الجمعة 17 مايو 2024

المشير‭ ‬يتحدَّث


مصطفي أبو عايد

مقالات21-11-2021 | 13:45

مصطفى أبوعايد

من‭ ‬المؤمنين‭ ‬رجال‭ ‬صدقوا‭ ‬ما‭ ‬عاهدوا‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬فمنهم‭ ‬من‭ ‬قضى‭ ‬نحبه‭ ‬ومنهم‭ ‬من‭ ‬ينتظر‭, ‬هؤلاء‭ ‬هم‭ ‬صفوة‭ ‬الله‭ ‬وخاصته‭, ‬رجال‭ ‬بذلوا‭ ‬النفيس‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬بلدهم‭ ‬وعرضهم‭, ‬أجل‭..‬وهل‭ ‬هناك‭ ‬أغلى‭ ‬من‭ ‬النفس‭ ‬التي‭ ‬بين‭ ‬جنبي‭ ‬المرء‭ ‬يجود‭ ‬بها‭, ‬ومن‭ ‬هؤلاء‭ ‬الأبطال‭ ‬ذلك‭ ‬الرجل‭ ‬الصامت‭ ‬الذي‭ ‬كم‭ ‬اشتهينا‭ ‬أن‭ ‬يتحدَّث‭, ‬ولكن‭ ‬هيهات‭ ‬فإن‭ ‬أمثال‭ ‬هؤلاء‭ ‬ما‭ ‬خلقوا‭ ‬للكلام‭ ‬فما‭ ‬هم‭ ‬رجال‭ ‬أقوال‭ ‬بل‭ ‬رجال‭ ‬أفعال‭.‬

‭ ‬في‭ ‬حرب‭ ‬السادس‭ ‬من‭ ‬أكتوبر‭ ‬خرجوا‭ ‬من‭ ‬عرينهم‭ ‬أسودا‭ ‬تزأر‭, ‬فأنزل‭ ‬الله‭ ‬في‭ ‬قلوب‭ ‬أعدائهم‭ ‬الرعب‭, ‬وكانت‭ ‬المزرعة‭ ‬الصينية‭ ‬من‭ ‬أروع‭ ‬المعارك‭ ‬التي‭ ‬سطرها‭ ‬التاريخ‭ ‬بأحرف‭ ‬من‭ ‬نور‭, ‬وهذا‭ ‬هو‭ ‬المشير‭ ‬يتحدَّث‭ ‬عندما‭ ‬كان‭ ‬برتبة‭ ‬عميد‭ ‬عن‭ ‬تلك‭ ‬الملحمة‭ ‬الوطنية‭ ‬التي‭ ‬شهد‭ ‬لها‭ ‬الأعداء‭ ‬قبل‭ ‬من‭ ‬كانوا‭ ‬فيها‭, ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬غريبا‭ ‬أن‭ ‬شارون‭ ‬داهية‭ ‬العدو‭ ‬الإسرائيلي‭, ‬عندما‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬إحدى‭ ‬زياراته‭ ‬لمصر‭ ‬في‭ ‬عهد‭ ‬الرئيس‭ ‬مبارك‭ ‬أن‭ ‬يعطي‭ ‬التحية‭ ‬للمشير‭ ‬محمد‭ ‬حسين‭ ‬طنطاوي‭; ‬ذلك‭ ‬البطل‭ ‬الذي‭ ‬حطَّم‭ ‬غروره‭ ‬وكبرياءه‭ ‬في‭ ‬حرب‭ ‬العبور‭ ‬العظيم‭.‬

روى‭ ‬المشير‭ ‬محمد‭ ‬حسين‭ ‬طنطاوي،‭ ‬القائد‭ ‬العام‭ ‬للقوات‭ ‬المسلحة‭ ‬وزير‭ ‬الدفاع‭ ‬والإنتاج‭ ‬الحربي‭ ‬الأسبق،‭ ‬دور‭ ‬الكتيبة‭ ‬16‭ ‬مشاة‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬يتولى‭ ‬مسؤوليتها‭ ‬في‭ ‬حرب‭ ‬أكتوبر‭ ‬المجيدة،‭ ‬مشيرا‭ ‬إلى‭ ‬أنّها‭ ‬من‭ ‬أول‭ ‬الكتائب‭ ‬التي‭ ‬عبرت‭ ‬قناة‭ ‬السويس،‭ ‬وحتى‭ ‬قبل‭ ‬العبور‭ ‬عبر‭ ‬عناصر‭ ‬‮«‬اقتناص‭ ‬الدبابات‮»‬،‭ ‬وهي‭ ‬من‭ ‬العناصر‭ ‬الرئيسية‭ ‬التي‭ ‬رفعت‭ ‬علم‭ ‬مصر‭ ‬قبل‭ ‬عبور‭ ‬‮«‬القوات‭ ‬الرئيسية‮»‬‭.‬

واستشهد‭ ‬المشير‭ ‬طنطاوي‭ ‬في‭ ‬فيديو‭ ‬له‭ ‬أذاعته‭ ‬القوات‭ ‬المسلحة‭ ‬المصرية‭ ‬حين‭ ‬كان‭ ‬برتبة‭ ‬‮«‬عميد‮»‬‭ ‬بعد‭ ‬الحرب،‭ ‬بكتاب‭ ‬‮«‬عيد‭ ‬الغفران‮»‬،‭ ‬مشيرا‭ ‬إلى‭ ‬أنّه‭ ‬على‭ ‬بضعة‭ ‬كيلو‭ ‬مترات‭ ‬من‭ ‬قناة‭ ‬السويس‭ ‬كانت‭ ‬هناك‭ ‬معركة‭ ‬دائرة‭ ‬داخل‭ ‬‮«‬المزرعة‭ ‬الصينية‮»‬‭ ‬وهي‭ ‬موقع‭ ‬شرق‭ ‬مدينة‭ ‬الإسماعيلية،‭ ‬حيث‭ ‬تعثرت‭ ‬القوة‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬بعد‭ ‬48‭ ‬ساعة‭ ‬من‭ ‬مهاجمة‭ ‬الموقع،‭ ‬لتدفع‭ ‬بعناصر‭ ‬مشاة‭ ‬ومظليين‭.‬

وتابع‭ ‬‮«‬طنطاوي‮»‬،‭ ‬أنّ‭ ‬القائد‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬ذكر‭ ‬في‭ ‬الكتاب‭ ‬أنّهم‭ ‬قالوا‭ ‬إنّ‭ ‬وحدته‭ ‬تضم‭ ‬تحصينات‭ ‬مضادة‭ ‬للدبابات‭ ‬وتعيق‭ ‬تنفيذ‭ ‬مهمتهم،‭ ‬وتقدمت‭ ‬ليلا‭ ‬حتى‭ ‬بضع‭ ‬مئات‭ ‬من‭ ‬الأمتار،‭ ‬إلا‭ ‬أنّ‭ ‬وابلا‭ ‬من‭ ‬الرصاص‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬استقبالهم،‭ ‬والمعركة‭ ‬احتدمت‭ ‬طوال‭ ‬الليل،‭ ‬موضحا‭ ‬أنّ‭ ‬إخلاء‭ ‬الجرحى‭ ‬استمر‭ ‬طوال‭ ‬الليل،‭ ‬حتى‭ ‬أنّ‭ ‬فرق‭ ‬الإغاثة‭ ‬القادمة‭ ‬لهم‭ ‬تعرضت‭ ‬لخسائر،‭ ‬وعملوا‭ ‬على‭ ‬إنقاذ‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬إنقاذه‭ ‬عبر‭ ‬إرسال‭ ‬قوة‭ ‬مدرعة‭ ‬لإخلاء‭ ‬من‭ ‬تبقى‭ ‬على‭ ‬قيد‭ ‬الحياة‭.‬

