الثلاثاء 21 مايو 2024

لو‭ ‬حكينا‭ ‬حكايتي‭ ‬مع‭ ‬المشير‭.. ‬ نبتدي‭ ‬منين‭ ‬الحكاية؟‭!‬


سليمان عبدالعظيم

مقالات21-11-2021 | 13:30

سليمان عبد العظيم

أول‭ ‬مرة‭ ‬رأيت‭ ‬فيها‭ ‬المشير‭ ‬محمد‭ ‬حسين‭ ‬طنطاوي‭ ‬كانت‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1991‭, ‬كنت‭ ‬وزملائي‭ ‬المحررون‭ ‬العسكريون‭ ‬داخل‭ ‬طائرة‭ ‬عسكرية‭ ‬خاصة‭ ‬أقلعت‭ ‬من‭ ‬مطار‭ ‬حفر‭ ‬الباطن‭ ‬في‭ ‬طريقها‭ ‬إلى‭ ‬القاهرة‭ ‬كما‭ ‬أبلغنا‭ ‬ضابط‭ ‬الشئون‭ ‬المعنوية‭ ‬المرافق‭ ‬لنا‭, ‬فجأة‭ ‬أخبرونا‭ ‬أن‭ ‬الطائرة‭ ‬ستطير‭ ‬إلى‭ ‬مطار‭ ‬جدة‭ ‬أولا‭ ‬لإحضار‭ ‬أربعة‭ ‬لواءات‭ ‬سيكونون‭ ‬معنا‭ ‬في‭ ‬رحلة‭ ‬العودة‭ ‬إلى‭ ‬البلاد‭.‬

في‭ ‬مطار‭ ‬جدة‭ ‬انتظرنا‭ ‬حتى‭ ‬صعد‭ ‬اللواءات‭ ‬الأربعة،‭ ‬اللواء‭ ‬عمر‭ ‬سليمان‭ ‬مدير‭ ‬إدارة‭ ‬المخابرات‭ ‬الحربية‭ ‬والاستطلاع،‭ ‬اللواء‭ ‬نيازي‭ ‬السعيد‭ ‬مدير‭ ‬إدارة‭ ‬الخدمات‭ ‬الطبية،‭ ‬واللواء‭ ‬محمد‭ ‬أحمد‭ ‬بلال‭ ‬أول‭ ‬قائد‭ ‬للقوات‭ ‬المصرية‭ ‬المشاركة‭ ‬في‭ ‬حرب‭ ‬تحرير‭ ‬الكويت،‭ ‬أما‭ ‬اللواء‭ ‬الأخير‭ ‬فكان‭ ‬محمد‭ ‬حسين‭ ‬طنطاوي‭ ‬رئيس‭ ‬هيئة‭ ‬عمليات‭ ‬القوات‭ ‬المسلحة‭.‬

كنت‭ ‬أعرف‭ ‬اللواءات‭ ‬عمر‭ ‬سليمان‭ ‬ونيازي‭ ‬السعيد‭ ‬ومحمد‭ ‬أحمد‭ ‬بلال،‭ ‬ولكن‭ ‬هذا‭ ‬اللواء‭ ‬الأسمر‭ ‬الطويل‭ ‬كانت‭ ‬المرة‭ ‬الأولى‭ ‬التي‭ ‬أراه‭ ‬فيها،‭ ‬سألت‭ ‬صديقي‭ ‬رحمه‭ ‬الله‭ ‬جمال‭ ‬كمال‭ ‬المحرر‭ ‬العسكري‭ ‬المرموق‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يجلس‭ ‬إلى‭ ‬يميني‭ ‬وكنت‭ ‬واثقاً‭ ‬أنه‭ ‬بالتأكيد‭ ‬يعرفه‭ ‬نظرًا‭ ‬لخبرته‭ ‬الطويلة‭ ‬كمحرر‭ ‬عسكري‭ ‬لجريدة‭ ‬الجمهورية‭ ‬"ده‭ ‬اللواء‭ ‬محمد‭ ‬حسين‭ ‬طنطاوي‭ ‬رئيس‭ ‬هيئة‭ ‬العمليات‭.. ‬فعلقت‭ ‬هامسا‭:  ‬يعني‭ ‬راكب‭ ‬معانا‭ ‬على‭ ‬الطيارة‭ ‬القيادة‭ ‬رقم‭ ‬3‭ ‬في‭ ‬القوات‭ ‬المسلحة‭ ‬بعد‭ ‬وزير‭ ‬الدفاع‭ ‬ورئيس‭ ‬الأركان‭".‬

