الأحد 2 يونيو 2024

الأهلى والدورى الدرع لو خرج من داره.. !

7-6-2017 | 14:06

بقلم –   إبراهيم المنيسى

يقينا، ليست هناك ثمة علاقة بين بطولة وبطل بالقوة والدفء والارتباط التاريخى مثل تلك التى تربط بطولة الدورى الممتاز الكروى فى مصر بالنادى الأهلى..

فتش فى الذاكرة ستجد حتما قرب القاع منها عبارة الأهلى بطل الدورى.. أو أهم أهم أهم أبطال الدورى أهم.. أو أى من تلك العبارات الدالة على تلك العلاقة الوثيقة. فتش ستتذكر أنك ربما تكون قد قرأت تلك العبارة كثيرا على جدران حائط ريفى متهالك أو على سور مدرسة بطباشير تلميذ مشاغب أو على جدار عربة قطار مركونة ومهملة فى مخازن السكة الحديد.. الأهلى بطل الدورى. فتش فى أوراق الصحف التى اصفرت وتهالكت ستجدها قد كتبت كثيرا لدرجة أن خطاطى الصحف فى هذا الزمان الساحق من تاريخ الصحافة المصرية كانوا يجهزون هذا المانشيت مبكرا انتظارا للإعلان رسميا عن موعد نشره..

 

الأهلى بطل الدورى مازالت تلح على ذاكرتى فى أول مرة قرأتها على جدار دكان حسنين فى قريتنا (منشأة خشبة بالقوصية –أسيوط) عبارة كانت محفورة بالجير الأبيض ربما لإغاظة الزمالكاوية على قلتهم فى كل الريف المصرى وندرتهم بالصعيد خصوصا.. دكان حسنين الذى كان يستغل فوز الأهلى بالدورى ويجلب من سوق المدينة صور لاعبى الأهلى بالدورى.. كنا نجرى صغارًا ليلحق السريع منا بشراء صورة لنجم أهلاوى يحبه مع درع الدورى.. ويا لحظك لو لحقت صورة الخطيب أو مصطفى عبده بالدرع.. صورة ملفوفة فى قطعة بم بونى صغيرة لا تفيد شيئا فى مرارة وشقاء حياة الصعايدة لكن صورة الأهلى بالدرع ومكتوب عليها: الأهلى بطل الدورى بالدنيا وما عليها.. بلاها بم بونى!!

لم يكن دكان حسنين وحده الذى يبيع الدورى والأهلى ولكن الصحف جميعها كانت تعيش وتحقق أرباحها من متابعة عرس الأهلى بالدورى.. وكأنها فى شهور الصيف لا تقفل ميزانيتها جيدا فى ختام السنة المالية إلا بعد جنى أرباح توزيعها المتزايد فى فترة تتويج الاهلى بالدورى.. مع أنه يمكن الجزم صحفيا بقاعدة: ليس الخبر أن يفوز الأهلى بالدورى..(!!) فكل ما يتكرر أو تعتاده الناس ويتحول إلى عادة (وربنا ما يقطعها عادة..) لايعد خبرا من المهم نقله والاعتداد بقيمته الصحافية, فالخبر تقاس قوته وقيمته بقدر ما فيه من غرابة وحدة وكل ما هو غير مألوف.. لكن «الأهلى بطل الدورى» عبارة تطرب لها وتسعد بها حتى وقد اعتادتها الجماهير.. غالبية الجماهير(أحدث أبحاث مركز رصد لقياس اتجاهات الشارع الرياضى فى مصر تقول إن نسبة الأهلاوية فى مصر تقترب من ٧٦٪، وربما كانت الصحف المصرية، حتى تلك التى يسيطر على أقسامها الرياضية أصحاب ميول زمالكاوية، تنتظر لحظة إعلان الأهلى بطل الدورى لترويج صحفها وزيادة توزيعها وأرباحها.. ولكن من أين جاءت قوة هذه العلاقة بين الأهلى والدورى..؟ وما سر هذا الارتباط الوثيق حتى ليخيل لنا كثيرا أن الدرع لو خرج من داره اتقل مقداره..؟!

