السبت 27 ابريل 2024

صراع متجدد فى كل موسم «الإيرادات»..هل تعكس نجاحا حقيقيا للأفلام السينمائية؟

كيرة و الجن

20-8-2022 | 16:08

عمرو والى

مع كل موسم سينمائى تشتعل حرب ساخنة حول إيرادات الأفلام، والأعلى تحقيقا لها من بين النجوم، حيث يتنافس كل فنان ومنتج فى الدعاية للفيلم الخاص به، من أجل إقناع الجمهور بأن فيلمه هو الأفضل، حتى وصل الأمر إلى اشتباكات واتهامات متبادلة على شبكات التواصل الاجتماعى بين صناع الأفلام، هذا الصراع المتجدد يتكرر فى وقت تحاول فيه السينما التعافى من مجموعة من الأزمات التى لحقت بها، وعلى رأسها أزمة فيروس كورونا، وازدهار المنصات الإليكترونية على الإنترنت «الكواكب» طرحت مجموعة من التساؤلات حول فكرة الإيرادات وهل تعد هى المعيار لنجاح العمل أم أن العمل من الممكن أن يكون ناجحا ويحصل على الجوائز بعيدا عن الإيرادات؟ وماذا عن فكرة التضارب فى الأرقام؟ وتأثير الأمر على الصناعة، وناقشتها مع المتخصصين من خلال السطور القادمة..

فيلم حامل اللقب

أرقام قياسية

إذا نظرنا إلى موسم شباك الإيرادات الحالى سنجد فيلم «كيرة والجن»، والذى عُرض ضمن موسم عيد الأضحى الحالى، فى قائمة أكثر 10 أفلام حققت إيرادات فى تاريخ السينما المصرية، حيث  وصل إجمالي إيراداته لـ78 مليون جنيه بعد 21 يوم عرض فقط،  وكذلك فيلم «تسليم أهالى».

 فيلم الفيل الأزرق

وفى الأعوام الماضية استطاعت بعض الأفلام السينمائية أن تنافس وبقوة على شباك الإيرادات نذكر منها  فيلم «الفيل الأزرق 2» أثناء عرضه مسبقاً حيث تصدر  قائمة الإيرادات بنحو 104 ملايين جنيه مصرى،وهو بطولة كريم عبد العزيز، ونيللى كريم، وهند صبرى، وإياد نصار، وشيرين رضا، تأليف أحمد مراد، وإخراج مروان حامد.

 فيلم ولاد رزق 

وفى المركز الثاني جاء فيلم «ولاد رزق 2»، برصيد إيرادات 101 مليون جنيه مصرى، وهو من بطولة أحمد عز، وعمرو يوسف، وأحمد الفيشاوى، وأحمد داود، وكريم قاسم، تأليف صلاح الجهينى، وإخراج طارق العريان. وحصد المركز الثالث بإيرادات 80 مليون جنيه فيلم «كازابلانكا»، وهو من بطولة أمير كرارة، وغادة عادل، وإياد نصار، ولبلبة، وعمرو عبد الجليل، من تأليف هشام هلال، وإخراج بيتر ميمى.

واحتل فيلم «الممر» المركز الرابع، بنحو 79 مليون جنيه، وهو من بطولة أحمد عز، وإياد نصار، وأحمد رزق، ومحمد فراج، وأحمد فلوكس، وهو من تأليف وإخراج شريف عرفة.

كما احتل فيلم «البدلة» المرتبة الخامسة بإيرادات كلية نحو 70 مليون جنيه، وهو من بطولة تامر حسنى، وأكرم حسنى، وأمينة خليل، ودلال عبد العزيز، وماجد المصرى، وهو من تأليف أيمن بهجت قمر، وإخراج ماندو العدل، وصدر فى عام 2018،  والمرتبة السادسة كانت من نصيب فيلم «واحد تانى» لأحمد حلمى وروبى ونسرين أمين وسيد رجب وأحمد مالك، تأليف هيثم دبور وإخراج محمد شاكر خضير. وحقق إيرادات بلغت نحو 62 مليون جنيه.

وفى المركز السابعة يأتى فيلم «نادى الرجال السرى» بإيرادات وصلت إلى 61 مليون جنيه ، وطرح عام 2019، وهو من بطولة كريم عبد العزيز، ماجد الكدوانى، وغادة عادل، وبيومى فؤاد، ونسرين أمين. وبنحو 60 مليون جنيه، يأتى فيلم «العارف» فى المرتبة الثامنة، وهو من بطولة أحمد عز، وأحمد فهمى، ومصطفى خاطر، وكارمن بصيبص ومحمود حميدة، وطرح بدور العرض عام 2021.

