الخميس 18 ابريل 2024

هل يمكن للمسلسلات أن تصنع المعجزات وتعالج قضايا المجتمع؟!

مسلسل ب ١٠٠ وش

19-1-2023 | 15:59

هبة عادل
عديدة هى ومتعددة القضايا التى تطرحها المسلسلات الدرامية وصناعها عبر شاشات التليفزيون، وقد برع العديد من كتابنا فى السنوات الأخيرة فى وضع أيديهم على الكثير من الهموم والمشاكل والأزمات التى يعانيها سواء الفرد أو الأسرة أو المجتمع ككل، فمن قضايا الثأر والميراث والانتقام والكراهية بين الأخوة والأخوات إلى العلاقات الزوجية الفاشلة وصعوبات تربية الأبناء فى هذا الزمن الصعب وحتى العنف الأسرى وغير الأسرى والفروق الطبقية وتعدد الزوجات إلى ظواهر البلطجة والإدمان وحتى بيع الأبناء بمقابل مادى وصولا للسحر والشعوذة والنصب وحتى التطرف والإرهاب، وما نلاحظه أن هذه الأعمال فى معظمها تبدع فى تقديم المشكلة وتشريحها وطرح زواياها المتعددة، ملقية الضوء بلا شك حول رسائل بعينها من خلال بعض الدروس التربوية أو الخطاب التوعوى على أفضل تقدير ولكن حيال جمهور مختلف الثقافات ومستويات التلقى، هل يكفى تقديم القضايا دون حل؟ هل يقتصر دور الدراما على مجرد الطرح دون علاج وإصلاح؟ أم على الفن أن يستكمل دوره ويمتد لمرحلة وضع آليات وحلول من شأنها تغيير المجتمع؟ هذا ما نتعرض له من خلال تحقيقنا التالى.. فى البداية يقول المخرج إبراهيم فخر والذى قدم لنا مؤخراً المسلسل البديع «خيط حرير» للنجمة مى عز الدين والفنانة نيقولا معوض وتعرض لمشكلة الفوارق الطبقية والاجتماعية، وكيف أنها مازالت تشكل حائط صد أمام استكمال العديد من قصص الحب ووصولها لبر الأمان وكيف أن ذلك من الممكن أن يولد مشاعر الحقد والغيرة والتى تصل إلى الرغبة فى الانتقام أحيانا، فخر يرى أن الدراما دورها أن تشاور على المشكلة ولكن ليس عليها وضع حلول لها، هى تقول من خلال العمل فين المشكلة أو خلو بالكم، فيه المشكلة الفلانية فى المنطقة الإنسانية أو الاجتماعية دى وتنبه الناس لها، وهو ما تفعله الدراما من زمان، فأذكر مثلاً فيلم آسفة أرفض الطلاق والذى قدم فى مطلع الثمانينيات للمخرجة الكبيرة إنعام محمد على من تأليف نادية رشاد وبطولة ميرفت أمين وحسين فهمى وتحدث كيف واجهت الزوجة المخلصة والمتعاونة فى حب ورعاية زوجها وابنتها وبيتها لمدة عشر سنوات، ليفاجئها الزوج بقرار الطلاق فى منتهى القهر والقسوة التى رفضت أن تستقبلها بنفس الهدوء والصمت، وكان الفيلم ناقوس إنذار للسيدات من وقتها لرفض هذا القهر الاجتماعى الكبير بلا أدنى ذنب، المهم أن الدراما عليها الدور التنبيهى وعلى المسئولين كل فى مجاله وحسب نوع المشكلة وضع الحلول، مثلما حدث أيضاً مع الفيلم الشهير جعلونى مجرما للملك فريد شوقى، وكيف عالج قضية إسقاط السابقة الأولى للسجين حتى يستطيع أن يستكمل حياته بشكل سوى طالما أنه قضى فترة عقوبته وتعلم منها، فالفيلم درامياً نبه لوجود هذه المشكلة التى قد تدمر حياة الكثير وربما تدفعهم للعودة إلى حياة الجريمة مرة أخرى إذا لم يحتويهم المجتمع، أما المشرعون وواضعو القوانين هم من تعاملوا قانونيا مع العمل، فالدراما، تشير، تحذر ولكن ليس دور الكاتب أو المخرج أن يضع حلولاً حتى من خلال العمل الدرامى، فعلى المتخصصين أن يدرسوا الظاهرة