الأربعاء 5 يونيو 2024

احكي يا شهرزاد .. الصائغ والصورة التي عشق صاحبتها

3-6-2017 | 13:16

تنقلها لكم: مروة لطفي   

قالت شهرزاد: بلغني أيها الملك السعيد أنه كان في سالف الزمان رجل صائغ مولعا بالنساء وشرب الخمر، دخل يوما من الأيام عند صديق له فنظر إلى حائط من حيطان بيته فرأى فيها صورة جارية منقوشة لم ير الراؤون أحسن ولا أجمل ولا أظرف منها .

فأكثر الصائغ من النظر إليها وتعجب من حسنها حتى تملك حب هذه الصورة من قلبه إلى أن مرض وأشرف على الهلاك فجاءه أحد أصدقائه يعوده، فلما جلس عنده سأله عن حاله وما يشكو منه.

فقال له يا أخي إن مرضي كله وجميع ما أصابني من العشق أني عشقت صورة منقوشة في حائط فلان.

فلامه صديقه وقال له: إن هذا من قلة عقلك فكيف تعشق صورة في حائط لا تضر ولا تنفع ولا تنظر ولا تسمع ولا تأخذ ولا تمنع، فقال له ما صورها الرسام إلا على مثل امرأة جميلة، فقال له صديقه لعله رسمها من وحى خياله، فقال له ها أنا في حبها ميت على كل حال، وإن كان لهذه الصورة شبيهة في الدنيا فأرجو الله تعالى أن يمدني بالحياة إلى أن أراها.

فلما قام الحاضرون سألوا عمن رسمها فوجدوه قد سافر إلى بلد من البلدان، فكتبوا له كتابا يشكون له فيه حال صاحبهم ويسألونه عن تلك الصورة وما سببها وهل هو اخترعها من ذهنه أو رأى لها شبيها في الدنيا فأرسل إليهم أني رسمت هذه الصورة على شكل جارية مغنية لبعض الوزراء وهي بمدينة كشمير بإقليم الهند.

فلما سمع الصائغ بالخبر وكان ببلاد الفرس تجهز وسار متوجهاً إلى بلاد الهند فوصل إلى تلك المدينة بعد جهد جهيد، فلما دخل تلك المدينة واستقر فيها ذهب يوماً من الأيام إلى رجل عطار من أهل تلك المدينة، وكان ذلك العطار حاذقاً فطناً لبيباً فسأله الصائغ عن ملكهم وسيرته، فقال له العطار أما ملكنا فعادل حسن السيرة محسن لأهل دولته منصف لرعيته وما يكره في الدنيا إلا السحرة فإذا وقع في يده ساحر أو ساحرة ألقاهما في جب خارج المدينة وتركهما بالجوع إلى أن يموتا ثم سأله عن وزرائه،  فذكر له سيرة كل وزير وما عليه إلى أن أنجز الكلام إلى الجارية المغنية، فقال له عند الوزير الفلاني فصبر بعد ذلك أياما حتى أخذ بتدبير الحيلة.

فلما كان في ليلة ذات مطر ورعد وعاصفة ذهب الصائغ وأخذ معه عددا من اللصوص وتوجه إلى دار الوزير سيد الجارية وعلق فيه السلم بالحبال ثم تسلق القصر، فلما وصل إليه نزل إلى ساحته فرأى جميع الجواري نائمات كل واحدة على سريرها ورأى سريراً من المرمر عليه جارية كأنها البدر إذا أشرف في ليلة 14، فقصدها وقعد عند رأسها، فإذا عليها ستر من ذهب وعند رأسها شمعة وتحت رجليها شمعة، كل شمعة منهما في شمعدان من الذهب وهاتان الشمعتان من العنبر وتحت الوسادة حق من الفضة فيه جميع حليها وهو مغطى عند رأسها فأخرج سكيناً وضرب بها كفل الجارية فجرحها جرحاً واضحاً فانتبهت فزعة مرعوبة، فلما رأته خافت من الصياح، فسكتت وظنت أنه يريد أخذ المال فقالت له خذ الحق وما فيه وليس لك بقتلي نفع وأنا في جيرتك، فتناول الرجل الحق بما فيه وانصرف.

 فلما أصبح الصباح لبس ثيابه وأخذ معه الحق الذي فيه الحلي ودخل به على ملك تلك المدينة ثم قبل الأرض بين يديه وقال: أيها الملك إنني رجل ناصح لك وأنا من أرض خراسان وقد أتيت مهاجراً إلى حضرتك لما شاع من حسن سيرتك وعدلك في رعيتك فأردت أن أكون تحت لوائك، وقد وصلت إلى هذه المدينة آخر النهار فوجدت الباب مغلقا فنمت من خارجه فبينما أنا بين النائم واليقظان إذ رأيت أربع نسوة إحداهن راكبة مكنسة والأخرى راكبة مروحة، فعلمت أيها الملك أنهن سحرة يدخلن مدينتك فدنت إحداهن مني ورفستني برجلها وضربتني بذنب ثعلب كان في يدها فأوجعتني من الضرب فضربتها بسكين كانت معي فأصابت كفلها وهي مولية شاردة، فلما جرحتها انهزمت أمامى، فوقع منها هذا الحق بما فيه فأخذته وفتحته فرأيت فيه هذا الحلي النفيس، فخذه فليس لي به حاجة لأني رجل سائح في الجبال، وقد رفضت الدنيا عن قلبي وزهدتها بما فيها وإني قاصد وجه الله تعالى، ثم ترك الحق بين يدي الملك وانصرف،

فلما خرج من عند الملك فتح الملك ذلك الحق وأخرج جميع الحلي منه وصار يقلبه بيديه فوجد فيه عقداً كان أنعم به على الوزير سيد الجارية، فدعا الملك الوزير فلما حضر بين يديه قال له هذا العقد الذي أهديته إليك، فلما رآه عرفه وقال للملك نعم وأنا أهديته إلى جارية مغنية عندي.

فقال له الملك أحضر لي تلك الجارية، فلما حضرت بين يدي الملك قال له اكشف عن كفلها وانظر هل فيه جرح أم لا، فكشف الوزير عنه فرأى فيه جرح سكين, فقال الوزير للملك نعم يا مولاي فيه الجرح, فقال الملك للوزير هذه ساحرة كما قال لي الرجل الزاهد بلا شك ولا ريب، ثم أمر الملك بأن يجعلوها في جب السحرة فأرسلوها إلى الجب في ذلك النهار.

فلما جاء الليل عرف الصائغ أن حيلته قد تمت، جاء إلى حارس الجب وبيده كيس فيه ألف دينار وجلس مع الحارس يتحدث إلى ثلث الليل الأول ثم دخل مع الحارس في الكلام وقال له: اعلم يا أخي أن هذه الجارية بريئة من هذه البلية التي ذكروها وأنا الذي أوقعتها، وقص عليه القصة من أولها إلى آخرها، ثم قال له يا أخي خذ هذا الكيس فإن فيه ألف دينار وأعطني الجارية أسافر بها إلى بلادي فهذه الدنانير أنفع لك من حبس الجارية، واغتنم أجرنا ونحن الاثنان ندعو لك بالخير والسلامة.

فلما سمع حكايته تعجب غاية العجب من هذه الحيلة وكيف تمت، ثم أخذ الحارس الكيس بما فيه وتركها له وشرط عليه أن لا يقيم بها في هذه المدينة ساعة واحدة فأخذها الصائغ من وقته وسار وجعل يجد في السير إلى أن وصل إلى بلاده وقد بلغ مراده، ليعيش معها في هناء وينجب منها البنين والبنات, وهنا  أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.