9-3-2023 | 14:57
موسى صبرى
لأنه مرآة المجتمع.. نعنى الفن؛ ولأن الدراما والحياة وجهان لعملة واحدة، فلابد أن تكون قضية الطلاق واحدة من أهم «التيمات» الدرامية أو «العقد»، إذا جاز التعبير، التى طالما عنيت الدراما سواء التليفزيونية أو السينمائية بتقديمها على مر العصور.. فبين الماضى والحاضر قدمت العديد من الأفلام والمسلسلات التى تناولت قضية الانفصال والطلاق والخلع كموضوع رئيسى لها.. فيها ما تم تناوله بشكل كوميدى ساخر، وفيها ما كان تراجيدياً إلى حد المأساة، وإذا ما ذكرنا أبرز الأفلام وأشهرها فعلى سبيل المثال لا الحصر نجد «أريد حلاً»، «لا عزاء للسيدات»، «امرأة مطلقة»، «البعض يذهب للمأذون مرتين»، «نهر الحب»، «الشقة من حق الزوجة»، «آسفة أرفض الطلاق»، «أريد خلعاً»، «محامى خلع»، «البعض لا يذهب للمأذون مرتين» وغيرها.
أما المسلسلات فنستطيع القول إن مشاريع درامية بعينها ظهرت مؤخراً لتعنى بهذه المشكلة الاجتماعية الكبرى ومنها «زى القمر»، «ليه لأ»، «إلا أنا» وحكايات «وراء كل باب»، وهى مسلسلات منفصلة متصلة.. لا تخلو حكاية أو أكثر منها من معالجة قضية الطلاق، فضلاً عن أعمال مميزة أخرى بارزة منها «ونحب تانى ليه»، «أريد حلاً»، «هى والمستحيل» وغيرها.
وربما يعود ذلك الاهتمام الدرامى بهذا الموضوع نظراً لتأثيره البالغ ليس فقط على المرأة وإنما على الرجل أيضاً والأبناء، بل والمجتمع كله.
فهل نجحت هذه الأعمال على مستوى الكم والكيف فى أن تعكس صورة حقيقية لواقع الأسرة المصرية فى حالة الطلاق ووضع الرجل والمرأة عند الانفصال، ومدى تأثرهما بهذا الحدث الاجتماعي والعاطفى والنفسى الكبير وما له من تبعات خطيرة.. هذا ما نعرفه من مصادرنا عبر التحقيق التالي...
فى البداية يقول المخرج عمر عبدالعزيز: هناك أعمال فنية أثرت فى الأحوال الشخصية للمجتمع سواء كان هذا التأثير على الزوجين أو علاقاتهما ببعضهما البعض أو قضايا الخلع أو الطلاق، ومنها ما غير فى بعض المفاهيم الخاطئة فى هذه العلاقة وصححها.. مثل أفلام أريد حلاً ومحامى خلع والشقة من حق الزوجة الذى رصد معاناة المرأة، وعمل على اكتساب حق من حقوقها فى العلاقة الزوجية، فمثل هذه الأفلام سلطت الضوء وغيرت قوانين ومفاهيم خاطئة عند البعض ووجهت رسالة مهمة بلهجة جديدة ومختلفة لتحديد العلاقة بين الزوجين فى إطار مجتمعى صحيح، وكون هذه الأعمال رصدت هذه الأفكار وغيرت فى المفاهيم لبعض الأزواج.. إذن نستطيع القول إن الفن نجح بشكل أو بآخر فى التغيير وفى علاج المجتمع بالتالى.
ويضيف: الفن له رسالة واضحة، حيث تسليط الضوء والمعالجة لظاهرة معينة مثل فيلمى جعلونى مجرماً وكلمة شرف اللذين غيرا قوانين مجتمعية، أيضاً أفلام كهذه والتى أبرزت مساوئ بل مخاطر العلاقة بين الزوجين وتحديد معالمها على الأقل غيرت مفهوم العلاقة ودور كل منهما تجاه الآخر، ودورهما فى إنجاح العلاقة الزوجية.. وحتى فى الطلاق والخلع، فالفن ما هو إلا رسالة تنوير ومحاولة للمساهمة فى علاج المشكلات المجتمعية بشكل يثير ويلفت نظر المشاهدين من ناحية والمسؤولين من ناحية أخرى.