وعن‭ ‬هذه‭ ‬الفترة‭ ‬روى‭ ‬طنطاوي‭ ‬أنه‭ ‬كان‭ ‬تلك‭ ‬الفترة‭ ‬له‭ ‬نحو‭ ‬48‭ ‬ساعة‭ ‬لم‭ ‬ينم،‭ ‬وعندما‭ ‬شعر‭ ‬بالهدوء‭ ‬في‭ ‬الواحدة‭ ‬تقريبا‭ ‬قرر‭ ‬النوم‭ ‬قليلا،‭ ‬وفي‭ ‬الواحدة‭ ‬والنصف‭ ‬فوجئ‭ ‬بمن‭ ‬يوقظه‭ ‬بسبب‭ ‬وجود‭ ‬أزيز‭ ‬لطائرات‭ ‬هليكوبتر،‭ ‬قائلا‭: ‬“أعتقد‭ ‬أن‭ ‬الموضوع‭ ‬سهل‭ ‬وطلبت‭ ‬زيادة‭ ‬المراقبة‭ ‬وإبلاغ‭ ‬القيادة‭ ‬الأعلى،‭ ‬وبعد‭ ‬ساعة‭ ‬أيقظوني‭ ‬لأنهم‭ ‬وجدوا‭ ‬عناصر‭ ‬من‭ ‬القوات‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬تحاول‭ ‬عبور‭ ‬الألغام‭ ‬الموجودة‭ ‬في‭ ‬المواجهة”‭.‬

وتابع‭: ‬“على‭ ‬الفور‭ ‬استيقظت‭ ‬وشاهدت‭ ‬في‭ ‬أجهزة‭ ‬الرؤية‭ ‬في‭ ‬مراكز‭ ‬القيادة‭ ‬أيقنت‭ ‬أن‭ ‬هؤلاء‭ ‬عناصر‭ ‬كانت‭ ‬بأعداد‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬المشاة‭ ‬تحاول‭ ‬عبور‭ ‬الثغرة‭ ‬في‭ ‬اتجاه‭ ‬مواقع‭ ‬الكتيبة،‭ ‬وأصدرت‭ ‬الأوامر‭ ‬لكل‭ ‬أفراد‭ ‬الوحدة‭ ‬أن‭ ‬كل‭ ‬أسلحة‭ ‬الكتيبة‭ ‬المدفعية‭ ‬والهاون‭ ‬وجميع‭ ‬الرشاشات‭ ‬والأسلحة‭ ‬المضادة‭ ‬للطائرات‭ ‬وجهتها‭ ‬في‭ ‬اتجاه‭ ‬الثغرة،‭ ‬وطلبت‭ ‬ألا‭ ‬تطلق‭ ‬أي‭ ‬نيران‭ ‬إلا‭ ‬بطلقة‭ ‬إشارة‭ ‬حمراء‭ ‬مني‭ ‬أنا‭ ‬شخصيا”‭.‬

واستكمل‭ ‬طنطاوي‭: ‬“بعدما‭ ‬اقترب‭ ‬العدو،‭ ‬أعطيت‭ ‬طلقة‭ ‬الإشارة‭ ‬وفتحت‭ ‬جميع‭ ‬أسلحة‭ ‬الكتيبة‭ ‬على‭ ‬القوات‭ ‬المظلية‭ ‬للعدو،‭ ‬ولذلك‭ ‬هم‭ ‬ذكروا‭ ‬في‭ ‬كتابهم‭ ‬أنهم‭ ‬لم‭ ‬يستطيعوا‭ ‬الانسحاب‭ ‬أو‭ ‬القيام‭ ‬بالهجوم،‭ ‬وجعل‭ ‬الضباب‭ ‬تركيز‭ ‬النيران‭ ‬عليهم‭ ‬في‭ ‬الصباح‭ ‬ليس‭ ‬بالكفاءة‭ ‬الكافية‭ ‬مما‭ ‬أمكنهم‭ ‬من‭ ‬سحب‭ ‬خسائرهم‭ ‬ومن‭ ‬تبقى‭ ‬منهم‭ ‬على‭ ‬قيد‭ ‬الحياة”‭.‬

وأكد‭ ‬أن‭ ‬كل‭ ‬همه‭ ‬ألا‭ ‬يعود‭ ‬ولا‭ ‬فرد‭ ‬منهم‭ ‬حيا‭ ‬إلى‭ ‬الموقع،‭ ‬وهذه‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬معارك‭ ‬الكتيبة‭ ‬منذ‭ ‬العبور‭ ‬في‭ ‬6‭ ‬أكتوبر‭ ‬حتى‭ ‬إطلاق‭ ‬إيقاف‭ ‬النيران،‭ ‬مضيفا‭: ‬“يكفي‭ ‬الكتيبة‭ ‬فخرا‭ ‬أنه‭ ‬في‭ ‬عملية‭ ‬العبور‭ ‬لم‭ ‬تتكبد‭ ‬الكتيبة‭ ‬أية‭ ‬خسائر‭ ‬إلا‭ ‬شهيدا‭ ‬واحدا،‭ ‬وهو‭ ‬عادل‭ ‬بسطاروس”‭.‬

وأوضح‭ ‬أنّ‭ ‬المواجهة‭ ‬استمرت‭ ‬على‭ ‬مدار‭ ‬ساعتين‭ ‬ونصف‭ ‬الساعة،‭ ‬ومن‭ ‬حسن‭ ‬حظ‭ ‬القوات‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬أنّ‭ ‬الضباب‭ ‬ظهر‭ ‬نهارا‭ ‬ليجعل‭ ‬تركيز‭ ‬النيران‭ ‬ليس‭ ‬بالكفاءة‭ ‬الكافية،‭ ‬ما‭ ‬مكنهم‭ ‬من‭ ‬سحب‭ ‬خسائر‭ ‬وبعض‭ ‬من‭ ‬تبقى‭ ‬على‭ ‬قيد‭ ‬الحياة،‭ ‬مضيفا‭: ‬‮«‬كان‭ ‬همي‭ ‬مرجعش‭ ‬ولا‭ ‬فرد‭ ‬من‭ ‬اللي‭ ‬جم‭ ‬للموقع‭ ‬عايش‮»‬‭.‬

