الإثنين 25 نوفمبر 2024

سيد مكاوي المسحراتي صاحب الليلة الكبيرة

9-5-2023 | 16:34

تمر اليوم 8 مايو الذكرى الـ 95 على ميلاد الموسيقار الكبير سيد محمد سيد مكاوى الشهير بالشيخ سيد مكاوى ،والذي ولد  في حى الناصرية   بالسيده زينب في 8 مايو 1928  ، ورحل عن عالمنا في 21 ابريل 1997  عن عمر يناهز 70 عاما   بعد رحلة عطاء اثرى بها الحياة الفنية العربية باعذب الالحان  ، والتي توجت بتعاونه مع كبار صناع الفن المصري خاصة ام كلثوم كما عرف واشتهر  بالمسحراتي ، وكان مولد   مكاوي في اسرة شعبية بسيطة آهتمت  بدفعه للطريق الديني بتحفيظه القرآن الكريم فكان يقرأ القرآن ويؤذن

للصلاة في مساجد حي الناصرية. وما أن وصل لسن الشباب حتى إنطلق ينهل من تراث الانشاد الديني من خلال متابعته لكبار المقرئين والمنشدين آنذاك كالشيخ إسماعيل سكر والشيخ مصطفى عبد الرحيم ،وكان يتمتع بذاكرة موسيقية قوية ، فعندما يستمع للدور أو الموشح لمرة واحدة   سرعان ما يحفظه في ذاكرتة الحديدية ، وكانت والدتة تشتري له الاسطوانات القديمة   للاستماع اليها   لتعطشة الدائم لسماع الموسيقى الشرقية. و شاء القدر أن يسوق إليه أول صديقين في تاريخة الفني وهما الشقيقين إسماعيل رأفت ومحمود رأفت ، وكانا من أبناء الاثرياء ومن هواة الموسيقى وكان أحدهما يعزف على آله القانون والثاني على آلة الكمان..حيث كانا لديهما في المنزل آلاف الاسطوانات القديمة والحديثة آنذاك من تراث الموسيقى الشرقية لعباقرة العصر أمثال داود حسني ومحمد عثمان وعبد الحي حلمي والشيخ درويش الحريري وكامل الخلعي .
حفلات الأصدقاء

 

وظل سيد مكاوي وصديقيه يسمعون يوميا عشرات الاسطوانات من أدوار وموشحات وطقاطيق ويحفظونها عن ظهر قلب ويقومون بغنائها.. الى ان كون سيد مكاوي مع الأخوين رأفت ما يشبه التخت لإحياء حفلات الأصدقاء ،وكان لحفظ سيد مكاوي لأغاني التراث الشرقي عاملا أساسيا في تكوين شخصيته الفنية واستمد منها مادة خصبة أفادتة في مستقبلة الموسيقي. كما كان لحفظه تراث الانشاد الديني والتواشيح عاملا أساسيا في تفوقه الملحوظ في صياغة الألحان الدينية والقوالب الموسيقية القديمة مثل تلحينه الموشحات التي صاغها من ألحانه.
مشواره الفني
كان سيد مكاوي في بدايته مهتما   بالغناء ويسعى لأن يكون مطربا وتقدم بالفعل للإذاعة المصرية في بداية الخمسينات وتم اعتماده كمطرب بالإذاعة وكان يقوم بغناء أغاني تراث الموسيقى الشرقية من أدوار وموشحات على الهواء مباشرة في مواعيد شهرية ثابتة.. ثم تم تكليفة بغناء ألحان خاصة وذلك بعد نجاحه في تقديم ألحان التراث ولعل من مفارقات القدر أن تكون أول أغانية الخاصة والمسجلة بالإذاعة ليست من ألحانة بل من ألحان صديقة المخلص والملحن الناشئ في هذا الوقت الفنان عبد العظيم عبد الحق والأغنية هي "محمد". وكانت الأغنية الثانية   للملحن أحمد صدقي وهي أغنية "تونس الخضرا"،و هما الأغنيتين الوحيدتين التي غناهما سيد مكاوي من ألحان غيره.