ويقول المخرج أحمد عواض: طالما أن هناك أناساً موجودين وأن هناك تفاعلاً بينهم، والحياة مستمرة، فكل القضايا مطروحة للعرض الدرامى، وكما أن هناك قصصاً مفرحة وقصص حب ونهايات سعيدة وحياة ناجحة، فإن هناك أيضاً قصصاً عن الانفصال والطلاق، وبالتالى سيظل طرحها دراميا أمراً موجوداً بشكل أساسى مع اختلاف الزوايا، فأنا على سبيل المثال قدمت تجربة فى فيلم أريد خلعاً عن أول سيدة تطلب الخلع، ولم تكن قصة حقيقية ولكنها كانت من واقع قصص محيطة بى ومن واقع حالات حقيقية حولى فرضتها الظروف، إذاً هناك ظروف فرضت خروج هذه التيمة فى هذا التوقيت سينمائياً مثلما رأينا تجربة سابقة مثلاً فى فيلم آسفة أرفض الطلاق، كانت رؤية مختلفة للزوجة التى ترفض أن تطلق بغير رضاها وبالتالى تعدد الحواديت والقصص يفرض نفسه على التناول الدرامى، وفكرة معيار القدر الذى قدم وما إذا كان كافياً أم لا.. هو مسألة نسبية ستظل الدراما تعرضها طالما أن هناك قصصاً من الواقع تفرض نفسها.. ونستطيع القول إن ما قدم لم ينتهِ، طالما أن الظاهرة موجودة وتزداد فى الآونة الأخيرة. أيضاً الدراما ما هى إلا تعبير عن لحظة معينة فى تاريخ المجتمع وانعكاس لما يجرى فيه، ومن ثم تظل علاقة تأثير وتأثر بالمجتمع، وبالتالى علاقة التأثير هذه تبقى متبادلة بين الفن والمجتمع.
وتقول الفنانة والكاتبة الكبيرة نادية رشاد: قبل أن نتحدث عن التناول الدرامى لظاهرة الطلاق بين الماضى والحاضر، علينا أن ندرك أنه فى الحاضر أصبحت هناك العديد من الأسباب ربما المستجدة أو المستحدثة والتى يجب أن نتوقف عندها، وقبل أن نتحدث عن الظاهرة درامياً نتحدث عنها واقعياً، حيث التغيير فى العديد من الظروف الحياتية المحيطة بالأسرة المصرية حالياً والتى أدت إلى ارتفاع نسب الطلاق بشكل ملحوظ، ومن أبرز أسبابة مثلاً الانتقال من مسكن إلى مسكن بطريقة الإيجار الجديد التى يلجأ إليها بعض الشباب، ما يخلق حياة غير مستقرة، ومن ثم اختلفت المنظومة عن السابق فى توزيع الأدوار بين الرجل والمرأة، فظهر الرجل الذى يعتمد على زوجته وظهرت الزوجة المعيلة، وهناك أيضاً ظاهرة افتقاد الطفل للقدوة والاحتواء والمثل الأعلى، أيضاً هناك بعض الأزواج الذين مازالوا يشعرون بالغيرة من نجاح زوجاتهم فى عملهن رغم كل التطور الحادث، إضافة إلى بعض الأسباب النفسية التى قللت من الصبر على الحياة ولم نعد نسمع عبارات «أنا معك على الحلوة والمرة» وأصبح الشباب يملون بسرعة، طبعاً هذه بعض الأسباب وليس كلها، وبالتالى أجد أن الدراما فى كل ما قدمته وتقدمه مازالت تحتاج، وما أتمناه من شباب المؤلفين أن يتناولوا هذه القضايا فى أعمالهم الدرامية لأنها بالفعل تستحق التوقف وتستحق العلاج كخطوة أولى على طريق الحل، أيضاً يجب التركيز على عقد دورات تثقيفية للشباب لتفهم أدوارهم المنوط بهم القيام بها كأزواج وأباء وأمهات فيما بعد، فضلاً عن وجود شهادة طبية للزوجين تؤهلهما للدخول فى الحياة الزوجية بشكل سليم لأن القصور فى كل هذه الجوانب يؤدى إلى الطلاق السريع، فيجب أن تسهم الدراما فى رسم ملامح الحياة الجديدة التى هم مقبلون عليها ويجب تثقيفهم صحياً ونفسياً وتأهيلهم من جميع المحاور وهو أيضاً ما يجب أن يظهر فى الدراما التى مازالت تعمل على استحياء فى بعض القضايا التى نحتاج إليها وإلى إلقاء الضوء عليها حتى يدخل الشباب وهو يعلم جيداً ما هو مقبل عليه بالفعل حتى لا يفاجأ بحياة لم يكن يتصورها على أرض الواقع ويحدث الطلاق.. كل هذه القضايا على الدراما أن تتبناها وتتناولها وتعرضها ويشاهدها الشباب لعلهم يجدون فيها ما يفيدهم قبل الدخول لحياتهم الزوجية.
