فى جلسة جمعتنى مع الصديق، النجم كمال أبورية، فى بيته بالسادس من أكتوبر، دارالحوار فى أمور كثيرة، خاصة وعائلية وفنية وثقافية، وكان من بينها الحديث عن العندليب الأسمر (عبدالحليم حافظ)، فتى الشاشة الأول فى الغناء والموسيقى بلا منازع منذ وفاته وحتى الآن.
واستعرض كمال أبورية معى صولاتى وجولاتى بفضل الله فى بيت العندليب، منذ وجودى أثناء زيارة عمرو دياب لبيت عبدالحليم وقت الحاجة علية شبانة يرحمها الله، شقيقة العندليب، مروراً بالزيارات التى رتبتها بعد ذلك، وقمت بها لبيت العندليب مع النجوم الآخرين أمثال سميرة سعيد وحمادة هلال وتامر حسنى، وأعرب أبورية وقتها لـى عن رغبته في زيارة بيت العندليب - لما أتمتع به بفضل الله من صلة قوية مع عائلة عبدالحليم -، ولم أرد وقتها على أبورية، ولم أوعده بشىء، لأن الحاجة زينب ابنة الحاجة علية شبانة، يرحمها الله، هى من كانت تتولى هذا الأمر، وبعد وفاتها أصبح من الصعب الآن تحقيق هذا المطلب على أرض الواقع، وبتوفيق من الله بعلاقاتى الطيبة والقوية مع أسرة العندليب، وُفقت أن أحقق لكمال أبورية مطلبه وحلمه بزيارة بيت حبيبه ومعشوقه الأول «عبدالحليم حافظ»، فى يوم عيد ميلاده الـ94، الذى يصادف21-6، وكان فى استقبالنا الأستاذ محمد الشناوى ابن الفنان الراحل القدير كمال الشناوى، وزوج «الحاجة زينب» ابنة شقيقة العندليب فى نفس الوقت، خاصة وأن علاقة قوية قديمة تربطه بكمال أبورية، ولذلك رحّب على الفور عندما عرضت عليه رغبة أبورية فى زيارة بيت العندليب, وأزال كل العقبات التى كانت تعوق تلك الزيارة.. وتقابلت مع كمال أبورية وهو يحمل فى يده باقة من الزهور أسفل عمارة عبدالحليم حافظ بالزمالك فى وجود ابنتى حبيبة الرحمن، والزميل المصورالصحفى شريف صبرى، وصعدنا جميعاً لبيت العندليب...
بمجرد دخول أبورية مصعد العمارة خلع عباءة النجم الكبير، وأصبح واحداً من جمهورعبدالحليم المخلصين.. وهويردد «عبدالحليم كان يستخدم هذا الأسانسير وهو يصعد إلى شقته»، وبدأ يتأمل ويجول فى خياله الكثير عن عبدالحليم، حتى عندما وصل الأسانسير للدور التى توجد به شقة عبدالحليم وقف أمام الجدران الملاصقة لباب المصعد والباب الخارجى لشقة عبدالحليم التى بالمعنى الحرفى روتها وزيّنتها جميعاً عبارات الحب والثناء لنجمهم المفضل من عشاق العندليب من كل أنحاء الدنيا، - منبهراً -، ومن بينهم قطعاً، كلمات عمرو دياب وحمادة هلال وسميرة سعيد وتامرحسنى.
وبعد السلامات والتحيات، والجلوس فى البهو الكبير بشقة العندليب الذى شهد ألمع أغانيه والبروفات التى كان يعقدها مع الفرقة الموسيقية المصاحبة له فى كل حفلاته، اصطحبنا محمدالشناوى، للتجول فى الشقة، وشرح لأبورية العديد من التفاصيل التى تخص العندليب وعلاقته به، وبعض أمور وأسرار حياته مع الذين عاصروه من نجوم الزمن الجميل من الأموات والأحياء الحاليين، وفتح له خزانة أسرار العندليب وحجرة نومه، وحمامه الخاص، وحجرة الملابس، إلى آخره من مقتنيات عبدالحليم النادرة التى لا تقدر بثمن، وكان محمدالشناوى مضيافاً وكريماً لأقصى درجة فى كل شيء كعادته مع ضيوفه حتى نهاية الزيارة.. متمنياً تكرار الزيارة مرة أخرى.
