الجمعة 26 ابريل 2024

بين الهبوط و الصعود كلمة السر وراء نجاح الأعمال الكوميدية!

من مسلسل الكبير أوي

27-1-2023 | 11:52

عمرو والى

دائما ما تحجز الأعمال الكوميدية مقعدها الخاص وسط كل الأعمال الفنية سواء على مستوى الدراما التليفزيونية أو السينمائية ، نظرا لطبيعة الجمهور المصرى والذى يفضل الضحك والفكاهة، وخلال السنوات الأخيرة تأرجح إنتاج الأعمال الكوميدية ما بين الصعود والهبوط فتارة تتزايد أعدادها ونجومها، وتارة أخرى تختفى بشكل ملحوظ، لصالح قوالب درامية أخرى، وسط أعمال ضعيفة، وانتقادات لاذعة لغياب الضحكة عن الشاشة ... فما السر وراء ذلك؟ وهل تدهور مستوى هذه الأعمال وأصبحنا نفتقدها أم أن هناك محاولات جادة ظهرت مؤخرا ؟
وقد  فرضت هذه التساؤلات نفسها وناقشتها «الكواكب» مع الخبراء والمتخصصين فى التحقيق التالى، فتعالوا معنا نتعرف ماذا قالوا من خلال السطور التالية..  

 


«إنتاج متنوع»  
ولكن قبل التعرف على تلك الآراء نستعرض سريعا أبرز  الأعمال الكوميدية  وضمت القائمة مسلسلات «الكبير أوى 6» بطولة أحمد مكى، و«مكتوب عليا» لأكرم حسنى، و«فى بيتنا روبوت 2»، بطولة عمرو وهبة، وهشام جمال، و«شغل فى العالى» للثنائى شيرين رضا وفيفى عبده، و«رانيا وسكينة» لمى عمر وروبى، و«عودة الأب الضال» لبيومى فؤاد، و«أحلام سعيدة» للفنانة يسرا، ومى كساب، وشيماء سيف، وغادة عادل 
«منظومة متكاملة»  
فى البداية أكد الفنان محمد ثروت: أن أزمة الأعمال الكوميدية تكمن فى النص والأفكار فقط لا غير، مشيرا إلى أنه لا توجد أية مشكلات بالنسبة للمواهب الفنية من الممثلين أو المخرجين، فمصر مليئة بالمواهب، مستطردا بقوله: «النص كما يقال أصبح عزيزا للغاية، ونادرا ما نجد نصوصا متميزة، وعلى سبيل المثال إذا ما عرض علىّ 10 أعمال كوميدية، أجد فقط عملين اثنين أو ثلاثة على أقصى تقدير هم الجيدين».
وأضاف ثروت قائلا: «أحتاج فى كثير من الأحيان إلى العمل على النص نفسه، ووضع اللمسة الخاصة بى، وهو مجهود مضاعف، ويتفاوت هذا الأمر من عمل إلى الثانى، فهناك بعض الأعمال التى تحتاج إلى مجهود يقارب الـ 60 % فيما يخص الكاراكتر، وبناء المواقف، والإيفيهات، وغيرها، وأدوار أخرى بنسب أقل، وهو أمر يحدث كثيرا عندما لا نجد المواقف فى العمل تساعد على الضحك».
واستطرد ثروت قائلا: «أعشق كوميديا الفنان الراحل سمير غانم والتى تعتمد على الارتجال، واعتبره أبى الروحى فى الكوميديا، كما أننى أحب مسرح الأستاذ فؤاد المهندس، والأستاذ نجيب الريحانى للغاية، بكل تفاصيلهما، وفى النهاية فالفن عمل جماعى يحتاج إلى نص قوى، ومخرج قوى، وممثلين متميزين، وكثيرا ما نتوقع نجاح العمل الكوميدى لمجرد ضمه للعديد من النجوم ولا يحظى بالنجاح المتوقع وهو أمر قد يحدث كثيرا بسبب عدم جودة النص فى المقام الأول».
«استسهال الكتابة»
ويرى الفنان هشام إسماعيل أن تراجع الكوميديا خلال السنوات الأخيرة يعود لسبيين رئيسيين.. الأول فكرة المقارنة التى يعقدها البعض بين مجموعة أعمال نجحت مسبقا ويحاولون تقليدها، وعلى سبيل المثال مسلسل «الكبير» بأجزائه.. الجميع يضعها معيارًا والفكرة أن مسلسل «الكبير» كانت له ظروفه الخاصة، ووقته الخاص، ومجموعة من الممثلين بتركيبة معينة، وتم صنع المسلسل بشكل وروح خاصة به «كسرت الدنيا»، ونجحت لأنها كانت مبتكرة ومتجددة، والممثلون بها كانوا فى أفضل حالاتهم، وبالتالى فكرة المقارنة مع أى عمل لا تصلح مطلقا.
وأضاف إسماعيل قائلا: السبب الثانى هو الاستسهال الشديد فى صناعة الكوميديا ككتابة والاعتماد على موهبة الفنان نفسه فقط، وكثيرا ما نجد فى بعض الأعمال اجتماع فلان وفلان من الفنانين، ويتوقع صناعه أن الجمهور سيقع من الضحك، وهذا أمر خاطىء وغير حقيقى بالمرة، فالكوميديا فى الأساس هى تأليف وكتابة مصنوعة بحرفية ومعها أستطيع بكل سهولة أن أحضر عمالقة من الفنانين العظماء مثل: كرم مطاوع أو سعد أردش واللذين تميزا بالأداء الجاد وأُضحك الجمهور بهما من خلال كوميديا صارخة، أما الاستسهال فى الكتابة وإحضار نجوم كوميديا وأقول هم سيتصرفون.. لا يصلح ولن تكون النتائج جيدة، بالعكس فما سيحدث هو أن الجمهور سينصرف عنهم لأن الكتابة ظلمتهم تماما».
وختم إسماعيل حديثه قائلا: «نجاح مسلسل الكبير الجزء السادس يعود إلى أنه مكتوب بحرفية وصنعة كوميدية شديدة الإتقان، ومكى، نجم له سحر وبريق وأفكار كوميدية خاصة ومبتكرة، وكل صناع العمل لديهم ذات الكيمياء الفنية أو طريقة اللعب فى الكوميديا التى تعتمد على الجدية الشديدة، وهناك عمل مكثف على الشخصيات والحبكة الدرامية ثم الموقف الكوميدى وبعد ذلك الإيفيهات، وهذه مميزات و موصفات العمل الكوميدى الناجح»  


