الجمعة 10 مايو 2024

حقيقة «ريش» الذي يزعج المصريين

مقالات27-10-2021 | 14:58

في عرف المصريين "اللي ييجي في الريش .. بقشيش"، وهي المقولة التي تستخدم بمثابة استجلاب الصبر على تحمل المصائب، واستجداء الرضا في مواجهة الفاجعة، والطبطبة على القلب المكلوم، كي تهدأ الروح وتتقبل ما حدث بنفس راضية، ولكن  تظل الحقيقة أن ليس كل "ريش" ينزل برداً وسلاماً على قلوب المصريين.
 
استقبل المصريون الزفة الزائفة المثارة على فيلم "ريش" بردود أفعال متباينة، وهنا لا أقصد الشريحة العظمى من أبناء هذا الوطن، وإنما شرائح النخبة والمثقفين الذين انقسموا بين معارض بزعم تشويه العمل السينمائي لصورة مصر في أنظار العالم، ومؤيد متمسك بحرية الفن والتعبير في تصوير الواقع كما يراه وتسليط الضوء على ما يبغي من ظواهر مجتمعية دون قيود وأحكام، في معركة لم ينهيها سوى تسريب الفيلم عبر عدد من منصات التواصل المجتمعي، الأمر الذي مكن الكثيرين من مشاهدتعه ليكتشفوا أنه لم يكن يستحق عناء النزاع عليه بهذه الصورة.
 
أما السواد الأعظم من أبناء هذا الوطن فقد كانوا في الواقع على الشاطئ الآخر يفصلهم بون شاسع عن صفوف المؤيد والمعارض، ففي حياتهم "ريش" أهم يشغلهم بل ويزعجهم، وهو في حقيقة الأمر هذا الارتفاع الجنوني في أسعار البيض والدواجن بصورة غير مبررة تؤثر بصورة مباشرة على مائدة المصريين، التي لا تعرف من أصناف اللحوم سوى البيضاء منها، بعد أن انزوت اللحوم الحمراء في زاوية النسيان مع اقتراب سعر الكيلو من 200 جنيه، ليكون الريش قد انتقل من فوق جسد الدواجن الى سطح النقود التي غدت تطير دون استئذان.
 
واقع المعيشة يجعل من الرفاهية أن ينساق المواطن الكادح لمعارك فكرية وهمية حول تقييم عمل سينمائي يجد نفسه بين أبطاله، يحيا حياتهم، ويعيش معيشتهم، ويمر يومه كما تمر أيامهم، وربما يفضلُ أن يُشاهد عملاً كهذا بدلاً من الجلوس مشدوهاً أمام أعمال سينمائية وتليفزيونية ترسم صورة لا تعبر عن واقعه، حيث يحيا أبطالها في قصور فارهة، ويركبون سيارات فخمة، ويرتدون أزياء ومجوهرات باهظة الثمن، بينما يصارع هو من أجل لقمة العيش، وهو في هذه الحالة لا يمكن أن يلام إن أظهر انجاذباً لهذا النوع من الفن الواقعي مهما كانت دوافعه ورسائله.
 
أي حديث عن ردود أفعال شعبية تجاه فيلم سينمائي هو في واقع الأمر نوعاً من العبث، وتصور لا ينمو ويعيش سوى في رؤوس مثقفين لا يعرفون الشارع المصري جيداً، فالمواطن الكادح لن ينساق وراء دعاوى مقاطعة عمل فني يحمل اسم "ريش" أو مهاجمة صانعيه أو المطالبة بوقف عرضه، ولكنه ينادي ويتمنى أن يجد انخفاضاً في كل ما يحمل "ريش" فوق جسده، ليجد كرتونة بيض وكيلو دجاج بسعر معقول، على قدر يده، يستطيع توفيرها ولو أسبوعياً على مائدته، كما لا يمكن أن ينساق لدعاوى مقاطعة البيض مثلاً حيث سيظل عنصراً غذائياً أساسياً في نمو جسد أبناءه، ومثل هذه الدعاوى تشكف الفجوة العميقة بين أفكار النخبة والمثقفين وما يدور في عقول البسطاء.  
 
لا يستوعب المواطن البسيط نظريات التضخم أو تعثر سلاسل التوريد العالمية كمبرر لإرتفاع جنوني في أسعار سلع غذائية أساسية، ولكنه سيصبر كما اعتاد دوماً حتى يجد الأسعار تنخفض من جديد، وحتى يحدث ذلك، سيكون كبطل فيلم "ريش"، حين منح زوجته في الصباح بضع جنيهات قبل أن يغادر إلى عمله وقال لها بصرامة : "النهاردة وبكرة بتنجان".

Dr.Radwa
Egypt Air