أكدت الدكتورة رانيا المشاط وزيرة التعاون الدولي أن العالم، لاسيما الدول الناشئة في احتياج متزايد للتمويل بشأن العمل المناخي وللتغلب على تداعيات التغيرات المناخية، لاسيما في ظل عدم القدرة على الوفاء بالتعهدات السابقة بتدبير 100 مليار دولار من الدول المتقدمة سنويًا للعمل المناخي.
وأوضحت المشاط ،خلال جلسة نقاشية رفيعة المستوى ضمن فعاليات مؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخي COP26 الذي يعقد بمدينة بجلاسجو بالمملكة المتحدة، أنه يتعين على بنوك التنمية متعددة الأطراف أن تتبنى بشكل متزايد حلولا مبتكرة لتمويل المناخ مثل أدوات التعامل مع المخاطر والتمويل المختلط، لدعم الاستثمارات المستدامة في البنية التحتية، في ظل الاحتياجات المتزايدة للدول متوسطة الدخل التي تضررت كثيرًا بسبب جائحة كورونا، بالإضافة إلى تطوير استراتيجيات متوسطة المدى مع البلدان النامية والأقل نموًا لدعم العمل المناخي، وتمكينها من تدبير الاستثمارات المطلوبة التي تدعم سياساتها المناخية.
وأشارت وزيرة التعاون الدولي إلى تقديرات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، التي كشفت عن أن تمويل المناخ الذي قدمته الدول المتقدمة ارتفع من 58.5 مليار دولار في 2016 إلى 79.6 مليار دولار في عام 2019، بينما ظل التمويل الخاص ثابتًا خلال الفترة من 2017-2019 عند نحو 14 مليار دولار، لافتة إلى أنه في ظل الوعود التي أطلقتها الدول المتقدمة خلال أكتوبر الماضي فإنه من الممكن تدبير تمويلات بأكثر من 100 مليار دولار سنويًا لتلبية احتياجات الدول النامية.
وقدمت المشاط عرضًا حول تصور لإطار دولي لتمويل مبتكر للمناخ، مؤكدة أهمية مواصلة جهود المجتمع الدولي سواء الدول المتقدمة أو النامية أو البنوك متعددة الأطراف والقطاع الخاص للعمل بشكل وثيق لإيجاد طرق لتحسين تمويل المناخ، ومعالجة التحديات التي تحول دون مشاركة القطاع الخاص في هذا الأمر، ودعم بناء قدرات الدول على تطوير استراتيجيات طويلة الأجل للعمل المناخي ودمجها في استراتيجيات التنمية المحلية.
من ناحيتها، أكدت الدكتورة ياسمين فؤاد وزيرة البيئة أن تمويل المناخ مر بمرحلة طويلة من النقاش ليكون مخرجا هاما يقدم في مؤتمر المناخ القادم COP27، بحيث يتم بحث آلية استكمال النقاش حول التمويل طويل الأجل مع التوازن بين التخفيف والتكيف والإبقاء على ١.٥ درجة ارتفاعا في درجة الحرارة.
وأشارت وزيرة البيئة إلى أن التفاوض على مضاعفة التمويل للتكيف هو مطلب لأكثر الدول النامية، وبالرغم مما قدمته الدول المتقدمة من مساهمات تمويلية لم يتم الوصول لمبلغ ١٠٠ مليار دولار المطلوب للبدء، حيث تساعد مضاعفة تمويل التكيف المقدم من مصادر التمويل العامة في استكمال النقاش حول التمويل طويل الأجل والوصول إلى ٥٠٪ تمويل للتكيف، بما يحقق الثقة المتبادلة.
