12-4-2025 | 13:50
همسة هلال
تطرق الدكتـــور مصطفــى مدبولي رئيس مجلس الوزراء مؤخــرا إلـى ما أثـاره فخــــامـة الرئيـــس عبدالفتاح السيسي، بشأن المسلسلات والأعمال الدرامية، التي عرضت في شهر رمضان الكريم، وكيف أن بعض هذه الأعمال لا تعبر بأي حال من الأحوال عن المعدن الحقيقي للمجتمع المصري ولا الواقع المصري الحقيقي، مؤكداً أن هناك توجيه من فخامة الرئيس يتمثل في تشكيل مجموعة عمل متخصصة لوضع صياغة ورؤية مستقبلية واضحة للإعلام والدراما المصرية، بما يسهم في تعزيز رسائلها الإيجابية تجاه الفرد والمجتمع.
وأشار الدكتور مصطفى مدبولي إلى أن هذه المجموعة ستضم كل الجهات المعنية بملف الإعلام والدراما في مصر، وهي وزارة الثقافة، والمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، والهيئة الوطنية للإعلام، وكذلك الشركات المعنية بعملية الإنتاج ومنها الشركة المتحدة، بالإضافة إلى نخبة من المتخصصين في هذا المجال، وكذلك أساتذة الجامعات والكتاب والمؤلفين والمخرجين والمتخصصين في علم الاجتماع وعلم النفس؛ حتى يتسنى وضع تصور علمي وموضوعي لمستقبل الدراما المصرية.
من جانبها تحدثت «الكواكب» مع نخبة من الخبراء والمتخصصين حول ذلك، وأيضاً مجموعة من الجمهور لنعرف رأيهم.
في مستهل حديثه، يؤكد الناقد الفني طارق مرسي أن ثورة 30 يونيو لم تكن مجرد حدث سياسي فارق، بل شكلت منعطفًا حضاريا وثقافيا أعاد الاعتبار للوطن والمواطن وكذلك لقيمة الفن ودور المثقفين والمبدعين في بناء الوعي المجتمعي.
وأشار إلى أن القيادة السياسية منذ تولى سيادة الرئيس لمقاليد الحكم أدركت أهمية “القوى الناعمة” كسلاح حيوي في معركة الوعي، فخاطبت الفنانين والمثقفين ودعتهم إلى الانخراط الفعلي في «الجمهورية الجديدة»، حيث لا يمكن تصور جمهورية جديدة دون ثقافة تنويرية تعيد تشكيل العقل الجمعي وترسخ القيم الأصيلة.
وأضاف أن تلك المرحلة وحتى الآن شهدت ما وصفه بـ«الإنقاذ الحقيقي» للمجال الفني من براثن تيارات التطرف، ومن هنا، كان على المبدعين أن يردوا الجميل للوطن، لا من باب المجاملة، بل انطلاقاً من وعي بأهمية دورهم في حماية الهوية الثقافية وصناعة وعي جماهيري يعزز قيم الانتماء والتنوير.
وأشاد مرسي بما اعتبره نقلة نوعية في تاريخ الدراما المصرية، تمثلت في أعمال ضخمة مثل «الاختيار»، «الحشاشين»، موضحا أن هذه المسلسلات لم تكن مجرد أعمال فنية ناجحة فحسب، بل شكلت محطات فاصلة في إعادة رسم ملامح الشخصية المصرية على الشاشة، واستعادت لمصر مكانتها الرائدة كـ«هوليود الشرق»، وكسرت حالة الجمود والسطحية التي خيمت على الإنتاج الدرامي لفترة طويلة.
وقال: هذه الأعمال أعادت لنا الدراما التي تنبض بالقيم والرسائل، تلك التي تشبهنا وتخاطب وجداننا وتعكس تاريخنا ومعتقداتنا».. مضيفًا: «من يتأمل هذه الأعمال يدرك أن مصر عادت بقوة إلى مسرح التأثير الإقليمي من خلال فنها، بعد سنوات من التراجع والتشويه.
وعبر مرسي عن تفاؤله حالياً، مشيرًا إلى أن المنتج الدرامي شهد تنوعا ملحوظًا، وهو مؤشر صحي يعكس محاولات حقيقية لاستعادة التوازن بين الترفيه والرسالة. وخص بالذكر أعمالًا مثل «ولاد الشمس»، «النص»، «لام شمسية”، “إخواتي»، «ظُلم المصطبة»، «جودر»، مؤكدًا أنها أعمال تحمل إبداعا يستحق الإشادة.
