السبت 8 نوفمبر 2025

بين الشهرة والخصوصية.. أين تنتهى تفاصيل الحياة الفنية وتبدأ الحياة الخاصة؟

سوسن بدر

8-11-2025 | 14:24

موسى صبري
فى زمن تتقاطع فيه الأضواء مع الشاشات الصغيرة والكبيرة، وتختلط فيه الحقيقة بالفضول، تبقى مساحة الخصوصية فى حياة الفنان سؤالاً مفتوحاً، لا إجابة واحدة له. فالفنان، بقدر ما يملأ الساحة حضوراً، يظل إنساناً له حياته ومشاعره وحدوده، لكن الجمهور والسوشيال ميديا لا يكتفيان بما يقدم على الشاشة أو المسرح، بل يسعيان خلف الكواليس إلى معرفة كل ما يدور فى حياته اليومية من زواجه وابنائه، إلى تفاصيل أسرته وقراراته الخاصة. بين حق الجمهور فى المعرفة، وحق الفنان فى الاحتفاظ بخصوصيته، تدور معركة صامتة عنوانها: أين تنتهى الموهبة وتبدأ الحياة الخاصة؟ فى هذا التحقيق، نقترب من هذه المنطقة الشائكة لنستمع إلى آراء فنانين ونقاد، كما نستمع إلى صوت علم الاجتماع حول المعادلة الصعبة بين الشهرة والخصوصية، فى عالم إلكتروني لا يعرف الصمت. فى البداية أكدت الفنانة الكبيرة لبنى عبدالعزيز أن للحديث عن حياة الفنان حدوداً واضحة، سواء كانت مهنية أو شخصية، مشددة على أن الحياة الخاصة تظل «خطاً أحمر» لا يحق لأحد تجاوزه دون إذن صريح من صاحبها. وقالت: لا يمكن لأى فنان أن يتقبل الخوض فى تفاصيل حياته الشخصية إلا إذا قرر هو بنفسه أن يشاركها، فحينها يصبح حراً فيما يصرح به، لكن الخصوصية التى يفرضها الفنان على نفسه لا يحق لأحد اختراقها. وأضافت أن الجمهور ووسائل التواصل الاجتماعي بطبيعتها تميل لمعرفة كل ما يخص الفنانين، لكن من الضرورى أن يكون ذلك فى إطار ما يسمح به الفنان، لأن الدخول المفرط قد يتحول إلى عبء نفسى وضغط متواصل. وتابعت: فى الماضى كنا نتحكم فيما نصرح به، أما الآن ومع انفجار عصر السوشيال ميديا، أصبحت الحياة الخاصة واضحة للناس، وكل شخص يريد أن يعرف تفاصيل الزواج والأبناء والتعليم والعمل.. وهى أمور مرهقة للفنان. وأكدت أنها لا تتحدث عن حياتها الخاصة إلا فى أضيق الحدود، وبشرط أن يكون السؤال المطروح مقبول، مضيفة: أما الأسئلة التى تحمل نية مختلفة غير الحصول علي المعلومة فلا أقبل بها على الإطلاق. أكدت الفنانة سوسن بدر أن لكل فنان حقاً كاملاً فى تحديد حدود التعامل الإعلامى معه، مشددة على ضرورة وجود سقف واضح للتناول الإعلامي يراعى خصوصية الفنان وحياته الشخصية. وقالت بدر: دائماً أفرض سياجاً من الخصوصية حول نوعية الأسئلة التى تطرح على، وأضع شروطاً فى التعامل مع من يتجاوز هذه الحدود، فلا أسمح لأى شخص بالخوض فى حياتى إلا فى نطاق ما أراه مناسباً وطريقة السؤال التى تُطرح. وأضافت: هناك أسئلة أجيب عنها بهدف التوضيح أو التبرير، وأخرى أتجاهلها حتى لا تتفاقم، لأن ليس من حق أى فرد أن يعرف عنى ما لا أريد الإفصاح عنه. وأوضحت أن الفنانين يختلفون فى تعاملهم مع حياتهم الخاصة؛ فبعضهم يشارك جمهوره تفاصيله اليومية، بينما يختار آخرون التحفظ الكامل، وقالت: أنا من النوع الثانى، لا أتحدث عن حياتى إلا فى أضيق الحدود، إلا إذا استدعت الضرورة لتوضيح حقيقة أو نفى شائعة. كما أكد الفنان محمد نجاتى أنه يحرص دائماً على وضع حدود واضحة بين حياته الفنية والشخصية، مشدداً على أنه