الخميس 21 نوفمبر 2024

الإسكندرانى .. ميلاد جديد لأحمد العوضى وسط توليفة سينمائية رائعة

أحمد العوضي

27-1-2024 | 23:47

هبة عادل

فى إطار مبهر وبطريقة السهل الممتنع قدم المخرج خالد يوسف وجبة متكاملة ودسمة إذا جاز التعبير من خلال أحدث أفلامه «الإسكندرانى» .. وكيف لا تكون دسمة وقد تكامل فيها كل العناصر وعلى رأس هذه المائدة العامرة اسم المبدع الراحل الكبير أسامة أنور عكاشة ، فالفيلم من قصة وسيناريو وحوار هذا المبدع الكبير الذى لم يكن حاضرا فقط بقلمه وكتاباته وإنما بروحه التى تلبست العمل كله من الألف إلى الياء كما سنرى ، فيما جاءت المعالجة الدرامية السينمائية للمخرج خالد يوسف فى توليفة جمعت بين الأكشن الذى قاده باقتدار فى أولى بطولاته المطلقة النجم أحمد العوضى ، يضاف إليه الخط الدرامى الاجتماعى كل هذا مطعم بقصة حب رومانسية بين البطل أحمد العوضى ونجمة الفيلم الفنانة زينة ، فيما لا يخلو العمل من «خلطة التحابيش» فنجد استعراض هنا وأغنية بل وأغنيات من صميم الإسكندرية الجميلة هناك ، فجاءت التوليفة رائعة إلى أقصى حد، وبالرغم من كل هذا الجمال وتلك الجماليات إلا أن نهاية الأحداث أبكتنا أو أبكتنى أنا على المستوى الشخصى بعد نتاج من الشحن العاطفى الذى ملأ أحداث الفيلم سواء فى علاقة الحبيب بحبيبته أو لوجوده فى الغربة ومعاناته فيها وابتعاده عن أهله وأهل إسكندرية أو فى علاقته شديدة الخصوصية بالأب الذى قدمه ببراعة شديدة الفنان الكبير والقدير بيومى فؤاد الذي كما يجيد أداء اللون الكوميدى يبدع أيضا فى منطقة الدراما التراجيدية، وكان صدق الإحساس هو بطل العمل والانتقال بين مشهد و آخر بنعومة شديدة سواء على مستوى الكتابة أو الصورة أو المونتاج، ماخلق جوًا من الشجن رغم مشاهد الأكشن العديدة. الفيلم يبدأ بطريقة « الفلاش باك» حيث يجلس العوضى على شط إحدى المدن الأوروبية ويقول: «أنا نادرها من 10 سنين أرجعها على مركب زى ما سبتها على مركب»، وها هو العوضى بعد سنوات الغربة يعود إلى مدينة الإسكندرية وقد تحول 180 درجة .. يسكن القصور ويمتلك الملايين فى رحلة صعود كواليسها تم سردها كما ذكرنا بطريقة الفلاش باك فها هو الشاب «بكر الإسكندرانى» ابن تاجر السمك الكبير «على الإسكندرانى» الذى قدمه بيومى فؤاد وهو ابنه الوحيد الذى يريده أن يرث تجارته ويكمل مسيرته ولكن الابن الشاب يرفض و يتمرد على هذا الاتجاه ، وله ابن عم هو الفنان محمود حافظ أو «يونس» كما فى الفيلم والذى تربى يتيما على يد عمه ويغار كثيرا من الابن الوريث وهو يخدم عمه ولكنه فى النهاية ليس ابنه أو من صلبه، كما أنه يغار أيضا من حب زينة للبطل أحمد العوضى ، رغم حبه لها ما يثير المشكلات منذ مرحلة المراهقة بين الصبيين على حب هذه الفتاة التى اختارت بقلبها بكر أو أحمد العوضى .