وذكر‭ ‬قائد‭ ‬سرية‭ ‬في‭ ‬كتيبته،‭ ‬وهو‭ ‬عبدالعزيز‭ ‬بسيوني،‭ ‬والذي‭ ‬طالبه‭ ‬يوم‭ ‬14‭ ‬أكتوبر‭ ‬وقت‭ ‬احتدام‭ ‬المعركة،‭ ‬وقال‭ ‬له‭: ‬‮«‬عد‭ ‬الدبابات‮»‬،‭ ‬ليقول‭: ‬‮«‬معنديش‭ ‬وقت‭ ‬أعدها‮»‬،‭ ‬ليرد‭ ‬بأنّه‭ ‬سيعاونه‭ ‬بالمدفعية،‭ ‬و«مش‭ ‬عايز‭ ‬دبابة‭ ‬تعدي‮»‬،‭ ‬ليرد‭: ‬‮«‬متخافش‭ ‬يا‭ ‬فندم،‭ ‬لن‭ ‬تعبر‭ ‬دبابة‭ ‬من‭ ‬خلفي‭ ‬إلا‭ ‬على‭ ‬جثتي‭ ‬و100‭ ‬واحد‭ ‬معايا‮»‬‭.‬

بطولة‭ ‬بشهادة‭ ‬الأعداء

ذكر‭ ‬إيان‭ ‬وينر،‭ ‬مسعف‭ ‬ميدانى‭ ‬إسرائيلى‭ ‬عن‭ ‬معركة‭ ‬المزرعة‭ ‬الصينية‭: ‬“كنت‭ ‬أرى‭ ‬الطلقات‭ ‬تسقط‭ ‬في‭ ‬الليل‭ ‬ولكن‭ ‬لا‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬المكان‭ ‬الذى‭ ‬من‭ ‬المفترض‭ ‬أن‭ ‬تصل‭ ‬إليه،‭ ‬ونرى‭ ‬سواتر‭ ‬ترابية‭ ‬تتصدى‭ ‬لطلقاتنا‭ ‬النارية،‭ ‬وهكذا‭ ‬أرسلونا‭ ‬لمواجهة‭ ‬جيش‭ ‬أكثر‭ ‬تنظيماً‭ ‬منا‭ ‬بكثير”،‭ ‬وتابع‭: ‬“كل‭ ‬هذا‭ ‬يحدث‭ ‬أمامك‭ ‬في‭ ‬ليلة‭ ‬واحدة‭ ‬يا‭ ‬لها‭ ‬من‭ ‬صدمة”‭.‬

وفى‭ ‬السياق‭ ‬ذاته،‭ ‬أهارلى‭ ‬تويب،‭ ‬ضابط‭ ‬ناج‭ ‬من‭ ‬معركة‭ ‬المزرعة‭ ‬الصينية،‭ ‬يروى‭ ‬خلال‭ ‬الفيلم‭ ‬الوثائقى‭ ‬“وثائق‭ ‬النصر”،‭ ‬الذى‭ ‬يذاع‭ ‬على‭ ‬قناة‭ ‬“cbc”‭ ‬كيف‭ ‬وقعوا‭ ‬في‭ ‬فخ‭ ‬المقدم‭ ‬محمد‭ ‬حسين‭ ‬طنطاوى‭ ‬ومزقتهم‭ ‬قذائف‭ ‬الجيش‭ ‬المصرى،‭ ‬قائلاً‭: ‬“لقد‭ ‬مرت‭ ‬علينا‭ ‬مركبات‭ ‬المجموعة‭ ‬وهى‭ ‬مكتظة‭ ‬بالجنود‭ ‬وأراد‭ ‬بعض‭ ‬رجالى‭ ‬وليس‭ ‬كلهم‭ ‬أن‭ ‬يرافقوهم‭ ‬إلا‭ ‬أننى‭ ‬أجبرتهم‭ ‬على‭ ‬البقاء‭ ‬في‭ ‬عربتنا‭ ‬كما‭ ‬هم”‭.‬

ويعلق‭ ‬ميخا‭ ‬بن‭ ‬عازى،‭ ‬قائد‭ ‬كتيبة‭ ‬عمليات‭ ‬خاصة‭: ‬“لقد‭ ‬نقلنا‭ ‬إلى‭ ‬منطقة‭ ‬القناة‭ ‬وهناك‭ ‬دارت‭ ‬المعركة‭ ‬الكبرى‭ ‬للمدرعات‭ ‬وكنا‭ ‬أثناء‭ ‬المعركة‭ ‬نقف‭ ‬في‭ ‬انتظار‭ ‬إعطاء‭ ‬أمنون‭ ‬الأمر‭ ‬لنا”‭.‬

ووفق‭ ‬الفيلم‭ ‬الوثائقى،‭ ‬قال‭ ‬ناتالى‭ ‬نهارى،‭ ‬قائد‭ ‬كتيبة‭ ‬مظلات‭: ‬“تسرعنا‭ ‬فى‭ ‬دخول‭ ‬المنطقة،‭ ‬وتبين‭ ‬لنا‭ ‬فيما‭ ‬بعد‭ ‬أنه‭ ‬خطؤنا‭ ‬الأول‭ ‬كوننا‭ ‬كنا‭ ‬نعتقد‭ ‬أننا‭ ‬سنعبر‭ ‬بكل‭ ‬سهولة،‭ ‬وهكذا‭ ‬كانت‭ ‬المعلومات‭ ‬أن‭ ‬تلك‭ ‬النقطة‭ ‬خالية‭ ‬من‭ ‬الأعداء،‭ ‬وفهمنا‭ ‬أن‭ ‬الأمر‭ ‬كله‭ ‬ليس‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تمشيط‭ ‬المنطقة‭ ‬ولكن‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬أن‭ ‬ندافع‭ ‬عن‭ ‬حياتنا”‭.‬

تحدث‭ ‬يورام‭ ‬نهاري‭ ‬يانو‭ ‬قائد‭ ‬كتيبة‭ ‬مظلات‭ ‬في‭ ‬الحرب،‭ ‬عن‭ ‬أفضلية‭ ‬جاهزية‭ ‬الجنود‭ ‬المصريين‭ ‬على‭ ‬الجنود‭ ‬الإسرائيليين‭ ‬خلال‭ ‬الحرب‭ ‬قال‭:‬”‭ ‬كان‭ ‬كل‭ ‬جندي‭ ‬مصري‭ ‬مجهز‭ ‬بصورة‭ ‬كاملة‭ ‬وأفضل‭ ‬بكثير‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬جندي‭ ‬مظلي‭ ‬إسرائيلي”‭.‬

وأكد‭ ‬كلام‭ ‬نهاري‭ ‬يانو،‭ ‬نافاتلي‭ ‬هداس‭ ‬طبيب‭ ‬ميداني‭ ‬بالحرب‭ ‬موضحًا‭:‬”كان‭ ‬هناك‭ ‬قوات‭ ‬مشاة‭ ‬مصرية‭ ‬مزودة‭ ‬بأسلحة‭ ‬مضادة‭ ‬للمدرعات،‭ ‬أحرقت‭ ‬كل‭ ‬الدبابات‭ ‬الإسرائيلية”‭.‬

واستعرض‭ ‬الفيلم‭ ‬الوثائقي‭ ‬تسجيل‭ ‬صوتي‭ ‬لأحد‭ ‬الجنود‭ ‬وهو‭ ‬يستنجد‭ ‬بقادته‭ ‬طلبًا‭ ‬للمساعدة‭ ‬يصرخ‭ ‬قائلًا‭ ‬“الرصاص‭ ‬يتطاير‭ ‬علينا‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬مكان‭ ‬أنا‭ ‬لا‭ ‬أستطيع‭ ‬رفع‭ ‬رأسي‭.. ‬أرسلوا‭ ‬المساعدة‭ ‬الآن”‭.‬