«صعوبات عديدة»
وقال المؤلف والسيناريست فداء الشندويلى إن صنع المسلسلات الكوميدية أمر صعب للغاية، مشيرا إلى أن لجوء بعض الفنانين إلى الارتجال وعدم الالتزام بالنص المكتوب، يؤدى فى النهاية إلى حدوث الكثير من المشكلات وقت التصوير، بالإضافة إلى قلة عدد الكوميديانات على الساحة، وقلة عدد المخرجين المتخصصين فى صنع الكوميديا، كلها عوامل أدت فى النهاية إلى انخفاض الإنتاج الكوميدى على مستوى التليفزيون والسينما خلال السنوات القليلة الماضية.  
وأضاف الشندويلى قائلا: «الهجوم والانتقادات القوية كانت هى السمة المميزة لمعظم الأعمال الكوميدية التى تم تقديمها فى الفترة الماضية الأمر الذى أثر على تراجع أعدادها خلال الموسمين الماضيين، وفضل المنتجون عدم المخاطرة والاتجاه إلى إنتاج مسلسلات درامية اجتماعية، والبعض الآخر فضل تقليل عدد حلقات المسلسلات الكوميدية مثلما شاهدنا فى بعض الأعمال التى تم تخصيصها للعرض على المنصات الإليكترونية».
واستطرد الشندويلى.. «نحن بحاجة إلى عمل كوميدى ذى قيمة، ولا يجب أن نفرق بين القيمة والضحك، فالأعمال الكوميدية المتواجدة على الساحة حاليا فى معظمها تستهدف الضحك فقط دون هدف، وغياب الأعمال الكوميدية يمثل خسارة للدراما المصرية، لأن إحصاءات المشاهدة فى نهاية كل موسم تشير إلى أن النسبة الأكبر من المشاهدة تذهب إلى هذا النوع من المسلسلات.
وختم الشندويلى حديثه قائلا: مسلسل «الكبير أوى» استطاع تحقيق المعادلة الصعبة هذا العام فى الدراما الرمضانية، لأنه عمل فنى ناجح اتسم بالبساطة، التى غابت عن الكثير من الأعمال الفنية الكوميدية، فالجمهور دائما ما ينجذب إلى الأعمال الصادقة البسيطة، والمسلسل استطاع الغوص فى تفاصيل الشخصية الصعيدية، وفى نفس الوقت الاعتماد على المواقف والقصص الكوميدية التى علقت فى الأذهان، فتمكن هذا المسلسل تحديدا من الحفاظ على نجاحه السابق، وارتباط الجمهور به هذا العام بعد غياب».
«عملة نادرة»
وفى نفس السياق اعتبر المؤلف والسيناريست نادر صلاح الدين أن المؤلف الكوميدى بات عملة نادرة، وهناك ما يمكن أن نسميه حالة عجز فى الكتابة الكوميدية بشكل عام لأن فكرة الضحك تعد هى الأصعب، خاصة مع اعتماد الغالبية منذ القدم فى تقديم الكوميديا على الاقتباس من الأعمال العالمية، أما اليوم فالأمر أصبح مختلفا، وتحول الأمر إلى محاولة الصياغة أو التناول الجديد للفكرة، فلم تعد قائمة على الحكى أو السرد بل قد نجدها فى مجرد صورة على مواقع السوشيال ميديا.
وأضاف صلاح الدين قائلا: «لا يمكن تصور تأليف 30 حلقة كوميدية، هذا يحتاج إلى نفس طويل وحرفيات أخرى غير القدرة على الإضحاك، مثل ضبط إيقاع الكوميديا، حتى يكون متناسقا مع كتابة الشخصيات وشكلها وطريقة رسمها على الورق»، و«كتابة 30 حلقة يشكل عبئا على المؤلف، لأن الكوميديا فى الفن ليس لها علاقة بخفة دم الكاتب أو الممثل، بل هى صنعة مبنية على مجموعة من المعادلات بطرق مختلفة، وتحتاج فى النهاية إلى تدريب شاق وكل ممثل له منهج خاص به، وبالتالى كتابة عمل لكل فنان كوميدى تختلف عن الآخر لأن طريقتهم فى الإضحاك تختلف تماما، والجمهور نفسه قد لا يتقبلها بسهولة».
