2-8-2025 | 13:27
شيماء محمود رحيم
ضمن فعاليات المحور الفكرى «وصلة»، احتضن المهرجان القومى للمسرح المصرى لقاءً فكرياً مميزاً جمع بين الرؤية الراسخة والخطوات الطموحة، من خلال حوار مثمر جمع المخرج الكبير مراد منير بالمخرج الشاب يوسف المنصور، وأداره الناقد محمد علام، بحضور كل من رئيس ومدير المهرجان.
اللقاء جسد حالة تواصل حقيقية بين جيلين من صناع المسرح: أحدهما أرَّخ لمسارات راسخة، والآخر يعيد اكتشافها بلغة معاصرة، وخلال اللقاء دعا مراد منير الشباب إلى القراءة والانفتاح على كافة أشكال الفنون، كوقود ضرورى لصناعة عرض مسرحى متكامل، بينما رأى يوسف المنصور أن المسرح المعاصر بات أقرب إلى لوحة تشكيلية تتكون بروح بصرية، مشدداً على أهمية التجريب والانطلاق من اللاوعى الإبداعى.
وفى سياق موازٍ، استضاف المحور أيضاً حواراً بين الفنانة وفاء الحكيم والفنانة ريم أحمد، تناول العلاقة الديناميكية بين الخبرة الفنية وروح التجريب، فى تأكيد جديد على هدف «وصلة» الأساسي: مد الجسور بين أجيال المسرح وتبادل الرؤى والخبرات.
وفى إطار تكريم المهرجان للفنانة القديرة سميرة عبد العزيز، تم تنظيم ندوة بحضور نخبة من المسرحيين والنقاد والفنانين الذين شاركوا في شهادات حية عن عطائها الفني ومسيرتها الاستثنائية، افتتح الندوة الكاتب والشاعر والناقد محمد بهجت، صاحب كتاب «سميرة عبد العزيز.. ضمير المسرح المصري»، والذي كشف عن كواليس إعداد الكتاب، واصفًا إياها بـ«رمز الدأب والاحترافية» التي لا تعرف التراخي، بل تجتهد في كل عمل وتتعامل مع الفن كرسالة لا تقل قدسية عن العلم أو التربية، وكشف أن علاقته بالفنانة سميرة عبد العزيز بدأت قبل سنوات، عندما شاركت في إحدى أمسياته الشعرية بالمسرح القومي، حيث ألقت قصيدة للشاعر عبد الرحمن الأبنودي، فأدرك حينها أنها ليست فقط فنانة قديرة، بل مرجع شعري وإنساني، وفي ختام كلمته، ألقى الشاعر محمد بهجت قصيدة كتبها خصيصًا للفنانة سميرة عبد العزيز، نالت إعجاب وتصفيق الحضور، وفي كلمتها، أعربت الفنانة سميرة عبدالعزيز عن سعادتها بهذا التكريم، مؤكدة أن الفن كان ولا يزال يمثل كل شيء في حياتها، وأضافت أن كل مخرج عملت معه كان بمثابة إضافة فنية وشخصية لها، قائلة: «كنت دائما حريصة على الالتزام برؤية المخرج وتنفيذ تعليماته بدقة، لأنني أؤمن أن العمل الفني عمل جماعي، وكل مخرج له بصمته التي تسهم في تطوير أدواتي كممثلة»، وعن أبرز محطات مسيرتها، كشفت سميرة عبدالعزيز عن عملها في مجال الإذاعة، معتبرة برنامج «قال الفيلسوف» الذي قدمته لعقود طويلة، هو «برنامج عمرها»، مشددة على حرصها الشديد على أن يخرج بأعلى جودة ممكنة، وهو ما جعله علامة فارقة في الإذاعة المصرية لا تزال أصداؤه ممتدة حتى اليوم، وفي حديثها عن أدوار الأم التي جسدتها، ذكرت، أن الأمومة كانت حاضرة بقوة في مسيرتها، وتجسيدها لشخصيات مثل أم الإمام الشعراوي وأم كلثوم الذي كان يعد تحديا كبيرًا، مشيرة إلى أنها كانت تسعى إلى التنوع في الأداء رغم وحدة النمط، من خلال البحث والقراءة والوعي بالسياق.