وبالمرتبة العاشرة، وبنحو 59 مليون جنيه جاء فيلم «الإنس والنمس»، وهو من بطولة محمد هنيدى، ومنة شلبى، وعمرو عبد الجليل، وصابرين وبيومى فؤاد، تأليف وإخراج شريف عرفة، وعرض فى 2021، هذا هو نموذج لترتيب بعض الأفلام السينمائية فى قائمة الإيرادات خلال الأعوام الماضية.

 كواليس فيلم عمهم

أمر نسبى

فى البداية يرى السيناريست والمؤلف بشير الديك أن قياس نجاح الفيلم السينمائى بشكل حقيقى يكون بعد انتهاء موسمى العيد سواء الفطر أو الأضحى، معزيا ذلك لأن روادها بنسبة كبيرة يكون من الشباب الصغير أو غير المتخصص فى الفن، مشددا على أن الإيرادات التى تحققها الأفلام تدل على نجاحها بشكل أو بآخر فى دور العرض السينمائى، بعد إقبال الجمهور عليها بأعداد كبيرة.

وأضاف الديك قائلا:  هناك الكثير من الأفلام حققت نجاحا كبيرا على مستوى الإيرادات، ولم يكن متوقعا لها ذلك، والعكس صحيح حدث، وبالتالى فالأمر غير خاضع لمقاييس محددة، ضاربا المثل بأفلام له كتبها ومنها أفلام الفنانة القديرة نادية الجندى، التى استطاعت تحقيق إيرادات عالية فى دور السينما بالإضافة إلى أفلام نالت تقديرا كبيرا من الجمهور مع مرور الوقت، ومنها «الحريف»، و«ضد الحكومة» و«سواق الأتوبيس» بحسب قوله.

ويستطرد الديك حديثه قائلا: « المشهد السينمائى فى الوقت الراهن اختلف كليا، والصراعات بين صناع الأعمال السينمائية أصبحت سمة رئيسية في كل موسم، بشأن أعلى الإيرادات، وساهمت السوشيال ميديا فى مساعدة البعض على التلاعب بالأرقام الفعلية، ويوميا نجد البعض يكتب على صفحته ومن خلال وسائل الإعلام بأنه صاحب أعلى إيرادات، دون النظر إلى قيمة أو محتوى المنتج نفسه، وهل بالفعل يستحق أم لا؟»

 فيلم بحبك 

ميزانيات ضخمة

من جانبه، أعرب الروائى والسيناريست أحمد مراد، مؤلف فيلم «كيرة والجن» عن أمله فى تحقيق الفيلم المزيد من الإيرادات، مشيرا إلى أن «التكلفة الإنتاجية لهذا العمل كبيرة جداً وتجاوزت 100 مليون جنيه».

وقال مراد: ارتفاع حجم إيرادات الفيلم، يُشجّع المنتجين لتقديم المزيد من الأفلام ذات الميزانيات الضخمة، خاصة فى ظل قلق الصُنّاع من خوض مثل هذه التجارب فى ظل ظرف سينمائى صعب، وأنا راضٍ بنسبة كبيرة للغاية عن التجربة، والتنافس هو الذى يصنع نجاحا حقيقيا.. وأتمنى النجاح لكل الأفلام المعروضة.

عوامل متنوعة

ويرى المخرج وائل إحسان أن قياس النجاح الحقيقى لأى فيلم سينمائى يكون تحديدا من الأسبوع الثانى من توقيت عرضه، لأن الأيام الأولى يذهب فيها الجمهور إلى نجمه المفضل بغض النظر عن مستوى الفيلم الفنى، وهنا تتحكم مجموعة من العوامل والظروف الخاصة بالموسم نفسه، ولكن بعد انتهاء أول أسبوع تبدأ المنافسة الحقيقية، ويظهر الفيلم الجيد من الردىء.

وأضاف إحسان أن  الإيرادات تعد مقياساً لنجاح الأفلام بنسبة كبيرة، وزيادة أرقامها يصب فى صالح صناعة السينما من حيث إنتاج الأعمال بشكل حرفى، يتمتع بتقنيات عالية، وبالتالى يساهم فى عملية رواج الصناعة، بالإضافة إلى تشجيع المنتجين على إنتاج المزيد من الأفلام، بموضوعات وقصص مختلفة ومتنوعة.