قبل‭ ‬أن‭ ‬يتولى‭ ‬رئاسة‭ ‬هيئة‭ ‬العمليات‭ ‬كان‭ ‬اللواء‭ ‬طنطاوي‭ ‬قائدًا‭ ‬للجيش‭ ‬الثاني،‭ ‬وفي‭ ‬عام‭ ‬1988‭ ‬اختاره‭ ‬الرئيس‭ ‬حسني‭ ‬مبارك‭ ‬ليكون‭ ‬قائدًا‭ ‬لقوات‭ ‬الحرس‭ ‬الجمهوري‭ ‬المسئولة‭ ‬عن‭ ‬تأمين‭ ‬وحراسة‭ ‬الرئيس‭ ‬ومسكنه‭ ‬وكل‭ ‬أسرته‭.‬

لم‭ ‬يكن‭ ‬اللواء‭ ‬طنطاوي‭ ‬سعيدًا‭ ‬أبدًا‭ ‬بذلك‭ ‬المنصب‭ ‬بالقرب‭ ‬من‭ ‬رئيس‭ ‬الجمهورية،‭ ‬وكان‭ ‬يقول‭ ‬لمن‭ ‬يثق‭ ‬بهم‭ ‬مثل‭ ‬د‭.‬مصطفى‭ ‬الفقي‭ ‬مدير‭ ‬مكتب‭ ‬الرئيس‭ ‬مبارك‭ ‬للمعلومات‭ ‬“أنا‭ ‬إيه‭ ‬اللي‭ ‬جابني‭ ‬هنا‭ ‬من‭ ‬قيادة‭ ‬الجيش‭ ‬الثاني‭ ‬؟‭!‬”‭.‬

لم‭ ‬يستمر‭ ‬اللواء‭ ‬طنطاوي‭ ‬في‭ ‬رئاسة‭ ‬هيئة‭ ‬العمليات‭ ‬سوى‭ ‬فترة‭ ‬أقل‭ ‬من‭ ‬العام،‭ ‬وبعد‭ ‬انتهاء‭ ‬حرب‭ ‬تحرير‭ ‬الكويت‭ ‬قرر‭ ‬الرئيس‭ ‬مبارك‭ ‬تصعيده‭ ‬بتعيينه‭ ‬وزيرًا‭ ‬للدفاع‭ ‬خلفًا‭ ‬للفريق‭ ‬أول‭ ‬يوسف‭ ‬صبري‭.‬

كان‭ ‬المشير‭ ‬طنطاوي‭ ‬قائدًا‭ ‬ماهرًا‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬العسكرية،‭ ‬ملتزمًا‭ ‬ونظيف‭ ‬اليد،‭ ‬ولم‭ ‬يتورط‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬فساد‭ ‬سواء‭ ‬سياسي‭ ‬أو‭ ‬مالي‭ ‬أو‭ ‬استغلال‭ ‬نفوذ،‭ ‬منضبطًا‭ ‬لأقصى‭ ‬الحدود‭ ‬حتى‭ ‬أنه‭ ‬عندما‭ ‬تأخر‭ ‬عليه‭ ‬سائقه‭ ‬ذات‭ ‬يوم‭ ‬عشر‭ ‬دقائق‭.. ‬أمر‭ ‬بحبسه‭.‬

أتذكر‭ ‬أنني‭ ‬كنت‭ ‬ذات‭ ‬يوم‭ ‬أغطي‭ ‬افتتاح‭ ‬المشير‭ ‬طنطاوي‭ ‬لعملية‭ ‬تطوير‭ ‬تمت‭ ‬على‭ ‬أعلى‭ ‬مستوى‭ ‬بمستشفى‭ ‬كوبري‭ ‬القبة،‭ ‬وأبدى‭ ‬المشير‭ ‬إعجابه‭ ‬بذلك،‭ ‬وحين‭ ‬قال‭ ‬الضابط‭ ‬الذي‭ ‬تولى‭ ‬تنفيذ‭ ‬ذلك‭ ‬التطوير،‭ ‬وكان‭ ‬يعمل‭ ‬بمستشفى‭ ‬المعادي‭ ‬العسكري،‭ ‬إنه‭ ‬أنجز‭ ‬هذا‭ ‬رغم‭ ‬أنه‭ ‬مختص‭ ‬بالتحاليل‭ ‬الطبية،‭ ‬قال‭ ‬له‭ ‬المشير‭: ‬سيادة‭ ‬العميد‭ .. ‬خلاص‭.. ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬ده‭ ‬مش‭ ‬شغلك‭ ‬ارجع‭ ‬مكانك‭ ‬تاني‭.‬