كما تم تنظيم جلسة حوارية مع أحد أبرز المكرمين هذا العام بالمهرجان، المهندس الدكتور صبحي السيد، تناولت مسيرته الفنية الممتدة وإبداعاته في مجال التشكيل المسرحي، أدارها المخرج أحمد إسماعيل والناقد الدكتور محمد سمير الخطيب، مؤلف كتاب «صبحي السيد.. صائد الجوائز» في مستهل اللقاء، أكد المخرج أحمد إسماعيل أن الفنان صبحي السيد يعد أحد أبرز المبدعين في مجال التشكيل المسرحي، قائلًا: نحن أمام فنان مجدد لا يلتزم بثوابت شكلية، بل يقدم في كل عمل جوانب إبداعية متفردة، فهو فيلسوف التشكيل، لأنه يستوعب النص والبناء الدرامي ورؤية المخرج، ويقدم تضافرًا بصريا مدهشا ينعكس في الصورة المسرحية، وأشار إسماعيل إلى أن صبحي السيد لا يكتفي بالصنعة بل يقدّم لغة بصرية متكاملة، تمتاز بالرؤية الفلسفية والتشكيلية، التي تترك أثرًا وجدانيا دائما لدى المتفرج، واصفًا أعماله بأنها “موسيقى للصورة”، وأنه “صانع الموسيقى الضوئية” بامتياز، فضلًا عن كونه رمزًا للأخلاق، والدعم، وتبني الأجيال الجديدة، من جانبه، تحدث الناقد د. محمد سمير الخطيب عن صداقته الطويلة مع صبحي السيد، وتجربته في تأليف كتابه الذي حمل عنوان “صبحي السيد.. صائد الجوائز”، مشيرًا إلى أن السيد جمع في شخصه أدوارًا مركبة لمشروع فني متكامل، وقال: بدأ من القطاع الخاص، وعمل مع كبار المخرجين كـ محسن حلمي، حسن عبد السلام، أحمد عبدالجليل، وجمال ياقوت، وقدم معهم عروضًا أصبحت محطات مضيئة في مسيرتهم، وكان هذا مدخلي لتفكيك مكوناته الفنية، خاصة في علاقته بالفن التشكيلي، حيث يملك موهبة فذة في الخط، وتحويل الفراغات المسرحية إلى لوحات تشكيلية نابضة”، ووصفه بأنه “شاعر الصورة البصرية”، مستشهدًا بعرضه لـ “بيت الدمية” حيث استطاع أن ينتج نصًا بصريًا موازيا، وفتح الخاص على العام، مظهرًا العالم كله من خلال منزل صغير، كما تحدث عن تجربة “مسرحة المكان” التي خاضها صبحي السيد في عروض قدمها بـ محكي القلعة وحديقة الفسطاط، والتي اتسمت بوعي عميق بالدراما، وبخلفية تشكيلية جعلته يعيد الصلة بين المسرح والفن التشكيلي.
وفي حديثه، عاد صبحي السيد إلى جذور الحكاية، حيث بدأ حبه للفن من قرية صغيرة في محافظة المنوفية، قائلًا: علاقتي بالطبيعة كانت البداية؛ كانت مدرسة تأمل، ومنها بدأت الأسئلة، الرسم كان كل شيء بالنسبة لي، أرسم على الكراسات، الجدران، الأشجار، أتذكر جيدًا يوم أن دخلت لأول مرة غرفة التربية الفنية في المدرسة، شعرت وكأني وجدت كنزي الضائع”، وتابع: حين التحقت بالمعهد العالي للفنون المسرحية، وجدت وسيطًا جديدًا هو الدراما، فتوقفت عن الرسم عامين كاملين، ثم عدت عبر سؤال جديد عن ماهية الدراما، وبدأت رحلة قراءة عميقة للبحث عن إجابة لما يريد المؤلف قوله من خلال النص”. وفي رؤيته الخاصة عن فن العرض المسرحي، شدد على أن “المسرح كائن حي لا يمكن تجزئته”، وأن أي محاولة لفصل عناصره تفقده جوهره، مشيرًا إلى أن إدخال التكنولوجيا الجاهزة مثل “الفيديو مابينج” قد يفقد العرض.
كما استضاف المهرجان جلسة فكرية موسعة بعنوان «نقاش مفتوح حول الموسم المسرحي»، بمشاركة نخبة من النقاد والباحثين المسرحيين، وحضور عدد كبير من المسرحيين والإعلاميين والمهتمين بالشأن الثقافي، شارك في المائدة المستديرة كل من: الناقد باسم صادق، الناقدة رشا عبد المنعم، الشاعر والكاتب المسرحي يسري حسان، والناقد الدكتور محمد الخطيب أستاذ النقد المسرحي بجامعة عين شمس، وأدار النقاش الناقد أحمد خميس، استهل الناقد أحمد خميس الجلسة بطرح ثلاثة محاور رئيسية للنقاش، هي: السمات المشتركة للعروض المسرحية: مع بروز الميل نحو النصوص المترجمة والتقليدية ، العلاقة مع الجمهور والإعلام: والحاجة إلى تطوير أدوات الجذب والتواصل مع جمهور المسرح، الفرص والتحديات،
حيث طرحت الناقدة رشا عبد المنعم تساؤلات حول اغتراب المحتوى المسرحي عن الواقع المصري أحيانا، مشيرة إلى أن بعض من العروض تنطلق من نصوص مترجمة أو محلية تدور أحداثها في بيئات غربية، مما يفقدها التواصل، وفي ختام الجلسة، تحدث الفنان محمد رياض، رئيس المهرجان، مؤكدًا أن توجه المهرجان لإقامة ورش وعروض في المحافظات يُعد خطوة مهمة وملموسة نحو خلق قاعدة جماهيرية جديدة من قلب الأقاليم المصرية.