وتقول السيناريست أمانى التونسى: لا شك أن الدراما على مر العصور اعتنت ونجحت ومازالت تنجح فى تقديم قضايا الطلاق والخلع والانفصال والزواج الفاشل وغيرها من الأمور التى تهم كل بيت وكل أسرة مصرية، وذلك من خلال تقديم العديد من النماذج سواء على شاشة السينما أو شاشة التليفزيون، ولا شك أيضاً أن هناك تقديم صورة واقعية من قلب المجتمع والأحداث التى تمر بها العديد من الأسر.. وفى الفترة الأخيرة لاحظنا الاعتناء بهذا الموضوع والاعتناء بقضايا المرأة على وجه التحديد، فقد تابعنا مشاريع درامية مثل «إلا أنا»، «زى القمر» وحكايات «وراء كل باب»، التى قدمت العديد من قصص الزواج والخلع وما قبل الطلاق وكيف يتم، وآثار ما بعد الطلاق، وربما من الموضوعات المهمة التى قدمت فى هذا الإطار حلقات «على الهامش» من مسلسل «إلا أنا» الذى كتبته وقامت ببطولته نرمين الفقى مع صبرى فواز، وعالجت من خلاله موضوع مصير المرأة التى تطلق فى سن كبيرة، وقد انتهت فترة الحضانة لأبنائها ويرفض الزوج بالتالى وفقاً للقانون توفير مسكن لها، فتخرج من عالمه وبيته دون مأوى ودون سكن ودون وظيفة، بعدما أفنت حياتها فى تربية أبنائهما إلى أن كبروا وراح هو ليتزوج من أخرى ويطلقها فيصبح مصيرها إلى الشارع، فما هو الحل؟ وكانت من الزوايا التى ربما لم تتم مناقشتها من قبل، وبالتالى كانت القضية التى أُثيرت من خلال هذا العمل ذات أصداء اجتماعية كبيرة، وبخاصة حول ماذا تفعل المرأة المطلقة فى غير سن الحضانة أوما بعد سن الحضانة، وهو الدور الذى يجب على الدراما فعله على أرض الواقع فى محاولة أن يكون الهدف الرئيسى هو علاج هذه المشكلات بشكل عملى من خلال نقلها درامياً، وهو اتجاه إيجابى جداً، ودورنا أنا وكلنا أن نحاول فيه مراراً وتكراراً، وفى كل مرة لتقديم كل ما يهم الأسرة والمجتمع المصري.
أما الناقد الفنى الكبير محمود قاسم فيقول: أصبحنا فى المحيط الضيق محاطين طوال الوقت بقصص طلاق عجيبة، سواء كانت قصصاً لحديثى الزواج أو علاقات قديمة وفجأة نجد حالة الطلاق تحدث، وأصبح هماً مؤرقاً جداً أن نجد ارتفاعاً فى حالات الطلاق فى المجتمع.. والغريب أنه بالرغم من صعوبة الزواج الآن وتوفير المتطلبات المادية لإتمامه، فالمفترض أن الوصول إليه تستتبعه حالة من الاستقرار فى الحياة ويصعب من إمكانية الطلاق، إلا أننا نجد أن الطلاق يحدث بسهولة شديدة.