في منتصف الخمسينات بدأت الإذاعة المصرية في التعامل مع سيد مكاوي كملحن  إلى جانب كونه مطربا وبدأت في إسناد الأغاني الدينية إليه، والتي قدم من خلالها للشيخ محمد الفيومي الكثير من الأغاني الدينية مثل "تعالى الله أولاك المعالي" و"آمين آمين" و"يا رفاعي يا رفاعي قتلت كل الافاعي" و"حيارى على باب الغفران" حتى توجها بأسماء الله الحسنى. كما قدم أغاني شعبية خفيفة مثل "آخر حلاوة مافيش كدة"و " ياللا يا مسعدة نروح السيدة".. والأغنيتان للشاعر الراحل عبد الله أحمد عبد الله، كما كانت بدايته مع الفنان محمد قنديل في أغنية "حدوتة" للشاعر صلاح جاهين رفيق كفاح سيد مكاوي.
وقدم سيد مكاوي بعد ذلك العديد من الألحان للإذاعة من أغاني وطنية وشعبيه. فقدم لمحمد عبد المطلب أغنيتي "إتوصى بيا"و"قلت لأبوكي عليكي وقالي" وكذلك أغنية "كل مرة لما أواعدك" والتي غناها في الثمانينات ونالت شهرة واسعة.
الشهرة والنجومية
كانت بداية الشهرة الطاغية لسيد مكاوي من خلال لحن لشريفة فاضل وهو "مبروك عليك يا معجباني يا غالي" واللحن الأشهر لمحمد عبد المطلب وهو "إسأل مرة عليّ"، والذي حقق شهرة كبيرة  وسلط الضوء على ذلك الملحن الناشئ والذي تتجلى عبقريته في شدة بساطته وعمق مصريته والتي استمدها من المدرستين الموسيقتيين اللتين كان ينتمي إليهما ونهل من علمهما وهما مدرسة سيد درويش التعبيرية ،ومدرسة زكريا أحمد التطريبية ،وكان كثيرا ما يغني ألحانهما سواء في جلساته الخاصة أو حفلاته العامة وكان دائم الاعتراف بفضل سيد درويش وزكريا أحمد على الموسيقى  .
نجاة وشادية وصباح
وبدأ تهافت المطربين والمطربات على الملحن سيد مكاوي كل يسعى للحصول منه على لحن فقدم: للمطربة الكبيرة ليلى مراد "حكايتنا إحنا الاتنين" ، و للمطربة شادية "هوى يا هوي ياللي إنت طاير" و"همس الحب يا أحلى كلام " ، ولشهرزاد "غيرك انت ما ليش" ، ولنجاة الصغيرة "لو بتعزني" ، ولصباح "أنا هنا يا ابن الحلال" وللمطربة لطيفة "عندك شك ف اية".
انطلق الشيخ سيد مكاوي يصول ويجول بألحانة لكبار المطربين وكذلك للجيل الصاعد منهم آنذاك مثل المطربة فايزة أحمد حيث كان أول لحن تقدمه للإذاعة المصرية من ألحان سيد مكاوي وهو أغنية "يا نسيم الفجر صبح  ".
الدراما

 

