«أرض الشوارع والميادين مش ملك الدولة..» ليست جزءًا من رواية وإنما هي حقيقة، فشوارع مصر وميادينها ملك لبلطجية يفرضون الإتاوات على أصحاب السيارات الراغبين في “ركن” سياراتهم، فهل تستطيع الدولة أن تستعيد قلب مصر المتمثل في ميادينها، وشرايينها الحيوية من أيدي هؤلاء؟
البلطجية..”احنا الحكومة”
“الركين” هو أحد المسجلين خطرًا أو “البلطجية” الذين يمتلكون شارعًا ما، ويقوم بفرض إتاوات على الراغبين في “ركن” سيارتهم فيه.
ولا يكاد يخلو شارع حيوي أو منطقة ذات أهمية من وجود ذلك الشخص، الذي يفاجئك في أي مكان تحاول فيه الانتظار، أو ركن سيارتك، وإما أن تدفع، أو تكون العاقبة غير محمودة؛ سواء بالاعتداء عليك بالضرب أو الإهانة، أو الاعتداء على السيارة بالتحطيم أو السرقة.
وأوضح مدحت محمود "سائس" بمنطقة وسط البلد، أن “ممارسة المهنة ترجع للعرف، وليس لها قانون تابع للدولة؛ حيث يتم تقسيم المكان على بعض، وكل واحد يحترم الآخرين”.
وحول التعريفة المحددة، أوضح أن “الناس المعرفة وشغلها في نفس المكان وتركن سيارتها كل يوم تدفع (5) جنيهات، والغريب يدفع (10) جنيهات”.
المواطنون: “البلد مخطوفة”
محمود أحمد "موظف" مكان عمله بمنطقة وسط البلد أكد لـ"الهلال اليوم" أننا بحاجة شديدة لاستعادة شوارع وميادين وسط العاصمة، من قبضة واضعي اليد والبلطجية، موضحًا أن عدد الجراجات في وسط البلد قليل، فضلًا عن ارتفاع أسعارها؛ ما يضطره يوميًا لدفع عشرة جنيهات للسائس من دون وجه حق، متسائلًا: أين الدولة من هؤلاء الذين يؤجرون الشوارع والميادين من غير وجه حق، ويُحمِّلون المواطنين أعباء مالية فوق طاقتهم.
ووفقًا لأحمد مصطفى "لازم تدفع وإلا.." "عشان دول تبع ناس كبيرة" موضحًا أن هؤلاء البلطجية لهم علاقات وطيدة بقنوات فاسدة وشخصيات نافذة، لافتًا إلى أن الموضوع منظم، ويتقاسم دخله كل من له علاقة بهذا الأمر، لأنه واضح وضوح الشمس ويتم تحت سمع وبصر الجميع، مندهشًا من انتشار هذه الظاهرة خارج المؤسسات الحكومية، وفي أماكن معروفة للجميع.
وقال أحمد حسين، صاحب سيارة، إنه يعاني الأمرين لركن سيارته؛ بسبب الزحام الشديد في منطقة وسط البلد؛ ما يدفعه في كثير من الأحيان لترك سيارته، واستقلال المواصلات العامة رغم صعوبتها، قائلًا: "فتش عن المحليات تعرف سبب إغلاق الجراجات أسفل العمارات".
الركينة: “رزقها حلو”
المهنة أيضًا لم تعد مقصورة على الرجال، وإنما دخلت إليها السيدات على استحياء في البداية؛ حتى صارت مع الوقت أمرًا عاديًّا كما قالت "ع.م" "الركينة" اتفقت مع الشخص المؤجر من المحافظة، وأقوم بتنظيم السيارات وتركينها، ولا توجد أية مشكلة في العمل، ومع التعود أصبح الأمر ليس غريبًا على الناس و"بتعامل عادي.. وأكل لقمة عيش بالحلال ودخلها كويس".
مصدر مسئول بـ"بالمحليات" أوضح لـ"الهلال اليوم" بأنه يتم تأجير الساحات والأماكن التابعة للمحافظة لعدد من المسجلين خطرا، بعد توقف مشروعات الأكشاك؛ ما يؤدي للعديد من المشكلات، وحوادث الاعتداء والبلطجة؛ حيث يقوم هذا الشخص، المؤجر لساحة ما بالسيطرة على كامل الشوارع والميادين حول هذه الساحة، وتقسيمها على مجموعة تابعة له من البلطجية؛ تحت زعم أنه مؤجر بصفة رسمية من المحافظة، يقومون بفرض الإتاوات غير المشروعة على المواطنين خارج القانون.
وأضاف أن كل الركينة الذين يعملون بشكل غير قانوني، يسيطرون على مساحات شاسعة من الشوارع، يقسمونها فيما بينهم، طبقَا لقانون العرف، تدر عليهم أموالًا طائلة، خارج نطاق سيطرة الحكومة، فضلًا عن أنها تهدر ملايين الجنيهات على الدولة.
وتابع أن الإدارة المحلية لا تستطيع حماية الميادين والشوارع، وخاصة بعد انتشار الظاهرة في كل ربوع المحافظات، في فترة الانفلات الأمني، محملًا وزارة الداخلية ممثلة في شرطة المرور والإشغالات والمرافق مسئولية القضاء على هذه الظاهرة.
من جانبه أكد النائب محمد الحسيني عضو لجنة الإدارة المحلية، أنه تم الانتهاء بالفعل من مناقشة مشروع قانون على مدى ثلاث جلسات للجنة الإدارة المحلية لمناقشة هذه القضية.
وشدد على ضرورة القضاء عليها، وأنه بصدد التقدم بمشروع قانون خلال الأسبوع المقبل لتنظيم العمل في ساحات الانتظار، والمواقف؛ لتنظيم الاستغلال الأمثل لمثل هذه الساحات بما يكفل الصالح العام، حيث يعود الربح للدولة، وليس لصالح مجموعة من المنتفعين؛ كذلك منع البلطجة على المواطنين وعدم تركهم فريسة لمثل هذه الأمور العشوائية في الشوارع، ويكون المواطن آمنَا على سيارته، وينظم وقوف السيارات بشكل لا يعوق سير الطريق العام بما لا يتعارض مع النظام العام.
وطالب بضرورة وضع آلية مع الجهات المعنية لاستغلال المواقف والساحات عبر المزادات العلنية؛ بما يمنع الفساد، ويوقف نزيف الخسائر لمثل هذه الساحات على الدولة.