الجمعة 22 نوفمبر 2024

سؤال للمبدعين.. لماذا اختفت أغنيات الأم؟!

أغنية صباح الخير يا مولاتي

20-1-2023 | 11:52

رشا صموئيل
كثيرة هى الأغنيات التى تغنت للأم، ولكن قليلة هى التى مست إحساسنا وترسخت فى ذاكرتنا ولمست أوتار قلوبنا.. من منا يستطيع أن ينسى أغنية «ست الحبايب» للمطربة فايزة أحمد وألحان الموسيقار محمد عبد الوهاب وكلمات حسين السيد، وأيضًا صوت شادية الذى ارتبط بعيد الأم فى أغنيتى «سيد الحبايب» و«أمى حبيبتى» كلمات عبد الرحيم منصور ولحن وتوزيع جمال سلامة، وكذلك أغنية «صباح الخير يا مولاتى» لسعاد حسنى كلمات صلاح جاهين وألحان كمال الطويل. لم تكن تلك الأغانى مجرد كلمات نرددها كل عيد أم، ولكنها أصوات وكلمات وألحان عاشت معنا واخترقت قلوبنا بمنتهى الانسيابية فى أداء مطربيها المفعم بالحس العالى لتعيش معنا عشرات السنوات وتصبح رمزًا مرتبطاً ارتباطًا وثيقاً بعيد الأم. ومع خلود تلك الأغنيات رغم مرور تلك السنوات، تبادر السؤال إلى أذهاننا، ما سبب خلود تلك الأغنيات.. ولماذا لا توجد أغنيات للأم بمثل شهرة وانتشار الأغنيات القديمة على الرغم من أن الساحة مازالت ولادة بالأصوات والشعراء والملحنين المتميزين.. هل هو تقصير أم فقر فى الإبداع؟ توجهنا بسؤالنا إلى مجموعة من  الشعراء والملحنين والمطربين، الذين التقتهم «الكواكب» ليجيبوا عن هذا السؤال عبر التحقيق التالى... فى البداية تحدث الشاعر فوزى إبراهيم، مفرقاً بين أمرين.. الأول أن أغانى الأم القديمة مازالت موجودة حتى الآن، والثانى هو افتقارنا إلى أغنية ناجحة للأم بنفس الدرجة حالياً، مؤكداً ضرورة هذا الفصل. عن سبب بقاء الأغانى القديمة حتى اليوم، أضاف: أولاً مازالت الأغانى القديمة موجودة بقوة، لما تتمتع به من الصدق فى الكلمات واللحن والأداء، كما أن معايشة عناصر الأغنية وتوحدها معًا كان سبباً مهماً فى بقاء تلك الأغنيات، فكنا نجد اجتماع الملحن مع المؤلف بالمطرب، فالحالة كانت جماعية، أما السبب الثالث والأساسى فهو أن هذه الأغانى بالتحديد أخذت حظاً وفيراً من إذاعتها وتكرارها سنوات طويلة، فمن الطبيعى أن تحقق لنفسها رصيدًا ومكانة خاصة فى وجدان الناس، ولذلك فمن الظلم أن نضع الأغانى الجديدة فى مقارنة مع القديم إلا بعد منحها نفس عدد السنوات والتكرار التى منحت للقديم كى نستطيع أن نقول إن هناك تكافؤ فرص ومقارنة منصفة. هذا فيما يخص سبب بقاء القديم وسيطرته على أذهان المتلقى، وتفوقه على الأغنيات الحديثة. أما بالنسبة لعدم وجود أغانٍ جديدة تضاهى القديمة بنفس قوتها، فهناك عدة أسباب أيضاً، أولاً، أن قديما كان هناك احتضان لتلك الأغنيات واهتمام بإنتاجها وإذاعتها وانتشارها عبر الإذاعة والتليفزيون، ولكن الآن أصبح المنتج يتجه للأغانى العاطفية لأنها الأكثر ربحًا، ولو طلب منه إنتاج أغنية عن الأم سيتردد كثيرًا جداً لأنها أغنية المناسبة الواحدة، ولن تأتى بمصاريفها، فصارت أغنية الأم الآن اجتهاداً شخصياً من المؤلف والملحن والمطرب، يصرفون عليها بأنفسهم، وفى النهاية لا تذاع أو تسوق جيداً، ولكن للأمانة هناك محاولات جيدة لإعداد أغانى للأم وأنا شخصيا قمت بتأليف أغنية للأم بعنوان «ماشى السكة ياما ماشى»، غناء محمد رءوف، ولكنها لم تنل حظها الكافى لغياب رءوف عن الساحة.  