لكنه في الوقت ذاته حذّر من أن هذا التنوع لا يجب أن يغطي على الانحدار الفني الذي تمثله بعض الأعمال التي أسرفت في الإسفاف بدعوى أنها «دراما شعبية» بينما هي في حقيقتها لا تمثل الشعب ولا تنطق بلسانه، بل تقدم صورة مشوهة ومبتذلة عنه، تتنافى مع الواقع والقيم.
واعتبر مرسي أن الرفض الشعبي الذي قوبلت به هذه الأعمال رسالة يجب أن تصل إلى صنّاع المحتوى، فالجمهور لم يعد يقبل «المسخ الفني»، وهو بات أكثر وعيًا وتمييزًا بين الجيد والمتردي، مضيفًا: «الشارع المصري قال كلمته، وعبّر عن رغبته فى فن حقيقي يليق بعراقة مصر وريادتها».
وفي ختام حديثه، أبدى تفاؤله بما هو آتٍ، مؤكدًا أن الدراما تسير في الطريق الصحيح، وأن صناعة السينما أيضًا على موعد مع انتعاشة قريبة، خاصة إذا ما تم البناء على هذا الوعي الجماهيري والجهود المؤسسية المبذولة.
وقال: «الفن ليس مجرد ترف، بل ركيزة أساسية في تشكيل وعي الأمة، وإذا أردنا مستقبلًا مستنيرًا، فعلينا أن ننتج دراما تربي وتحفّز وتوحد، لا دراما تفتت وتبتذل».
أكّد الناقد الفني أحمد سعد الدين أن الاهتمام بتطوير المشهد الدرامي في مصر حالياً يعد خطوة في الاتجاه الصحيح، بل وصفه بأنه ضرورة حتمية في هذا التوقيت، خاصة بعد أن شهدت الدراما المصرية خلال السنوات الأخيرة تحولات كبيرة في الشكل والمضمون، أفرزت أعمالاً لا تعكس بالضرورة هوية المجتمع أو تطلعاته، وأحيانا ترسخ لصورة مغلوطة عنه.
وأوضح أن الموسم الدرامي الحالي كان زاخرا بالإنتاج، حيث تنوعت الأعمال من حيث الطرح والمعالجة، فبينما ظهرت مسلسلات تمتاز بجودة النصوص والبناء الدرامي، برزت أخرى بحاجة ماسة إلى إعادة تقييم ومراجعة شاملة، خصوصا فيما يتعلق بالصور النمطية التي تقدمها عن بعض الشخصيات المجتمعية.
ومن أبرز ما انتقده سعد الدين، هو تكرار صورة «البطل الشعبي المضطهد» الذي يُقدّم دائمًا على أنه ضحية مجتمع، لا يجد أمامه سبيلاً للنجاة إلا من خلال فرض قوته بالعنف، ليُصبح بعدها رمزًا للبطولة والانتصار، وأكد أن هذا النموذج أصبح مستهلكًا ومفصولًا عن الواقع، ويؤسس بشكل خطير لمفاهيم مغلوطة حول العدالة والبطولة ويغفل الأبعاد الإنسانية والاجتماعية الأكثر تعقيدا.
وانتقل الى زاوية أخرى لا تقل أهمية، وهي صورة بعض المناطق البعيدة عن العاصمة في الدراما، معتبرا أن الكثير من الأعمال الأخيرة شوهت هذا المكونات الثقافية الثرية.
وقال: “للأسف أصبحنا نرى نماذج سلبية تعبر عن بعض هذه المناطق في تجاهل تام لما تحمله من رموز اجتماعية وفكرية وثقافية راقية”.
كما انتقد أعمالاً أخرى تعبر عن البيئة الشعبية ولكنها جاءت لتكرس صورة سلبية عن هذه البيئة الحافلة بالنماذج المصرية الأصيلة مثل العامل الشريف، والمعلم، والطبيب، وبقية شرائح المجتمع التي تستحق أن تجسد دراميا؟”.
ورغم النقد، لم يخفِ إعجابه بعدد من المسلسلات التي عُرضت في الموسم الحالي، مثل «ولاد الشمس»، «إخواتي»، «قلبي ومفتاحه»، «النص»، مشيرًا إلى أنها حملت قدرًا جيدًا من الجودة الفنية والرسالة المجتمعية. لكنه في الوقت ذاته لم يغفل عن الإشارة إلى بعض الأعمال التي وصفها بأنها “لا تستحق الظهور على الشاشة”، لما تحمله من سطحية في الطرح.