كانت الدراما والتمثيليات الإذاعية تتمتع بأقبال جماهيري كبير وتحظى بنسبة استماع كبيرة. وقد أقنع سيد مكاوي المسئولين بالإذاعة بضرورة تطوير شكل المسلسلات الإذاعية بعمل مقدمات غنائية لهذة المسلسلات فكان له الفضل الأول في وضع هذه القاعدة وقدم من خلالها عشرات المقدمات الغنائية لمسلسلات شهيرة للفنان أمين الهنيدي ومحمد رضا وصفاء أبو السعود مثل مسلسل "شنطة حمزة" و"رضا بوند" و"عمارة شطارة" و"حكايات حارتنا " وغيرها الكثير. وكان مكاوي يفضل في تلحين هذه المقدمات أن يكون الغناء بشكل كوميدي ويتمتع بخفة الظل ..حيث كان هو شخصيا خفيف الظل ومن ظرفاء عصره ، وقد كانت هذه المقدمات من تأليف صديقيه الشاعران عصمت الحبروك وعبد الرحمن شوقي.
المسحراتي
دأبت الإذاعة المصرية خلال شهر رمضان على تقديم حلقات المسحراتي وكانت تعهد لأكثر من ملحن لتقديم هذه الحلقات ومن الملحنين الذين سبق وأن شاركوا في تلحين المسحراتي أحمد صدقي ومرسي الحريري وعبد العظيم عبد الحق ، وكانوا يقدمونها على فرقة موسيقية ،وفي العام الذي أسندت الإذاعة لسيد مكاوي تلحين عدد من حلقات المسحراتي وأشترط أن يقوم هو بغنائها. وكم كانت دهشة المسئولين بالاذاعة كبيرة حين قرر الملحن سيد مكاوي الاستغناء نهائيا عن الفرقة الموسيقية وتقديم المسحراتي بالطبلة المميزة لتلك الشخصية ،وقدم سيد مكاوي ثلاث حلقات فقط مشاركة مع باقي الملحنين وفور إذاعة الحلقات الثلاث بأسلوب سيد مكاوي حتى حققت نجاحا منقطع النظير مما حدا بالإذاعة في العام التالي الي الاستغناء عن كل الملحنين المشاركين في ألحان المسحراتي وإسناد العمل كاملا لسيد مكاوي. وبدأ سيد مكاوي في تقديم المسحراتي مع الشاعر العبقري فؤاد حداد الذي صاغها شعرا. وظل يقدم المسحراتي بنفس الأسلوب حتى وفاته ، وهو أسلوب على بساطته الشديدة يعتبر بصمة فنية هامة في الكلمات ومحطة من المحطات اللحنية المتفردة في التراث الموسيقي الشرقي.
والى ذلك ، كان لسيد مكاوي الفضل الأول في وضع أساس لحني خاص لتقديم المسحراتي كان له أيضا الفضل في وضع أساس لتقديم الأغاني الجماعية بالإذاعة حيث كان أول من لحن أغاني المجاميع ، وكان معروفا أن كل ملحن يسعى لتقديم لحنه لأحد الأصوات الشهيرة الموجودة تحقيقا للشهرة والذيوع ولكن سيد مكاوي وجد أن نصوص تلك الاغاني لا تحتاج لأصوات فردية فضحى بالشهرة في مقتبل عمره في سبيل تقديم اللون الغنائي الذي يراه مناسبا فقدم للشاعر الكبير محمود حسن إسماعيل أغنية جماعية هي "آمين آمين يا رب الناس"، وكذلك أغنية "وزة بركات" وللشاعر   فؤاد قاعود أغنية "عمال ولادنا والجدود عمال" والأغنية الشهيرة "زرع الشراقي".

