8-2-2025 | 13:27
ولاء الكومي
يعد الفنان الراحل علاء ولى الدين واحداً من أبرز نجوم الكوميديا فى مصر، حيث امتلك أسلوباً فريداً جعله يحفر اسمه بين عمالقة هذا الفن، وبموهبته الفطرية وخفة ظله الفريدة، استطاع أن يصنع مدرسة خاصة به فى عالم الضحك، مقدماً أعمالاً تركت أثراً لا ينسى فى قلوب الجماهير.
من الأدوار الثانوية إلى البطولة المطلقة، نجح علاء ولى الدين فى تغيير موازين السينما الكوميدية بأفلامه التى أصبحت من العلامات المميزة، مثل «عبود على الحدود»، «الناظر»، حيث أضحك الملايين بروحه العفوية وأدائه المتميز.
ورغم رحيله المبكر عام 2003، إلا أن أعماله ما زالت تعيش فى ذاكرة محبيه، ليبقى اسم علاء ولى الدين خالداً فى تاريخ الكوميديا المصرية.
فى مثل هذه الأيام تحل ذكرى رحيل الفنان علاء ولى الدين، الذى رحل عن عالمنا فى 11 فبراير عام 2003.
فى السطور التالية نتحدث عن علاء ولى الدين الفنان والإنسان، وكيف كانت بداياته الفنية، والتحديات التى واجهها حتى وصل إلى النجومية المطلقة، وعلاقاته بمَن حوله، وماذا قال عنه أصدقاؤه الفنانين.
ولد علاء سمير سيد ولى الدين فى 11 أغسطس عام 1963 بمركز بنى مزار بمحافظة المنيا، وكان جده مؤسس مدرسة فى القرية التى كان يعيش بها وأنشأها على نفقته الخاصة وظلت تعمل لأعوام عدة.
أما والده سمير ولى الدين فكان فناناً كوميدياً ذا طابع خاص، ولقب بـ«البدين الظريف»، كما شارك فى العديد من الأعمال الفنية أشهرها أفلام «البحث عن فضيحة»، «مولد يا دنيا»، «الشيماء»، «السيرك»، «شياطين الليل»، «لقاء مع الماضي»، «مين يقدر على عزيزة»، كما شارك فى مسلسلات «أحلام الفتى الطائر»، «السمان والخريف»، «مارد الجبل» وغيرها، وشارك أيضاً فى مسرحية «سيدتى الجميلة»، «مدرسة المشاغبين» وهو «الصول حسين» فى مسرحية «شاهد مشفش حاجة».
ورث علاء عن والده خفة الدم والتلقائية فى الكوميديا، وكان يشارك بالتمثيل فى العروض على مسرح المدرسة.
عمل الفنان علاء ولى الدين مساعد مخرج مع الفنان والمخرج نور الدمرداش، مما جعله يكتسب خبرة فى المجال الفنى، ثم حصل على دورات تأهله للعمل أمام الكاميرا.
رحيل الأب.. الصدمة التى غيرت حياته
واجه الفنان الراحل علاء ولى الدين العديد من الصعوبات والتحديات منذ بداية مشواره الفنى، إذ تقدم أكثر من مرة لاختبارات معهد الفنون المسرحية لكنه لم ينجح، مما أثر على حالته النفسية، إلا أن الصدمة الأقوى فى حياته كانت وفاة والده المفاجئة قبل أن يكمل عامه الخامس عشر، حيث كان والده الداعم الأكبر والمساند الرئيسى له.
يكشف شقيقه معتز ولى الدين عن تفاصيل تلك اللحظة قائلاً: كان علاء فى الرابعة عشرة من عمره عندما فقد والده بشكل مفاجئ، حيث كان والدى يحضر عيد ميلاد نجل أحد مديرى الإنتاج بالتليفزيون، لكنه شعر بتعب مفاجئ ونقل إلى المستشفى، ولم يعد إلى المنزل مرة أخرى، فقد وافته المنية عن عمر ناهز 48 عاماً.
ويتابع معتز: فى تلك الليلة، كنت فى التاسعة من عمرى، وعلاء كان فى الرابعة عشرة، وخالد لم يتجاوز عاماً واحداً، وعندما استيقظنا، أخبرونا بوفاة والدنا، كانت صدمة قاسية على الجميع، خاصة على والدتى التى لم تتجاوز حينها الـ38 عاماً، لكن علاء كان الأكثر تأثراً، حيث اضطر لتحمل مسئولية العائلة بالكامل، ليصبح الأب والأخ والسند لنا جميعاً رغم صغر سنه.
