السبت 18 مايو 2024

مسلسلات الإثارة و التشويق.. هل تفقد صلاحيتها بعد العرض الأول؟

صورة من مسلسل رحيل

3-5-2024 | 01:07

هبة عادل
شاهدنا مؤخرا وربما عبر عدة مواسم، مجموعة من الأعمال الدرامية التى تعتمد فى صياغتها على استخدام أعلى درجات الإثارة والتشويق عبر أحداث ساخنة وحواديت غامضة تعمل على جذب المشاهد من الحلقة الأولى ليظل يلهث وراء المتابعة عبر تصاعد الأحداث و النهاية المشوقة لكل حلقة ، فيعيش المشاهد حالة من التعطش وحب الاستطلاع للتعرف بشغف شديد على نهاية أحداث المسلسل، وإلى ما ستصل اليه هذه الألغاز المثيرة، وكيف سيحلها صناع العمل فى نهايته وما إن تنطفئ نار الشوق إذا جاز التعبير مع نهاية الحلقة الأخيرة ويحل اللغز ويكشف الستار و تنكشف الأسرار ونعرف من القاتل أو كيف ستصل إليه يد العدالة، وابن من كان هذا الطفل وكيف عاد لأهله ذاك المخطوف وكيف تحقق انتقام البطل من ظالميه وما إلى ذلك من النهايات.. ليأتى السؤال.. على ما يراهن صناع العمل الذين وضعوا طاقتهم الكاملة فى تعقيده ورفع سقف الأحداث وإشعال سخونتها إلى المنتهى؟ على ما الرهان فى العودة لمشاهدة العمل مرة أخرى ؟ بعدما أصبح منتجًا قصير العمر لن يبقى ولن يستمر بعد أن فقد عوامل إغرائه مع العرض الأول .. أو لنقل فقد صلاحية العودة لمتابعته مرة أخرى لأنه باختصار أصبح “محروقًا“.. حول هذا الطرح نلقى الضوء فى هذا التحقيق مع نخبة من المتخصصين و صناع الأعمال لنتعرف على رؤاهم فى هذا الصدد.. فى البداية يقول الكاتب و السيناريست د. باهر دويدار: هناك نوعان من الدراما يتم تقديمهما ، واحد منهما يعتمد على فكرة اللغز ومع إجابة السؤال الذى تدور حوله الحلقات ينتهى الفضول، و هذا مع الإعادة ليس بالضرورة أن يشاهد مرة أخرى، لكن لو على مدار الأحداث لم نقدم قالب السؤال والإجابة ولكن الأحداث فى حد ذاتها كانت مشوقة والحدوتة مقدمة بشكل جيد وهناك صناعة للمحتوى الدرامى المقدم بعناية، كل هذه عوامل من شأنها أن تجذب الجمهور مع إعادة المشاهدة وتكرارها حتى لو أنه يعلم بالأحداث و نهايتها، ولكنك كمشاهد مستمتع بالحالة التى يصنعها هذا العمل بعينه داخل وجدانك وذلك عندما لا يكون الرهان فقط على وجود إجابة للسؤال أو كشف اللغز ولكن الفكرة هنا تعتمد فى نجاحها على تطور العلاقات بين الأبطال والتدرج والتغيير فى شخصيات البعض منهم وفقا لأحداث ما أو “ماستر سين” تستهوى الجمهور أن يشاهد ما بها من مفاجآت أو انفعالات أو قدر كبير من التمثيل الذى يقدمه هذا البطل أو ذاك وهذا النوع من الأعمال يمكن أن يُشاهد أكثر من مرة ، نظرا لجودة العمل الدرامى والتميز فى كتابته و هذه المفردات التى ذكرناها هى التى تفرق بين مشاهدة عمل لمرة واحدة وينتهى أو يعيش لأكثر من مرة حيث الاستمتاع بالحالة فى مجملها والصراع والقضية المطروحة فى حد ذاتها. و يرى السيناريست محمد هشام عبية، أن الأعمال القائمة على التشويق يمكن مشاهدتها أكثر من مرة حتى ما إذا تعرف الجمهور على الحل فى الحلقة النهائية أو ما آلت إليه الأحداث التى ظل يتابعها حتى يصل إلى معرفتها هذا فى حالة أن يكون العمل مكتوبًا بشكل جيد جدا يحتمل عدة تفسيرات للموقف الأهم فى السياق الدرامى للمسلسل فمع المشاهدة الثانية او الثالثة يختلف الرأى وتختلف وجهة النظر حيال القضية محور العمل أو القضايا الأخرى التى قد تثار فى نفس المسلسل، فتشابك العلاقات وقوة الشخصيات والترابط بين الأحداث كل هذه الأشياء و العناصر قد تغرى بإعادة المشاهدة مرة أخرى، فكلنا تربينا على الاستمتاع بمشاهدة وتكرار متابعة العديد من الأفلام السينمائية والمسلسلات وقد نحفظها عن ظهر قلب ولكن نستمتع بمستوى