عزز‭ ‬التسجيل‭ ‬الصوتي‭ ‬السابق،‭ ‬شهادة‭ ‬المسعف‭ ‬الميداني‭ ‬إيان‭ ‬وينر‭ ‬قال‭:‬”أذكر‭ ‬أنه‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬كل‭ ‬جرحى‭ ‬الانفجارات‭ ‬جاء‭ ‬جندي‭ ‬مدرعات‭ ‬تعرفت‭ ‬عليه‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬لاحق‭ ‬واكتشفت‭ ‬أنه‭ ‬كان‭ ‬أحد‭ ‬تلامذتي‭ ‬منذ‭ ‬3‭ ‬سنوات‭ ‬وقال‭ ‬وهو‭ ‬يبكي‭ ‬إنها‭ ‬المرة‭ ‬الثانية‭ ‬التي‭ ‬يصاب‭ ‬فيها‭ ‬وأنهم‭ ‬يفرون‭ ‬من‭ ‬المعركة‭ ‬بسبب‭ ‬هول‭ ‬الانفجارات”‭.‬

ونشر‭ ‬موقع‭ ‬‮«‬كيبوريم‮»‬‭ ‬الذى‭ ‬أُنشئ‭ ‬خصيصا‭ ‬لجنود‭ ‬الجيش‭ ‬الإسرائيلى،‭ ‬ليرووا‭ ‬حكايات‭ ‬المعارك‭ ‬والأسر‭ ‬فى‭ ‬حرب‭ ‬أكتوبر‭ ‬على‭ ‬الجبهتين‭ ‬المصرية‭ ‬والسورية،‭ ‬تلك‭ ‬الرواية‭ ‬للمؤرخ‭ ‬العسكرى‭ ‬الإسرائيلى‭ ‬‮«‬أورى‭ ‬ميليشطاين‮»‬،‭ ‬كان‭ ‬مرافقا‭ ‬للقوات‭ ‬المظلية‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬في‭ ‬معركة‭ ‬المزرعة‭ ‬الصينية،‭ ‬ويقول‭ ‬ميليشطاين‭ ‬في‭ ‬روايته‭: ‬“شاركت‭ ‬فى‭ ‬حرب‭ ‬يوم‭ ‬الغفران‭ (‬6‭ ‬أكتوبر‭ ‬1973‭) ‬كمؤرخ‭ ‬لسلاح‭ ‬المظليين،‭ ‬وخلال‭ ‬المعارك‭ ‬وإلى‭ ‬جانب‭ ‬أدائى‭ ‬لعملى‭ ‬كمؤرخ‭ ‬عسكرى،‭ ‬فقد‭ ‬عملت‭ ‬ممرضا‭. ‬بدأت‭ ‬معركة‭ ‬المزرعة‭ ‬الصينية‭ ‬بالنسبة‭ ‬لى‭ ‬يوم‭ ‬الثلاثاء‭ ‬16‭ ‬أكتوبر‭ ‬1973عندما‭ ‬قرر‭ ‬طبيب‭ ‬اللواء‭ ‬35‭ ‬أن‭ ‬يخرجنى‭ ‬من‭ ‬المجموعة‭ ‬الطبية‭ ‬التابعة‭ ‬للدكتور‭ ‬إفرايم‭ ‬سينيه،‭ ‬التى‭ ‬اتجهت‭ ‬إلى‭ ‬المزرعة‭ ‬الصينية،‭ ‬وعهد‭ ‬إلىَّ‭ ‬ــ‭ ‬رغم‭ ‬اعتراضى‭ ‬الكبير‭ ‬ــ‭ ‬بتجهيز‭ ‬العتاد‭ ‬الطبى‭ ‬الثقيل،‭ ‬وأن‭ ‬أتوجه‭ ‬معه‭ ‬بمركبة‭ ‬خلف‭ ‬القوات‭ ‬المتجهة‭ ‬للمعركة‭. ‬كان‭ ‬هذا‭ ‬القرار‭ ‬خاطئا؛‭ ‬لأن‭ ‬العتاد‭ ‬الطبى‭ ‬كان‭ ‬غير‭ ‬متوافر‭ ‬فى‭ ‬المزرعة‭ ‬الصينية،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬أصيب‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬المظليين‭. ‬تمكنا‭ ‬نحن‭ ‬الثلاثة‭ ‬وبعض‭ ‬المظليين‭ ‬الآخرين‭ ‬الذين‭ ‬بقوا‭ ‬فى‭ ‬المؤخرة‭ ‬من‭ ‬رفع‭ ‬العتاد‭ ‬الطبى‭ ‬على‭ ‬ظهرنا‭ ‬فى‭ ‬طريقنا‭ ‬إلى‭ ‬المزرعة‭ ‬الصينية،‭ ‬وفى‭ ‬فجر‭ ‬يوم‭ ‬17‭ ‬أكتوبر‭ ‬وصلنا‭ ‬بالعتاد‭ ‬الطبى‭ ‬إلى‭ ‬المستشفى‭ ‬الميدانى‭ ‬الموجودة‭ ‬فى‭ ‬منطقة‭ ‬‮«‬عكافيش‭ ‬52‮»‬‭ ‬على‭ ‬الخريطة‭ ‬الشفرية‭ ‬‮«‬سيروس‮»‬،‭ ‬والتى‭ ‬تعرضت‭ ‬لقصف‭ ‬بالمدفعية‭ ‬وصواريخ‭ ‬الكاتيوشا‭ ‬المصرية،‭ ‬كتبت‭ ‬فى‭ ‬يومياتى‭: ‬الحرب‭ ‬هنا‭ ‬الآن‭. ‬نحن‭ ‬على‭ ‬مسافة‭ ‬كيلومترين‭ ‬من‭ ‬خطوط‭ ‬المصريين،‭ ‬يأتى‭ ‬إلى‭ ‬هنا‭ ‬دون‭ ‬توقف‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬القتلى‭ ‬وعشرات‭ ‬الجرحى،‭ ‬حيث‭ ‬تخليهم‭ ‬طائرات‭ ‬مروحية‭ ‬كبيرة،‭

‬وعربات‭ ‬إسعاف‭ ‬عسكرية،‭ ‬ومركبات‭ ‬مدنية‭ ‬أعدت‭ ‬لهذا‭ ‬الغرض‭. ‬كان‭ ‬الأطباء‭ ‬والممرضون‭ ‬مشغولين‭ ‬فى‭ ‬عملية‭ ‬الإنقاذ،‭ ‬ضجة‭ ‬كبيرة‭ ‬تحدثها‭ ‬الدبابات‭ ‬والمدرعات‭ ‬وسيارات‭ ‬الجيب‭ ‬المتجهة‭ ‬إلى‭ ‬الغرب‭. ‬قابلت‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬الجرحى‭ ‬الدكتور‭ ‬موشيه‭ ‬برناط‭ ‬الذى‭ ‬نقل‭ ‬لى‭ ‬تفاصيل‭ ‬أولية‭ ‬عن‭ ‬المعركة‭.‬