واستطرد حديثه قائلا:  فى الماضى، كانت تُعرض أعمال فنية ذات قيمة، وكانت المنافسة حقيقية والإيرادات كانت كبيرة، ما أسهم فى تطور الصناعة بصورة ملحوظة، وخلال الآونة الأخيرة تعانى الصناعة بشكل عام من حالة انعدام الوزن، والمنافسة أصبحت من خلال السوشيال ميديا عبر إعلان بعض النجوم لجمهورهم أن أفلامهم استطاعت تحقيق أعلى الإيرادات دون معرفة الحقيقة.

وختم إحسان حديثه قائلا:  الحديث عن الإيرادات موجود فى العالم كله، والجميع يتنافس والحكم للجمهور، أما هنا فالأمر تحول إلى ما يشبه الصراع فقط لإثبات قوة النجم.   

فيلم كيرة و الجن فيلم كيرة و الجن

"معيار وحيد"

وقال المخرج محمود كامل إن فكرة التنافس على شباك التذاكر مهمة، لكن أخذت أكثر من حجمها، لاسيما وأن الجميع ينظر لحجم الإيرادات فقط، ولا يهمه مستوى العمل وهل سيعيش أم لا؟ مستطردا حديثه بالقول: « للأسف معيار الأعمال الفنية حاليا يتم قياسه من منظور الإيرادات فقط».

وأضاف كامل قائلا: توقيت العرض يلعب دورا هاما، فى فكرة الإيرادات، وظروف السوق نفسه متغيرة، وهى ترجع فى الأساس للمنتج والموزع، وكل ما أهتم به هو تقديم محتوى جيد يحترمه الجمهور ويقدم الرسالة المطلوبة، وينجح فى أى توقيت، وهناك أفلام كثيرة جيدة يظلمها موعد عرضها، وهناك أخرى لا تحمل رسالة بل هى سيئة، وتحقق إيرادات جيدة بسبب عرضها فى وقت مناسب، مع غياب الأفلام المنافسة، ولدينا الكثير من الأمثلة بشأن هذا الأمر.

وختم كامل حديثه قائلا:  أتمنى عمل موضوعات وأفكار مختلفة وغير معتادة وغير سهلة، وتقديم أفكار جديدة تساعد على تطوير الصناعة بشكل عام، وتطوير الفكر والثقافة، فالجمهور يريد أن يشاهد أعمالا مختلفة سواء فى السينما أو التليفزيون.

تضارب الأرقام

وعن الجدل الدائر كل موسم بشأن أعلى الإيرادات قال سيد فتحى، مدير عام غرفة صناعة السينما، إن الغرفة ليست مسئولة عن إعلان الأرقام الرسمية الخاصة بالإيرادات، مشيراً إلى أن ضرائب الملاهى من اختصاصها هذا الأمر،  والغرفة كانت تعلن الأرقام مسبقاً بشكل ودى استرشادى، أما ضرائب الملاهى فلديها كافة الأرقام الصحيحة وبشكل دقيق، لأنها تحصل الضريبة من كافة السينمات بشكل يومى.

وأضاف فتحى أن كافة الأرقام التى يعلن عنها المنتجون مؤخراً ليست دقيقة، مشيراً إلى أن الغرفة طالبت المنتجين من قبل بأن يرسلوا الأرقام الخاصة بإيرادات أعمالهم مختومة، كمستند رسمى ولكن لم يستجب أحد.

وأوضح فتحى أنه مع تجاهل المنتجين و الموزعين فى توفير المعلومة قررت الغرفة عدم الاستمرار فى إعلان الإيرادات، فأصبح المنتج يتحكم فى الأمر، ويخرج للإعلام ليعلن أن الفيلم الخاص به حقق الرقم الفلانى،  مما تسبب فى صنع حالة من الفوضى، والمهمة الآن فى يد مصلحة الضرائب التى تحصل نسبة 5% على إيرادات الأفلام، وبالتالى تستطيع رصد الرقم الصحيح، دون تشكيك من المنتج، الذى تتم محاسبته وفقاً للإيراد الذى حصل عليه من تذاكر السينمات، ودور العرض.

وأشار فتحى إلى أن حالة الفوضى الموجودة فى غياب الرقم الصحيح للإيراد تؤثر على الصناعة بشكل عام، مدللاً على ذلك بارتفاع أسعار النجوم بشكل مبالغ فيه، موضحاً أن أى فنان سيجد فيلمه محققاً ملايين سيرفع أجره فى العمل الذى يليه بشكل تلقائى، لافتاً إلى أن الأرقام الحقيقية تسببت فى مشكلات عديدة مع المنتجين والفنانين، والإضرار بالدعاية الخاصة بهم، لأن كل منتج يرى أن فيلمه هو الأكثر نجاحاً.

