يقولون «لكلٍ من اسمه نصيبٌ»، وبالفعل كان لاسم «وعد»، وهو اسم الشخصية التى قدمتها الفنانة الجميلة مى عز الدين فى مسلسل «وعد» كل النصيب، فباختيار عبقرى، وضع كاتب العمل اسم «وعد» على اسم الشخصية البطلة المحورية فى المسلسل .وعد.
اسم لمسلسل شديد التميز، وقد حالفنى الحظ أنا أيضاً لمشاهدته عن طريق الصدفة وكأنى أنا أيضاً على وعد، أو موعد، مع هذا اللقاء الدرامى المميز، حيث تابعت إعادة حلقات مسلسل «وعد» الذى عرض مؤخراً على إحدى الفضائيات، بينما كان عرضه الأول فى عام 2016، ولم يحالفنى الحظ أثناء عرضه الأول لمتابعته، ولكنه بالفعل عمل جدير بالمتابعة ومغرٍ بكل المقاييس، وناجح بكل المعايير، تكتمل فيه كل عناصر الجذب والإثارة والمتعة، وأولها بالطبع الكلمة.. الحدوتة وما تحويه من تساؤلات ومعانٍ ورسائل أيضاً ودروس مستفادة كذلك، إذا جاز التعبير.
«وعد» أو مى عز الدين، هى شابة من أسرة أرستقراطية، زوجة لطبيب ثرى ناجح مشهور، قام بدوره الفنان حازم سمير، ولكنه زواج تقليدى بقرار من العقل عاشته الزوجة فى سعادة بدت لها وهميةً مع تصاعد الأحداث التى تبدأ خيوطها بمعاناة الزوجة الدائمة، حيث انشغال الزوج فى عمله الذى يستحوذ على النصيب الأكبر من حياته شديدة الجدية، لدرجة تضطرها للسفر وحدها لقضاء عيد رأس السنة فى تايلاند، ومع ازدحام «الأوتيلات»، لا تجد لها مبيتاً فى أى فندق حتى تضطر، خلال تعرفها فى أحد أماكن السفر، بنجم العمل الفنان أحمد السعدنى رجل الأعمال المصرى المقيم فى تايلاند للعمل بالسياحة، والذى تلتقى به ويعجب بها من الوهلة الأولى، فيقنعها بالمبيت عنده بدلاً من الشارع، فتوافق تحت ضغط الظرف العام، وتتلاحق الأحداث فى تايلاند، حيث الفسح والسياحة والتنزه، فتعيش الزوجة حالة من الانطلاق والمرح مع شخصية على النقيض من زوجها تماماً، فتشعر بالطعم الحقيقى للسعادة والبهجة، وربما الحب أيضاً.
تعود الزوجة من رحلتها لحياتها الروتينية التقليدية، ولكن يوسف (أحمد السعدني) قد وقع فى الفخ ووجد الحب الحقيقى الذى يدفعه للسفر إلى مصر بحثاً عن حب عمره، والتى لم تكن قد أخبرته بأنها متزوجة، فيسعى بكل السبل للوصول إليها، وبالفعل يداهم حياتها عنوة، لتبدأ خيوط المأساة عندما يعرف أنها متزوجة.. وتحاول هى إنهاء العلاقة بكل السبل وتنهره بشدة؛ لأن الزوج رجل لا يستحق منها التخلى عنه وهدم بيتها، لكن يوسف يقرر ألا يتركها وأن يخوض من أجلها مغامرة إقناعها بأنها له؛ لأنه على يقين بأنها تحبه ولا تحب زوجها، وأن البقاء والاستمرار يجب أن يكون للحب أولاً وأخيراً.
وهنا يدق ناقوس التساؤل الأول والأهم فى هذا المسلسل وهو: هل الزواج عن حب هو الأهم والأنجح، أم الزواج بالعقل؟ ثم ماذا لو تم اتخاذ قرار الزواج بالعقل، ثم مضت الأيام والسنوات لتصطدم بالحب الحقيقى الذى يزلزلك من الداخل؟
يوسف يسعى للتقرب من هذه الأسرة، وبالفعل ينجح فى إقامة علاقة عمل مع الزوج صاحب المستشفى الاستثمارى، وتبدأ الزوجة بالتوتر الدائم جراء هذا الاقتراب الذى يضاعفه يوسف بالتقرب أيضاً من شقيقة الزوج، الذى يتورط فى خطبتها ليكون أمام الزوجة طوال الوقت، مستثيراً شعورها بالغيرة كاختبار لمشاعرها الحقيقية نحوه، فقد آل على نفسه إلا أن يضعفها بكل السبل لتستجيب لمشاعرها نحوه، وتصل الزوجة بالفعل لحالة من الانهيار بين ولائها لزوجها الذى يعاملها بطريقة «يتمنى لها الرضا ترضى» وبين مشاعرها المتفجرة تجاه حبها الحقيقى، وتقرر فى لحظةٍ، الاستسلام لقلبها وتطلب الطلاق من زوجها الذى يجن جنونه لهذا الطلب الغريب، وتترك هى البيت لتعيش عند والدتها حتى يتم الطلاق، لتكون المفاجأة الكبرى بأن تكتشف الزوجة أنها «حامل» فيضطرها هذا الجنين للعودة إلى بيتها من أجل الطفل القادم.