‭ ‬ويكمل‭ ‬كلامه‭: ‬بعد‭ ‬يومين‭ ‬من‭ ‬وقف‭ ‬إطلاق‭ ‬النار‭ ‬تحدثت‭ ‬لأول‭ ‬مرة‭ ‬مع‭ ‬حازاى‭ ‬دحبيش‭ ‬فى‭ ‬نقطة‭ ‬حصينة‭ ‬تقع‭ ‬فى‭ ‬أقصى‭ ‬شمال‭ ‬فرقة‭ ‬شارون‭ ‬بالقرب‭ ‬من‭ ‬الإسماعيلية،‭ ‬لم‭ ‬أستخدم‭ ‬معظم‭ ‬المواد‭ ‬التى‭ ‬جمعتها‭ ‬حتى‭ ‬اليوم‭ ‬لأسباب‭ ‬سأوضحها‭ ‬لاحقا،‭ ‬وهذه‭ ‬أول‭ ‬مرة‭ ‬استخدمها‭. ‬اتضح‭ ‬لى‭ ‬أن‭ ‬دحبيش‭ ‬قرأ‭ ‬كتابى‭ ‬‮«‬حروب‭ ‬المظليين‮»‬‭ ‬الذى‭ ‬صدر‭ ‬بعد‭ ‬حرب‭ ‬يونيو‭ ‬1967،‭ ‬وبتأثير‭ ‬هذا‭ ‬الكتاب‭ ‬تطوع‭ ‬دحبيش‭ ‬فى‭ ‬سلاح‭ ‬المظليين‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬آخرين‭. ‬كان‭ ‬سعيدا‭ ‬بمقابلتى،‭ ‬وأوضح‭ ‬لى،‭ ‬بانفتاح‭ ‬غير‭ ‬معهود‭ ‬لدى‭ ‬الضباط‭ ‬المظليين‭ ‬مآخذه‭ ‬على‭ ‬المعركة‭. ‬كان‭ ‬يعتقد‭ ‬أن‭ ‬مردخاى‭ ‬أخطأ‭ ‬عندما‭ ‬تقدم‭ ‬مع‭ ‬الكتيبة‭ ‬890‭ ‬فى‭ ‬انتشار‭ ‬أفقى،‭ ‬وكان‭ ‬عليه‭ ‬أن‭ ‬يبعث‭ ‬فى‭ ‬المقدمة‭ ‬فصيلة‭ ‬دحبيش‭ ‬التى‭ ‬ستصطدم‭ ‬أولا‭ ‬بالمصريين،‭ ‬وهذا‭ ‬الصدام‭ ‬كان‭ ‬سيمكن‭ ‬الكتيبة‭ ‬من‭ ‬التنظيم‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬أفضل‭ ‬بكثير،‭ ‬ويقلل‭ ‬من‭ ‬خسائرها‭. ‬وصف‭ ‬لى‭ ‬دحبيش‭ ‬المعركة‭ ‬التى‭ ‬خاضتها‭ ‬الفصيلة‭ ‬لمدة‭ ‬18‭ ‬ساعة،‭ ‬وتسمع‭ ‬فى‭ ‬ثنايا‭ ‬وصفه‭ ‬انتقادا‭ ‬لمردخاى‭ ‬قائد‭ ‬الكتيبة،‭ ‬انتهزت‭ ‬الفرصة‭ ‬فى‭ ‬جمع‭ ‬شهادات‭ ‬من‭ ‬دحبيش‭ ‬ومن‭ ‬جنوده‭ ‬الذين‭ ‬حاربوا‭ ‬18‭ ‬ساعة‭ ‬متواصلة‭ ‬فى‭ ‬المزرعة‭ ‬الصينية‭.‬

وبعد‭ ‬شهر‭ ‬من‭ ‬انتهاء‭ ‬الحرب‭ ‬بدأت‭ ‬أنشر‭ ‬فى‭ ‬العدد‭ ‬الأسبوعى‭ ‬لصحيفة‭ ‬‮«‬دافار‮»‬،‭ ‬بناء‭ ‬على‭ ‬طلب‭ ‬رئيس‭ ‬التحرير‭ ‬إيهود‭ ‬زمورا،‭ ‬سلسلة‭ ‬من‭ ‬خمسة‭ ‬تقارير‭ ‬تحت‭ ‬عنوان‭ ‬‮«‬قوائم‭ ‬من‭ ‬ساحة‭ ‬المعركة‮»‬،‭ ‬كان‭ ‬عنوان‭ ‬التقرير‭ ‬الأخير‭: ‬‮«‬من‭ ‬المزرعة‭ ‬الصينية‭ ‬إلى‭ ‬عبور‭ ‬القناة‮»‬‭ ‬وعرضت‭ ‬فيه‭ ‬مسار‭ ‬الأحداث‭ ‬فى‭ ‬معركة‭ ‬المزرعة‭ ‬الصينية،‭ ‬وانتقدت‭ ‬عيوبها‭ ‬على‭ ‬جميع‭ ‬المستويات‭ ‬والتى‭ ‬أدت‭ ‬إلى‭ ‬مقتل‭ ‬38‭ ‬مقاتلا‭ ‬من‭ ‬الكتيبة‭ ‬890،‭ ‬وإصابة‭ ‬ما‭ ‬يزيد‭ ‬على‭ ‬مائة‭ ‬مقاتل‭ ‬يضاف‭ ‬إليهم‭ ‬القتلى‭ ‬والجرحى‭ ‬من‭ ‬كتيبة‭ ‬إيهود‭ ‬باراك،‭ ‬ومن‭ ‬وحدات‭ ‬أخرى‭ ‬حاربت‭ ‬على‭ ‬تلك‭ ‬الجبهة‭ ‬فى‭ ‬ذلك‭ ‬اليوم‭. ‬وبعد‭ ‬نشر‭ ‬سلسلة‭ ‬التقارير‭ ‬وخاصة‭ ‬قصة‭ ‬معركة‭ ‬المزرعة‭ ‬الصينية‭ ‬قاطعنى‭ ‬لواء‭ ‬المظليين،‭ ‬ولم‭ ‬استدع‭ ‬للاحتياط،‭ ‬ولم‭ ‬توجه‭ ‬إلىَّ‭ ‬الدعوة‭ ‬باعتبارى‭ ‬مؤرخا‭ ‬للواء‭ ‬المظليين‭ ‬إلى‭ ‬العمليات‭ ‬والأبحاث‭ ‬التى‭ ‬يعقدها‭ ‬اللواء‭ ‬مثلما‭ ‬كان‭ ‬الأمر‭ ‬طوال‭ ‬14‭ ‬عاما‭ ‬وحتى‭ ‬ذلك‭ ‬الوقت‭.‬

توجهت‭ ‬إلى‭ ‬القائد‭ ‬الجديد‭ ‬للواء‭ ‬آريه‭ ‬تسيدون‭ ‬‮«‬تسيمل‮»‬،‭ ‬وطلبت‭ ‬منه‭ ‬توضحيا،‭ ‬قال‭ ‬لى‭ ‬إن‭ ‬نائب‭ ‬قائد‭ ‬اللواء‭ ‬الجديد‭ ‬إيتسيك‭ ‬مردخاى‭ ‬قرر‭ ‬إبعادى‭ ‬عن‭ ‬المظليين‭ ‬بسبب‭ ‬ما‭ ‬كتبته،‭ ‬سألنى‭ ‬تسيمل‭ ‬بابتسامة‭ ‬تغلف‭ ‬اعتذاره‭: ‬هل‭ ‬تعرف‭ ‬إيتسيك؟‭ ‬عندما‭ ‬يغضب‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬معارضته،‭ ‬قلت‭ ‬له‭ ‬ولكنك‭ ‬قائد‭ ‬اللواء،‭ ‬والمظليون‭ ‬ليسوا‭ ‬ملكا‭ ‬شخصيا‭ ‬لإيتسيك‭ ‬مردخاى،‭ ‬فعاجلنى‭ ‬بالقول‭: ‬أورى‭! ‬لن‭ ‬أدخل‭ ‬فى‭ ‬صدام‭ ‬مع‭ ‬إيتسيك‭ ‬فى‭ ‬هذه‭ ‬المسألة،‭ ‬انتهى‭ ‬النقاش،‭ ‬وتركت‭ ‬سلاح‭ ‬المظليين‭ ‬بعد‭ ‬14‭ ‬عاما‭ ‬من‭ ‬الخدمة‭.‬

