الأربعاء 29 مايو 2024

«بيت الدمية».. «بوسي» تستعين بمسرحية هنريك إبسن للرد على قرار انفصالها

الفنانة بوسي في مسرحية بيت الدمية

فن16-11-2021 | 19:37

ولاء جمال

في محاولة أن نغمض أعيننا عن هذه الرتابة التي تقتلنا رويدا رويدا، خشية أن نكتشف أن هذه ليست السعادة التي حلمنا بها، ونحلم بأن نري الحياة بعيون "نورا" بطلة رائعة "هنريك إبسن" في بيت الدمية، تلك الحياة المزيفة مهما بدت مثالية من الخارج .

يقول الفيلسوف هنريك إبسن في كتابة بيت الدمية: "تبًا لتلك العصور التي عاشت فيها المرأة مجرد دمية جميلة لتزين البيت والاستمتاع بجمالها ووجهها وجسدها دونما تنمية عقلها بالتعليم والثقافة والمعرفة لتفيد مجتمعها، فهي عندما أتيحت لها الفرصة تفوقت علي الرجل بذكائها وقوة تحملها وصبرها".

في عام 2006 في إطار احتفال مكتبة الإسكندرية بمرور مائة عام علي رحيل الأديب النرويجي الأشهر هنريك إبسن، لم تتعرض الفنانة بوسي حينها للانفصال عن زوجه مباشرة، لكنها أشارت إلي مسرحية بيت الدمية التي قدمت دور البطولة بها في نفس العام، واختارتها من الأدب العالمي، وأشارت إلى تلك المسرحية وكيف تركت بطلة المسرحية "نورا" الهادئة بيتها عندما تراكمت مرارتها من معاملة زوجها ومن قبله والدها لها على أنها مجرد دمية جميلة، انفجرت وتركت كل شيء ورائها من أجل أن تملك مصيرها وتكون نفسها، لا ما يحدده لها والدها ومن بعده زوجها.

وقالت بوسي أن كل ما تعرضت له "نورا" تري فيه شيئا من نفسها ومما تريد.

عندما عادت بوسي إلي زوجها بعد الانفصال لتكون إلى جانبه تخفف عنه آلام المرض، شعرنا بأنها فوق كونها فنانة جميلة فإنها إنسانة رائعة و"بنت أصول حقيقة" وعظيمة الوفاء لكل شيء جميل ربطها معه في زمن عز فيه الوفاء .

أما مسرحيته "بيت الدمية"، فضمّن إبسن آراءه في الحياة الزوجية والمشاكل التي كانت تكتنفها في ذلك العصر.

هيلمر ونورا هما الشخصيتان الرئيسيتان في المسرحية، يصاب هيلمر زوج نورا بمرض خطير، فينصحه الأطباء أن يسافر إلى إيطاليا للاستشفاء. لكن المال لم يكن متوفراً، فاهتدت زوجته نورا إلى كروجشتاد، الموظف في أحد المصارف، ليؤمن لها قرضاً. ولكن، في ذلك الوقت، لم تكن القوانين تعترف بإمضاء المرأة على سندات القرض، وحيث أن زوجها كان يفضل الموت على الاقتراض، لم يبق أمام نورا إلاّ اللجوء إلى والدها، لكنه كان مريضاً ولا يمكنها مفاتحته بهذا الموضوع. وحين توفّى والدها، تعمد نورا إلى تزوير إمضائه وتحصل على النقود.

ويسافر هيلمر للاستشفاء، ثم يعود لبيته معافىً دون أن يستفسر عن مصدر النقود التي حصلت عليها نورا. ثم يصبح مدير البنك الذي يعمل به كروغشتاد. وهناك، يقوم هيملر – لتمسّكه بالقيم والنظام الدقيق- بطرد كروغشتاد لتورطه بتزوير إحدى المعاملات المالية. فيلجأ كروغشتاد إلى نورا كي تشفع له عند زوجها، وتوافق لكنها تخفق. فيعمد كروغشتاد إلى تهديدها بإطلاع زوجها على سر القرض المالي، كما يهددها بتقديمها للقضاء لأنه اكتشف أن إمضاء والدها مزور. فتكرر محاولتها إقناع زوجها بالعفو عن كروغشتاد ولكن دون جدوى. فيعمد الأخير إلى إرسال خطاب إلى هيلمر يكشف فيه أمر القرض، ويهدده بكشف الأمر للعلن وتشويه سمعته وسمعة زوجته.