عندما يفوز الأهلى بالدورى ٣٩ مرة وبما يزيد عن ضعف ما حصلت عليه جميع أندية المسابقة فى تاريخها مجتمعة.. كل الأندية فى المحروسة نالت شرف الفوز بالدورى ١٩ مرة فقط أى أقل من نصف ما حققه الأهلى وحده، بل إن هناك لاعبين من الأهلى نالوا شرف الفوز بالدورى مرات تزيد عما حققته هذه الأندية وتقارب رقم الزمالك ومرات فوزه الـ١٢ بالدورى.. فالمؤكد أن ثمة علاقة وطيدة بين الأهلى والدورى لا تقبل الشك والتشكيك، حتى عندما يطعن من هم غير أهلاوية فى قيمة فوز الأهلى بالدورى مع تليمح وتلقيح لما يمكن أن يكون قد وقع من مجاملات تحكيمية وهو اتهام معلب وجاهز وتاريخى وهو فى الحقيقة « قصر ديل” إذ يكفى ردا منطقيا أن الرقم القياسى لفوز الأهلى بالدورى على التوالى وهو تسع مرات تحققت ابتداء من انطلاق البطولة الأقدم فى إفريقيا والوطن العربى عام ١٩٤٨ حين كان يقود اتحاد الكرة وقتئذ حيدر باشا وزير الحربية الذى كان رئيسا لنادى الزمالك واتحاد الكرة فى آن واحد. وإذا ما صدقنا أن حيدر باشا وهو فى مكانة الخال للمشير عبدالحكيم عامر الذى ترأس هو أيضا اتحاد الكرة بعد ثورة يوليو ١٩٥٢ يمكن أن يجامل الأهلى أو يسكت على مجاملة حكام هو يشرف عليهم ويعين لجنتهم، لصدقنا أن الـ٩٠ بالمائة من قيادات اتحاد الكرة كانوا من كبار الزمالكاوية، بل إن كثيرا منهم ترأس نادى الزمالك واتحاد الكرة فى توقيتات مختلفة وأحيانا جامعة مثل حلمى زامورا وحسن عامر ونورالدالى وعبدالعزيز عبدالله سالم وحمادة إمام وطارق غنيم وفهمى عمر ومحمد لطيف وغيرهم من رموز الزمالك الذين أداروا اتحاد الكرة وفى عصرهم فاز الأهلى بالدورى، بل وفى عصر مبارك الذى كان الرئيس وأسرته وكل أركان حكمه تقريبا من محبى الزمالك، بل بينهم من كان متعصبا له، وبرغم هذا لم يمنع أحد من هؤلاء أو أولئك من وصول الأهلى للقبه التاريخى المفضل كبطل للدورى. طب ليه.. وازاى؟!

الأهلى وضع نفسه بعلاقته بدرع الدورى فى مقدمة أندية العالم تتويجا بالبطولة المحلية، وفقا للنسبة والتناسب بين عدد مرات إقامة البطولة ومرات الفوز بها بخلاف أرقام الأهلى المتوهجة عالميا كأكثر أندية العالم تتويجا بالبطولات عامة وعددها كرويا ١٢٨ لقبا للأهلى وهو ثانى أندية العالم بعد ريال مدريد تتويجا بالألقاب الدولية.. فمن أين جاءت هذه العلاقة وذاك الارتباط؟

الدورى بطولة على مقاس الأهلى. هكذا يمكن اختصار الموضوع كله..!

فهذه البطولة التى تستمر فى مصر، بفعل غياب التنظيم الجيد، لما يقرب من العام الميلادى الكامل أو تسعة أشهر أحيانا تحتاج إلى فريق يملك نفسا طويلا ونظاما متماسكا وروحا عالية واستقرارا إداريا وفنيا معا وقدرات دعم معنوية وإمكانات مادية كافية.. وكلها وغيرها الكثير من هذه العوامل المهمة لا تتوفر فى ناد بنسبة كافية كما هى فى النادى الأهلى..