لقد‭ ‬بدأ‭ ‬عصر‭ ‬إيتسيك‭ ‬مردخاى‭ ‬فى‭ ‬المؤسسة‭ ‬الأمنية‭ ‬الإسرائيلية،‭ ‬توجه‭ ‬إلى‭ ‬أفنير‭ ‬شاليف‭ ‬الذى‭ ‬كان‭ ‬ضابطا‭ ‬كبيرا‭ ‬فى‭ ‬سلاح‭ ‬التعليم‭ ‬فى‭ ‬الجيش،‭ ‬وطلب‭ ‬منى‭ ‬أن‭ ‬أبتعد‭ ‬عن‭ ‬هؤلاء‭ ‬الهمج،‭ ‬وأن‭ ‬أؤدى‭ ‬خدمة‭ ‬الاحتياط‭ ‬فى‭ ‬سلاح‭ ‬التعليم‭ ‬فى‭ ‬الجيش،‭ ‬استجبت‭ ‬لطلبه،‭ ‬وبعد‭ ‬بضع‭ ‬سنوات‭ ‬اكتشفت‭ ‬أن‭ ‬هؤلاء‭ ‬الهمج‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬هيئة‭ ‬التعليم‭ ‬فى‭ ‬الجيش،‭ ‬حيث‭ ‬تم‭ ‬تجاهلى‭ ‬هناك‭ ‬أيضا،‭ ‬لكن‭ ‬تلك‭ ‬قصة‭ ‬أخرى”‭.‬

وذكر‭ ‬أحد‭ ‬المشاركين‭ ‬من‭ ‬الجانب‭ ‬الإسرائيلي‭: ‬“لم‭ ‬تكن‭ ‬معركة‭ ‬المزرعة‭ ‬الصينية‭ ‬التى‭ ‬خاضتها‭ ‬الكتيبة‭ ‬890‭ ‬أشهر‭ ‬معركة‭ ‬فى‭ ‬حرب‭ ‬يوم‭ ‬الغفران‭ ‬وربما‭ ‬فى‭ ‬حروب‭ ‬إسرائيل‭ ‬عموما‭ ‬فحسب،‭ ‬بل‭ ‬هى‭ ‬المعركة‭ ‬التى‭ ‬تعتبر‭ ‬رمزا‭ ‬لحرب‭ ‬الغفران‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬أى‭ ‬معركة‭ ‬أخرى‭ ‬فى‭ ‬تلك‭ ‬الحرب،‭ ‬ورمزا‭ ‬إلى‭ ‬مسار‭ ‬انهيار‭ ‬الجيش‭ ‬الإسرائيلى‭ ‬حتى‭ ‬اليوم‭: ‬الفشل‭ ‬الاستخبارتى،‭ ‬والفشل‭ ‬العملياتى،‭ ‬والقصور‭ ‬النظرى،‭ ‬والتقصير‭ ‬فى‭ ‬بناء‭ ‬القوة،‭ ‬وإخفاء‭ ‬العيوب،‭ ‬وعدم‭ ‬استخراج‭ ‬العبر‭. ‬كانت‭ ‬أسطورة‭ ‬المزرعة‭ ‬الصينية‭ ‬هى‭ ‬الطريق‭ ‬الذى‭ ‬جرت‭ ‬عليه‭ ‬المسيرة‭ ‬المهنية‭ ‬لأمنون‭ ‬ليبكين‭ ‬شاحاك،‭ ‬وإسحاق‭ ‬مردخاى،‭ ‬لقد‭ ‬ساعدهم‭ ‬عدم‭ ‬الكشف‭ ‬عن‭ ‬أوجه‭ ‬القصور‭ ‬فى‭ ‬المعركة‭ ‬كثيرا‭ ‬مثلما‭ ‬ساعد‭ ‬ذلك‭ ‬أيضا‭ ‬إيهود‭ ‬باراك‭.‬

أرسل‭ ‬المظليون‭ ‬إلى‭ ‬المزرعة‭ ‬الصينية‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬فتح‭ ‬محور‭ ‬طرطور‭ ‬لنقل‭ ‬الجسر‭ ‬المتحرك‭ ‬الذى‭ ‬أعد‭ ‬لعبور‭ ‬قناة‭ ‬السويس،‭ ‬ذلك‭ ‬الجسر‭ ‬السرى‭ ‬الذى‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬المفترض‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬ورقة‭ ‬الجيش‭ ‬الإسرائيلى‭ ‬الرابحة‭ ‬فى‭ ‬حرب‭ ‬يوم‭ ‬الغفران‭. ‬وخلافا‭ ‬للخطط‭ ‬المعدة‭ ‬مسبقا‭ ‬لم‭ ‬تخزن‭ ‬مكونات‭ ‬الجسر‭ ‬على‭ ‬بعد‭ ‬3‭ ‬كيلومترات‭ ‬من‭ ‬القناة،‭ ‬ولكن‭ ‬على‭ ‬بعد‭ ‬17‭ ‬كيلومترا،‭ ‬أما‭ ‬سرية‭ ‬إيلى‭ ‬جيفع‭ ‬التى‭ ‬تدربت‭ ‬طوال‭ ‬عام‭ ‬كامل‭ ‬على‭ ‬سحب‭ ‬الجسر‭ ‬فكانت‭ ‬تحارب‭ ‬فى‭ ‬ذلك‭ ‬الوقت‭ ‬فى‭ ‬هضبة‭ ‬الجولان،‭ ‬ولم‭ ‬يجهز‭ ‬أى‭ ‬محور‭ ‬موثوق‭ ‬لسحب‭ ‬الجسر‭ ‬الذى‭ ‬يبلغ‭ ‬وزنه‭ ‬700‭ ‬طن‭. ‬عندما‭ ‬خرج‭  ‬شارون‭ ‬وفرقته‭ ‬لعبور‭ ‬القناة،‭ ‬فإن‭ ‬عملية‭ ‬نقل‭ ‬الجسر‭ ‬نفذها‭ ‬جنود‭ ‬الاحتياط‭ ‬ما‭ ‬أدى‭ ‬لقطع‭ ‬الجسر‭ ‬عدة‭ ‬مرات‭ ‬بسبب‭ ‬افتقارهم‭ ‬للتدريب‭.‬