أما  الشاعر تامر حسين،  فقد أرجع سبب ضعف تلك النوعية من الأغنيات  وعدم نجاحها إلى المطرب الذى يعتبرها أغنية اليوم الواحد، وليست أغنية للتاريخ، وهو ما أضعف إقبال  المطربين على تقديمها، ولو قدمت تأتى مصطنعة، خالية من الإحساس الحقيقى الذى كانت تتمتع به الأغانى القديمة، لأنهم أصحابها بالتأكيد لم يتعمدوا صناعتها وبالتالى تعيش معنا إلى الآن، وبحكم تجاربى التى كتبتها سواء عاطفياً أو وطنيًا أو دينياً، فلم أقدم يوماً أغنية خصيصًا لمناسبة بعينها، بل إن جميع كلماتى نابعة من مشاعرى وأحاسيسى وأنا شخصياً أعترف بأننى مقصر فى كتابة أغنية عن الأم ربما لأن لها رهبة وهيبة لابد من احترامها وتقديرها، وبالفعل أتمنى كتابة أغنية عن الأم ولكن غير مألوفة ومختلفة وتناسب العصر وفى نفس الوقت أغنية للتاريخ. وتحدث الملحن حلمى بكر قائلاً: الأغانى القديمة الخاصة بعيد الأم والتى مازلنا نعيش على أطلالها محدودة وعلى رأسهم «ست الحبايب» لعبد الوهاب وسبب استمرارها ونجاحها إلى الآن أنها كانت تكتب وتلحن وتغنى بإحساس عالٍ جدًا، ولذلك كانت الأغنية تعبر تعبيرًا حقيقياً عن الدفء فى المشاعر والأحاسيس التى كانت تحيط الحياة الأسرية فى ذلك الوقت، المشاعر التى أصبحت فاترة مما جعلنا نعطى ظهرنا لكل ما هو جميل، ومن ضمنها الأغنية، فكيف نصنع أغنية للأم فى ظل بعض المشكلات المجتمعية فصارت أغانى الأم فى هذا الزمن تقدم تأدية واجب ولذلك نفقد الأحساس بها، يجب علينا أن نربى الطفل على أهمية أمه والولاء لها، ليذكر المجتمع بعيد الأم وليس العكس. وأكد الملحن محمد رحيم، أننا مازلنا نحيا على القديم فى أغانٍ كثيرة وليس للأم فقط، ولكن لابد أن نتحدث بشكل عادل ومنصف حتى لا نوضع فى مقارنة غير متكافئة مع القديم، فالأغانى القديمة كانت سهلة الانتشار من خلال إذاعتها عبر الإذاعة ثم التليفزيون بقناتيه الأولى والثانية فقط، مما يساعد على تكرارها وانتشارها وتمركز الجمهور حولها، ولكن مع تعدد القنوات الفضائية اليوم، أصبحت كل قناة تعرض محتوى مختلفًا من الأعمال الفنية؛ مما يشتت ذوق المشاهد، ويجعل صناع العمل الفنى الآن مظلومين لأن أغنياتهم تظلم مع كثرة وتعدد القنوات الفضائية؛ لأن أى محاولات تقدم فعليًا لا تأخذ صدى كافياً ولا تنال حقها من الانتشار، ولذلك يحتاج المبدعون لدعم كافٍ خاصة فى أغانى الأم والأغانى الوطنية. واعترف رحيم بقوله: فى النهاية لابد أن نعترف بأننا نمر بمرحلة انتقالية، من حيث تغير الذوق العام  وآمل أن نعود بالفن لمرحلة جيدة، وأنا بالفعل لدي أغانٍ للأم لم يتم طرحها بعد، وأبحث عن مطربين جدد لأدائها أو العودة بمطربين متوقفين ذوى خامة صوت متميزة، خاصة بعد نجاح تجربتى فى إعادة المطرب صاحب الصوت الجميل محمد ثروت   بأغنية «يامستعجل فراقى» كلمات تامر حسين التى أعادت ثروت بقوة وشكل عصرى مختلف والأجمل من نجاح الغنوة هى نجاح الفكره وتجربة كاملة، وأعتبرها بداية الخيط لنجاحات كثيرة متتالية إن شاء الله. ويشير الملحن هانى مهنا إلى أن هناك محاولات بالفعل تمت ومن كبارالمطربين ولكنها لم تنجح بالشكل المتوقع، متسائلاً: أين الكاتب الذى يكتب مثل حسين السيد تعبيراً مثل «وتقومى تشقرى»، هذا التعبير الخارج من القلب، فهو مفرد لغوى من الصعب استدعائه فى أغنية، وهذا يدل على وجود الحميمية بشكل كبير وحب ربانى يعبر عن قوة العلاقة بين الأبناء والأم، لكن الآن تغيرت تلك العلاقة بحكم التكنولوجيا التى أحدثت فتوراً فى قوة العلاقة وأيضاً تمردًا جعل غياب الاحترام بين الأبناء والأم شيئاً طبيعياً، فللأسف الشديد المناخ نفسه اختلف وبالتالى أثر على قوة وتأثير الأغنية على المجتمع والدليل على ذلك عند طرح أغنية للأم لا تأخذ الصدى القوى وأنا شخصيًا لا أتأثر بالجديد مثلما