في‭ ‬كل‭ ‬مشواره‭ ‬العسكري‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬اللواء‭ ‬طنطاوي‭ ‬يسمح‭ ‬لأحد‭ ‬أي‭ ‬أحد‭ ‬بالتدخل‭ ‬في‭ ‬عمله،‭ ‬كان‭ ‬معتدّا‭ ‬بنفسه،‭ ‬وقليلون‭ ‬من‭ ‬يعرفون‭ ‬كيف‭ ‬تصرف‭ ‬قائد‭ ‬الحرس‭ ‬الجمهوري‭ ‬عندما‭ ‬حاول‭ ‬ذات‭ ‬يوم‭ ‬د‭. ‬زكريا‭ ‬عزمي‭ ‬رئيس‭ ‬ديوان‭ ‬رئيس‭ ‬الجمهورية‭ ‬إصدار‭ ‬تعليمات‭ ‬لأحد‭ ‬ضباط‭ ‬الحرس‭ ‬الجمهوري،‭ ‬يومها‭ ‬غضب‭ ‬اللواء‭ ‬حسين‭ ‬طنطاوي‭ ‬غضبًا‭ ‬شديدًا‭ ‬عندما‭ ‬علم‭ ‬وقال‭ ‬بصوت‭ ‬غاضب‭  ‬“‭ ‬لا‭ ‬أسمح‭ ‬لأي‭ ‬حد‭ ‬هنا‭ - ‬القصر‭ ‬الجمهوري‭ - ‬بالتدخل‭ ‬في‭ ‬شئون‭ ‬الحرس‭ ‬الجمهوري،‭ ‬ضباط‭ ‬وأفراد‭ ‬الحرس‭ ‬الجمهوري‭ ‬لا‭ ‬أحد‭ ‬غيري‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يصدر‭ ‬لهم‭ ‬التعليمات”‭.‬

كان‭ ‬اللواء‭ ‬طنطاوي‭ ‬أفضل‭ ‬المرشحين‭ ‬وقتها‭ ‬لتولي‭ ‬رئاسة‭ ‬هيئة‭ ‬العمليات‭ ‬المعروفة‭ ‬بأنها‭ ‬مخ‭ ‬القوات‭ ‬المسلحة،‭ ‬وبالفعل‭ ‬أصدر‭ ‬الرئيس‭ ‬مبارك‭ ‬القائد‭ ‬الأعلى‭ ‬للقوات‭ ‬المسلحة‭ ‬قرارًا‭ ‬بذلك‭ ‬لتكون‭ ‬مهمة‭ ‬مشاركة‭ ‬الجيش‭ ‬المصري‭ ‬في‭ ‬حرب‭ ‬تحرير‭ ‬الكويت‭ ‬أولى‭ ‬المهام‭ ‬الكبيرة‭ ‬التي‭ ‬أثبت‭ ‬فيها‭ ‬الرجل‭ ‬براعته‭ ‬واقتداره‭ ‬حيث‭ ‬تم‭ ‬إنجاز‭ ‬مهمة‭ ‬نقل‭ ‬قوات‭ ‬الفرقة‭ ‬الثالثة‭ ‬مشاة‭ ‬والفرقة‭ ‬الرابعة‭ ‬المدرعة‭ ‬إلى‭ ‬حفر‭ ‬الباطن‭ ‬مسرح‭ ‬عمليات‭ ‬عاصفة‭ ‬الصحراء‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬قياسي‭ ‬وببراعة‭ ‬كبيرة‭ ‬شهد‭ ‬بها‭ ‬الجنرال‭ ‬الأمريكي‭ ‬الأشهر‭ ‬نورمان‭ ‬شوارزكوف‭ ‬قائد‭ ‬قوات‭ ‬التحالف‭ ‬الدولي‭ ‬المشاركة‭ ‬في‭ ‬حرب‭ ‬عاصفة‭ ‬الصحراء‭ ‬عندما‭ ‬حضر‭ ‬إلى‭ ‬القاهرة‭ ‬خصيصاً‭ ‬وقال‭ ‬أمام‭ ‬حشد‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬رجال‭ ‬الصحافة‭ ‬ووسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬العالمية‭  ‬“لقد‭ ‬كانت‭ ‬عملية‭ ‬تعبئة‭ ‬القوات‭ ‬ونقلها‭ ‬إلى‭ ‬مسرح‭ ‬عمليات‭ ‬عاصفة‭ ‬الصحراء‭ ‬عملية‭ ‬شاقة‭ ‬للغاية‭ ‬تمت‭ ‬في‭ ‬توقيتات‭ ‬قياسية،‭ ‬ولولا‭ ‬الجهد‭ ‬الكبير‭ ‬الذي‭ ‬بذله‭ ‬هذا‭ ‬الرجل‭ - ‬مشيرًا‭ ‬إلى‭ ‬اللواء‭ ‬طنطاوي‭ - ‬لواجهتنا‭ ‬صعوبات‭ ‬شديدة”‭.‬