لا يسمح لأحد باختراق خصوصيته تحت أى ظرف. وقال نجاتى: لا أقحم حياتى الشخصية فى الإعلام أو الصحافة إلا فى أضيق الحدود، وعند الضرورة فقط لتوضيح أمر معين، فهناك خطوط وسقف لا يمكن لأى شخص تجاوزه، فأنا بطبعى متحفظ إلى أقصى درجة. وأضاف: أدرك أن حياة الفنان الخاصة جزء من صورته العامة، لكن يجب التفريق بين ما يُقال بإرادتنا وبين ما يفرض علينا. واختتم قائلاً: الخصوصية حق لكل فنان، ولا تخترق إلا إذا اختار هو بنفسه أن يشارك جمهوره بعض تفاصيلها، عندها فقط يصبح حراً فيما يبوح به. وقال الناقد الفنى طارق الشناوى إن مسألة الخصوصية فى حياة الفنانين تخضع بالأساس لاختياراتهم الشخصية، مشيراً إلى أن بعضهم يفتح أبواب حياته طواعية أمام الجمهور، بينما يفضل آخرون الصمت والاحتفاظ بمساحاتهم الخاصة. وأوضح الشناوى: هناك فنانون هم من يصرحون بتفاصيل حياتهم للصحافة والإعلام أو عبر صفحاتهم على مواقع التواصل، مثل تحدث البعض صراحة عبر مواقع التواصل الاجتماعي عن بعض مشكلاته العائلية، هنا يفتح الباب للإعلام ولمواقع التواصل بتناول هذا الأمر لأن صاحب الموضوع هو الذى سمح ذلك، وبالتالى يصبح تناول الإعلام لهذه التصريحات أمراً منطقياً لأنه هو من طرحها على الملأ. وأضاف: أنا أرفض تماماً اقتحام الإعلام أو مواقع التواصل الاجتماعي لحياة الفنان عنوة، لكن إن كان الفنان هو من سمح باختراق خصوصيته، فلا يعتبر ذلك تعدياً عليه. وختم الشناوى قائلاً: من الطبيعى أن يهتم الجمهور بمعرفة أخبار الفنانين، فهذا جزء من طبيعة النجومية، لكن يظل الاحترام أساس العلاقة. وتوضح الدكتورة دينا محمد عيسى، أستاذة علم الاجتماع بجامعة عين شمس، أن مفهوم الخصوصية فى حياة الفنانين أصبح نسبياً ومتغيراً، إذ يختلف من نجم لآخر تبعاً لطبيعة شخصيته ونمط تعامله مع الجمهور والإعلام. وتقول: هناك فنانون يشاركون جمهورهم كل تفاصيل حياتهم من زواج ومناسبات خاصة، معتبرين ذلك جزءاً من مهنتهم، بينما يفضل آخرون فرض سياج من الخصوصية على حياتهم، أو الكشف فقط عما يختارونه بأنفسهم. وتؤكد عيسى أن وسائل التواصل الاجتماعي علي وجه الخصوص غالباً ما يحدث من خلالها اختراق هذا السياج بدافع الفضول أو الإعجاب، فتبدأ التساؤلات: لماذا تزوج هذا الفنان؟ كيف حدث الطلاق؟ ولماذا اختار هذا الشريك؟، مضيفة أن الأخطر من ذلك هو نشر وثائق أو معلومات حقيقية أو غير حقيقية دون إذن الفنان، مما يضعه فى حيرة بين الرد أو الصمت، وتتحول خصوصيته إلى ساحة انتهاك علنى. وتضيف: جمهور السوشيال ميديا أصبح لاعباً أساسياً فى هذه المعادلة، فهو من يطرح الأسئلة ويضغط للحصول على إجابات، لكن ردود الفنانين تختلف؛ فهناك من يوضح الموقف بذكاء، وآخرون ينفعلون أو يلتزمون الصمت. وتشدد على أنه لا توجد قاعدة موحدة تحدد مدى بوح الفنان أو صمته، فالأمر يظل قراراً شخصياً، لكن على الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي أن يلتزما بضوابط السؤال واحترام الرفض، مشيرة إلى أن بعض الفنانين يعدوا مثالاً واضحاً لاحترام الخصوصية، إذ نجحوا فى الحفاظ على حياتها بعيداً عن الأضواء دون أن يجرؤ أحد على اقتحامها، ولا يعرف أى منهم اقتحام هذه الحياة فهذا أمر متروك للفنان ولحياته الشخصية .