السبت 4 مايو 2024

أهل المَغْنى

مقالات21-11-2021 | 11:46

ينحاز المثقفون وأصحاب الذوق الرفيع إلى ذلك النوع من الغناء الراقي الذي يحترفه المطربون من ذوي الأصوات الرخيمة الذين يتعاونون مع كتاب الكلمات العذبة والملحنين الموهوبين أسوة بذلك الجيل الذهبي للغناء والموسيقى الذي كانت تزخر به مصر والوطن العربي في النصف الثاني من القرن العشرين، فمَن مِن عشاق الطرب الأصيل لا يعشق صوت سيدة الغناء العربي أم كلثوم، محمد عبد الوهاب، فيروز، عبد الحليم حافظ، فريد الأطرش، محمد فوزي، محمد قنديل، صباح فخري، محمد رشدي، وردة، فايزة أحمد، نجاة، عفاف راضي، وغيرهم ممن لا يتسع المجال لذكرهم من أصحاب الحناجر الذهبية والفن البديع.

 

وقد واكب هؤلاء العمالقة موجات من الفن الشعبي والمغنيين الشعبيين الذين حجز بعضهم مكانه ووضع بصمته في دفتر الفن، ومنهم من طواه النسيان لضعف تأثيره وتدني مستوى ما يقدمه.

 

فعندما ظهر أحمد عدوية بغنائه الشعبي وسط هذا الكم من الطرب الأصيل وكبار المطربين، واجه الكثير من الرفض لاختلاف الجملة الموسيقية الشعبية التي يقدمها وغرابة الكلمات المغناة من نوعية (السّحّ الدّح امبو)، كما كان البؤس في أغنية (كتاب حياتي) للمطرب الشعبي حسن الأسمر مثار جدل وسخرية أحيانًا من الجماهير التي تعودت على سماع الأطلال وحديث الروح والجندول، لكن مع الوقت نحت أحمد عدوية وحسن الأسمر مكانهما وتركا بصمات مؤثرة في الفن الغنائي الشعبي ووجدا مكانًا في أفئدة متذوقي هذا النوع من الفن، في حين أن غيرهم من مطربي النوادي الليلية والأفراح تم نسيانهم وما كانوا يقدمونه من غناء شعبي وكلمات ركيكة، وقد كان الحُكم على كل هذا لآذان المستمعين وذوقهم الذي استجاب للبعض دون الآخر ممن يقدمون هذا النوع من الغناء جنبًا إلى جنب مع الطرب الأصيل الذي كان يقدمه أساطير الغناء حينها.

 

لا شك في أنه من المهم ضبط إيقاع المعروض من هذا الفن الآن بالقوانين المنظمة والتي يجب أن يحترمها الجميع للحفاظ على الذوق العام والبعد عن الألفاظ النابية والجمل المرفوضة التي يغنيها من يقدمون ما يسمى بـ "المهرجانات"، لكنني لا أميل إلى المنع الكلي لهؤلاء، فلا يمكن إنكار وجودهم على الساحة واتساع شعبيتهم بين الكثير من الشباب، فليس كل الجمهور من المثقفين والنخبة، لذا لا يمكننا معاقبة هؤلاء بما يصدر منهم بالمنع النهائي وإنما يمكن فرض الغرامات الكبيرة أو الإيقاف المؤقت لحين توفيق الأوضاع، بالتزامن مع إعداد برامج تأهيل وتدريب (مدفوعة) وإلزامية لهم من قِبل نقابة الموسيقيين تحت إشراف أساتذة أكاديميين وملحنين لتدريبهم على الغناء السليم وتحسين مستوى الفكر والأداء لديهم سواء في محتوى ما يغنونه أو طريقة الغناء للارتقاء بالذوق العام

 

كما أنني أتساءل، هل لو كان الراحل عبد الحليم حافظ ما زال حيًا بيننا، أكان يترشح لمنصب نقيب الموسيقيين؟

 

إنني أحب الفنان هاني شاكر وأقدّر فنه الجميل، لكنني أتحفظ على تمسكه بمنصب إداري خدمي وتنظيمي يشغله عن تقديم أغنياته الطربية المتميزة التي نفتقدها في هذا الزخم، حيث يصلح لتولي هذا المنصب أحد الملحنين أو الموسيقيين من ذوي المهارات الإدارية للتصدي لهكذا أزمات، كما الدكتور أشرف زكي في نقابة الممثلين، فليعيد الفنان الكبير هاني شاكر النظر في هذا الجدل ويعود إلى جمهوره بفنه الراقي، وليترك تلك المعارك ويتفرغ للفن، وليحكم الجمهور على كل ما يتم تقديمه من هؤلاء وغيرهم، فيبقى الثمين، ويندثر الغث.

Dr.Randa
Dr.Radwa