مع بلوغه 16 عاماً، استخرج علاء بطاقة شخصية ليتمكن من العمل ودعم أسرته، فانتقل بين وظائف عدة، حيث عمل فى مطاعم وفنادق، ورغم وجود معاش لوالده، إلا أن مسئولية إعالة والدته وإخوته كانت عبئاً كبيراً اضطر لتحمله مبكراً.
بداياته الفنية
بدأ علاء ولى الدين دخول العمل الفنى، حيث كانت أول مشاركة له فى مسلسل «زهرة والمجهول» عام 1984 فى دور «بلية» بائع الجرائد، والمسلسل من بطولة ليلى علوى وكريمة مختار وعبدالله غيث وهادى الجيار وإخراج نور الدمرداش الذى كان داعماً ومسانداً له فى بدايته وساعده كثيراً.
كان دور «حبظلم» فى مسلسل «على الزيبق» عام 1985، من أوائل الأدوار التى رسخت ملامح علاء ولى الدين فى أذهان الجمهور، حيث جسد نجل المقدم صنقر الكلبى» الذى لعبه الفنان أبو بكر عزت، ورغم مشاركة عدد كبير من النجوم مثل فاروق الفيشاوى، هدى سلطان، وصلاح قابيل، إلا أن موهبة علاء ولى الدين لفتت الأنظار وبرزت بشكل واضح، مما جعله واحداً من الوجوه الواعدة فى عالم الكوميديا.
كانت بدايته فى السينما بالمشاركة فى بطولة فيلم «دخان بلا نار» بطولة مجدى وهبة، وقصة سعد الدين وهبة وإخراج نور الدمرداش.
توالت أعمال علاء ولى الدين الكوميدية الناجحة فى فنون التمثيل الأربعة، الإذاعة والتليفزيون والسينما والمسرح، ليبلغ إجمالى ما قدمه خلال مشواره الفنى القصير الذى لم يتجاوز الـ19 عاماً حوالى 143 عملاً فنياً قدمها ما بين عامى 1984 و2003.
بدأ علاء ولى الدين مسيرته الفنية بأدوار صغيرة فى السينما والتلفزيون، حيث شارك فى العديد من الأفلام الشهيرة مثل «الإرهاب والكباب»، «المنسي»، «النوم فى العسل»، «بخيت وعديلة»، إلى جانب ظهوره فى مسلسلات مميزة مثل «على الزيبق»، «زهرة والمجهول»، «يوميات ونيس»، كما تألق فى عدة فوازير رمضانية مثل «ألف ليلة وليلة»، مما ساعده على ترسيخ اسمه فى عالم الفن قبل أن ينطلق إلى النجومية.
كما شارك فى العديد من المسرحيات منها «خد بالك من عيالك»، «العانسة والصعلوك»، «إحنا اللى أخذنا الجائزة»، «أزمة حمزة»، «عصفور دبور»، «صباح الخير بالليل»، «أختم بالعشرة»، «سرحان والكنز»، «عيال تجنن»، «حمرى جمري»، «الجميلة والوحشين»، «ليلة القبض على صابر».
الانطلاقة
قدم أيضاً فى الإذاعة عدداً من المسلسلات الإذاعية منها «خروف رؤوف»، «لما بابا ينام»، «خلوصى حارس خصوصى».
شكل علاء ولى الدين ثنائياً كوميدياً ناجحاً مع الفنان محمد هنيدى فى عدة أعمال مثل فيلم «حلق حوش»، مسرحية «آلابندا»، وفوازير «أبيض وأسود». كما ساعده الظهور المتكرر مع عادل إمام فى أفلامه على الانتشار بسرعة، مما مهَّد له الطريق نحو البطولة المطلقة.
جاءت انطلاقته الكبرى عندما رشحه المخرج شريف عرفة لبطولة فيلم «عبود على الحدود» عام 1999، والذى حقق نجاحاً كبيراً، وشاركه البطولة حسن حسنى، كريم عبد العزيز، أحمد حلمى، غادة عادل، ومحمود عبد المغنى، ليصبح بعدها أحد أبرز نجوم الكوميديا فى جيله، وحقق الفيلم نجاحاً كبيراً فى شباك التذاكر ونصفه النقاد وأشادوا به، الأمر الذى جعل له قاعدة شعبية كبيرة وشجع المنتجين على منحه فرصاً أكبر.
