الإثنين 20 مايو 2024

تداعيات السلام على الاقتصاد الليبي

مقالات11-11-2021 | 11:07

منذ عام 2011، تسببت الأزمة في خسارة كبيرة للإمكانات الاقتصادية الليبية، والتي قُدرت بـ 783 مليار دينار ليبي (580 مليار دولار) من عام 2011 حتى عام 2020، وستكون هذه الخسائر أكبر إذا استمر الصراع إلى ما بعد عام 2021، وقد تصل إلى 628.2 مليار دينار ليبي (465 مليار دولار) بين عامي 2021 و2025.

وقد أثر الصراع على جميع جوانب الحياة الاقتصادية فى ليبيا؛ حيث أثر سلبًا على الاقتصاد الكلي مع انخفاض كبير في النمو، فاتسمت الحياة الاقتصادية بتقلبات عالية جدًا، بالإضافة إلى ذلك انخفضت الإيرادات الحكومية والنفقات والاستثمار بشكل كبير، الأمر الذى أثر – بشكل خطير جدًا - على القطاعات الإنتاجية التي شهدت انخفاضًا كبيرًا في أنشطتها، بما في ذلك قطاعات الهيدروكربونات والبناء والزراعة

فى عام 2020، كان أداء الاقتصاد الليبي هو الأسوأ في سجل البنك الدولى؛ ففي يناير 2020، تعرضت البلاد لحصار نفطي استمر تسعة أشهر، مما أدى إلى خفض إنتاج النفط إلى حوالي 228000 برميل يوميًا، وكان هذا أقل من سدس عام 2019 ويمكن مقارنته بأدنى مستويات البلد خلال الحرب الأهلية بعد عام 2014، لكنه تجلى بشكل أسرع من ذلك بكثير؛ حيث كان الحصار منهكًا للاقتصاد الليبي غير المتنوع بشكل كبير، والذي يعتمد على النفط والغاز لأكثر من 60 ٪ من الناتج الاقتصادي الكلي وأكثر من 90 ٪ من الإيرادات المالية وصادرات البضائع.

من جهة أخرى، فقد بلغت الإيرادات المفقودة من الحصار حوالي (11) مليار دولار أمريكي لعام 2020 بحسب البنك المركزي في طرابلس، بما في ذلك الآثار غير النفطية للحصار النفطي، وبلغ إجمالي الإيرادات المالية 23 مليار دينار ليبي في عام 2020، أي ما يقرب من 40٪ من إجمالي الإيرادات المحققة في عام 2019، وقد تداخلت هذه المشاكل مع جائحة كوفيد -19 الذي تسبب في حدوثه مزيد من الاضطراب الاقتصادي والاجتماعي في بلد مزقته الحرب مع القليل من الخدمات الصحية الأساسية والبنية التحتية.

من جهة ثالثة، أدى انخفاض الإيرادات إلى إعاقة الإنفاق الحكومي؛ حيث خفضت الحكومة التي تتخذ من طرابلس مقرًا لها إجمالي النفقات بنسبة 22٪ إلى 36.2 مليار دينار ليبي في عام 2020 من 46.1 مليار دينار ليبي في عام 2019، وشكلت الأجور والرواتب الجزء الأكبر من النفقات لهذا العام؛ 21.9 مليار دينار أو 61٪ من إجمالي الإنفاق.

وتم الإعلان عن تخفيضات بنسبة 40٪ في رواتب كبار المسؤولين السياسيين، اعتبارًا من يناير 2020، وخفض رواتب جميع موظفي القطاع العام بنسبة 20٪ اعتبارًا من أبريل 2020، وتم إلغاء جميع مشاريع الإنفاق الرأسمالي لعام 2020 بالكامل تقريبًا

بشكل عام، انكمش الاقتصاد الليبي بنحو 31٪ في عام 2020، وأدى الانخفاض السريع في إنتاجه من الهيدروكربونات إلى إلحاق الضرر بالتوازن الخارجي والمركز المالي في عام 2020، مما أدى إلى ضعف الإنفاق الحكومي، وانخفاض الاستهلاك الخاص، وانخفاض الواردات، كما كان للانهيار الاقتصادي آثار سلبية على الاقتصاد غير الهيدروكربوني؛ فقد ساد نقص المياه، مع تقارير عن تخريب آبار المياه، واستمر انقطاع التيار الكهربائي طوال العام؛ فقط 13 من 27 محطة طاقة كانت تعمل حتى منتصف أكتوبر 2020، بعد ثلاثة أشهر من إعادة فتح الموانئ، كانت الحكومة لا تزال تحث المستهلكين على التوقف عن الوقوف في طوابير عند محطات البنزين.