وبعد‭ ‬حرب‭ ‬تحرير‭ ‬الكويت‭ ‬اختار‭ ‬الرئيس‭ ‬مبارك‭ ‬اللواء‭ ‬طنطاوي‭ ‬ليكون‭ ‬وزيرًا‭ ‬للدفاع‭ ‬وتم‭ ‬ترقيته‭ ‬لرتبة‭ ‬الفريق‭.‬

عشرون‭ ‬عامًا‭ ‬قضاها‭ ‬الراحل‭ ‬العظيم‭ ‬قائدًا‭ ‬عامًا‭ ‬للقوات‭ ‬المسلحة‭ ‬وزيرًا‭ ‬للدفاع‭ ‬والإنتاج‭ ‬الحربي،‭ ‬من‭ ‬1991‭ ‬حتى‭ ‬ما‭ ‬سمي‭ ‬أحداث‭ ‬25‭ ‬يناير‭ ‬2011‭.‬

داخل‭ ‬كواليس‭ ‬اجتماعات‭ ‬مجلس‭ ‬الوزراء‭ ‬كان‭ ‬الكل‭ ‬ينتظر‭ ‬كلمة‭ ‬المشير،‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬رأي‭ ‬وزير‭ ‬الدفاع‭ ‬بوصلة‭ ‬الأمان‭ ‬في‭ ‬مستقبل‭ ‬الوطن،‭ ‬وحدث‭ ‬في‭ ‬مرات‭ ‬كثيرة‭ ‬أن‭ ‬كانت‭ ‬كلمة‭ ‬المشير‭ ‬أي‭ ‬رأي‭ ‬القوات‭ ‬المسلحة‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬أوقفت‭ ‬قرارات‭ ‬أو‭ ‬بالأحرى‭ ‬صفقات‭ ‬حكومية‭ ‬كثيرة‭ ‬كانت‭ ‬على‭ ‬وشك‭ ‬الصدور‭ ‬لبيع‭ ‬شركات‭ ‬حكومية‭ ‬مهمة‭ ‬وخطيرة‭ ‬أراد‭ ‬بعض‭ ‬الوزراء‭ ‬من‭ ‬جوقة‭ ‬السيد‭ ‬جمال‭ ‬مبارك‭ ‬التخلص‭ ‬منها‭ ‬والحصول‭ ‬على‭ ‬عمولات‭ ‬بيع‭ ‬وسمسرة‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬عهد‭ ‬حكومة‭ ‬الدكتور‭ ‬أحمد‭ ‬نظيف‭.‬

قبل‭ ‬ما‭ ‬جرى‭ ‬من‭ ‬أحداث‭ ‬25‭ ‬يناير‭ ‬2011‭ ‬عندما‭ ‬ازداد‭ ‬نفوذ‭ ‬وتأثير‭ ‬رجال‭ ‬الأعمال‭ ‬وبعض‭ ‬الوزراء‭ ‬الذين‭ ‬زينوا‭ ‬وروجوا‭ ‬لفكرة‭ ‬أن‭ ‬يرث‭ ‬جمال‭ ‬مبارك‭ ‬والده‭ ‬في‭ ‬حكم‭ ‬مصر،‭ ‬قال‭ ‬المشير‭ ‬بالحرف‭ ‬الواحد‭ ‬للدكتور‭ ‬مصطفى‭ ‬الفقي‭ : ‬ده‭ ‬على‭ ‬جثتي‭.‬

