نرى منذ بداية الأزمة المالية لسنة 2008 موجات متتالية من ضعف وانهيار النظام الاقتصادي الغربي الذي أحيانًا ما يتعافى بفضل ضخ المزيد والمزيد من الأموال غير المضمونة من البنوك المركزية الغربية، ثم يرجع إلى التدهور مرة أخرى ولكن بشكل أسوأ وبمستوى أعلى مما كان عليه من قبل .
ونتيجة لإصدار الدولارات غير المغطاة أدى ذلك إلى تسارع في التضخم عند الولايات المتحدة الأمريكية في شهر أكتوبر الماضي حتى مستوى 6.2%، وهذا يعد من أعلى المستويات منذ عام 1990، وفي محاولة أخيرة لتأخير التضخم المفرط، قرر الاحتياطي الفدرالي تقليص "التيسير الكمي" QE، وكانت محاولة مماثلة في نهاية عام 2018 قد أدت إلى انخفاض وتدهور حاد في الأسواق وموجة جديدة من طباعة الدولار لذلك ستنتهي هذه المحاولة هي الأخرى على خلفية التضخم المتسارع بالفعل، بموجة جديدة من "التيسير الكمّي" التي قد تنتهي بانهيار الاقتصاد العالمي في السنوات القليلة المقبلة.
لا يوجد مخرج للغرب من هذا الوضع، فالخيارات الموجوده أسوأ من المرغوب فيه وهي إما الموت من التضخم العالمي المفرط أو من الانهيار الاقتصادي المشابه للكساد الكبير عام 1929، ولكن بأضعاف مضاعفة.
كلا الخيارين سيؤديان إلى انخفاض في مستوى المعيشة بالبلدان المختلفة بنسب تتراوح ما بين 30-60% لمدة عقد أو يمكن أن تكون لفترة أطول بكل ما يترتب على ذلك من عواقب سياسية، وأشكال مختلفة من الثورات وأعمال الشغب
الولايات المتحدة الأمريكية وصلت إلى لحظة الأزمة في ظل وضع داخلي مخيف لأنها تعاني مما يحدث في البلاد حيث تقف على شفا حرب أهلية. فالتناقضات الداخلية الهائلة في الولايات المتحدة غير قابلة للحل، ولا يمكن تجميدها مؤقتاً إلا بمساعدة رفع مستويات المعيشة، أما ما يحدث الآن فهو العكس تماماً.
والسبب في الأزمة الاقتصادية الراهنة هي أزمة فائض إنتاج ضخمة، وسوف تُحل من خلال القضاء على جزء من الإنتاج العالمي.
وكان من الممكن أن يحدث ذلك بشكل سلمي، من خلال خسارة الغرب لمنافسته مع الصين، ثم يتم تقسيم الأسواق ومصادر المواد الخام والعمالة الرخيصة بين المنتصرين، كما حدث مع الاتحاد السوفيتي عقب انهياره.
إلا أن المخرج الوحيد للولايات المتحدة وحلفائها المقربين هو التدمير العسكري لمنافسيها الرئيسين. وإذا لم يتم ذلك، فستواجه الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي مرحلة حادة من الأزمة في السنوات القليلة المقبلة، يليها انهيار في السنوات العشر المقبلة
وقد أثبتت النخب في الولايات المتحدة الأمريكية فعلياً وعلى نحو مقنع، خلال رئاسة ترامب وزوبعة "رشا غيت" التي اختلقت من فراغ أنه ليس لديهم أي قيود أو أسقف ومستعدون في سبيل السلطة لإثارة صراع مع روسيا النووية وبدء حرب أهلية في بلادهم.
إن التهديد والمنافس الرئيس للولايات المتحدة الأمريكية هو الصين، وهو ما دفع دونالد ترامب، منطقياً، إلى المواجهة معها. في الوقت نفسه، تشكلت قيادة الحزب الديمقراطي خلال زمن "الحرب الباردة" مع الاتحاد السوفيتي لذلك يرون في روسيا هدفهم الأول على الرغم من اتفاقهم أيضاً على أن الصين هي التهديد الاستراتيجي الرئيسي.
لقد كان من بين الأهداف الرئيسية للأنغلو ساكسون، بريطانيا أولاً ثم الولايات المتحدة الأمريكية منع التحالف بين روسيا وألمانيا وهما شريكان مثاليان اقتصادياً. وقد نجح الأنغلو ساكسون في هذا الأمر، بما في ذلك من خلال توجيه العدوان الألماني إلى الشرق خلال الحربين العالميتين.
ومنذ بداية العام شهدنا محاولات من قبل الولايات المتحدة الأمريكية لتسخين الصراع المجمّد في الدونباس بأيدي أوكرانيا من أجل جرّ روسيا إلى الحرب أو على الأقل خلق أزمة في العلاقات بين روسيا وأوروبا وألمانيا.
وجاءت الزيارة الأخيرة لمدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية إلى موسكو، على خلفية تصريحات واشنطن حول "تحركات غريبة" لقوات روسية على الحدود الأوكرانية، بالقرب من مدينة يلنيا، بالرغم من أنها تقع على بعد 250 كيلومتر من الحدود الأوكرانية.
في الوقت نفسه، نفت كل من روسيا، وحتى أوكرانيا أي تركيز للقوات الروسية. مع ذلك، ذكرت وكالة "بلومبرغ" للأنباء أن واشنطن حذرت الاتحاد الأوروبي من الغزو الروسي الوشيك المزعوم لأوكرانيا، دون أي أدلة.