كنت أسمع عبد الوهاب وهو يعزف على العود «ست الحبايب»، فقد كنت أبكى بشدة. أما المطربة نادية مصطفى، فقالت: أنا ضد الرأى الذى يقول إن الكلمة لم تعد تمس المشاعر والأحاسيس ولذلك لا تصل للجمهور، بل إن الخلل نابع من إذاعة الأغانى الجديدة والذى قد يفتقر إلى التسويق والانتشار، ، وهذا لا ينطبق على عيد الأم فقط، بل فى كل مناسبة نجد غنوة واحدة هى التى تذاع. واستشهدت نادية بإحدى أغنياتها للأم، قائلة: أنا مثلًا قدمت أغنية للأم اسمها «غالية عليا وحبك غالى»، كلمات عبد الوهاب محمد وألحان محمد سلطان، ولكن للأسف لا تذاع بجانب الأغانى القديمة، وبالمناسبة أنا هنا لا أتحدث عن نفسى فقط. المطربة آية عبدالله كانت لها تجارب مع أغنيات الأم، منها أغنية، «سكر ياما»، لكنها تشير إلى أن أغنيات الأم تحتاج إلى التسويق. مضيفة: كما أن هناك سبباً آخر فى سرعة انتشار الأغانى القديمة، سواء لفايزة أحمد أو شادية وهو  توظيفها فى الأفلام بما ساعد فى توثيقها، وأيضا إذاعتها فى باقى المناسبات. وأشار الناقد طارق الشناوى: إلى أن عيد الأم ليست المناسبة الوحيدة التى نتمسك فيها بالأغانى القديمة، بل هناك مناسبات أخرى، منها العيد وأغنية «ياليلة العيد أنستينا» لأم كلثوم، وكذلك فى رمضان وأغنية «وحوى ياوحوى» لأحمد عبد القادر، التى ظهرت نهاية العشرينيات ثم «رمضان جانا» لعبد المطلب و«هاتوا الفوانيس» لمحمد فوز. فطبيعة الأعياد تميل إلى تكرار ما ألفناه بدليل أن أغانى الربيع تقتصر على غنوة الربيع لفريد الأطرش على الرغم أن عبدالوهاب وأم كلثوم غنوا للربيع، أيضًا عندما جاء صلاح جاهين وكمال الطويل وسعاد حسنى فكروا فيما يتلاءم مع العصر وظهرت على أيديهم وقتها أغنية «الدنيا ربيع» عام 74ونجحت نجاحًا منقطع النظير أيضًا، على نفس الحال صارت أغانى الأم عندما ظهرت  بأصوات محمد عبد الوهاب وفايزة أحمد وشادية ونجاة دخلت قلوبنا ومازلنا نرددها إلى الآن، ولكنها لم تمنع من ظهور أغنية «صباح الخير يامولاتى» للسندريلا سعاد حسنى، وهذا لا يمنع أن هناك محاولات جادة لظهور أغانٍ جديدة للأم مثل أغنية «دعوتى فى الفجر يامة» لعلى الحجار، كلمات جمال بخيت وألحان محمد قابيل ولكنها لم تأخذ حظها الكافى من النجاح. ولذلك أقول إن السبب فى عدم ظهور غنوة ناجحة للأم إلى الآن يعود لفقر الخيال والفكر الإبداعى عند المؤلفين، وأرى لو استطاع شاعر وملحن ومطرب أن يتحدوا للعثور على إطلالة مغايرة تتماشى مع العصر فمن الممكن جداً أن تنجح وتكون إضافة ناجحة ومتميزة لنجاحات التجارب الغنائية الماضية.   وأضافت الناقدة ماجدة خيرالله: أنه من الطبيعى ارتباط أغنية الأم بالمنتج، الذى يدير ظهره لهذه النوعية من الأغنيات، معتبراً إياها أغنية المناسبة الواحدة، وبالتالى لا تأتى بثمارها المادية فيتجه لأغانٍ تقدم فى أفراح أو مناسبات للاحتفال الراقص. والحقيقة أرى أن اختفاء هذا النوع من الأغانى يرجع لعدم الابتكار فى التفكير، فالأم تستميت من أجل أولادها ولذلك فهى تستحق الاهتمام، متوجهة بالسؤال إلى الشعراء والمؤلفين، لماذا يغفلون أغنية الأم ويسقطونها من اهتماماتهم، رغم تلك الزيادة المطردة فى أعبائها والمسئولية الملقاة على عاتقها. وتوقعت خير الله ظهور أغانٍ قوية لأن الإبداع ليس مرتبطاً بزمن أو أشخاص، فهو  لا يتوقف، والدليل ظهور أغنية «ماشربتش من نيلها»، التى قدمتها الفنانة شيرين بمنتهى البساطة وخفة الدم وبعيدًا عن النمط والمنهج المعتادين عليه ودائمًا أقول أن الجديد لا يلغى القديم، بل يضيف له.