يفقد هيلمر أعصابه، ويكيل لنورا سيلا من الاتهامات والشتائم. ولكن عندما يصله خطاب آخر من كروغشتاد يتراجع فيه عن تهديداته، تنفرج أسارير هيلمر، ويقفز صائحاً بفرح: لقد نجوتُ يا نورا، لقد نجوت. لينكشف أن ما أرّق هيلمر هو محافظته على سمعته وحده وحسب، أما زوجته فقد نسي ذكرها في هذه اللحظة. وهنا تتولّى نورا تقديم المقطع الختامي الشهير للمسرحية، فتقول:

نورا: سأخلع عن نفسي ثوب الدمية لأنني لم أعد أستطيع الحياة معك أكثر. كان أبي في ما مضى يسر إليّ برأيه في كل كبيرة وصغيرة فنشأت أعتنق آراءه نفسها، وإذا حدث أن كوّنت لنفسي رأيا مخالفا كنت أكتمه عنه خشية أن أضايقه. وعندما انتقلت لأعيش معك انتقلت من يد أبي إلى يدك ووجدتك تنظم الكون من زاويتك الخاصة فتبعتك في الطريق المرسوم، أو تظاهرت بأنني أتبعك. أنت وأبي جنيتما عليّ. والذنب ذنبكما إذا لم أصنع من حياتي شيئا ذا قيمة. يجب ألا أعتمد إلا على نفسي وهذا ما يدفعني إلى الانفصال عنك. أريد أن أزن الأشياء بوحي من فكري أنا، لا من فكر الغير، وأن أرقى بنفسي إلى مرتبة الفهم والإدراك، وتصفد نورا الباب مغادرة، وتنتهي المسرحية.

لم تكن "بيت الدمية" أولى مسرحيات إبسن، ولكنها مسرحيته الأكثر جدلاً، والمسرحية التي جلبت له الشهرة والعالمية. وقد أثارت هذه المسرحية الجدل حولها، وهوجم إبسن بسبب تقديمه شخصية الزوجة بهذا الشكل، وعن جرأته تقديم شخصية الزوجة التي تشارك في تحمل الأعباء المالية للحياة الزوجية، فتستدين وتتورط في الدين، وتزور إمضاء أبيها. والأدهى هو كيف تغادر بيت الزوجية غاضبة ثائرة وتصفق خلفها الباب.

ولكن المتمعن  للمسرحية يدرك أن إبسن جعل من شخصية الزوج رمزاً للنفاق الاجتماعي أو الأنانية، فهو لم يكن مستعداً للاستدانة، ولكنه لم يسأل زوجته عن مصدر المال الذي قدّمته لرحلته. فهنا نحن أمام ازدواجية في المعايير، ونظرة تخرج المرأة من إنسانيتها، إلى مجرد شكل جميل، أو دمية.

يقول الكاتب المترجم لمسرحية بيت الدمية كامل يوسف: كتابات إبسن تكاد تكون في مجموعها قصيدة مطولة في امتداح الإرادة الإنسانية وهو عندما يدعونا إلي القوة والمثابرة، لا يريد منا ان نتشبه بالنموذج الوحشي الفظ الذي يريده نيتشه، وإنما يطالبنا بالتمسك بحقوقنا والدفاع عنها حتي الممات .وهو لهذا يشن حربا شعواء بين الآراء الحرة وبين المفتعلة .

ومن هذه النقطة تنبعث مسرحياته، فالحياة في نظره ميدان كبير من التطاحن بين الصفات الغريزية والصفات المكتسبة، بين قوى الوراثة وقوى البيئة وهو يمجد الإرادة التي تسلك طريق التجارب المحفوف بالمخاطر والمصاعب لكي تجد نفسها، وتعرف كينوتنها.

قد يكون إبسن مرشدًا أخلاقيا إلا أنه أولا وقبل كل شيء فنان أصيل، وكل ما في الأمر أن الفنان فيه يمتزج بالنزعة الأخلاقية، وتلك النزعة الأخلاقية تتشرب باتجاه فلسفي وكل هذا المزيج ينصهر في قلمه ككاتب مسرحي ، فالمسرح هو المنبر الذي يرسل منه أفكاره، وهو كفنان لا يجعل المواعظ هدفه الرئيسي، وإنما يضمنها إنتاجه، لكي يستنبطها المتفرج من ثنايا العرض.