هل استمعت يومًا لصوت الروح بداخلك؟، حاورتها واقتنعت بها ورضخت لقولها؟؛ نعم فالروح تتكلم كلاماً بدون كلمات وتمدك بأفكارٍ بدون تفكير ولها صوت خفيِّ بدون نبرة عالية!، هذا ما يُطلَق عليه في فلسفة علم النفس (الحَدْس)؛ فهو ذلك التفكير الغريزي وتلك العملية السحرية التي تقفز من خلالها الأجوبة من الهواء إلى عقلك الباطن، في الوقت الذى يَصُب فيه أغلبنا انتباهه اليومي على أفكار الوعي الظاهر ومشاعره مُعتمدًا على عقلٍ جامد لا يؤمن سوى بالمُسلمات والنظريات المُسبقة.
وللروح أنماط وأنواع أعلاها درجة تلك المتصلة بالذات الإلهية والتي دائماً ما توجه صاحبها فى الاتجاه الصحيح؛ قد تلحظ هذا عزيزي في لحظات التعارف الأولى دائماً- فإذا كنت وقتها من أصحاب الحدس- ستجد أن الانطباع الأول هو الأصح والأدق ؛في توقيت يكون فيه العقل مُعطلًا عن العمل بأفكاره وتقييماته؛ فتحدث ملامسة مباشرة مع الروح التى تمدنا بالمعلومات الصحيحة عن الشخص والموقف من الوهلة الأولى، ثم يعود العقل إلى عمله حاملاً طبيعته من شكوك المعرفة ببرمجياته وأحكامه ويقف كثيرا حائلاً بيننا وبين معرفة الحقيقة، فقوة الحدس توجهك وتصل لأوج طاقتها عند اتصالك بذاتك العُليا والوصول لحقيقتها مع التجرد التام من (الأنا) المادية المريضة ؛بكبْح أنا ( المُنافسات، إثبات الذات، الشحناء، التبريرات، إلقاء اللوم....)، عند التحرر من تلك الشحنات السلبية في حياتك فقط سيغمرك سلامًا عميقًا؛ فتجد نفسك تلتمس الأعذار لمن قصْر في حقك وتترفع عن الانتقام ممن غدر بك، وتنأى بنفسك عن المشاحنات وتتناسى أي إساءة من مُنطلق الرغبة في الدفاع عن ذاتك .
ولهذه المرحلة ثمار لا تُعَد ولا تُحصى؛ تبدأ باتصالك بنور الخالق داخلك عندها يكون الولوج إلى درب الوعي والتنوير وستشعر بقوة شجاعتك وببراح تحررك وستمضي متيقنًا أنه لن تمسسك مشاعر خوف أو قلق من المستقبل أو حزن أو أسى على الماضي.
ولتفعيل حدسك لابد من إرساء دعائم هامة ؛أولها الإيمان بأن كل مُقدْرات الرحمن خير ،بل كُن على ثقة من تدابيره التى أنقذتك مما هو أشرّ وأسوأ، كُن مُحبًا خَدومًا مع الآخرين وفى نفس الوقت حازمًا لمن يتعدى الحدود، لا تَتَملْق بل انطق بالكلمة الصدوقة دون تردد، ابتعد عن الكذوب الواهم وترفع عن العقول المُتحجْرة المتقولبة، اشفق عليهم وتمنى لهم التحرر من أسر تلك القوالب الصَدئة ،اعشق نفسك كخطوة أساسية لاتباع حدسك؛ بَجِل نفسك الجديدة وما آلت إليه من تَفَتُح وبَصيرة وحزم وسكينة وهدوء وتفاؤل وسلام ،افرح بتجَدُدك ووعيك ونظرتك الجديدة للأمور بذاتيتك الرصينة، لا تَعِش فى وَهم العُمر وأعلم انه كُلما كَبُر الإنسان أصبح أجمل وأروع وأذكى وأنضج وأن كل شيء عند الخالق بمِقدار وميعاد ،تعامل مع الناس وشاهدهم بعين مُتجردة من الأحكام والتصنيفات مُتخلصًا من رغبات التحكم والسيطرة التى تلتصق دوماً بالنفس البشرية، إياك وربط سعادتك بهدفٍ أو بشخصٍ فالسعادة منبعها داخلك ، أفعل الخير ولا تنتظر مُقابل من بشرٍ واحتسب ما فعلته من معروفٍ مع لئيمٍ ناكر عند الذى لا تضيع عنده الودائع والأعمال، حرر قلبك من قيود الألم؛ عندئذ فقط سَتُحلق بعيداً عن هذا العبء الثقيل على كاهلك .
نعمة الحدس بذورها داخل كل نفس بشرية خلقها الله عز وجل ونحن نحمل مهمة نموها والحفاظ عليها؛ فالثقة بالله تولد ثقتك بنفسك فيزداد قلبك بزوغًا وتشع روحك النقية الواعية القابعة بداخلك طاقات إيجابية تقتل التأفف والتذمر واليأس والقنوط الذى يعتري نفوسنا أحياناً أمام شخوص سامة مرت بنا أو أمام مواقف نكران وكذب وغدر؛ هنا يتضاءل صوت العقل المُثْقَل بالبرمجيات المُسمطة العقيمة داخلك وتحيا مع من هو أقرب إليك من حبل الوريد آمنًا مُطمئناً تاركاً القاع لأشباه البشر.