكرة الفايروركس تتلخص فى ترجمة المزيكا إلى صورة، من خلال مؤثرات بصرية وسمعية تعتمد فى الأساس على المزيكا ومن خلالها يتم صناعة الشو بالكامل، وهنا فالجمهور يسمع المزيكا من خلال مشاهدة المؤثرات، وهو ما يحتاج إلى الكثير من المجهود والعمل المتواصل.

وأضاف عصام قائلا: تحضير الشو لأى حفلة يأخذ الكثير من الوقت والمجهود ففريقى بالكامل يضم أكثر من 100 فرد، فنحتاج للوقت للتحضير، وإيجاد الأفكار، والعمل على الموسيقى، فالأمر لا يتعلق بنار تطلق أو أضواء يتم إنارتها أو إطفاؤها، ولكن عمل محسوب بدقة، وقديما كنت أشاهد دائما حفلات مايكل جاكسون، وكنت أرى أن الحفلة ليست غناء فقط، وإنما يحدث تناغم بين الآلات الموسيقية والمؤثرات التي تكون من خلفه، ومن هنا بدأت الحكاية، فالبطل الأساسى فى كل حفل ليس المطرب فقط بل كل فريق العمل بداية من المسئول عن الإضاءة وصولاً للمسئول عن المسرح والديكور».

واستطرد عصام: أثناء الشو ألعب الفايروركس لايف، وبالتالى لابد أن أكون «حافظ» لكل المزيكا التى يتم لعبها فى الحفلة مثلى مثل الموسيقى أو العازف، وفي حال تأخرى لحظة واحدة سوف يفسد الأمر، وهو ما يتطلب منى تركيزا شديدا، وتفاعلا مع الأغنية، لأننى أقوم بتلك المهمة سريعا، وما لا يعرفه البعض أن التحكم فى كل الشو أصبح يتم من خلال كيبورد اخترعته بنفسى، وسجلت حقوقه فى سويسرا.

وختم عصام حديثه: الجمهور من كافة الفئات أصبح يتابع ما يحدث بالخارج لحظة بلحظة، وهو ما يستوجب مواكبة كل التطورات التى تحدث عالميا وفى الأول كنت أصنع هذه المؤثرات المختصة بأغانى الفنانين والمطربين الذين أعمل معهم فقط ولا يمكنني ان افعل شيئا جديدا سوى أن أرمز لأغانيهم بهذه المؤثرات وكان لدىّ العديد من الأفكار المختلفة، فقررت أن أعمل مؤثرات خاصة بى، ثم قررت أن أعزف مزيكا خاصة بى لتمثل المؤثرات، كنوع من تطور الشو، والجمهور يحضر ويشعر بالاستمتاع بالعرض المبهر المتكامل و ليس بصوت و أداء المطرب فقط كما كان فى السابق.