ويضيف: فى تقديرى أن الدراما رغم كل ما قدمته، إلا أنها لم تناقش القضية بشكلها المطلق، على سبيل المثال لا الحصر هناك الأعمال التى قدمت تحت عنوان المرأة المطلقة، فهناك فيلم اسمة «المطلقات» عام ١٩٧٥ بطولة شكرى سرحان وشمس البارودى وزوزو نبيل التى كانت تلعب دور أم لشاب تعترض على زواجه من امرأة مطلقة، إلى أن طلقت ابنتها وذاقت من نفس الكأس، أيضاً هناك فيلم «الأحضان الدافئة» لزبيدة ثروت وسمير صبرى وسمير غانم الذى ناقش نفس القضية، ثم جاءت الكاتبة الكبيرة حسن شاه عام ١٩٧٥ لتدخل عالم المطلقات ولكن من زاوية أخرى فقدمت فيلم «أريد حلاً»، حيث جسدت كيف تعانى المرأة لحصولها على الطلاق، وجاءت أيضاً حسن شاه بعد عشر سنوات لتطرح موضوعاً آخر حول المرأة المطلقة فى فيلم بعنوان «امرأة مطلقة» لمحمود ياسين وسميرة أحمد.. هذه الأفلام كلها كانت ضد الرجل وتنتصر للمرأة، إلا أننا وجدنا مؤخراً مسلسلاً بعنوان «ونحب تانى ليه» بطولة ياسمين عبدالعزيز وشريف منير وكريم فهمى، ويتناول قضية أن المرأة المطلقة من حقها أن تحب وتتزوج مرة أخرى وتعيش حياة مستقرة إذا ما فشلت فى حياتها الزوجية الأولى وهذا مسلسل انتصر للحب فى حد ذاته كقيمة يجب أن تدوم وتستمر بها الحياة ونذكر أيضاً أفلاماً مثل «لا عزاء للسيدات» للكاتبة كاتيا ثابت وفيلم «الضائعة» لنادية الجندى، قدمت هذه الأفلام تفاصيل مختلفة للطلاق، فبالفعل أسباب الطلاق تكون مختلفة لكن الطلاق واحد مهما اختلفت أسبابة نظراً لاختلاف الطبقات الاجتماعية، ومن ثم يجب أن تركز الدراما أكثر وأكثر فى قضايا أخرى متعلقة بفكرة الطلاق، وهذا ما أتمناه من الدراما ليس فقط لعرضها ولكن لدق جرس إنذار، وفى المقابل لإيجاد حلول مع مراعاة ضبط الجرعة، إذا جاز التعبير، حتى لا يؤدى العرض والتوضيح الدرامى لأن يصبحاً سلاح ذا حدين يؤدى لعزوف الشباب عن الزواج إذا زادت الجرعة المقدمة.
وترى الناقدة الفنية حنان شومان أن الأعمال الفنية استطاعت أن تلقى الضوء على مشاكل الزوجين بطريقة جدية وفيها منفعة للطرفين، وقدمت نماذج وحلولاً للزوجين تحث على تحكيم الضمير بينهما فى حالات الزواج والطلاق وحتى الخلع، وراعت الجوانب العاطفية والنفسية بينهما فى إطار مجتمعى صحيح، خاصة أن الفن وظيفته ودوره هو تسليط الضوء على نوعية هذه المشاكل التى باتت تؤرق المجتمع فى محاولة للتعبير عن هذه المشكلات الحياتية للزوجين.
وتضيف: هناك أعمال أثرت فى وجدان الجمهور وتواجدت بكثرة ولا مانع من تقديم العشرات من الأعمال التى تحدد العلاقة الزوجية بين الرجل والمرأة، شريطة الجودة والجدية فى تنفيذها وتقديمها من منظور مؤثر يحترم عقول ورغبات الجمهور؛ لأنها تعبر عنه وعن مخاوفه.. وتكرار هذه الأعمال والإلحاح فى تناولها يسهم بشكل غير مباشر فى تصحيح مسار العلاقة بين الزوج والزوجة حتى فى حالة الطلاق وشكل وأسلوب الحياة بعده.