فى عام 2000، قدم علاء ولى الدين فيلم «الناظر»، حيث تألق فى ثلاث شخصيات رئيسية بشكل كوميدى مميز، مجسداً دور الأب «عاشور»، الأم «جواهر»، والابن «صلاح». وشاركه البطولة حسن حسنى، بسمة، هشام سليم، أحمد حلمى، ومحمد سعد، تحت قيادة المخرج شريف عرفة.
كان اسم الفيلم الأصلى «الناظر صلاح الدين»، كما قدَّم علاء فى المقدمة الاستعراضية للفيلم شخصيات إضافية لنظار مدارس عبر العصور، مما زاد من تميز العمل، ليصبح أحد أنجح الأفلام الكوميدية فى تاريخ السينما المصرية.
ثم قدم علاء ولى الدين فيلم «ابن عز»، ولكنه لم يحقق النجاح المتوقع، وقدَّم خلاله شخصية الشاب الثرى المدلل فى إطار كوميدى.
كان آخر أعمال الفنان علاء ولى الدين السينمائية فيلم «عربى تعريفة» عام 2003، وكان علاء ولى الدين فرحاً بهذا الفيلم ويدعم زملاء له للعمل معه فى الفيلم، وصُوِّرت بعض مشاهد الفيلم فى البرازيل قبل أن يتوقف العمل بسبب وفاة الفنان علاء ولى الدين المفاجئة.
رحيل علاء ولى الدين... وقصص لا تنسى
استعاد المخرج عمرو عرفة ذكريات رحلته إلى البرازيل مع الفنان الراحل علاء ولى الدين لتصوير مشاهد من فيلم «عربى تعريفة»، الذى لم يكتب له الاكتمال، عبر منشور على وسائل التواصل الاجتماعى، روى عرفة موقفاً لا يُنسى عندما طلب منه علاء ترديد دعاء أثناء وجودهما فى عرض البحر، مشيراً إلى أن قلبه كان يشعر بقرب أجله.
وأضاف: «لم أنسَ المشهد أبداً، كان يستمع للقرآن عبر سماعات أذنه، ثم أزالها فجأة وقال لي: (ردد هذا الدعاء خلفى.. غداً ستشهد لنا الجبال والمياه)، شعرت بالدهشة حينها، لكنها تضاعفت عندما عدنا إلى مصر وكأن علاء كان يعلم أنه بحاجة لهذه الشهادة».
كما كشف عرفة عن تفاصيل آخر مكالمة هاتفية تلقاها من علاء ليلة وفاته، حيث حرص الأخير على الاطمئنان عليه وعلى جميع مرافقى الرحلة، وكأنه كان يُودعهم للمرة الأخيرة، فى صباح اليوم التالى استيقظ الجميع على خبر رحيله المفاجئ، الذى لم يهزّ محبيه فقط، بل مصر بأكملها.
علاء ولى الدين وتنبؤه برحيله
قبل وفاته بثلاثة أشهر، قام علاء بشراء مقبرة فى مدينة نصر، كما اشترى مسكاً من المدينة المنورة ليُغسَّل به عند وفاته، هذه التصرفات أثارت دهشة المقربين منه، خاصة بعد رحيله المفاجئ، حيث شكلت وفاته صدمة كبرى لجمهوره وأصدقائه الذين اعتادوا على حضوره المبهج وخفة ظله.
توفى علاء ولى الدين يوم 11 فبراير 2003، عن عمر يناهز 39 عاماً، فى أول أيام عيد الأضحى، إثر مضاعفات مرض السكرى الذى ورثه عن والده، الذى رحل عن الحياة مبكراً بسبب المرض نفسه، ورغم تحذيرات أصدقائه المستمرة بضرورة الانتباه لنظامه الغذائى، إلا أن عشقه للطعام والحلويات كان أقوى من أى نصيحة.
مكان دفنه وانتقال رفاته
تم دفن علاء فى مقبرته بمدينة نصر، حيث دفنت والدته وشقيقه خالد لاحقاً، لكن شقيقه معتز قرر لاحقاً نقل رفات العائلة إلى مقابرهم فى السيدة عائشة، رغبةً فى جمعهم فى مكان واحد.
سبب عدم زواجه
كشف معتز ولى الدين فى لقاء تليفزيونى أن شقيقه لم يتزوج لأنه كان يشعر دائماً بقرب أجله، فلم يُرد أن ينجب أطفالاً ويتركهم بعد رحيله، كان علاء شديد التعلق بعائلته، خاصة والدته التى كان يعتبرها أغلى ما يملك فى حياته.