آخر ونتذوقها مع كل مرة يعاد عرضها ونعيد مشاهدتها وفى كل مرة نعيش مستوى آخر من المشاعر ونضع أنفسنا مكان الأبطال، فكلما كانت الدراما حقيقية والشخصيات حقيقية كانت هناك فرصة أخرى للإعادة والاستمتاع ومشاهدة العمل مع كل مرة يتكرر فيها عرضه، ومع ذلك يضيف عبية، حتى إذا كان العمل المقدم يهدف إلى تمتع الجمهور والجمهور استمتع بحالة الإثارة وانتهى نجاحه مع الحلقة الأخيرة بغير رغبة فى إعادة العرض، فهذا يكفى صناع العمل وهذا نجاح فى حد ذاته. و يقول المخرج أحمد حسن: هناك عدة أنواع من الدراما فمنها الاجتماعى ومنها الكوميدى ومنها التراجيدى ومنها التشويقى، ولا شك أن الأعمال التى يكون فيها قدر كبير من التشويق هى غالبا من أنجح الأعمال والتى تلقى قبولا جماهيريا كبيرا، وبالفعل عند حل اللغز فى الحلقة الأخيرة تكون الإعادة غير جاذبة للمشاهدة ولكن ليس هذا هو المطلوب من مثل هذه المسلسلات كهدف لنجاحها فنجاحها فى العرض الأول هو الهدف الرئيسى وصناع العمل يعلمون أنها لن تجد نفس الصدى مع إعادتها وأن الهدف الرئيسى من هذه الأعمال هو قدرتها بالفعل على جذب الجمهور إلى الحلقة الأخيرة ومعلوم أن الجمهور لن يبقى طول عمره يتابع عملا ما من هذه الأعمال، ونحن متصالحون مع ذلك ونرضى بنجاحنا فى المرة الأولى كهدف أكبر، لأن الدراما التشويقية تختلف عن الحدوتة الاجتماعية التى يمكن تكرار مشاهدتها مرارا و تكرارا، حيث ارتبطت الناس بفكرة الحدوتة فى حد ذاتها وأبطال العمل، هذا فضلا عن أن وجود المنصات الآن يساعد الجمهور أن يشاهد العمل وقتما يريد وما أن يسمع عن عمل ما نجح ولاقى قبولا مع الجمهور نظرا لجرعة الإثارة والتشويق العالية فيه، فهو يسعى لمتابعته، وبالتالى نكون كسبنا جمهورا جديدا فليس من الأساس الهدف أن يرى المشاهد العمل أكثر من مرة ولكن أن يراه أكثر من مشاهد نتيجة نجاح عرضه فى المرة الأولى. ويضيف حسن: فى رأيى أن أنجح الأعمال على الإطلاق هى التى تستطيع أن تجمع بين النوعين، أن تقدم حدوتة اجتماعية وأيضا بشكل فيه إثارة وتشويق فهذا “ الميكس” هو الأنجح والأبقى أثرا والأطول عمرا. و يرى المخرج رؤوف عبد العزيز: أن فنون الدراما متعددة جدا وربما أمتعها بالنسبة للمشاهد ما يجعله ينجذب عبر التشويق والإثارة والألغاز لوجود متعة للتعرف فى نهاية الأحداث على حلول لهذه التساؤلات ولكن أنا شخصيا وأنا صغير قبل أن أكون أحد صناع هذه المهنة كان لدىّ تعطش لمشاهدة كل أنواع الدراما،لكن مع الكبر أنا وغيرى تتغير وجهات نظرهم فهذا يميل إلى نوع و ذاك يميل إلى نوع آخر ويظل البعض يعشق الحدوتة الاجتماعية ويفضلها أكثر فأنا ضد العمل من أجل نوع واحد فقط بافتراض أنه أنجح على الدوام أو أن يسود نوع واحد من الأنماط الدرامية لأن الدراما تحتمل تقديم العديد من الأفكار والرؤى والتى يعد واحد منها هو ما يعتمد على الأكشن والإثارة التى تجعل الجمهور متلهفا لمعرفة الحل فى النهاية وهذا النوع بالطبع يقل معه شغف الرغبة فى المشاهدة للمرة الثانية بخلاف الدراما الاجتماعية الصريحة التى تجعل المشاهد على استطاعة أن يشاهدها أكثر من مرة ولو غاب عنه عمل ما لسنين وأعيد تقديمه يسعى لمتابعته ولا يمكن إنكار أن النوع الذى يعتمد على الإثارة هو المحبب بشكل أكبر لقطاع عريض من الجمهور على اختلاف أعماره ولكن لا يلغى هذا أن لكل نوع متذوقه وجمهوره ومتابعيه. من جانبها تقول الناقدة الفنية الكبيرة ماجدة موريس: لا أتفق مع الرأى الذى يقول بأن الأعمال كلما زادت سخونتها وإثارتها تنتهى مع نهاية عرضها الأول، فلن تكون المسألة هنا متوقفة فقط على القدرة على جذب المشاهد بأحداث مثيرة وساخنة، فالمسألة ليست مقصورة على إذا