الأحد 30 يونيو 2024

(مكرررررررررررررررررررر) .................... إنسانية الفقد  قراءة في "مذكرات حمار "

8-6-2017 | 14:55

                     
 
  رمضان أحمد عبد الله 
على مدار قصص مجموعة"مذكرات حمار" الثلاثة عشر للقاص شريف العجوز الصادرة عام2014 تنزف كلها فقداً والقارئ يشعر بإنسانية الفقد؛ فالإنسان إما يفقد محبوباً أو يفقد الألفة أو يفقد ما يسد رمقه من متطلبات طعام و مسكن، ففي كل قصة تتجسد مشاعر الفقد بدءاً من القصة الأولى "أشياء" حيث تشعر بحياة البطل الفوضوية لأنه يفقد محبوبته القادرة على صنع البهجة داخله ومن شدة اشتياقه يرسمها ضمن لوحاته  التي رسمها للملائكة لكن لقاءهما يظل حبيس ذكرياته...
 
الحب والرومانسية وجهان لعملة واحدة نادرة الوجود برأي بطلة قصة "بوست" التي تختار عالم الفيسبوك تبني فيه أحلامها ومع استمرار  تعاطيها لهذا العالم تجد إعجاباً بما كتبت ويرسلها لها صاحب الإعجاب مرات طالباً الحديث معها، وبعد الاتفاق على اللقاء تدخلها دوائر  الصدمة وتحل التجاعيد على وجهها عندما ترى صاحب الإعجاب صبياً في المرحلة الإعدادية  وما حقيقة التجاعيد سوى عمرها الحقيقي الذي ضاع دون الوصول إلى الحب و الرومانسية.
 
و يستمر الفقد الإنساني حتى يدفع الرجل غرامة لأنه عطل المرور، وآخر في عبور الإشارة في قصة"خيط أبيض"، فالرجل السائق يرى لثوان قليلة امرأة جميلة يسبح معها في خياله و يطوف عوالم العشق المفتقدة مع زوجته، و أنساه ذلك تركيزه مع الإشارة بالعبور فوقع في مأزق الغرامة ونقص راتبه وفتح تحقيق من قبل الزوجة عن سبب هذا النقص، فما يفتقده الإنسان في عالم الواقع يحاول الولوج إليه في الخيال، فالبطل عاش حياة رومانسية في خياله و لو لثوان لن يعيشها في حياته الواقعية.
لقد وصل الاحتياج الإنساني لدرجة أن يشفق عليه الحيوان في قصة "مذاكرات حمار" يشفق الحمار على صاحبه وأولاده متمنياً أن يباع بثمن غال ليأكل صاحبه وأولاده وجبة شهية، و التي لم يأكلوها إلا مرة واحدة عندما زارهم مسئولو حقوق الإنسان وأغدقوا عليهم وجبة مسح الأولاد  أيديهم في الأرغفة الجافة لتظل ذكراها في تلك الأرغفة عندما يأكلونها مرة أخرى.
 
 و يتكرر الاحتياج الإنساني للطعام في قصة "ربع كيلو لحم"وتصل المفارقة ذروتها عندما يرى الولد العائد من عند الجزار وبيده قطعة لحم لا تصل ربع كيلو، فالمبلغ الذي معه لم يكف لشراء ربع كيلو لحم، وفي طريقه للمنزل يجد كلب الرجل الغني يقدم له الخادم فخذة لحم كتلك التي رآها الولد عند الجزار يراه صاحب البيت و يأمر الخادم الإمساك به يفر الولد خائفاً فتسقط منه قطعة اللحم، وعندما تطلب منه أمه اللحم الذي أحضره يأتي لها بإناء مليء بالماء واضعاً صورته بجوار قطعة لحم كبيرة التقطها له أحد أصدقائه عند أحد الجزارين، فهذا الإناء  كانت أمه تملأه بالماء وتضعه على "الوابور الوشاش" لتوهم الجيران أنهم يطهون لحماً، فتتواصل المأساة الإنسانية حتى أصبح الكلب ينعم بحياة لم ينعم بها كثير من الفقراء في مفارقة من مفارقات الحياة المتكررة.
 
  ويتواصل احتياج الإنسان للحبيب، فالبطل يعود مبكراً من عمله قبل مجيء زوجته متعللاً بأعذار ليقف في الشرفة أمام محبوبته في قصة "عينان خضراوان"، ففي كل مرة يتعلل البطل بعذر جديد مقابل رؤية المحبوبة في الشرفة لكنه يصدم ذات يوم عندما يرى سيارة نقل أمام بيت المحبوبة لنقل الأثاث ليظل يبحث كل يوم عنها بالشرفة.
 
 ماذا يتبقى للإنسان بعد أن يفقد هويته وعنوانه و الأب و الأم و الأخ؟ هل يستطيع الإنسان أن يجد عنوانه في قصة "عفواً فإنني أبحث عن عنواني"؟ تجسد الطفلة الصغيرة مأساة فلسطين دون أن يبوح الكاتب صراحة بذلك؛ فكل أسرة تقيم بخيمة، ويأتي الغزاة لأخذ الأب ثم يشقون بطن الأم و يخرجون الوليد من بطنها تظل البنت تسأل أحد سكان المخيم العجائز عن أبيها وأمها و أخيها، يجيب العجوز أنهم في السماء، تظل الفتاة تبحث عن عنوان السماء معلنة أنها ستأتي إليهم، وكأن القتل ينتظرها كما سبقها إليه أفراد أسرتها.
 
دائرة الفقد مفتوحة  بلا نهاية، ففي قصة "الخطاب الثاني " يزداد احتياج الطفلة الصغيرة للأب، فهي تعلن أباها أنه تنتظره والفستان الذي اشتراه لها أصبح صغيراً مما يعطي انطباعاً للقارئ أن سنوات غياب الأب طالت و تواصل الصغيرة في خطابها السؤال عن حال الطقس عنده، فالطقس عندها وتتدثر بمعطفه لنصل إلى رمزية الدفء الذي تبحث عنه الفتاة، فهي دائماً تسأل عنه الأم و التي ترد بدموع بكائها وتذكر الفتاة الأب بإحضار قالب الشيكولاتة الذي اعتاد إحضاره لها.
تسقط وتنقشع الغمامة عن المشاهير مثلما تسقط الهالة المصطنعة حول الأديب اللامع الشهير في قصة "آخر سطر "، ففي حوار لإحدى المذيعات مع زوجته تعلن الزوجة أنها تعيش بين قضبان عظمية خالية من المشاعر لتسقط القدوة  ومعها هالات التمجيد
 
يقول الكاتب في قصة  " عفواً فإنني أبحث عن عنواني" صفحة 56
 
وعندما ضمني عمي إبراهيم إلى صدره باكياً
سألته: إلى أين سيأخذون أمي؟
قال لي: إنها ستذهب لتسكن مع أبي و أخي في السماء.
طلبت منه عنوان المنزل الجديد، أجابني ببكاء حار.
لماذا يا أبي تركتني أنت و أمي وذهبتما إلى السماء ..؟!
و لكن أعدك أنني سأبحث عن العنوان وحتماً سآتي لكم يوماً، وحينها لن أترككما أبداً....
 

    الاكثر قراءة