وعندما‭ ‬تسلم‭ ‬المشير‭ ‬مسئولية‭ ‬إدارة‭ ‬شئون‭ ‬البلاد‭ ‬كانت‭ ‬تلك‭ ‬الفترة‭ ‬أصعب‭ ‬18‭ ‬شهرًا‭ ‬في‭ ‬حياة‭ ‬المشير‭ ‬طنطاوي‭ ‬والمجلس‭ ‬العسكري،‭ ‬ولعل‭ ‬أصدق‭ ‬تعبير‭ ‬ووصف‭ ‬لتلك‭ ‬المرحلة‭ ‬هو‭ ‬ما‭ ‬قاله‭ ‬الرئيس‭ ‬السيسي‭ ‬“‭ ‬المشير‭ ‬تولى‭ ‬مسئولية‭ ‬البلاد‭ ‬في‭ ‬ظروف‭ ‬كانت‭ ‬في‭ ‬منتهى‭ ‬القسوة‭ ‬وكان‭ ‬المشير‭ ‬ماسك‭ ‬جمرة‭ ‬بيده‭ ‬خلال‭ ‬فترة‭ ‬المجلس‭ ‬العسكري،‭ ‬وأشهد‭ ‬أمام‭ ‬الله‭ ‬أنه‭ ‬كان‭ ‬بريئًا‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬دم‭ ‬في‭ ‬أحداث‭ ‬محمد‭ ‬محمود‭ ‬وماسبيرو،‭ ‬وأنه‭ ‬نجح‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬ونصف‭ ‬العام‭ ‬في‭ ‬تجاوز‭ ‬المحنة‭ ‬القاسية‭ ‬التي‭ ‬مرت‭ ‬بها‭ ‬البلاد”‭.‬

كان‭ ‬المشير‭ ‬زاهدًا‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬ولا‭ ‬يحب‭ ‬المناصب،‭ ‬وحتى‭ ‬نعرف‭ ‬قيمة‭ ‬هذا‭ ‬الرجل‭ ‬وحجم‭ ‬حبه‭ ‬وإخلاصه‭ ‬للبلد‭ ‬علينا‭ ‬أن‭ ‬نتذكر‭ ‬كيف‭ ‬حافظ‭ ‬هذا‭ ‬القائد‭ ‬العسكري‭ ‬العظيم‭ ‬من‭ ‬أول‭ ‬لحظة‭ ‬على‭ ‬المؤسسة‭ ‬العسكرية‭ ‬التي‭ ‬حافظت‭ ‬بدورها‭ ‬على‭ ‬الدولة‭.‬

ولن‭ ‬أنسى‭ ‬أبدًا‭  ‬قولته‭ ‬الشهيرة‭ ‬إبّان‭ ‬لحظات‭ ‬المحنة‭ ‬المؤلمة‭ ‬لكل‭ ‬المصريين‭ ‬في‭ ‬2011‭ : ‬“‭ ‬لن‭ ‬أسمح‭ ‬بسقوط‭ ‬الدولة‭ ‬المصرية‭ ‬مهما‭ ‬كلفني‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬الأمر”‭.‬

ليست‭ ‬مبالغة‭ ‬على‭ ‬الإطلاق‭ ‬أن‭ ‬نقول‭ ‬إنه‭ ‬لولا‭ ‬الجيش‭ ‬المصري‭ ‬القوي‭ ‬وقيادته‭ ‬الحكيمة‭ ‬ممثلة‭ ‬في‭ ‬المشير‭ ‬طنطاوي‭ ‬لكان‭ ‬من‭ ‬الممكن‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬مصير‭ ‬مصر‭ ‬مثل‭ ‬النهايات‭ ‬المؤلمة‭ ‬التي‭ ‬مرت‭ ‬بها‭ ‬من‭ ‬حولنا‭ ‬دول‭ ‬شقيقة‭ ‬مثل‭ ‬سوريا‭ ‬والعراق‭ ‬واليمن‭ ‬وليبيا‭.‬

