الخميس 26 سبتمبر 2024

صلاح منصور «عمدة السينما المصرية» الذى التهمته الأحزان

صلاح منصور

8-1-2023 | 16:27

نانيس جنيدى

الا تبكوا ولا تتألموا، عشت عمرى أكره رؤية الدموع فى عيونكم، ولا أحب أن أغادركم وأنتم حزانىب بهذه الكلمات ودع النجم الاستثنائى صاحب لقب اعمدة السينما المصريةب، صلاح منصور نجله وزوجته ومعهما الدنيا، يوم 19 يناير من عام 1979، قالها وهو على فراش الموت فى لحظاته الأخيرة، مصارعاً آلاماً لا تنتهى بعد رحلة طويلة مع مرض السرطان.

قالها راجياً منهما أن يكفا عن البكاء، عن الحزن، عن الألم الذى لطالما ذاقه فى حياته، ألم الفقد، خشى عليهما من تجرع نفس الكأس، كأس الفراق، التى كانت نديماً له على مدار سنوات عمره، رحل بعد تلك الكلمات صلاح منصور تاركاً خلفه رحلة من العطاء وكنزاً فنياً لا يفنى، بل يتجدد كلما عرض عمل من أعماله القيمة، رحل تاركاً حياة لم تكف عن صفعه.

قبل رحيله بأيام نقل إلى مستشفى العجوزة بعد أن أُصيب بالعديد من الأمراض التى حرص على إخفائها من أسرته.

وعندما كان على سرير الوفاة وقبل وفاته بساعات دخل عليه أخوه «جمال»، فطلب منه صلاح أن يعيد له أداء دوره فى فيلم «هاملت» رغم مرضه. وفى صباح يوم الجمعة 19 يناير 1979 توفى صلاح منصور فى مستشفى العجوزة.

وُلد صلاح منصور عام 1923 بشبين القناطر بمحافظة القليوبية، وتخرج في معهد التمثيل عام 1947، وكان ميلاده الفنى على خشبة المسرح المدرسى عام 1938 وكان عمره وقتها 15 عاماً، وبعد عامين أنهى دراسته فى مدرسة شبين القناطر بمحافظة القليوبية، وغادر بلدته إلى القاهرة، وعمل صحفياً فى مجلة «روز اليوسف»، وتركها ليلتحق بمعهد التمثيل، وتخرج عام 1947 فى الدفعة الأولى التى ضمت فاتن حمامة وشكرى سرحان وفريد شوقى وعمر الحريرى وغيرهم.

كون صلاح منصور مع زملاء دفعته فرقة «المسرح الحر» عام 1954، واشترك فى العديد من المسرحيات مثل «الناس اللى تحت» و«ملك الشحاتين» و«برعى بعد التحسينات» و«زقاق المدق» و«ياطالع الشجرة» و«رومولوس العظيم» و«زيارة السيدة العجوز»، شارك فى العديد من المسلسلات الإذاعية، عام 1947، منها سهرة بعنوان «شهر فى الجنة»، بطولة نعيمة وصفى وزهرة العلا، كما أخرج للمسرح كثيراً من المسرحيات منها «عبد السلام أفندى» و«بين قلبين»، وأخرج للبرنامج الثانى للإذاعة عدداً من الروايات والمسرحيات العالمية، كما شارك فى الكثير من التمثيليات والمسلسلات التليفزيونية، آخرها المسلسل الدينى «على هامش السيرة».

شغل منصور منصب مستشار، فى إدارة التربية المسرحية بوزارة التربية والتعليم حتى وفاته، وهو من الممثلين الذين ازدادوا موهبة مع الزمن.

فى الستينيات جسد أدواراً معقدة بالغة الصعوبة والأهمية ويمكن مشاهدته بقوة فى «لن أعترف»، «الشيطان الصغير»، «أرملة وثلاث بنات»، «الزوجة الثانية».

قبل أن يتوهج صلاح منصور فنياً كان يقدم الدور الثانى دائماً وربما يكون دوراً هامشياً، حتى شارك فريد شوقي بدور ثانوى بفيلم «بداية ونهاية» ولكنه أبدع من خلال هذا الدور فالتفتت له الأنظار بقوة، ولكنه ظل يقدم أدواراً ثانية إلى أن جاءته الفرصة، وهى فيلم «الزوجة الثانية» والذى يعد علامة فارقة فى حياته الفنية، وبرغم أنه لم يكن المرشح الأول للدور إلا أن القدر أراد أن يسلط الضوء عليه، ففيلم «الزوجة الثانية» إحدى أهم علامات السينما، واحتل المركز 16 فى قائمة أفضل 100 فيلم فى السينما المصرية، ورغم ارتباط الجمهور بهذا الفيلم وخروجه بشكل مكتمل، وكأن كل أبطاله فصلت لهم الأدوار خصيصاً، إلا أن هناك العديد من الترشيحات التى سبقت التعاقدات الفعلية والتى لا يعلم عنها الجمهور شيئاً.