وأعرب كمال أبورية عن سعادته بتلك الزيارة التى كان يحلم بها من زمان - على حد قوله - وقال: «عبدالحليم حافظ ليس له مثيل، وحالة تدعو للدهشة، كاريزما مش طبيعية، ابتسامته الحلوة ومشيته، وبنيانه، وخامة صوته الحلوة الجميلة الحنينة التى تدخل القلوب، أسطورة بكل ما تحمله الكلمة من معانٍ، وشيء فاق الخيال الحقيقة».
ويتدخل محمدالشناوى فى الحوارقائلاً: «أضف إلى كل ذلك يتيم، لا أب ولا أم، من قرية فقيرة جداً، تعرض لظروف عسيرة ومرض بيقطّع فيه، ولو أكل قرص من الطعمية يتقيأ كل ما فى معدته، كان كل قوته فى فنه، مع حب الناس الجارف له».
وحكى أبورية عن موقفين له مع العندليب قائلاً: «كنت صغيراً جداً عمرى 15عاماً أعيش فى بلدة كفرسعد البلد بدمياط (مسقط رأسى) وأحلم برؤية عبدالحليم ومصافحته، لأننى أعشقه وأشاهد حفلاته على مقهى بالبلدة عندنا من خلال تليفزيون تتوصل له بطارية، لأن بلدتنا لم تدخلها الكهرباء وقتها، ونحفظ الأغنية بعد الحفل مباشرة، ونغنيها أنا وشباب القرية مباشرة، ونسمعها بعد ذلك من خلال الإذاعة مرتين على الأقل حتى تثبت فى وجداننا، حتى فكرت فى القدوم إلى القاهرة عن طريق القطار لمقابلة عبدالحليم ومصافحته، ووافق أبى - يرحمه الله- وقتها على تلك الزيارة، ولم يعترض لأنه كان أباً حنوناً لأقصى درجة، وأعطانى مبلغاً من المال تكاليف السفروالعودة 5 جنيهات، وأذكر وأنا فى طريقى للخروج من المنزل وجدته يقوم بمناداتى (ياعبدالرحيم)، ما هو أنا اسمى عبدالرحيم- ويعطينى (فلوس فكة) زيادة أخرى على المبلغ الذى أعطانى إياه، وكنت سعيداً جداً وأنا أحلم بمقابلة عبدالحليم، وأذكر كنت أرتدى (تى شيرت) مكتوباً عليه جورنال بالفرنساوى، وبنطلون جينز (آخر أبهة) رغم أنى عايش فى الفلاحين، لأن هذه الملابس كانت هدايا خالى الذى يعيش فى أمريكا».
وهنا يوجه كلامه لحبيبة ابنتى قائلاً: «كنت حليوة يا حبيبة وشعرى طويل زى البنات، ماتستغربيش».. ويضحك الجميع، ثم يمضى فى حديثه قائلاً: «وطول الطريق أحلم بمقابلة عبدالحليم لى، وأقول لنفسى هيحبنى، والمفارقة العجيبة بعد خروجى من محطة القطار برمسيس أجد سيارة فارهة يقودها المخرج حسام الدين مصطفى وبجواره الفنان سمير صبري، فتوجهت إليه مسرعاً لأصافحه، وسألته عن مكان بيت العندليب، فنظر إليّ متعجباً، وسألنى عن اسمى والمكان الذى أعيش فيه».
ويكمل أبو رية: قال لى سمير صبرى: «أنت نفسك تشوف عبدالحليم».. قلت له: «آه»، ووصف لى العنوان بالتفصيل بحى الزمالك، وعندما وصلت سور حديقة الأسماك، وعرفت من فرد الأمن بالعمارة التى يقطن بها «العندليب» أننى أقف أمام بيته، انتابتنى حالة من «النهجان» الغريب، وضربات قلبى كانت سريعة جداً، وأجهشت بالبكاء المتواصل، بالمعنى «أتاخدت»، لأننى شاهدت البلكونة الخاصة به، وعدت مسرعاً كما كنت إلى بلدتى، ولم أستطع أن أتمالك نفسى وقتها من التأثر الشديد الذى أصابنى، ولم أقابله!