وشارك  سيد  مكاوي   في الكثير من المناسبات القومية الهامة ففي أثناء عدوان 1956 على بور سعيد قدم   أغنية جماعية كانت من عيون أغاني المعركة وهي أغنية "ح نحارب ح نحارب كل الناس ح تحارب". وفي حرب 1967 قدم سيد مكاوي عقب قصف مدرسة بحر البقر أغنية "الدرس انتهى لموا الكراريس" للفنانة شادية .
السد العالي
كما اشترك سيد مكاوي في بداية الستينات في الحفل الكبير الذي أقيم بأسوان احتفالا بالبدء في بناء السد العالي، وتحويل مجرى نهر النيل وحضر الحفل الزعيم جمال عبد الناصر ورئيس الاتحاد السوفيتي نيكيتا خروشوف والرئيس السوري شكري القوتلي ، وكذلك نخبة من رواد الفضاء الروس ومعهم الرائدة الشهيرة فالنتينا، حيث غنى سيد مكاوي أغنية ترحيب بأول رائدة فضائية من كلمات صلاح جاهين وهي أغنية "فانتينا..فالنتينا..اهلا بيكي نورتينا"كما قدم للشاعر فؤاد حداد "مصر مصر دايما مصر" وأغنية "مافيش في قلبي ولا عينية الا فلسطين".
المسرح الغنائي
اجتذب المسرح الغنائي سيد مكاوي فقدم   عام 1969   ألحانه   في أوبريت "القاهرة في ألف عام" والذي قدم على مسرح البالون من خلال الفرقة الغنائية الاستعراضية وكان اشتراكه بالألحان في هذا الأوبريت مع عباقرة وكبار ملحني هذا الوقت مثل محمود الشريف وأحمد صدقي وعبد العظيم عبد الحق ومحمد الموجي وكمال الطويل وقدم سيد مكاوي في هذا الاوبريت ستة ألحان وهي: "  المماليك ،بناء القاهرة ، البياعين ، عيد الفطر ،الحاكم بأمر الله ، يا مصر افتحي قلبك"
وكان للنجاح المدوي لهذا الأوبريت ولتألق ألحان سيد مكاوي في هذا العمل أن أسند إليه المسئولين بمسرح البالون تلحين الأوبريت التالي منفردا فكان أوبريت "الحرافيش" والذي حظى بإقبال جماهيري كبير.
وكانت انطلاقة سيد مكاوي من خلال المسرح الغنائي فقدم  " دائرة الطباشير القوقازية " ، "الصفقة ، "مدرسة المشاغبين " ، "سوق العصر ، "هاللو دوللي "، ولمسرح العرائس "قيراط حورية "و" حمار شهاب الدين "و "الفيل النونو الغلباوي"  ودرة الاعمال "الليلة الكبيرة" ، وهذا الاوبريت حقق نجاحا غير مسبوق ما زال مدويا حتى الآن. كما قدم سيد مكاوي للاذاعة المصرية الكثير من ألحان الصور الغنائية والتي تعتبر لونا من ألوان المسرح الغنائي أيضا مثل "سهرة في الحسين" و"على دمياط" و"هنا القاهرة"  .
الحان اذاعية
وإلى جانب عشرات الألحان الإذاعية، والتي كانت المحطة الأولى  التي صاغها شعرا العبقري صلاح جاهين من خلال "الرباعيات" ،والتي قدمت من خلال إذاعة صوت العرب في نهاية الستينات من إخراج أنور عبد العزيز ،كانت تقدم في حلقات يومية وحققت شهرة واسعة ونجاحا كبيرا مما حدا بالمطرب علي الحجار إلى استذان سيد مكاوي في إعادة تقديمها وقد وافق سيد مكاوي وتم إعادة تسجيلها بصوت علي الحجار.
والمحطة الثانية هي حلقات "نور الخيال وصنع الأجيال" وهو ديوان شعري كامل للشاعر الكبير فؤاد حداد يصف فيها القاهرة العظيمة وما مر بها من أحداث عبر التاريخ حيث تم تقديمه من خلال إذاعة البرنامج العام خلال شهر رمضان عام 1968 من إخراج فتح الله الصفتي وهذا البرنامج له المقدمة الغنائية الشهيرة "اول كلامي سلام" وقام بغنائه سيد مكاوي في شكل الشاعر الراوي وقدم من خلال الثلاثين حلقة العديد من الأصوات الجديدة والمواهب الشابة آنذاك والتي شاركته في الغناء مثل ليلى جمال وزينب يونس وجنات فريد وعبد الحميد الشريف ، وكان من أشهر أغاني سيد مكاوي والتي قدمت من خلال هذا البرنامج أغنية "الأرض بتتكلم عربي" و يعتبر هذا العمل عمل ملحمي ملئ بالتراكيب اللحنية الشيقة والمعقدة والمركبة ويعتبر مرجعا هاما لكافة الملحنين الجدد للاستفادة منة في كيفية التسلسل اللحني وحسن النقلات الغنائية ،وكان يجب أن يعتبر مرجعا موسيقيا هاما  .
ام كلثوم

لحن سيد مكاوي أيضا لكوكب الشرق أم كلثوم وكان لحن أهم اغنياتها  "يامسهرني"، كما   قدم لها  أغنية "أوقاتي بتحلو" لكنها رحلت فذهبت الى  المطربة الكبيرة  وردة الجزائرية ،وقد أعطى ألحانا إلى المطرب اللبناني جورج وسوف الذي أبدع بها بشكل أبهر مكاوي  نفسه.
و من أعماله الخاصة " أوقاتي بتحلو ، الأرض بتتكلم عربي ،حلوين من يومنا ، عندك شك قي أيه، حبيبي ، الليلة الكبيرة ، شاور لي ، كل الاحبة اتنين ، عطار ، رباعيات صلاح جاهين ، ليلة امبارح ، المسحراتى، حلوين من يومنا ،وحياتك يا حبيبي ، أنت واحشني
، انا هنا يا ابن الحلال ، كدة اجمل انسجام، بقى هى ، يا حلاوة الدنيا".
كما قدم مكاوي  فوازير " فطوطة"وتترات مسلسل  "العاشقة" ، وتلحين الأغانى "السندباد الاخضر ،والموسيقى التصويرية و الاغانى
لمسرحية "مدرسة المشاغبين " ،ألحان "المصيدة "و"عنتر يغزو الصحراء ".. اخيرا حل الموسيقار الكبير على وسام العلوم والفنون من الدرجه الأولى.