من جهة رابعة، أدى انهيار عائدات النفط إلى إجهاد قدرة السلطات النقدية والمالية على الدفاع عن العملة الليبية، وفي 16 أكتوبر 2020، ولأول مرة منذ خمس سنوات، وافق مجلس إدارة مصرف ليبيا المركزي على تخفيض قيمتها، لذلك من المرجح أن يستمر الاعتماد الكبير للمالية الحكومية على عائدات الهيدروكربونات حتى تستطيع ليبيا تأسيس اقتصادًا أكثر تنوعًا، وهي مهمة ضخمة حتى بالنسبة لمنتجي النفط والغاز في دول مجلس التعاون الخليجي، والأكثر لفتًا للنظر، أن هيكل الإنفاق في ليبيا صارم للغاية حتى مع تقلب عائدات النفط والغاز، حيث فاتورة أجورها، التي شكلت 61٪ من إجمالي النفقات، تجعلها من بين القطاعات العامة الأكثر تكلفة والأقل كفاءة من حيث التكلفة في العالم، فقد بلغت الإعانات التي تغطي سلسلة الوقود والكهرباء والمياه والصرف الصحي 16٪ من إجمالي النفقات في عام 2020

 

 عن تداعيات تحقيق السلام على الاقتصاد الليبي

(1) التأثير على النمو

بوعود السلام، يُصبح هناك أمل في أن تتغلب الدولة على خسائرها الاقتصادية وتسهم في النشاط الاقتصادي في الدول المجاورة؛  فبالنظر إلى أهمية الاقتصاد الليبي في المنطقة، فإن إنهاء الصراع وبرنامج إعادة الإعمار سيُعزز الأداء الاقتصادي في كل من (الجزائر - مصر - السودان – تونس)، وذلك خلال الفترة 2021-2025، حيث ستكسب مصر (99.7) مليار دولار، والجزائر (29.8) مليار دولار، والسودان (22.7) مليار دولار، وتونس (9.7) مليار دولار، وسيكون إجمالي مكاسب السلام في ليبيا للمنطقة  (161.9) مليار دولار خلال نفس الفترة، أو متوسط سنوي قدره (32.38) مليار دولار من مكاسب الناتج المحلي الإجمالي الإقليمي.

(2) التأثير على التوظيف

سيكون لتسريع النمو وفرص العمل في ليبيا تأثير كبير على إنشاء فرص العمل؛ حيث يمكن أن تنخفض البطالة في السودان بنسبة 13.93 % خلال الفترة من 2021 إلى 2025، وبنسبة 8.84 % في مصر، و6.07 % في تونس، و 2.18 % في الجزائر.

(3) التأثير على الاستثمار

ستزداد الاستثمارات نتيجة للمكاسب في النمو واستئناف الصادرات إلى السوق الليبي، حيث يمكن أن يولد السلام في ليبيا زيادة سنوية في الاستثمار بمعدل 5.98 % لمصر و 5.49 % لتونس و 2.01 % للجزائر.

(4) التأثير على التجارة

من شأن تحقيق السلام في ليبيا، تعزيز التعاون الإقليمي بين الدول العربية؛ حيث إن تخفيض تكاليف التجارة - الذي سيحدث بعد فتح الحدود البرية وزيادة الرسوم الجمركية التي تفرضها الحكومة الليبية على البلدان غير الأعضاء في اتفاقية التجارة الحرة لأميركا الوسطى -، سيعطي ميزة نسبية جدية للمنتجات التونسية والمصرية والسودانية والجزائرية، ويمكن للصادرات المصرية إلى ليبيا أن تزيد بنسبة 413 %، بينما يمكن أن تزيد الصادرات الجزائرية والتونسية والسودانية بنسبة 443 % و308 % و117 % على التوالي.