«معادلة صعبة»
من جانبه أكد المخرج أحمد الجندي «مخرج مسلسل الكبير أوى»: أن تقديم الأعمال الكوميدية ليس سهلا على الإطلاق، والحبكة أو الحدوتة هى كلمة السر، لاسيما مع انتشار وسائل التكنولوجيا، والسوشيال ميديا، والتعرض لكم غير مسبوق من الضحك، والنكت، والكوميكس، والتعليقات ، فأصبح الجمهور نفسه صانعا للكوميديا بشكل يومى، ولحظى، عبر فيديوهات ساخرة، وبالتالى تقديم عمل كوميدى يستطيع إضحاك الجمهور بشكل حقيقى يعد تحديا صعبا فى هذا التوقيت لكل فنان.
وأضاف الجندى: هذه الصعوبة تكمن فى أن يستطيع العمل تقديم الضحك  عن طريق حكاية، ومواقف وشخصيات، وليس مجرد إيفيهات أو جمل يتم إلقاؤها، وبالتالى فالسيناريو هو العامل الرئيسى والأهم، وبدونه يتحول الأمر إلى مجرد استظراف بلا معنى، وهذا هو ما حاولنا صنعه هذا العام فى الجزء السادس من مسلسل الكبير فقدمنا الكوميديا بشكل مختلف كونها تعتمد على الموقف وليس الإيفيه، ولابد كمخرج أن تمتلك الحس الكوميدى فى المشهد والإيقاع، وتفاصيل العمل كافة، ولا يجب أن ننسى أننا نقدم الكوميديا لجمهور يملك حسا كوميديا عاليا».
واستطرد الجندى: بعد تقديم 5 أجزاء سابقة من المسلسل، واجهنا تحديا مرتبطا بكيفية إقناع الجمهور، بتقبل جزء سادس منه، ووجود أجيال جديدة تشاهدنا، فكان علينا بذل جهد مضاعف لنسهم فى تخلص الجمهور من علاقة الكبير بزوجته السابقة هدية، التى جسدتها الفنانة دنيا سمير غانم، ولتحقيق ذلك فضلنا اختيار فنانة جديدة، تتسم بخفة الظل، ليرتبط بها الجمهور.
وختم الجندى حديثه قائلا: أصبح لدىّ خبرة فى معرفة ما يمكن أن يقدم ويستطيع إضحاك الجمهور أو لا، وذلك بعد تقديم أعمال لاقت ردود أفعال مختلفة بالإيجاب والسلب، ولكن يمكن أن نلخص الأمر فى معادلة تتكون من ورق، وكوميديان، وإنتاج، ومخرج، هذه الأضلاع يمكن أن تحقق مسلسلا كوميديا ناجحا، والإخلال بأى عنصر منهم لا يجوز بأى حال من الأحوال».  
«الكوميديا والضحك»
وأوضح المخرج عمر عبد العزيز أنه بشكل عام لا توجد أعمال كوميدية حقيقية فى الوقت الراهن، بل أعمال تقدم الضحك فقط وهناك فارق كبير بينهما، فالأعمال الكوميدية يتم تنفيذها وتعيش للخلود، ويتم مشاهدتها لأكثر من مرة ومع مرور السنوات الجمهور لا يمل منها، أما الأعمال التى يتم صنعها للضحك فمصيرها النسيان سريعا .
وأضاف عمر عبد العزيز: أن مصر بشعبها تمتلك عجينة كوميدية عالية للغاية، وصناع الأعمال الكوميدية يواجهون صعوبة فى إنتاجها لأننا أكثر شعب دمه خفيف فى العالم، ولكن هذا لا يمنع أننا نمتلك جيلا من الكوميديانات لديهم حس فنى متميز، لافتا إلى أن الدراما التليفزيونية استهلكت كُتاب كوميديا كثر، وهذا أثّر على الأفلام الكوميدية خاصة لعدم وجود جيل جديد من كتاب الكوميديا.