علاقاته داخل الوسط الفنى
تمتع علاء بعلاقات صداقة قوية داخل الوسط الفنى، وكان يعتبر الأخ الأكبر للعديد من الفنانين، فالفنان علاء مرسى تحدث عنه قائلاً: «بعد علاء.. مولد حياتى انفض، كان الرقم واحد فى حياتى حتى قبل أسرتى»، كما أكد أنه كان ناصحاً أميناً، يوجهه لاختيار أدواره بعناية، وأضاف: «لو كان علاء موجودًا، كانت حاجات كتير جداً هتتغير».
فى موقف آخر، روى مرسى كيف طلب منه علاء، أثناء وجوده فى البرازيل، أن يشترى له «المسك الأحمر» بكميات كبيرة، رغم أن مرسى لم يكن يملك المال الكافى، لكنه أصر بشدة على ذلك، كما ذكر أنه تلقى مكالمة من علاء ليلة العيد، يطلب منه أن يذهب للصلاة فوراً ويكرر دعاءً معيناً 100 مرة، مما جعله يشعر وكأن علاء كان يشعر بأزمة ستحل عليه.
الفنان محمد هنيدى قال عنه: «علاء ولى الدين حكاية كبيرة خلصت بدرى بس مستمرة.. وجوده فى الدنيا انتهى، لكنه حى فى قلوبنا، واستذكر بداية صداقتهما فى المعهد العالى للفنون المسرحية، حيث كان الجميع يشير إلى هنيدى بعبارة «الواد القصير دمه خفيف»، وإلى علاء بـ«الواد التخين دمه خفيف»، فجمعت بينهما هذه الكوميديا الفطرية».
أما الفنان أشرف عبد الباقى، فقد كانت صداقته بعلاء تشبه العلاقة الأسرية، إذ كانا لا يتركان يوماً دون أن يتحدثا أو يلتقيا، قال عنه: «كان يجمعنا جميعاً.. هو الشخص والمكان فى نفس الوقت»، كما كشف أنه تعلم منه الكثير عن فعل الخير، وكيف كان بيته مفتوحاً للجميع. وأضاف: «أول عمرة لى كانت معه، وكان يطلب منى أن أخفض نظرى حتى أرى الكعبة لأول مرة، وأدعو له، ومن يومها صرت أكرر ذلك مع كل من يذهب للعمرة لأول مرة».
ذكريات الفنانين مع علاء
الفنانة يسرا، التى كانت تعامله كأخٍ صغير، عبَّرت عن صدمتها العميقة عند تلقيها خبر وفاته، قائلة: «كنت أتصور أى شيء فى الدنيا، إلا أن أسمع هذا الخبر»، كما روت موقفاً جمعهما عندما استعان بها علاء لمصالحة والدته، وكان فرحاً كطفل صغير عندما نجحت فى ذلك.
الفنان أحمد حلمى وصف علاقته به قائلاً: «تعرفنا أثناء تصوير (عبود على الحدود)، ومنذ اللحظة الأولى كأننا أصدقاء منذ سنوات طويلة»، وأوضح أن علاء كان صوفياً بطبعه، وكان يحرص على الأذكار قبل التصوير، ويستمع لمحاضرات دينية، ولم يكن يترك الصلاة أبداً.
أما الفنان شريف منير، فأكد أن تأثير علاء عليه وعلى أحمد السقا وكريم عبد العزيز كان عظيماً، خاصة فى المواظبة على الصلاة، حيث كان يسألهم عنها باستمرار. واستذكر موقفاً طريفاً عندما اشتهى علاء «اليوسفي» أثناء عودتهم من التصوير، فاشترى كميات كبيرة وأكل منها بشراهة، بينما ضحك الجميع على تصرفه العفوى.
رحيل ناظر مدرسة الكوميديا
الفنان محمد الصاوى، الذى كان آخر من تحدث مع علاء قبل وفاته بنصف ساعة، عبر عن صدمته عندما تلقى اتصالاً من شقيقه معتز يخبره بالخبر الحزين.
وأشار الصاوى، خلال لقائه بأحد البرامج التليفزيونية، إلى أن أهم ما كان يميز علاء ولى الدين أنه كان طيب القلب وحسن الخلق، وكان محباً للآخرين، ويفضلهم على نفسه لدرجة أنه رشحه للقيام ببعض الأدوار فى الوقت الذى كان علاء نفسه يعانى من قلة العمل.
رحل علاء ولى الدين، لكنه ترك بصمة خالدة فى تاريخ الكوميديا المصرية، ورحلة صعود مليئة بالإبداع والنجاح. لا يزال اسمه حاضراً، وأعماله تُشاهد باستمرار، وكأنه لم يغب أبداً عن قلوب محبيه.