المشار إليها فى العمل، ويتابعوا الطرح الدرامى ويتحققوا هل ما طرحه المسلسل هو موجود بالفعل على أرض الواقع أم أنها مجرد مبالغات درامية أو فقط حالات فردية استثنائية، وإذا تأكدوا من كونها ظاهرة عليهم أن يفكروا فى حلها بشكل عملى وأن يضعوا الحلول سواء الاقتصادية أو الاجتماعية أو القانونية، حسب نوع المشكلة المطروحة. ويرى المخرج مرقس عادل والذى قدم فى الموسم الرمضانى السابق مسلسل «فرصة تانية» للنجمة ياسمين صبرى مع أيتن عامر وأحمد مجدى، والذى عالج فكرة مهمة جداً على صعيد العلاقات العاطفية ومن ثم الاجتماعية، حيث التسامح مع الحبيب إذا أخطأ وحتى إذا وصل الخطأ إلى حد الخيانة، فهل يمكن للمرأة أن تمنح فرصة تانية وتغفر لحبيبها وتستكمل حياتها معه ؟ أيضاً عالج قضية الحب من طرف واحد والذى قد يصل بالفتاة إلى حد الهوس والمرض النفس، كما فعلت أيتن عامر فى حبها لأحمد مجدى حتى وصلت بها الحال لقتله لأنه لا يبادلها نفس الحب ولأنه يحب امرأة أخرى هى ياسمين صبرى، ويرى مرقس أن جزءا من مسئولية الدراما أن تلقى الضوء على مشكلة بعينها، أما إيجاد الحلول من خلال العمل فهو option أو offer أى بمثابة جزء زائد على حدود عمل المؤلف، إذا تبرع به مشكوراً ووضع حلول بقلمه كان بها وإذا لم يفعل، فهو غير مدان أو متهم بالتقصير، فهو فى الأساس ليس دوره أو دور العمل الدرامى، ولا يستطيع أحد أن يلومه أو يقول له: انت معملتش اللى عليك فالحلول الدرامية لا يمكنها مهما كانت أن تبنى مجتمع. من جانب آخر تحدث مرقس قائلاً: علينا أن ننتبه أيضاً أن الأعمال لا تقدم فقط السلبيات والمشاكل ولكن هناك أعمالاً تظهر وعليها أن تظهر الإيجابيات والشخصيات الناجحة وهذا التباين فى التفاصيل هو ما يصنع الدراما ويجعلها وجبة متكاملة وممتعة للمشاهد، وحتى السلبيات يمكن تناولها من عمل لآخر برؤية مختلفة حسب تصور الكاتب والمخرج لطبيعة المشاكل التى أرادا أن يعالجاها فى عملهما الدرامى، أنا شخصيا أفضل أن أطرح قضية أو فكرة معينة فى أعمالى ولا أنهى المسلسل بوضع حلول مباشرة لها وكأنها قوالب على الجميع السير فيها، أنا أفضل النهايات المفتوحة، التى تدعو للنقاش والتفكير، لأن ممكن أن أضع حلاً يناسب البطل أو البطلة حسب شخصياتهم وظروفهم فى المسلسل ولا يمكن تطبيقه على شخصيات أخرى بظروف أخرى فى الواقع. أما المؤلف والسيناريست محمد الحناوى والذى قدم مؤخراً مسلسل «قوت القلوب» للنجمة ماجدة زكى من إخراج ملك الفيديو مجدى أبو عميرة، متطرقا لقضية اجتماعية حساسة، حيث الأم التى تعمل عاملة نظافة فى مدرسة، وقد توفى زوجها شهيداً، وهى المسئولة عن تربية أربعة من الأبناء، وقد ضحت فى هذا الإطار حتى خرج أحدهم وكيل نيابة وآخر طبيب وأخرى مدرسة فى نفس المدرسة، ولكن دائماً داخلها شعور أنهم يخجلون من عملها، فتتخلى عنه حتى يرفعوا رأسهم فى المجتمع، وعن دور الدراما يقول الحناوى: الإرشادات والنصائح والتوجيهات وفكرة وضع الحلول، هى أدوار منوط بالقيام بها المصلح الاجتماعى، الكاتب الصحفى، المحلل النفسى، اللايف كوتش، وليس كاتب الدراما، فالأخير دوره أن يعرض القضية ويضع تصوره الشخصى للحلول على لسان أبطال العمل ولكن بشكل غير مباشر، فحتى إذا اعتبرنا أن كاتب