19-8-2025 | 12:43
عمرو محيي الدين
يحل يوم 18 اغسطس ذكرى ميلاد الفنان القدير جميل راتب، أحد أبرز الوجوه التي تركت بصمة لا تُنسى في تاريخ الفن المصري والعربي، بل والعالمي أيضًا، فعلى مدار عقود من الإبداع، نجح راتب في أن ينسج مسيرة فنية وإنسانية استثنائية، جعلته رمزًا للثقافة والفن الرفيع، وترك إرثًا خالدًا من الأعمال التي أصبحت علامات في السينما والمسرح والتلفزيون.
وُلد جميل راتب في حي جاردن سيتي الراقي وسط القاهرة عام 1928، لأسرة أرستقراطية لها تاريخ سياسي وثقافي مؤثر؛ إذ شارك والده في ثورة 1919، وكانت السيدة هدى شعراوي – رائدة الحركة النسوية – بمثابة عمة والدته، نشأ راتب في بيئة مثقفة، جمعت بين الصرامة الفكرية والانفتاح على الفنون، ما مهد مبكرًا لانطلاقته نحو عالم الإبداع.
بدأ جميل راتب مشواره التعليمي في مدرسة الأورمان، ثم التحق بمدرسة الإبراهيمية الثانوية، حيث برزت موهبته التمثيلية من خلال انضمامه لفرقة المسرح المدرسي. التحق بكلية الحقوق الفرنسية بالقاهرة عام 1945، تنفيذًا لرغبة أسرته في أن يصبح دبلوماسيًا، إلا أن شغفه بالفن قاده إلى فرنسا بمنحة دراسية، وهناك اتخذ قراره المصيري: ترك القانون والالتحاق بمعهد التمثيل، لتبدأ رحلته الحقيقية في عالم المسرح والفن، رغم انقطاع الدعم العائلي.
في منتصف أربعينيات القرن الماضي، شارك جميل راتب في أول أعماله الفنية بفيلم "أنا الشرق" عام 1946، ومن فرنسا حيث استقر لسنوات، انطلقت مسيرته العالمية، فقدم مجموعة من المسرحيات الرفيعة أبرزها "قفزة الموت" و"سوء تفاهم"، إلى جانب خمس مسرحيات لشكسبير من بينها "هاملت" و"أوديب"، كما تعاون مع كوميدي فرانسيز، أعرق فرق المسرح الفرنسي.
أما في السينما، فقد شارك في عدد من الأعمال العالمية مثل فيلم "Trapeze" (ترابيز) عام 1956، و"لورانس العرب" عام 1962، ضمن رصيد بلغ أكثر من 75 عملاً في فرنسا وحدها، بينها 15 فيلماً عالمياً.
عاد جميل راتب إلى مصر في منتصف السبعينيات، ليبدأ مرحلة جديدة من العطاء الفني، ويشارك في عدد من أهم أفلام السينما المصرية، من أبرزها:
"حب في الزنزانة"، "الكداب"، "وداعاً بونابرت"، "رجب على صفيح ساخن"، " على من نطلق الرصاص" "شفيقة ومتولي"، " الصعود الى الهاوية" و "لا عزاء للسيدات" "حب في الزنزانة" و " الكيف" و " البرىء" وغيرها من الأعمال التي رسخت مكانته كأحد أعمدة الأداء الدرامي.
امتد تأثير جميل راتب إلى الشاشة الصغيرة، حيث شارك في عدد كبير من المسلسلات التي شكلت جزءًا من ذاكرة الدراما المصرية، من أبرزها:
"ضمير أبلة حكمت" مع فاتن حمامة، و" الكعبة المشرفة"
"وزيزينيا" مع يحيى الفخراني،
"يوميات ونيس" مع محمد صبحي،
"رحلة المليون"، و"بالحجم العائلي" الذي كان آخر ظهور له عام 2018.
على مدار مشواره الفني، نال جميل راتب العديد من الجوائز والتكريمات، تقديرًا لما قدمه من فن راقٍ ومؤثر، حصل في بداياته على جائزة أفضل ممثل على مستوى المدارس الأجنبية في مصر، وتسلّم جائزة الدولة عن دوره في فيلم "الصعود إلى الهاوية".
كما كرّمه مهرجان القاهرة الدولي للمسرح عام 2016، ومهرجان الأقصر عام 2017، إلى جانب تكريمه من مهرجان قرطاج .
عانى جميل راتب في سنواته الأخيرة من وعكة صحية ليرحل عن عالمنا في 19 سبتمبر 2018، تاركًا وراءه إرثًا من الجمال الفني، والتفاني المهني، والقدرة على تجسيد أعمق المشاعر بأقل تعبير.