وأوضحت وزيرة البيئة أن جزءا من التزام مصر تحت مظلة اتفاق باريس، يأتي من خلال المجلس الوطني للتغيرات المناخية برئاسة رئيس الوزراء، كان إطلاق الاستراتيجية الوطنية لتغير المناخ في مصر 2050، والتي تتضمن إلى جانب الموضوعات الفنية كالطاقة والمياه والزراعة، مدخلا شاملا لموضوعات مهمة أخرى، كالنمو الاقتصادي المستدام منخفض الكربون، والبنية التحتية الجاهزة للمواجهة، بالإضافة إلى حوكمة المناخ وأهميته لرسم الطريق وتحديد مسئوليات الشركاء، إلى جانب نظام تمويل المناخ والبحث عن مصادر تمويلية مختلفة، مؤكدة أن أهداف الاستراتيجية تتماشى مع الأهداف العالمية للتنمية المستدامة ورؤية مصر ٢٠٣٠ للتنمية المستدامة، لذا روعي أن تكون اهدافا ديناميكية مرنة تستطيع التماشي مع التحديات الطارئة.
وقال الدكتور محمود محي الدين، المدير التنفيذي لصندوق النقد الدولي والمبعوث الخاص للأمم المتحدة لتمويل أجندة التنمية المستدامة 2030 إن مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ والإعلان المنتظر صدوره عن جلاسجو، سيعمل على تمهيد الطريق نحو أجندة التنمية المستدامة 2030، موضحًا ضرورة دعم الدول النامية للمضي قدمًا نحو العمل المناخي، بالإضافة إلى أهمية قيام الدول المتقدمة بتوفير التمويل، حيث أن مجموعة الدول الـ20 المتقدمة ينتج عنها 70% من الانبعاثات وهو ما يحتم عليها ضرورة توفير التمويلات الكافية للحد من مخاطر التغيرات المناخية.
وفي كلمتها، أشادت فلافيا بالانزا مديرة العمليات بدول الجوار ببنك الاستثمار الأوروبي بالرؤية والجهود المصرية لدعم العمل المناخي ووضع استراتيجيات طويلة الأجل للتكيف مع التغيرات المناخية، مشيرة إلى أن بنك الاستثمار الأوروبي وضع استراتيجية واضحة تستهدف زيادة تمويلاته المناخية إلى 50% بحلول عام 2025 من إجمالي التمويلات، موضحة أن 100% من التمويلات الحالية تتسق مع إعلان باريس ولا تمول المشروعات التي تعمل بالوقود الأحفوري.
وقالت إن بنك الاستثمار الأوروبي يستهدف ضخ تمويلات مناخية بقيمة تريليون دولار خلال العشر سنوات المقبلة ورغم أنه مبلغ كبير إلا أنه مازال هناك احتياجا للمزيد وهو ما يشير إلى أهمية مشاركة القطاع الخاص من خلال التكنولوجيا المتطورة لسد فجوة تمويل المناخ.
ومن جانبها، قالت بيرينس برونكهورست، مدير مجموعة ممارسات التغير المناخي والتنمية المستدامة بالبنك الدولي إن الحلول المناخية أصبحت معقدة للغاية في ظل تداعيات جائحة كورونا، موضحة أن تغير المناخ يلقي بتداعيات سلبية كبيرة على مستوى كل محاور التنمية، وأن البنك الدولي يمضي قدمًا من خلال خطة للعمل المناخي، حيث بلغت تمويلاته المناخية للدول النامية خلال العام الجاري نحو 26 مليار دولار 50% منها تدعم التكيف مع التغيرات المناخية، ويعمل البنك في خطة ثانية لمواجهة تداعيات المناخ للفترة من 2021-2025 لتعزيز الاستثمار في المشروعات الخضراء.
ومن جانبه؛ قال تود ويلكوكس الرئيس التنفيذي لبنك اتش اس بي سي، إن البنك يعد جزءا من تحالف جلاسجو المالي من أجل تقليل الانبعاثات الضارة إلى صفر، والذي يضم 450 بنكًا وشركة تأمين ومديري أصول من 45 دولة، حيث يسعى التحالف لتقديم تمويل يزيد عن 130 تريليون دولار لمساعدة الاقتصادات على التحول إلى صفر انبعاثات خلال الثلاثة عقود المقبلة، موضحًا أنه خلال لقائه بالعديد من صناديق الاستثمار، وجد أنها مهتمة بالاستثمار في مصر والدول الناشئة في أفريقيا لتمويل فرص العمل المناخي، كما أكد أهمية دور الشركات الناشئة التي تتبنى نشر الحلول الذكية لتعزيز العمل المناخي على مستوى الدول.