قانون القيمة

ويرى الناقد الفنى طارق الشناوى أن المعادلة السينمائية الدائمة هى أن النجم تتحدد قيمته بمقدار ما يحققه فى شباك التذاكر من إيرادات، هذه المعادلة فى نظام سينما النجم تطبق حرفياً لاسيما فى مصر، ولهذا فإن كبار النجوم دائماً مايراهنون على الفيلم الذى يضمن لهم امتلاك عرش الأرقام ولا يتراجع النجم عن هذا الرهان أبداً.. لأن الإيراد المرتفع يعنى بالنسبة للفنان أجراً مرتفعاً وصلاحيات وهيمنة على الفيلم بكل مفرداته من التدخل فى تعديل السيناريو إلى اختيار المخرج والأبطال ومدير التصوير وتوقيت العرض وعدد دور العرض.

 وأضاف الشناوي قائلا :  أغلب النجوم والنجمات يعيشون سنوات ذروة وانتشار يعقبها سنوات أخرى يعانون من انحسار هذه الجماهيرية التى كانت لهم لأن الأرقام التى كانوا يحققوها فى دور العرض تتضاءل وفى نفس الوقت لا يغيرون هم القانون ويتشبثون بنفس المعادلة القديمة وهى أن العمل الفنى ليس له مردود سوى شباك التذاكر ويغفلون أن داخل هذه المعادلة شيء هام وهو قانون القيمة أى قيمة العمل الفنى وليس فقط الرقم الذى يحققه.

وواصل الشناوى حديثه قائلا:  ليس معنى ذلك أن القيمة الفنية تخاصم دائماً الأرقام ليس هذا التناقض هو القاعدة، هناك أفلام حققت القيمة الفنية وأيضاً إيرادات الشباك، ومنها على سبيل المثال «الكرنك» لسعاد حسنى ونور الشريف على سبيل المثال واحد من الأفلام التي حققت الهدفين ولعادل إمام أفلام حققت أيضاً الهدفين مثل «الارهاب والكباب» وأكثر أفلام محمود عبد العزيز شعبية هو أيضاً أكثرها نسباً بقانون القيمة مثل «الكيت كات».

تصريحات نارية

وقال الناقد الفنى سمير الجمل إن الإيرادات والأرقام ليست مقياسا على مستوى الفيلم الفنى، فمن الممكن أن نجد فيلما فى السينمات لا يحقق نجاحا وإيراداته جيدة، لكن يكون به مواصفات أن يعيش فترة أطول ويلقى قبولا بعد ذلك لدى الجمهور عند عرضه فى التليفزيون، لأن جمهور العيد جمهور مختلف ولا يقاس عليه، بحسب قوله.

وأضاف الجمل قائلا:« أصبحت سمة رئيسية فى كل موسم سينمائى أن يخرج النجوم ويقولون فى تصريحات نارية حققنا أعلى الإيرادات، وكل المعروض لا يتجاوز عدده من 4 إلى 5 أفلام فقط أو أقل، وبالتالى فمعيار القياس خاطىء، وعندما نقول النجم الفلانى حقق أعلى الإيرادات، فيكون القياس على عدد أكبر وأشمل لأفلام تعرض فى السينمات، وبالتالى فالأمر بات أشبه بمجموعة من الطلاب استطاع الأول أن يحقق النجاح بنسبة ضئيلة فقط».

وختم الناقد الفنى حديثه قائلا:  السينما فى الوقت الراهن تحاول التعافى من أزمات عدة على رأسها فيروس كورونا، وقلة عدد الأفلام بشكل عام، بالإضافة إلى وجود المنصات الإليكترونية، والتى شهدت ازدهارا فى الفترة الأخيرة وساهمت بشكل كبير فى تقليل الرغبة عند الجمهور للذهاب إلى السينمات، وبالتالى فصناع السينما كافة، يجب أن يدركوا أن الجمهور لن يتوجه إليهم إلا عندما يكون هناك عمل قوى للغاية على كافة المستويات من كتابة وتمثيل وإخراج، وموسيقى، أى فيلم ضخم وكبير على المستوى الفنى، وبعد تحقيق هذه المعادلة ستصبح الإيرادات طبيعية لإقبال الجمهور على هذا العمل.