فى‭ ‬المرحلة‭ ‬الأخيرة‭ ‬سحبوا‭ ‬الجسر‭ ‬على‭ ‬محور‭ ‬طرطور‭ ‬الذى‭ ‬يمر‭ ‬بالمزرعة‭ ‬الصينية،‭ ‬وعندما‭ ‬أصبحوا‭ ‬قبالة‭ ‬القوات‭ ‬المصرية‭ ‬تركوا‭ ‬الجسر‭ ‬وانسحبوا،‭ ‬وفى‭ ‬ليلة‭ ‬عبور‭ ‬القناة‭ ‬أرسل‭ ‬شارون‭ ‬قوات‭ ‬لفتح‭ ‬محور‭ ‬طرطور،‭ ‬وفى‭ ‬هذه‭ ‬العملية‭ ‬قتل‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬محاربى‭ ‬كتيبة‭ ‬الاستطلاع‭ ‬التابعة‭ ‬للواء‭ ‬المظليين‭ ‬بقيادة‭ ‬ناتان‭ ‬شونارى‭.‬

وفى‭ ‬اليوم‭ ‬التالى‭ ‬للعبور‭ ‬تواجدت‭ ‬غرب‭ ‬قناة‭ ‬السويس‭ ‬قوات‭ ‬صغيرة‭ ‬من‭ ‬المظليين‭ ‬والمدرعات،‭ ‬طلب‭ ‬شارون‭ ‬نقل‭ ‬قوات‭ ‬كبيرة‭ ‬على‭ ‬ظهر‭ ‬القوارب‭ ‬الموضوعة‭ ‬فى‭ ‬القناة،‭ ‬واستغلال‭ ‬المفاجأة‭ ‬والهجوم‭ ‬على‭ ‬القوات‭ ‬المصرية‭ ‬بكل‭ ‬قواته‭. ‬لكن‭ ‬قائد‭ ‬الجبهة‭ ‬حاييم‭ ‬بارليف‭ ‬أمره‭ ‬بعدم‭ ‬التقدم،‭ ‬بل‭ ‬إنه‭ ‬فكر‭ ‬فى‭ ‬إعادة‭ ‬شارون‭ ‬إلى‭ ‬الضفة‭ ‬الشرقية‭ ‬للقناة؛‭ ‬لأنه‭ ‬لا‭ ‬يوجد‭ ‬شريان‭ ‬لوجيستى‭ ‬للضفة‭ ‬الغربية،‭ ‬وهذا‭ ‬هو‭ ‬الموضوع‭ ‬الرئيس‭ ‬الذى‭ ‬دارت‭ ‬حوله‭ ‬‮«‬حرب‭ ‬الجنرالات‮»‬‭ ‬بين‭ ‬شاورن‭ ‬وحاييم‭ ‬برليف،‭ ‬وبين‭ ‬دافيد‭ ‬إليعازر‭ ‬وأفراهام‭ ‬أدان‭ ‬بعد‭ ‬الحرب‭. ‬كان‭ ‬لهذه‭ ‬الحرب‭ ‬أيضا‭ ‬آثار‭ ‬سياسية،‭ ‬وزادت‭ ‬من‭ ‬العداء‭ ‬تجاه‭ ‬شارون‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬أولئك‭ ‬الذين‭ ‬لم‭ ‬يعرفوا‭ ‬الحقائق،‭ ‬ولم‭ ‬يفهموا‭ ‬ما‭ ‬عرفوه‭.‬

من‭ ‬أجل‭ ‬فتح‭ ‬طريق‭ ‬لمرور‭ ‬الجسر‭ ‬وإنقاذ‭ ‬الخطة‭ ‬الأصلية‭ ‬لعبور‭ ‬القناة‭ ‬والمعروفة‭ ‬باسم‭ ‬‮«‬أبيرى‭ ‬ليف‮»‬‭ ‬تقرر‭ ‬القيام‭ ‬بعملية‭ ‬إبرار‭ ‬للواء‭ ‬المظليين‭ ‬35‭ ‬إلى‭ ‬المنطقة‭. ‬وكان‭ ‬اللواء‭ ‬مكونا‭ ‬من‭ ‬القيادة‭ ‬ومن‭ ‬الكتيبة‭ ‬890،‭ ‬وقبل‭ ‬ظهيرة‭ ‬16‭ ‬أكتوبر‭ ‬نقل‭ ‬المظليون‭ ‬بطائرات‭ ‬ومروحيات‭ ‬إلى‭ ‬جبهة‭ ‬القناة‭. ‬تلقى‭ ‬القادة‭ ‬التعليمات‭ ‬من‭ ‬قائد‭ ‬الفرقة‭ ‬162‭ ‬الجنرال‭ ‬أفراهام‭ ‬أدان‭ ‬ونائبه‭ ‬العميد‭ ‬دوف‭ ‬تامارى‭ ‬وأعضاء‭ ‬الأركان‭ ‬فى‭ ‬القيادة،‭ ‬وأبلغ‭ ‬القادة‭ ‬أن‭ ‬على‭ ‬المظليين‭ ‬التقدم‭ ‬على‭ ‬طول‭ ‬محور‭ ‬طرطور،‭ ‬وتصفية‭ ‬خلايا‭ ‬صيادى‭ ‬الدبابات‭ ‬المصريين،‭ ‬وإخلاء‭ ‬الطريق‭ ‬لجسر‭ ‬العبور‭.‬

لكن‭ ‬صيادى‭ ‬الدبابات‭ ‬كانوا‭ ‬من‭ ‬الفرقة‭ ‬16‭ ‬المصرية‭ ‬التى‭ ‬ألحقت‭ ‬خسائر‭ ‬فادحة‭ ‬بقوات‭ ‬شارون‭ ‬فى‭ ‬نفس‭ ‬المكان،‭ ‬وبحسب‭ ‬رواية‭ ‬جيل‭ ‬دافيد‭ ‬ضابط‭ ‬العمليات‭ ‬فى‭ ‬اللواء‭ ‬35،‭ ‬فقد‭ ‬التقى‭ ‬فى‭ ‬ذلك‭ ‬اليوم‭ ‬مع‭ ‬صديقه‭ ‬فى‭ ‬الكيبوتس‭ ‬ناتان‭ ‬شونارى‭ ‬الذى‭ ‬أخبره‭ ‬أن‭ ‬كثيرا‭ ‬من‭ ‬جنوده‭ ‬قتلوا‭ ‬فى‭ ‬الليلة‭ ‬الماضية،‭ ‬وأن‭ ‬آخرين‭ ‬تعذر‭ ‬إخلاؤهم‭ ‬من‭ ‬ساحة‭ ‬المعركة‭ ‬وأنهم‭ ‬تركوا‭ ‬على‭ ‬قيد‭ ‬الحياة‭. ‬ويروى‭ ‬جيل‭ ‬دافيد‭ ‬أنه‭ ‬أخبر‭ ‬أفراهام‭ ‬أدان‭ ‬بذلك‭ ‬خلال‭ ‬نقاش‭ ‬تفاصيل‭ ‬العملية،‭ ‬لكن‭ ‬تامارى‭ ‬طلب‭ ‬منه‭ ‬مغادرة‭ ‬المكان‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬يزعجهم‭.‬