وختم عمر عبد العزيز حديثه قائلا: «أحب دائما الأعمال الكوميدية التى تحمل فكرة ورسالة وليست للضحك فقط، ولنجاح الكوميديا لابد أن يتم حسابها بميزان دهب، ولا تكون مجرد إلقاء للنكات والإيفيهات فقط».  
«أفكار مبتكرة»  
وأكد الناقد الفنى الكبير محمود قاسم: أن موسم رمضان الأخير يعتبر من المواسم المهمة التى مرت فى تاريخ الدراما، خاصة أن المنتجين حرصوا على توفير مناخ يجمع بين كافة الأشكال الفنية وتحديدا الكوميديا والتي شهدت انتعاشة ملحوظة بمجموعة من الأعمال المتنوعة، فشهدنا عددًا أكبر من المسلسلات مقارنة بالموسمين الماضيين.  
وأشار قاسم..  غياب الكوميديا من الخريطة الفنية يحدث عندما تكون هناك أزمة فى الكتابة ووجود أفكار جيدة ومبتكرة ومتجددة للدراما، فلا يوجد كاتب متخصص فى الكوميديا، ومستمر فيها مثلما كان فى الفترات السابقة، مثل أحمد عوض ويوسف معاطى ويوسف عوف ولينين الرملى.
وأضاف قاسم.. » على الرغم من هذا إلا أن الكوميديا هذا العام مميزة ولافتة لاعتماد صناعها بالدرجة الأولى على الكتابة الواعية للسيناريو والأفكار، وهذا العام كان هناك اهتمام بالكتابة الكوميدية والبُعد عن الإيفيهات والنكت المكررة، وكذلك الابتعاد عن فكرة البطل الأوحد الذى كان يردد الإيفيهات بشكل دائم، وهو سر تراجع الكوميديا وتدهور مستواها خلال الآونة الأخيرة«
وختم قاسم حديثه قائلا: صناع الكوميديا فى الموسم الحالى، تلافوا أخطاء المواسم السابقة، فالفنان أحمد مكى على سبيل المثال أعطى مساحة كبيرة لمن حوله، خصوصاً الممثلة الصاعدة رحمة أحمد التى تألقت فى دور «مربوحة»، ومصطفى غريب فى شخصية «العترة»، كما اعتمد خلال بعض الحلقات على ضيوف الشرف مما زاد العمل أهمية مثل فتحى عبد الوهاب وشيرين رضا، وإياد نصار، ونيرمين الفقى، وهنادى مهنا، فكان عملا مبهجا للغاية.
ضحك مصطنع
وفى سياق متصل قالت الناقدة الفنية الكبيرة خيرية البشلاوى:  إن الكوميديا تعانى منذ سنوات من ضحالة وفقر يعكس إفلاس بعض المؤلفين والكتاب، وهو ما ظهر فى أعمال فنية لا تليق بالمشاهدة على الإطلاق فاعتمدت على الإيفيهات والتعليقات الهزلية، والضحك المصطنع.
وأضافت البشلاوى..«الكوميديا فى فترة من الفترات افتقدت إلى الحوار، ونشرت التنمر، واكتفى الجميع بالكتابة السريعة التى تعتمد على الاسكتش، دون البناء الدرامى الصحيح، والارتجال العشوائى، وبالتالى انحسرت تماما فى أعدادها، وأًصبحت تواجه تحديات عديدة وكبيرة».
وختمت حديثها قائلة: يجب على صناع الكوميديا أن يعيدوا حساباتهم ليطوروا من أنفسهم، ومن الضرورى أن تستمر الكوميديا، لأنها صناعة مهمة بكل معاييرها، وهى وجبة رئيسة تعود عليها الجمهور.