الدراما منوط به وضع بعض الحلول، فعليه أن يقدمها بشكل بسيط دون إملاء أو استعلاء، فالدراما ليس دورها بالطبع فقط طرح المشاكل الاجتماعية، ولكن ثمة حلولا يمكن أن يصل لها خيال مبدع العمل، لكن عليه الحذر فى طرحها، فهو لا يكتب تقريراً صحفياً ولا يجب أن يضع حلولاً نمطية، يشعر من خلالها المشاهد أن أحداً يلقنه حلاً بعينه لقضية أو مشكلة بعينها وفى هذه الحالة لن يتفاعل المشاهد مع العمل أصلاً، والكاتب الذكى هو من يدفع المشاهد للتفاعل مع العمل ويحاول بنفسه أن يفكر ويضع نفسه مكان البطل، ويتلمس بنفسه مساوئ ظاهرة مثل تعاطى المخدرات والإدمان والبلطجة وغير ذلك من المشاكل الاجتماعية الخطيرة، ويلفظها بنفسه عندما يجد كيف كانت نتائجها وتباعتها على حياة البطل وأسرته، فالكاتب هنا عليه أن يظهر الشكل المسئ للظاهرة، ليخرج المتابعين كارهين للحالة السيئة والمشاهد يختار، ويسأل نفسه أنت لو مكان البطل، هتعمل إيه؟!، هتتصرف إزاى، هتمشى زيه ولا ها تبعد؟، وهكذا نكون قد أخرجنا الحل من داخل المشاهد ولم نمله عليه من فوق وهو ما أسميه بـتسريب الحل من تحت الجلد. وترى المؤلفة شهيرة سلام صاحبة المسلسل البديع «أريد رجلاً» والذى تعرض لفكرة قرار الزواج عند الرجل واختيار شريكة حياته بين مشاعره وحبه وبين رغبة أمه المرأة القوية المسيطرة فى اختيار زوجة أخرى تراها الأنسب، وتقول شهيرة: الفنان بشكل عام سواء كان ممثلاً أو كاتباً أو مخرجاً، يلتقط صورة معينة فى المجتمع، أياً كان محتواها، سلبياً أو إيجابياً، والفنان دائماً له حس خاص جداً فقد يمر الشخص العادى على نفس المشهد أو نفس الصورة مرور الكرام ولا تستوقفه، ولا يشعر أو يستشعر مدى سؤها وفجاجتها، لكن يأتى فيلم أو مسلسل ليركز على تناول هذه الظاهرة ويجعل المشاهد يرى ما لم يشغل باله من قبل حيال نفس القضية، ومن ثم فدور الفن والفنان كاشف، حتى أن لوحات الفن التشكيلى القديمة، يبدو فيها الكتاب وهم حاملو الشموع، وكأنهم المنوط بهم إضاءة الأشياء المظلمة فى الحياة. وإذا كان دور الفن فى المقام الأول هو التسلية وأنا شخصياً أؤمن بذلك، فلنوظف ذلك فى جذب الانتباه ونعرض ما نشاء من خلال هذه التسلية، التى لولاها، ما انجذب الناس أصلاً لمتابعة العمل، فدور الدراما الأول هو جذب الانتباه وهى أهم أدوات الكاتب، أما إذا وضعت ككاتبة الحل فى نهاية العمل، أكون بذلك قد حجرت على عقل المشاهد وخياله، لأن المؤلف قد يضع حلا يناسب شخصية البطل فى ظروفه المطروحة فى العمل، والمشاهد قد يمر بنفس الأزمة لكن على خلفية ظروف أخرى تماما، والحل الذى ينفع هذا قد لا يجدى مع ذاك، ويمكن أن يضع المشاهد حسب تصوره حلا أفضل من الذى قد يضعه صناع العمل ومن ثم فليس دور الدراما وضع قوالب جامدة للحلول ولكن عليها ترك مساحة للمشاهد نفسه أن يجتهد ويشارك فى التفكير. ويرى الناقد الكبير طارق الشناوى أن الدور الأساسى للدراما هو إثارة المشاكل، وطرح ما نعيشه على الملأ وعلى الشاشات، حتى يحدث الحراك الذى يؤدى بدوره إلى تنبيه القائمين على إيجاد الحل، لكن الكاتب والمخرج والفنان لا يملكون أدوات الحل، فالمؤلف مثلاً يشير إلى المشكلة ويمكنه أن يشير أيضاً لما ينبغى أن يكون الحل، كتصور، وإذا استطاع كاتب عرض المشكلة