وفي ذات السياق، قالت داليا عبدالقادر، رئيس قطاع الاستدامة بالبنك التجاري الدولي إن جائحة كورونا لم تتسبب في فجوة تمويل المناخ، حيث كانت موجودة قبل ذلك، لكنها تسببت في تفاقمها، مشيرة إلى أهمية دور القطاع الخاص في تمويل العمل المناخي مع ضرورة النظر لهذا الدور بشكل مختلف، حيث أن مفهوم المنح غير موجود لدى القطاع الخاص مثل مؤسسات التمويل الدولية، لذا وجب التفكير في نموذج يعزز دور القطاع الخاص ويراعي التوازن بين تحقيق الربحية وتمويل مشروعات الاستدامة والعمل المناخي.
وأشارت إلى حصول البنك التجاري الدولي على أول سندات خضراء من مؤسسة التمويل الدولية بقيمة 100 مليون دولار، بجانب حزمة من الدعم الفني وتبادل الخبرات، موضحة أن البنك التجاري الدولي لديه البنية التحتية التي تمكنه من تمويل الاستدامة ويعمل على التحول الذي يحقق فيه البنك تقدما كبيرا رغم صعوبته.
وقال كيفين كاريوكي نائب رئيس بنك التنمية الأفريقي للطاقة وتمويل المناخ إن البنك يقوم بدور كبير لقيادة التكيف مع التغيرات المناخية في قارة أفريقيا، فرغم عدم ارتفاع حجم الموارد إلا أنه يتم استخدامها بشكل مؤثر، موضحًا أن 36% من التمويلات التي ضخها البنك خلال العام الماضي كانت لتمويل التكيف.
وقال جيانبيرو ناسي، القائم بأعمال وحدة المناخ بالبنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية إن تحقيق طموح العالم بالحد من ارتفاع درجة الحرارة عند 1.5 درجة مئوية لابد أن تقابله خطط واضحة حول كيفية تحقيق هذا الأمر، ودمج القطاع الخاص في هذه الأهداف لتوفير التمويلات المطلوبة، مشيرًا إلى أهمية تطوير القطاعات المالية لتصبح متوافقة مع المعايير البيئية ووضع مزيد من المحفزات للمنتحات الخضراء.
ونوه بما يقوم به البنك الأوروبي من تشجيع الشراكات والاستثمارات الخضراء، حيث أطلق خطته حتى عام 2025 والتي يستهدف من خلالها التحول لبنك صديق للبيئة.
وأكد فيفيك باثاك مدير وحدة الأعمال المناخية بمؤسسة التمويل الدولية ضرورة النظر في الاستثمارات المناخية على أنها استثمارات مربحة، بالإضافة إلى أهمية تطوير القطاعات المالية المحلية لتصبح قطاعات خضراء، من خلال محفزات البنوك المركزية، وكذلك تشجيع المشروعات الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر على الالتزام بمعايير الاقتصاد الأخضر.
وكانت وزارة التعاون الدولي قد نظمت الجلسة النقاشية رفيعة المستوى، ضمن فعاليات مؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخي COP26 الذي عقد بمدينة بجلاسجو بالمملكة المتحدة، وذلك بالشراكة مع وزارة البيئة، حول تطوير إطار دولي لتمويل مبتكر للمناخ، وذلك ضمن جهود الوفد المصري في جلاسجو، لتعزيز التواصل مع شركاء التنمية ودفع أجندة العمل المناخي في مصر.
شارك في الجلسة أيضا ممثل عن وزير البيئة والتنمية المستدامة السنغالي، والدكتورة جو بوري، نائب الرئيس للمعرفة والاستراتيجيات بالصندوق الدولي للتنمية الزراعية، وفيفيك باثاك، مدير وحدة الأعمال المناخية بمؤسسة التمويل الدولية، وميمونة شريف، وكيل الأمين العام للأمم المتحدة، والمدير التنفيذي لبرنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية "هابيتات"