يكبر الشباب ويتفوق بكر كملاكم يهوى هذه اللعبة، ويتطلع إلى السفر إلى أوروبا ليشارك فى بطولات عالمية، ويشتد الصراع بينه وبين والده لدرجة أنه يحتاج إلى أموال كى يدخل مشروعا برفقة صديق عمره الفنان عصام السقا ويلجأ لطلب المال من ابن عمه الذى يدير تجارة والده ولما يرفض ابن العم ، يسرق العوضى خزينة أبيه ويفشل المشروع وحين يكتشف الأب هذه السرقة يضربه «بالقلم» أمام الحى كله ما يثير حفيظته ويجرح كرامته بشدة فى «ماستر سين» شديد التعقيد وجاء على أعلى درجة من الأداء التمثيلى بين العوضى وبيومى فؤاد، لينتهى الأمر بأن يطرده الأب ناقما عليه فيقرر العوضى السفر إلى الخارج، و فى مشهد مؤثر يودع حبيبته زينة وهى تبكى و هما يتواعدان على أن تنتظره و انه سوف يعود ، إلا أنه يسافر وتطول غربته لسنوات تلو السنوات، وتنقطع أخباره بينما يموت والد زينة “ الفنان صلاح عبد الله” وقد أوصى صديق عمره بيومى فؤاد على رعاية ابنته الوحيدة وعندما يطلبها للزواج ابن العم الذى انتهز فرصة غياب البطل وبعد خمس سنوات ترضخ الفتاة لقبول هذه الزيجة وتنجب ابنها على ، ليعلم العوضى فى غربته بهذه الأحداث وفى صفقة يقوم فيها بسرقة عصابة كان يعمل لديها فى تجارة الماس .. يسرق هو وصديقه عصام السقا حقيبة من الألماس ويقتلان أفراد العصابة ويفران عائدين إلى الإسكندرية، وقد تبدلت كما قلنا حاله ليصبح ثريا ثراء غير عادى ، و بقدر فرحة الأب بعودة ابنه ، إلا أن بكر يواجه أباه برغبته فى أن يحول التجارة إلى استثمارات ضخمة و مشروعات بعيدا عن «تجارة السمك» بينما يصر الأب على ان تجارة السمك هى الأصل وهى حياته وهى كل ما يحيا من أجله .. فى حوارات من الجمل التى تثير الشجن وتذكرنا وكأن روح الراحل أسامة أنور عكاشة قد تلبست الأب بيومى فؤاد فى كثير من المناطق وكأننا عدنا إلى عراقة ليالى الحلمية وحواريها أو زيزينيا وأرابيسك والراية البيضا و غيرها من روائع عكاشة ، يرفض الأب هذه الصفقة ولكن العوضى يصر وبجبروته وبأمواله .. يشترى كل دكاكين الحى و يشترى رجال أبيه أيضا ويغريهم بالمال و النساء بل وأيضا بتعاطى المخدرات فيملكهم جميعا ، ما يحزن الأب بشدة ، و فى جملة قالها فى وجهه الابن مباشرة «انت تقعد تتفرج وأنا هادورها بدماغى». وبعد أن امتلك بكر السوق كله بأمواله الطائلة ، يقرر أيضا أن يعود ليغتنم حبيبته زينة ، فيخطف زوجها محمود حافظ ويهدده بقتل ابنه ما لم يطلقها ، فيدفعه لتطيلقها بالإكراه . ورغم أن زينة ما زالت تحب العوضى .. إلا أنها تصرخ فى وجهه” انا ما بتاخدش غصب” وكانت قد ترجته أن يتركها لكى تربى ابنها مع أبيه ، ولكنه لا ينسى ثأره وخاصة وأن لعبة محمود حافظ قد انكشفت.. فقد كان العوضى يرسل خطابات ليطمئن من خلالها وأيضا مكالمات عن والده وخطيبته بينما كان ابن العم يحرق هذه الخطابات ويتعمد أن يرد عليه بأن خطيبته نسيته و والده غاضب منه ولا يريدان أن يعرفا عنه أى شيء ، ولكن فور عودته تنكشف هذه اللعبة حتى أن الأب نفسه يكره ابن اخيه الذى رباه لأنه حرق قلبه 10 سنوات فى غياب ابنه، ولكنه لا يفصح عن هذا السر ولم يعترف بالحقيقة لابنه خشية من أن يؤذى ابن العم فيؤذى هو شخصيا ولكن تنكشف هذه اللعبة من خلال الفتاة الأجنبية «إلينا» التى كانت تعيش معهم فى الحى وهى الفنانة الشابة “ تسنيم هانى “ابنة حسين فهمى الخواجة الذى كان يعيش معهم فى الإسكندرية وهى من صغرها تعشق العوضى وقد علمت بالسر وأفصحت له به وفى توازٍ للأحداث و لأنها تعشقه أيضا يذهب إليها بعدما انتهرته زينة ورفضت العودة إليه ليرتمى فى أحضان هذه الفتاة الصغيرة وبعد أن تحمل منه يدفعه أبوه بعد أن علم بما حدث بينهما .. أن يتزوجها، فيجد بكر نفسه وقد خسر كل شيء .. خطيبته ورضا والده فضلا عن أنه مجبر على الزواج من فتاة لا يحبها، و على جانب آخر نجد أفراد العصابة التى قتل رئيسها فى الخارج تطارده فى مصر وتريد قتله و لكن فى مطاردة بينهم يقتل صديق عمره عصام السقا ، بينما يريد قتله والانتقام منه أيضا الزوج محمود حافظ الذى يذهب ليلا إليه يباغته بسكين ، فيأتى الأب بيومى فؤاد فى هذا المشهد لينقذ ابنه ولكن لا يستطيع ، فقد سبقه الموت إلى الابن أمامه وبين أحضانه ، فيبكى الأب ويقول :”وإن كنت أتمنى أن أغسلك من كل ما أذنبت من أجله إلا أنى أرى قطعة منى تقتل أمامى الآن “وقد جاء المشهد حزينا فى نهاية مبكية شديدة التأثير .