بصدق ووصلت للمشاهدين ولصناع القرار يبقى عمل إللى عليه وزيادة. ويكفى الدراما عند هذا الحد شرف إلقاء الضوء وإثارة الانتباه حول المشكلة وهو دور عظيم فى حد ذاته إذا ما لعبته بشكل جيد، لأن أحيانا يخاف البعض من التناول والتعاطى مع بعض القضايا الشائكة، خشية محاكاتها فور عرضها درامياً، فلدى البعض تصور أن ذيوع المشكلة على الشاشة يؤدى إلى انتشارها اجتماعياً، فمثلاً مسلسل يتعرض لظاهرة تعاطى المخدرات وإظهار حجم سلبياتها وأنها جريمة أخلاقية واجتماعية وصحية وقد تؤدى فى كثير من الأحيان لتدمير المدمن تماما وصولاً إلى الوفاة، هنا يهدف الكاتب من التعرض والطرح إلى القضاء على الظاهرة، ولكن أحيانا يؤدى ذلك لانتشارها والرغبة فى تجربة الحالة واختبارها أو الطمع فى الثراء الحرام، على أية حال يظل هذا الأمر مرهونا بأسلوب المعالجة الدرامية، وكيف يمكن الالتزام بأنك تكتب والمفروض عليك تجنيب المجتمع ويلات هذه الظاهرة أو تلك مع توخى الحذر من التورط فى الترغيب ومحاكاة الشاشة، وهذا الخيط الرفيع هو ما يفرق بين المبدع الحقيقى صاحب الضمير الوطنى الذى يحركه كرقيب من الداخل وبين آخر لا يهمه سوى الاستسهال دون الاكتراث بالتبعات. من جانبها أيضاً ترى الناقدة الفنية حنان شومان: أن الفن بجميع أفرعه سواء سينما، مسرحا، موسيقى، مسلسلات، إلخ، ليس دوره أن يحل مشكلات المجتمع، فقط دوره أن يلقى الضوء عليها والدراما التليفزيونية خاصة والتى تدخل إلى البيوت وتتلامس مع الناس بشكل كبير، ليس من أدوارها على الإطلاق إيجاد الحلول، إذا وضع كاتب ما، حلاً ما، مش ها يبقى غلطان لكن فى الأساس هو ليس دوره، فكيف نتصور أن مؤلفا مثلاً يستطيع حل مشكلة البطالة أو الزيادة السكانية، او يمكنه أن يعيد التوازن الأخلاقى فى المجتمع؟، هو يطرح القضية فى عمل ويوضح سلبياتها وتبعاتها وكتر خيره لكن إذا لم يضع حلولاً، فلا يمكن أن أعاتبه لأنها مش شغلته وبذلك نكون بنحمله فوق طاقته بل وأكثر، تكون بنحمله ما لا يجب أن يتحمله، وفى أى مجتمع هناك علماء وقانونيون ومسئولون هم المنوط بهم إيجاد الحلول وليس كتاب الدراما، وذلك لسبب آخر أيضا، هو أن صناع الدراما يتناولون فى أعمالهم حالات فردية، من خلال قصة حب مثلاً، وكل قصة لها وضعها وحبكتها وإشكالياتها غير الأخرى، ولا يوجد حل واحد يمكن تعميمه على كل القصص، ومطالبة صناع الدراما بوضع حلول من خلال أعمالهم يحولهم ويحول فنهم إلى فن مدرسى أو إلى تلقين على طريقة أبلة الناظرة، ولكن التصور الأمثل من وجهة نظرى يأتى من تقديم الفن الراقى والممتع والجيد والذى يستطيع بالتراكم أن يزيح الظواهر السلبية، فتراكم التعرض للرقى والجمال والإبداع والظواهر المتحضرة والإيجابية، يرقى من المشاعر والتصرفات والسلوكيات ويؤثر فى المجتمعات، ليس من عمل واحد، ولكن مع جملة أعمال وعلى نطاق زمنى ومدى طويل ومن خلال تصوير جيد وموسيقى مؤثرة وكلمات إيجابية وهادفة، لكن لا يمكن تصور أن فيلم ولا يوجد فى الكون فيلم أدى لانتشار ظاهرة أو قضى وحل ظاهرة، باستثناء قلة قليلة من الأعمال التى تعد كطفرات مثل: أريد حلاً وكلمة شرف، ولكنها تبقى استثناءات وليست القاعدة الأساسية فى تعامل الدراما مع واقع المجتمع والقدرة على تغييره.