هنا سألت كمال أبورية عن الموقف الثانى له مع عبدالحليم حافظ.. فرد عليّ: أنت عايز تعرفه، فتدخل محمدالشناوى فى الحوار: وقال له «وأنا كمان»، فأكمل أبورية كلامه قائلاً: «تقريباً فى أوائل عام2000 كنت أعيش فى حى المهندسين، وأقتنى محمولاً حديثاً غالى الثمن، وأنا داخل العمارة كنت أرد على تليفون وأحمل فى نفس الوقت أشياء على ذراعى، فسقط منى الموبايل على الأرض وتهشم، فعلمت من فرد الأمن بالعمارة بمكان مركز الصيانة لجهاز المحمول الخاص بى لتصليحه، وفوجئت بأنه بجوار بيت عبدالحليم حافظ، وأستغربت لأننى حلمت به فى المنام فى ذاك اليوم أيضاً - وللعلم كان يأتينى فى المنام كثيراً، المهم بعد أن أنهيت ما أتيت من أجله، قلت فرصة أمشى أمام عمارة العندليب، ووجدت أمن العمارة يقوم بالنداء عليّ..»يافنان.. يا أستاذ، اتفضل.. مدام علية فوق، حضرتك جاى تسلم عليها.. فقلت له لأ.. فأخبرنى بأن اليوم ذكرى وفاة العندليب 31 مارس وكل محبيه يحرصون على زيارة بيته فى هذا اليوم.. وصعدت إلى الشقة وكان لون الحائط أخضر زيتياً «لامعاً» على ما أذكر، وقرأت ما كتب عليه من كلمات المعجبين والمعجبات لعبدالحليم، ووقفت أمام الباب وكان مغلقاً، فأحرجت الحقيقة ونزلت مسرعاً إلى من حيث أتيت، لأننى لم أذهب إلى هناك فى ميعاد سابق، والباب كان مغلقاً.
ويرد عليه محمدالشناوى: «الحاجة علية كانت هترحب بك لأنها بتحبك، ولقد أخبرتك بذلك مسبقاً، وقالت (الولد ده كمال أبورية بحب تمثيله ورغم أنه مش شبه عبدالحليم، لكنه يذكرنى بعبدالحليم»، لافتاً إلى أنه «مش مصدق أنه جالس فى بيته الآن».
وعندما اشترى الورد، وهو قادم لبيت العندليب فكر مع نفسه، وهو يقول: «يا ترى ذوقى هيعجب عبدالحليم»، ثم طلب قراءة الفاتحة على روحه، وللحاجة زينب وكمال الشناوى، وموتانا جميعاً.. وفى ختام الجولة بالشقة وقبل الانصراف من على باب شقة عبدالحليم حرص كمال أبورية على كتابة كلمة على الجدران الملاحقة لشقة عبدالحليم مثل عشاق فنه الجميل.. جاء فيها: «عبدالحليم حافظ.. فضل من الله ونعمة - كمال أبورية - 21-6-2023».
واختتم كلامه بقوله: «عبدالحليم فضله على أجيال طوال 50 سنة مضت، أسعدهم ومازال يطربهم بفنه الجميل، وعن نفسى أسعدنى جداً، وجعلنى أعيش فترة طفولتى ومراهقتى وشبابى وأنا فى أحسن حال.. أغانيه العاطفية راقية جداً بعيدة عن الإسفاف، ولا الأغانى الوطنية والأدعية الدينية، قول عنها زى ما أنت عايز قول.. كان يغنى بطريقة غير كل اللى سمعناه وهنسمعه، الله يرحمه.. وأريدالقول إننى لو كنت قابلت عبدالحليم لا أدرى، هل كنت سأستطيع الكلام أمامه ومحاورته أم لا.. ولكن كنت واثقاً أنه هيحبنى من خلال أستايل أدائى وطريقتى بدليل حب الحاجة علية شبانه شقيقته لى - كما سبق وذكرت - أمام الصديق العزيزمحمدالشناوى، كما سبق لى أيضاً، وقدمت دور إسماعيل شبانه فى مسلسل العندليب»، ثم بدأ كمال أبورية يدندن بصوت جميل فى واحدة من أحلى أغانى العندليب «حاول تفتكرنى»، فى مقطع «حبيبى والله لسه حبيبى والله وحبيبى.. مهما تنسى حبيبى والله وحبيبى.. عمرى ما أنسى حبيبى.. والله وحبيبىى».
ثم صافحنا جميعا محمدالشناوى بعد الاستئذان فى الانصراف على باب الأسانسير، وهويقول: «شرفتونا».