على صعيد آخر أجاد العوضى فى أداء دوره فى أولى بطولاته السينمائية المطلقة ، فى طلة من بدايات الأحداث أوحت بتميز هذا الأداء لا سيما فى مشاهد القوة التى عاد بها من الخارج لينزل من طائرته الخاصة وسط أسطول من السيارات فى انتظاره وسط رجاله بالإضافة إلى أن قدراته الجسدية أهلته للعب دور الملاكم بقوة وعلى المستوى الدرامى جاء أداؤه متوازنا إلى حد كبير بعيدا عن فجاجة العصبية رغم أنه كان من الممكن أن تفرض سيطرتها عليه فى العديد من المشاهد، ولكنه أمسك بزمام الأمور بمعادلة محسوبة بشدة، تعود بالطبع إلى موهبته بالإضافة إلى قدره المخرج خالد يوسف فى توجيه أبطاله فقد جاء اختياره للعوضى موفقا إلى حد كبير وسيصنع هذا الفيلم له وهذا الدور نقلة كبيرة فى حياته الفنية بلا شك .

أيضا اختيار زينة كان موفقا جدا بسمارها المصرى المحبب وأدت الدور بصراعاته المتشابكة بكفاءة كبيرة . و على مستوى الصورة لمدير التصوير سامح سليم جاءت بديعة أيضا ، حيث امتلأت الكادرات بجماليات المناظر فى توازن أيضا محسوب بين جمال وسحر الإسكندرية وبحرها ومناظر قلعة قايتباى التى صورت بإضاءة متميزة للغاية وعلى الجانب الإخر مناظر العوضى فى أوروبا ولا سيما فى مشاهد التصوير الخارجى واستخدام الكادرات الواسعة فى مشاهد الأكشن ، و من ثم جاء جميع العناصر متكاملة كما ذكرنا و متناغمة أيضا لنخرج بقيمة وبهجة من هذا العمل المميز من قبل جميع القائمين عليه .