من جهة أخرى، سيُعزز السلام في ليبيا جهود التنويع في الدول المجاورة، وبناءً على ذلك، فإن تعزيز التكامل بين ليبيا والدول الأربع المجاورة - إما من خلال المبادرات القائمة، مثل منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية، أو من خلال خطط التكامل الجديدة -، يمكن أن يُمثل قناة مهمة لبدء تحول اقتصادى كبير في الجزائر والسودان، وتعزيز حضور مصر وتونس بالسوق الليبي من جهة أخرى.

ومع ذلك، لا ينبغي أن يقتصر التكامل الاقتصادي الإقليمي بين ليبيا والدول العربية الأربع المجاورة لها على فتح بسيط للأسواق لتجارة المنتجات الحالية، بل يجب أن يكون مصحوبًا بمجموعة من الإصلاحات الاقتصادية الكلية والقطاعية لتطوير القدرة الإنتاجية المحلية من خلال التكامل بين المحاور الأربعة المتمثلة فى كل من:

أ - تجارة السلع

ب - تجارة الخدمات

ﺟ - حركة رأس المال

د - حركة الأشخاص

ومن جانبه صرح الدكتور رامي محمد عاشور دكتوراه العلوم السياسية والأمن القومي بأن التهديدات القادمة من الحدود الغربية لمصر - عبر ليبيا-  تمثل واحدة من أبرز مصادر التهديد الآخذة في التصاعد للمصالح الوطنية المصرية خاصة أن ليبيا مازالت تعانى من ليس ما يسمى بمرحلة "ما بعد الثورة"، وإنما مرحلة (الفوضى والتفكك) وهي المرحلة التي تشهد حالة من عدم الاستقرار والتغيير العشوائي على الأصعدة السياسية، والأمنية، والاقتصادية، والاجتماعية، ومع اقتراب دخول الثورة الليبية عامها الحادى عشر منذ تمكن الثوار من إنهاء نظام القذافي فى 20 أكتوبر 2011، بدأت الأزمة السياسية في ليبيا تزداد تعقيدًا على الصعيدين المحلي والإقليمي، فضلًا عن التدهور الاقتصادى والاجتماعى الحاصل فى جميع مفاصل الدولة الليبية، فلم تتمكن السلطات التي تعاقبت على حكم ليبيا منذ انهيار نظام القذافي من وضع ليبيا على طريق الاستقرار السياسي، بل ظلت هناك مجموعة من المشكلات الجوهرية التي ازدادت تعقيدًا مع مرور الوقت، حتى بدأت عواقبها في تشكيل تهديدات إقليمية لدول جوار ليبيا

وأوضح الدكتور رامي عاشور عن الإرهاب فى ليبيا وتداعياته على الداخل الليبى أن الجماعات الإسلامية الجهادية في ليبيا، تُشكل أحد أبرز معضلات المسار الانتقالي في ليبيا بعد إسقاط نظام القذافي، لاسيما أنها تعد بمثابة مرآة عاكسة ليس فقط لمأزق بناء الدولة في هذا البلد، بل لما يُمثل تنامي وجودها من تأثيرات ذات طبيعة تهديدية على الأمن القومي لدول الجوار الإقليمي، وخاصة مصر، خاصة في ضوء الارتباطات العابرة للحدود بين الإسلاميين بأطيافهم المختلفة (المعتدلون، السلفيون المتشددون، الجهاديون المسلحون) الذين استثمروا ما أحدثته ثورات الربيع العربي من نفاذية إقليمية للأفكار والقضايا، وضعف لسلطة الدولة في تعضيد نفوذهم السياسي.

وبالتالي إذا كان الأمن القومي المصري في مفهومه الواسع يستند على تأمين وجود الدولة وسلامة أركانها وتلبية احتياجاتها، وضمان مصالحها الحيوية، وحمايتها من الأخطار القائمة والمحتملة سواء داخليًا أو خارجيًا، فإن ليبيا تُشكل في هذا الخصوص نقطة ارتكاز استراتيجي لمصر، بحكم مرتكزات الجوار الجغرافي والتاريخ المشترك والاتصالات الاجتماعية، وبالتالي يترتب علي ذلك تبعات ومصالح أمنية واقتصادية وسياسية مشتركة، حتى إنه يمكن القول إن البلدين يشكلان "عمقاً استراتيجياً متبادلاً"، وهذا يعني أن عدم استقرار أي منهما يُشكل تأثيرًا ممتدًا ومباشرًا على الأخرى.

الدكتور/ أحمد جمعة عبد الغني أستاذ الاقتصاد بجامعة الزقازيق