ورأى سعد الدين أن المدخل الحقيقي لإصلاح الدراما يبدأ من المؤلف، القادر على صناعة عوالم درامية ترتبط بجمهوره وتعبر عنه بذكاء.
أكد أن النص هو البذرة الأساسية لأي عمل ناجح، وإذا ما أُهملت هذه الخطوة، فكل العناصر الأخرى، مهما بلغت من احترافية، ستسقط في فخ السطحية والافتعال.
وشدد على أن الدراما لا يجب أن تكون فقط وسيلة للترفيه، بل منصة للتوعية والتثقيف، خاصة أنها تدخل إلى كل بيت بلا استئذان، وتتسلل إلى وعي الأجيال دون مقاومة، وبالتالي فهي مسئولة عن بناء مفاهيم وسلوكيات قد تترسخ مدى الحياة.
الجمهور
أما الجمهور، الذى تنتج هذه الأعمال من أجله، فقد كانت لنا معه وقفة لمعرفة رأيه فى هذا الموضوع، وانطباعه.
علقت هالة محمود على الاهتمام بالدراما فى المرحلة الحالية بحيث تعبر عن المجتمع والشخصيات المصرية الأصيلة بحماس، أنا مؤيدة للخطوة دي بكل قلبي، لأننا فعلاً بقالنا سنين مفتقدين دراما حقيقية تمثلنا إحنا، الناس البسيطة اللي بتشتغل وتتعب، بقينا نشوف أعمال تركز بشكل مبالغ فيه على الجرائم وكأن المجتمع المصري كله غرقان في العنف! ده مش واقعنا ولا صورتنا، وإحنا محتاجين أعمال تحكي عن الناس العاديين، عن الطموح والشهامة والجدعنة.
يقول أحمد سمير: قرار تشكيل مجموعة عمل متخصصة لتطوير الإعلام والدراما في حد ذاته إيجابي ومبشر، فنتمنى خلال المرحلة المقبلة أن نرى بالفعل نقلة نوعية في شكل الدراما اللي بتتعرض على الشاشات، كما تابعنا هذا فى بعض الأعمال الدرامية خلال شهر رمضان ومنها «ولاد الشمس».
ويضيف: المجتمع المصري مليان حكايات إنسانية ملهمة وقصص حقيقية تستحق التوثيق والتجسيد، إحنا محتاجين دراما ترجع تحكي عنا، عن الناس اللي بنشوفهم كل يوم، عن معاناتنا وطموحاتنا وفرحتنا.
تقول سارة عبد الله بأسى: وحشنى الزمن اللي كانت فيه المسلسلات تجمعنا كعيلة حول التليفزيون، من غير قلق أو توتر، كنا بنتفرج سوا ونضحك ونتفاعل، وكانت الدراما وقتها بتحترم القيم وخصوصية البيوت المصرية، حالياً نجد بعض هذه النوعيات ولكنها قليلة ونحتاج إلى زيادتها والاهتمام بها أكثر.
وتضيف نورا جمال: تابعت خلال شهر رمضان بعض الأعمال الدرامية وقد رأيت أن هذه الأعمال بعضها جاء معبراً عن المجتمع المصرى وقضاياه بل وتطرق بعضها إلى بعض القضايا الشائكة والمسكوت عنها كما فى «حسبة عمرى» والذى تطرق إلى حق الكد والسعاية، ولكن فى المقابل جاءت بعض الأعمال بعيدة عن طبيعة المجتمع المصري ولا تعبر عن الشخصية المصرية.
ويوضح حسين علي: نحن بحاجة إلى محتوى يفرحنا ويعكس القيم الجيدة، ويكون له دور في تعليم أبنائنا السلوك الصحيح.
وتقول رنا مصطفى: أنا من عشاق المسلسلات، لكن في الفترة الأخيرة أصبح الكثير منها مكررًا ويشبه بعضه. أتمنى أن تساعد مجموعة العمل التى ستشكل في إحياء الأعمال التي تحتوي على قصص وحكايات جديدة وجميلة.
وتوضح منى فؤاد: أعتقد أن الفن يجب أن يكون له دور بناء في المجتمع لا هدام، كفى من النماذج السلبية التي نراها يوميا في المسلسلات، نحتاج إلى المزيد من النماذج الإيجابية التي تقدم رموز مجتمعية مؤثرة كالعلماء والمخترعين والتى تؤرخ أيضاً لبطولات شهدائنا من الجيش والشرطة.