وكان هذا الفيلم هو البطولة الأولى للنجم صلاح منصور، وظل علامة فى تاريخه الفنى حتى لُقب من بعده بـ«العمدة»، ولكن الحقيقة أنه لم يكن البطل الحقيقى للفيلم منذ البداية، بل كان الدور مكتوباً فى الأساس للراحل أحمد مظهر ليؤدى دور العمدة، وقد اختاره المخرج صلاح أبو سيف لأنه كان يحبذ أن يجيد البطل ركوب الخيل، وبالفعل تم الاتفاق مع مظهر على الدور، وبسبب خلاف على المقابل المادى اعتذر مظهر، ليسند العمل إلى صلاح منصور ويفتح له باب النجومية، وأدى منصور الدور بمستوى وصفه بعض النقاد بأنه سيكون «متعباً لمن سيؤديه من بعده»، بهذا المزيج المذهل من الشر المضحك إلى حد الهزل، لكنه يظل شراً مؤذياً ومدمراً استناداً إلى سلطة قاهرة.

هناك جوانب أخرى فى شخصيته توارت وراء شخصية «عمدة الشر» فى السينما المصرية، فقد تقلب الراحل بين مجموعة أعمال، فعمل صحفياً فى البداية مدة وجيزة فى مجلة «روز اليوسف»، كما كون فرقة «المسرح الحر» التى قدمت مسرحيات عدة لم تحظَ بالشهرة المناسبة، فضلاً عن مجموعة أعمال أخرجها للتليفزيون والإذاعة.

ظل محتفظاً بمنصبه الحكومي، منفذاً وصية الأمثال الشعبية التى تشدد على الالتحاق بتراب العمل «الميري» الحكومى؛ ضماناً للأمان المادي، فظل حتى وفاته فى وزارة التربية والتعليم، مستشاراً فى إدارة التربية المسرحية بالوزارة.

نال الراحل جوائز عدة أكدت مكانته المتميزة فى التمثيل، اختتمها بالحصول على جائزة الدولة التقديرية من أكاديمية الفنون فى أكتوبر من عام 1978، فى الاحتفال بعيد الفن.

من الأزمات التى مر بها صلاح منصور خلال حياته كان فقدانه لنجليه اللذين كان يشعر بأنهما سنده فى الحياة، ويطمئن لأنهما سيكونان فى وداعه عندما يحين أجله، إلا أن القدر قد كتب عليه أن يودعهما هو ويظل باقياً يصارع عذابات الفراق.

بعد سنوات طويلة ناضل فيها الفنان فى سبيل إنقاذ الابن من المرض، أنفق كل مدخراته على العلاج، ونفدت مخصصات العلاج على نفقة الدولة، وكان قد وصل فى رحلة العلاج الطويلة إلى لندن، وتزامن وجود الرئيس الراحل أنور السادات هناك فى ذلك الوقت، فالتقاه صلاح منصور وناشده استمرار علاج ابنه على نفقة الدولة، فقبل السادات ووقع أمامه على الطلب، إكراماً له، فهو والد شهيد حرب أكتوبر عام 1973.

وموت الابن الثانى فاجعة جديدة فى الأسرة، أسلمت الفنان لرحلة من المتاعب الجسمانية؛ كان وقع فراق الابن مختلفاً هذه المرة، بخلاف ما حدث عند استشهاد ابنه الأول، الذى ابتهج عند توديعه حتى إنه وزع الحلوى على الجيران والمارة، مردداً «ابنى بطل.. ابنى بطل».

وقد كشف نجل شقيقه عن أزمة أخرى فى حياة عمه، وقال فى تصريح خاص لـ«الكواكب»: «كان وسيظل عمى رحمة الله عليه من عمالقة التقمص، مما كاد يعرضه للقتل فى اليمن، فقد تعدى عليه الجمهور بالضرب من شدة احترافيته فى تجسيد دور الإمام بن يحيى فى فيلم ثورة اليمن، عام 1966، أثناء تصويره بعض المشاهد فى شوارع اليمن، ولم ينجه من أيديهم سوى الأمن اليمنى الذى كان يرافقه أثناء التصوير».

وأضاف: «هناك أيضاً شائعة تقول إن عمى صلاح تعرض للاغتيال أثناء وقوفه على خشبة المسرح، الحادثة حقيقية بالفعل، ولكن لم يكن عمى صلاح بل كان عمى شعلان محمد، وكان ممثلاً ومنتجاً وأثناء تأديته لدور على خشبة المسرح، تم تبديل الأدوات التى تستخدم للقتل بالمشهد من سكين ديكور إلى سكين حقيقية، وبالفعل تم ضربه بها، وسقط أرضاً لكنه لم يمت، وكان جرحاً فقط، ويقال إن القائمين على الأكسسوار غيروا السكين عن طريق الخطأ وهو ما لم نقتنع به حتى اليوم».