تذكر فى كل مرة فاز فيها الأهلى من بين المرات القياسية الـ٣٩ بطولة وراجع نتائجه فى كل موسم ستجده أنه فى كثير من المرات يخسر مباريات أثناء هذا الموسم من فرق صغيرة بعضها لا يصدق أنه تعادل أو فاز على الأهلى بهدف فيغرق فى أفراحه واحتفاءاته واحتفالاته لدرجة أنه ينهار ويهبط للدرجة الثانية ولاعبوه لم يصدقوا بعد أنهم كسبوا الأهلى أو أحرجوه وتعادلوا مع نجومه الكبار.. لكن الأهلى وهو يخسر نقاطا مثل هذه المرات تجده لا يفقد صوابه ولا تهتز أركان بنيانه ومنظومة عمله الإدارية والفنية، لأنه عارف طريقه ودارس خطواته ويعرف كيف يصل لهدفه الرئيسى فى نهاية الموسم: درع الدورى..

هل تتذكرون ما حدث فى نهاية التسعينيات عندما تأخر الأهلى عن الزمالك بفارق ١٣ نقطة واهتزت ثقة لاعبى الأهلى فى مدربهم الألمانى راينر هولمان عام ١٩٩٦ وظن بعضهم أن الخواجة “ماشى خلاص” فبدأ نزيف النقاط فما كان من الأهلى ورئيسه صالح سليم إلا تجديد عقد المدرب الألمانى رسميا وإعلان بقائه مع الفريق لموسم جديد ليضع كل لاعب أمام مسئولياته، فكان أن انطلق الأهلى وتماسك لاعبوه وحققوا شبه المعجزة بالفوز بالدورى..

مقومات الفوز المتكاملة فى الأهلى ببطولة ذات نفس طويل بحجم الدورى تجدها فى لائحة مكافآت لا يعترف فيها الأهلى بالمركز الثانى ولا يمنح لاعبيه أى مكافأة إلا على الترتيب الأول والفوز فقط. ولا مكافأة على تعادل، بل غالبا ما تكون هناك عقوبات على الأداء إن وقعت الخسارة.. وعندما يكون الهدف الأساسى للأهلى إداريا وعلى مر العصور هو الحساب آخر الموسم ورفض أى حساب بالقطعة لإتاحة الفرصة لكل مدرب كى يلعب وينافس ويعدل أوضاعه ويستفيد من خطواته وأخطائه.. هذه المقومات المتكاملة فى الأهلى والتى يساعد عليها توفر القدرة الاقتصادية وتحقيق أعلى الموارد وتعظيم الإيرادات بفعل خبرات اقتصادية وإدارية جيدة تعرف كيف تستثمر شعبية الأهلى وقيمة الأهلى وجماهيرية الأهلى.. هذه كلها تمثل جانبا من الوصفة الحمراء السرية فى الفوز بالدورى وتجعل العبارة التاريخية: الأهلى بطل الدورى محفورة فى الوجدان قبل أن تكون مكتوبة على دكان حسنين أو على عربة قطار الصعيد.. وتجعل درع الدورى لا يرتاح إلا فى دولاب البطولات بالأهلى الذى يعرف جيدا كيف يركز فى أهدافه.. الأهلى كما هو واضح وثابت يملك سر الدورى.. تقريبا عنده الزئبق الأحمر لاستخراج الدرع..

والغريب أنهم كثيرا ما حاولوا التفريق بين الأهلى ودرعه لكنهم فى كل مرة كانوا يغيرون نظام البطولة يجدون الأهلى بطلا..

غيروا نظام الدورى من مجموعة واحدة لمجموعتين لكسر احتكار الأهلى بالدورى، لكنه فاز باللقب وعدلوا عدد القيد بقوائم الأندية من ٣٠ لاعبا إلى ٢٥ فبقى الأهلى بطلا للدورى وشعر الدرع أنه لو خرج من داره اتقل مقداره.. وعادوا لقيد الـ٣٠ لاعبا ففاز الأهلى ونفذوا قوائم الانتظار ثم طبقوا الإعارات، وفى كل مرة أو نظام وضده كان الأهلى غالبا هو بطل الدورى، إذ يبدو أنها حقيقة كونية.. وعلى السادة المقيمين خارجها مراعاة ظروف التتويج!