وكلنا‭ ‬ما‭ ‬زلنا‭ ‬نتذكر‭ ‬ما‭ ‬قاله‭ ‬المشير‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬المحنة‭ ‬القاسية‭ ‬“إحنا‭ ‬صابرين‭ ‬صابرين‭ ‬صابرين‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬تكون‭ ‬مصر‭ ‬زي‭ ‬اللي‭ ‬جنبها،‭ ‬عاجبكم‭ ‬حال‭ ‬اللي‭ ‬جنبها،‭ ‬نحن‭ ‬لن‭ ‬نسمح‭ ‬بأن‭ ‬مصر‭ ‬يجرى‭ ‬لها‭ ‬حاجة”‭.‬

قالها‭ ‬المشير‭ ‬في‭ ‬وجود‭ ‬د‭. ‬عصام‭ ‬شرف‭ ‬رئيس‭ ‬الحكومة‭ ‬وبعض‭ ‬قيادات‭ ‬جماعة‭ ‬الإخوان‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الوقت،‭ ‬ولم‭ ‬يفت‭ ‬المشير‭ ‬وقتها‭ ‬أن‭ ‬يلتفت‭ ‬بذكائه‭ ‬الخارق‭ ‬وحدسه‭ ‬المتمكن‭ ‬للفريق‭ ‬سامي‭ ‬عنان‭ ‬رئيس‭ ‬الأركان‭ ‬في‭ ‬إشارة‭ ‬ذكية‭ ‬للغاية‭ ‬كشفت‭ ‬وقتها‭ ‬وقالت‭ ‬الكثير‭ ‬“مصر‭ ‬لن‭ ‬تسقط‭ .. ‬مصر‭ ‬لن‭ ‬تسقط‭.. ‬مش‭ ‬كده‭ ‬يا‭ ‬سيادة‭ ‬الفريق”‭.‬

بقي‭ ‬أن‭ ‬أقول‭ ‬ولأول‭ ‬مرة‭ ‬إنني‭ ‬عندما‭ ‬شاهدت‭ ‬المشير‭ ‬طنطاوي‭ ‬مرتديا‭ ‬ملابس‭ ‬مدنية‭ ‬إبّان‭ ‬أحداث‭ ‬25‭ ‬يناير‭ ‬2011‭ ‬ماشيًا‭ ‬على‭ ‬قدميه‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬وسط‭ ‬البلد‭ ‬شعرت‭ ‬بدهشة‭ ‬مثلما‭ ‬شعر‭ ‬ملايين‭ ‬المصريين،‭ ‬ولكن‭ ‬صديقي‭ ‬النوبي‭ ‬الحميم‭ ‬منذ‭ ‬55‭ ‬عامًا‭ ‬زكريا‭ ‬فضل‭ ‬ابن‭ ‬قرية‭ ‬أبو‭ ‬سنبل‭ ‬كشف‭ ‬لي‭ ‬الأمر،‭ ‬لقد‭ ‬جاء‭ ‬المشير‭ ‬كرجل‭ ‬نوبي‭ ‬أصيل‭ ‬إلى‭ ‬جمعية‭ ‬أبو‭ ‬سنبل‭ ‬لتلقي‭ ‬العزاء‭ ‬في‭ ‬ابن‭ ‬عمه،‭ ‬ويومها‭ ‬قال‭ ‬لأهله‭ ‬وناسه‭ ‬“سامحوني‭.. ‬ظروفي‭ ‬ومشاغلي‭ ‬تمنعني‭ ‬من‭ ‬الحضور‭ ‬إلى‭ ‬الجمعية‭ ‬باستمرار،‭ ‬أرجو‭ ‬أن‭ ‬تسامحونى،‭ ‬ولو‭ ‬عاوزين‭ ‬أى‭ ‬حاجة‭ ‬قولوا‭ ‬لإخواتى‭ ‬علي‭ ‬ومصطفى”‭.‬

كان‭ ‬المشير‭ ‬بارًا‭ ‬بأهله‭ ‬وأسرته،‭ ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬يمر‭ ‬أسبوع‭ ‬إلا‭ ‬ويذهب‭ ‬إلى‭ ‬المنزل‭ ‬الذي‭ ‬عاش‭ ‬فيه‭ ‬وتربى،‭ ‬المنزل‭ ‬رقم‭ ‬14‭ ‬بشارع‭ ‬عبد‭ ‬العزيز‭ ‬جاويش‭ ‬بحي‭ ‬عابدين،‭ ‬يزور‭ ‬والدته‭ ‬وأسرته‭ ‬وأشقاءه‭.‬