ولكن «العاشق الولهان» لم يستسلم لهذا الاختيار، حيث كانت قد أفصحت له قبل الحمل عن الموافقة على الارتباط به، فحين تأكد من أنها تحبه وتود فى استكمال حياتها معه يتمسك بإقناعها بضرورة التخلى عن الجنين لتستكمل حياتها معه، ولكنها ترفض بالطبع، وتتصاعد الأحداث أكثر فأكثر فى نسيج درامى مبهر، لنجد الزوج يموت مقتولاً بالسم، وأثناء التحقيقات لاكتشاف الجانى، يستعرض مسرح الجريمة ومسرح العمل كله تجميعاً لكل شخوص المسلسل الذين تشابكت علاقاتهم بحنكة درامية عالية الجودة، فهذه الطبيبة زميلة الدراسة والعمل (سهر الصايغ) التى تهوى بجنون الزوج حازم سمير، وترضى أن تكون زوجة ثانية له، ولكن حبه لزوجته يمنعه، فربما تكون هى القاتلة تحت تأثير الغيرة، وربما تكون الزوجة نفسها، أو حبيب القلب يوسف، المستميت فى استمالتها له بأى ثمن.
أما المفاجأة الحقيقية، فكانت مع اكتشاف القاتل الذى هو طبيب أيضاً دفعة صاحب المستشفى المشهور، وزميله بالمستشفى ولكنه من طبقة اجتماعية فقيرة، تملأ صدره أحقاد طبقية شديدة، تضاف إليها رغبته فى الزواج من شقيقة صديقه الثرية التى يعشقها هو الآخر بجنون، فينهره الشقيق الغنى، ما يدفعه للثأر لكرامته وحبه معاً، فيقتل الزوج حازم سمير وتكشفه كاميرات المراقبة، أما هو فيرد على مواجهته بالتهمة والدموع فى عينيه، قائلاً: «هو إحنا لو ما حبناش تبقى الحياة لازمتها إيه؟ أنا كده راضى ومبسوط»، وإنها بالطبع لكارثة اجتماعية، فلا يمكن أن يكون الحب أبداً دافعاً للقتل وهى قضية اجتماعية أكبر من أن يحتويها مقالى أو حتى عمل تلفزيونى.
ونعود للمسلسل مرة أخرى، والذى تنتهى أحداثه بعودة الزوجة إلى بيتها لتكمل حملها وتضع مولودها، وتشير آخر لقطة فى المسلسل وهى تمسك بـ«دبلة» كان قد أعطاها لها حبيبها يوسف فى تايلاند ووجهها يشرق بابتسامة أمل، فى إشارة إلى أنها ستقرر العودة له واستكمال حياتها معه، وبهذا وصلت رسالة المسلسل، وأن الحب يعلو ولا يعلى عليه، وأنه أكبر من أن نضحى به ببساطة، رغم أن الأقدار هنا هى التى خدمت الزوجة، بوفاة زوجها فى جريمة خارجة عنها وعن حبها تماماً، ولكن يظل السؤال المفتوح: هل الزواج بالعقل هو الأنجح والأبقى.. أم أن الحب قيمة تستحق انتظارها العمر كله حتى ولو ضاع العمر نفسه؟
كل التحية لكاتب العمل، السيناريست الموهوب محمد سليمان عبد المالك، الذى صاغ مغامرة عاطفية فنية، تتشابك فيها الأحداث بإيقاع لاهث غير متوقع، متدرج، لدرجة ترغبك فى أن تشاهد 10 حلقات دفعة واحدة، وهذا أيضاً بفضل الإيقاع المتوافق مع جودة الكتابة، والذى صاغه بالكاميرا المخرج القدير إبراهيم فخر مع نجوم كلهم أبطال، أجادوا أدوارهم حتى خرجت بمتعة فنية متكاملة تجمع بين الأهمية والمتعة فى آن واحد.