يصدر هذا العدد مع مطلع شهر رمضان المبارك، فتدخل النفوس المؤمنة في جلوة روحية تشف فيها وتزداد قربا من الله، ويقضي المسلمون يومهم صائمين عن متاع الجسد من طعام وشراب، حتى إذا أقبل الليل، انطلقوا يلتمسون أسباب التسلية البريئة، ويقضون سهرات جميلة، ما أكثر ما يسهم الفن فيها بما يمتع القلب والروح .
لقد كان للفن في رمضان دور كبير في الزمن الماضي، وكانت ليالي رمضان مهرجانات فنية قبل أن تصاب الدنيا بالجنون، وتسيطر عليها المادية التي باعدت بينها وبين شئون القلب والروح.
وكانت لنا في رمضان تقاليد طيبة، تفيض بالخير والبر والجمال. كان السراة من أهل القاهرة يفتحون بيوتهم كل مساء للسهر والسمر، ويتنافسون في جلب مشاهير القراء والمنشدين، ويقبل عليهم أهل الحي، فتدور أكواب المرطبات وأطباق الحلوي، ويسهر الجميع حتي السحور في حديث وسمر، واستماع إلي القرآن والقصائد الدينية، وألوان الفن الأخري.
وتري الشوارع والأزقة قبيل السحور موكب المسحراتي، فنان رمضان الشعبي، يحيط به الأطفال بفوانيسهم الملونة، وهو يطوف بالبيوت، يلقي أناشيده، ويرتجل أهازيجه، علي دقات الطبلة التقليدية.
وإلي جانب هذا كله، كانت المسارح والملاهي تحتشد لهذا الشهر، فتعد البرامج الخاصة، كما كانت تتكون فرق جديدة في أحياء مختلفة خصيصا لاحياء هذا الشهر، ثم تنفض بعد انتهائه.
ثم جاءت الحرب الماضية بأوزارها وظلامها وكروبها فاختفت البقية الباقية من هذه التقاليد الطيبة التي نرجو أن تعود.
فها هي ذي وزارة الداخلية تكتب إلي المديرين والمحافظين، تطلب إليهم العمل علي احياء ليالي رمضان في الأقاليم، ونشر الدعوة كذلك بين السراة والأعيان القادرين.
وهذه وزارة الإرشاد القومي تتجه في هذا العام نحو هذا الهدف، فتقرر احياء ليالي رمضان في الأحياء المختلفة بإقامة ندوات أدبية وفنية ودينية، وتعمل علي احياء الفنون الشعبية التي يتمثل فيها طابع الشعب وروحه.
فهل تعود إلي القاهرة العظيمة لياليها البهيجة الحافلة في رمضان؟
و «بعد» فإننا نهنيء القراء في مصر والبلاد العربية بهذا الشهر المبارك، الذي يعود إليهم في أيام حافلة بمعاني الكفاح والعزة القومية، ونسأل الله أن يحقق للوطن العربي كل ما يصبو إليه من حرية وكرامة ومجد عظيم.
الكواكب 296 - 12 أبريل 1957