كان العمل يقدم جريمة قتل مثلا وفى النهاية عرفنا من هو القاتل الحقيقى ولكن على ما إذا كان هناك أسلوب سرد جيد، و مشاهد مؤثرة فى نفسية المتلقى وانتقال جيد من فكرة إلى أخرى و بناء درامى محكم وتتابع فى تصاعد الأحداث و فى قضية مثيرة فى حد ذاتها قد تثير الرأى والجدل المجتمعى وكل هذه القوالب الكاتب مقدمها بشكل جيد والأشخاص بينهم ترابط على الشاشة إلى الحد الذى يمكن أن يجعل من هذه الأطر فى مجموعها منتجا يضيف قيمة لحياة المشاهد الشخصية . هذا بالإضافة إلى القيم الجمالية والبصرية التى يصنعها العمل من ملابس وديكور وخلق عوالم مختلفة وتفاصيل مصنوعة بدقة بجانب الكتابة البارعة والمخرج القادر على التعبير عن كل هذه التفاصيل، فيخرج بعمل جيد يغرى المشاهد لمتابعته أكثر من مرة حيث تكامل عناصر عديدة وليس فقط عنصر التشويق. و ترى الناقدة الفنية ناهد صلاح، أن هناك أعمالا فى الماضى كنا نشاهدها وما زلنا ولو تكررت 1000 مرة نتابعها باستمتاع، أما الفرق بينها وبين ما نشاهده الآن ونستمتع به ولا نستطيع إعادة تكرار مشاهدته فهذا يرجع لعده أسباب أولها ما يخص طبيعة الزمان فى حد ذاته وهذا النسق الزمنى المختلف بكل عاداته وتقاليده ونمط المشاهدة الجماعية والتفاف الأسرة حول عمل بعينه، وهذا اختلف تماما الآن ، فالكل الآن لديه وسيطه الخاص ومحموله وأوقاته التى يحدد فيها ما يرغب فى مشاهدته بمفرده ربما بعيدا عن مجموعه الأفراد المحيطين به، هذا بخلاف العقد الدرامية التى كانت موجودة فى حواديت ومسلسلات زمان وكيف تصنع الحدوتة ولها بداية ووسط ونهاية ولديها حتى وإن كانت اجتماعية قادرة على الجذب والشد ، ترى فيها ملامح من حياتك وقصصا تشبهك وكان لدينا ومازال نوعية من الكتاب على درجات من الوعى والثقافة العالية جدا قادرون على ربطنا بما نشاهده على الشاشة من أحداث يصنعوها بصياغة عالية الجودة ومضمون يمس كل واحد منا وكان لديهم هم معنيون به مثل أسامة أنور عكاشة و محمد صفاء عامر وغيرهما من عظماء هذا الجيل الذين كنا وما زلنا نتابع أعمالهم بلا لحظة ملل حيث الاستمتاع بالحدوتة والحنين لهذه الفترة الزمنية واستعاده ذكريات المشاهدة، أما الآن فهناك مشكلة فى الكتابة التى تعتمد على الإيقاع السريع والحواديت المثيرة، وأصبحنا نجد طقوس الكتابه مختلفة و الحواديت و إن بدت جاذبة، إلا أنها غير مريحة و أحيانا غير منطقية والنهايات ربما تكون صادمة و غير متوقعة، فضلا عن تقديم نماذج تحاكى شباب هذا الجيل الذى قد لا يعنى بتماسك الحدوتة أو حتى قوة جذب الحوار ولكنه يجد في الأبطال نماذج تستعمل القوة المفرطة وربما العنف أحيانا لأخذ حقهم وهذا أصبح يشكل نموذجا للأسف لدى بعض شباب هذا الجيل، ومثل هذه الأعمال لا تستطيع جذب المشاهد لتكرار المشاهدة فهى فقط تتوهج لتحاكى عقلية معينة وتنطفئ بنهاية الحدوتة. أيضا من الأسباب التى قد تجعل العمل غير مؤهل لإعادة مشاهدته هو وجود العديد من المنصات الآن والأعمال التى تقدم بإنتاج سخى عملا تلو الآخر، فما أن ينتهى رمضان إلا و تبدأ عروض الأعمال الجديدة وبعضها 10 حلقات أو سبعة أو خمسة أو ما إلى ذلك فالجمهور الآن أصبح يبحث طول الوقت عن كل ما هو جديد على الساحة وليس لديه من الوقت والرفاهية لأن يعيد عملا شاهده بالفعل و يرجع للوراء ، بينما لديه على الساحة الجديد دائما. فضلا أيضا عن تنوع الألوان الدرامية المقدمة عبر هذه المنصات فلم يعد الجمهور متوقفا فقط عند الدراما المصرية، ولكن الإتاحة لمشاهدة أعمال سواء مدبلجة أو إنتاج سورى وكورى ومكسيكى وما إلى ذلك، جعلت المشاهد طوال الوقت أمام طوفان من الأعمال التى لم يعد يلاحق على مشاهدتها، فما بالنا بتكرارها .