خلال‭ ‬العرض‭ ‬الخاص‭ ‬لفيلم‭ ‬المزرعة‭ ‬الصينية‭ ‬‮«‬رشومون‮»‬‭ ‬كشف‭ ‬لى‭ ‬جيل‭ ‬دافيد‭ ‬وثائق‭ ‬سرية‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬الفترة‭ ‬تؤكد‭ ‬صحة‭ ‬كلامه،‭ ‬لكن‭ ‬ضابط‭ ‬الاستخبارات‭ ‬فى‭ ‬لواء‭ ‬المظليين‭ ‬أنكر‭ ‬خلال‭ ‬محادثة‭ ‬هاتفية‭ ‬معى‭ ‬رواية‭ ‬جيل‭ ‬دافيد،‭ ‬لكنه‭ ‬أقر‭ ‬أنه‭ ‬رأى‭ ‬بعد‭ ‬الحرب‭ ‬صورا‭ ‬جوية‭ ‬التقطت‭ ‬قبل‭ ‬يوم‭ ‬من‭ ‬المعركة‭ ‬تشير‭ ‬إلى‭ ‬وجود‭ ‬قوات‭ ‬مصرية‭ ‬كبيرة‭ ‬فى‭ ‬الجبهة،‭ ‬وقال‭ ‬تسوريف‭: ‬كانت‭ ‬هناك‭ ‬معلومات‭ ‬استخباراتية‭ ‬لكنها‭ ‬لم‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬القوات،‭ ‬ومهما‭ ‬يكن‭ ‬الأمر‭ ‬فقد‭ ‬أرسل‭ ‬المظليون‭ ‬لتصفية‭ ‬بعض‭ ‬خلايا‭ ‬صيادى‭ ‬الدبابات‭ ‬المصريين‭ ‬فى‭ ‬المكان‭ ‬الذى‭ ‬كان‭ ‬موقعا‭ ‬محصنا‭ ‬للعدو‭.‬

خرج‭ ‬المظليون‭ ‬إلى‭ ‬المزرعة‭ ‬الصينية‭ ‬دون‭ ‬استعداد‭ ‬قتالى،‭ ‬وانتشار‭ ‬للقوات‭ ‬على‭ ‬طريقة‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬طفل‭ ‬مفقود،‭ ‬ودون‭ ‬ضابط‭ ‬توجيه‭ ‬مدفعية،‭ ‬مؤمنين‭ ‬بأن‭ ‬شيئا‭ ‬لن‭ ‬يعوقهم‭ ‬حتى‭ ‬يصلوا‭ ‬فى‭ ‬نزهتهم‭ ‬إلى‭ ‬قناة‭ ‬السويس،‭ ‬وفى‭ ‬الطريق‭ ‬فتح‭ ‬جندى‭ ‬المذياع‭ ‬ليستمع‭ ‬إلى‭ ‬الموسيقى‭ (‬مثلما‭ ‬اعتاد‭ ‬أن‭ ‬يفعل‭ ‬ذلك‭ ‬أعضاء‭ ‬البلماح‭ ‬عندما‭ ‬كانوا‭ ‬فى‭ ‬طريقهم‭ ‬من‭ ‬القدس‭ ‬إلى‭ ‬هار‭ ‬طوف‭ ‬لتحرير‭ ‬الطريق‭ ‬35‭ ) ‬وما‭ ‬إن‭ ‬أصبح‭ ‬المظليون‭ ‬فى‭ ‬مواجهة‭ ‬المصريين‭ ‬تعرضوا‭ ‬لإطلاق‭ ‬نارى‭ ‬عنيف،‭ ‬وأصيب‭ ‬كثير‭ ‬منهم،‭ ‬عندها‭ ‬توقفت‭ ‬القيادة‭ ‬عن‭ ‬أداء‭ ‬مهامها،‭ ‬وحاربت‭ ‬الوحدات‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬البقاء‭ ‬أحياء‭.‬

ومن‭ ‬ناحية‭ ‬أخرى‭ ‬رفضت‭ ‬قيادة‭ ‬الجبهة‭ ‬السماح‭ ‬للمظليين‭ ‬بالانسحاب،‭ ‬وكان‭ ‬سبب‭ ‬الرفض‭ ‬أنه‭ ‬خلال‭ ‬المعركة‭ ‬تم‭ ‬الدفع‭ ‬على‭ ‬محور‭ ‬عكافيش‭ ‬المفتوح‭ ‬بقافلة‭ ‬تحمل‭ ‬جسر‭ ‬الطوافة‭ ‬بقيادة‭ ‬دوف‭ ‬تامارى‭ ‬إلى‭ ‬قناة‭ ‬السويس‭. ‬ومع‭ ‬ذلك‭ ‬لم‭ ‬يرسل‭ ‬المظليون‭ ‬فى‭ ‬مهمة‭ ‬ليكونوا‭ ‬بمثابة‭ ‬عازل‭ ‬بشرى‭ ‬بين‭ ‬المصريين‭ ‬والقافلة‭ ‬الناقلة‭ ‬للجسر،‭ ‬وفى‭ ‬الواقع‭ ‬قرر‭ ‬برليف‭ ‬استغلالهم‭ ‬وقودا‭ ‬للمدافع‭.‬

ومع‭ ‬بزوغ‭ ‬الفجر،‭ ‬وبينما‭ ‬كان‭ ‬المظليون‭ ‬يبادون،‭ ‬أرسلت‭ ‬كتيبة‭ ‬مدرعة‭ ‬بقيادة‭ ‬إيهود‭ ‬باراك‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬إخلاء‭ ‬محور‭ ‬طرطور‭. ‬أصيبت‭ ‬بضع‭ ‬دبابات‭ ‬بصواريخ‭ ‬مصرية،‭ ‬وقرر‭ ‬باراك‭ ‬التراجع‭ ‬إلى‭ ‬الخلف،‭ ‬لكن‭ ‬مدرعات‭ ‬الكتيبة‭ ‬أنقذت‭ ‬طوال‭ ‬اليوم‭ ‬جرحى‭ ‬المظلات،‭ ‬وكثيرا‭ ‬من‭ ‬الجنود‭ ‬الذين‭ ‬لم‭ ‬يصابوا‭. ‬وكانت‭ ‬هذه‭ ‬عملية‭ ‬الإخلاء‭ ‬الوحيدة‭ ‬التى‭ ‬تمت‭ ‬بعيدا‭ ‬عن‭ ‬فصيلة‭ ‬درور‭ ‬دحبيش‭.‬

وبعد‭ ‬المعركة‭ ‬نسيت‭ ‬المهمة‭ ‬الأصلية‭ ‬التى‭ ‬أرسل‭ ‬المظليون‭ ‬من‭ ‬أجلها،‭ ‬وفى‭ ‬19‭ ‬أكتوبر‭ ‬وصل‭ ‬الجسر‭ ‬المتحرك‭ ‬إلى‭ ‬قناة‭ ‬السويس،‭ ‬كتبت‭ ‬فى‭ ‬يومياتى‭ ‬آنذاك‭: ‬“نجح‭ ‬المصريون‭ ‬فى‭ ‬إقامة‭ ‬جسور‭ ‬خلال‭ ‬45‭ ‬دقيقة،‭ ‬بينما‭ ‬لم‭ ‬ننجح‭ ‬نحن‭ ‬فى‭ ‬عمل‭ ‬ذلك‭ ‬خلال‭ ‬يومين‭. ‬حقا‭ ‬لقد‭ ‬تغيرت‭ ‬نسبة‭ ‬الكفاءة‭ ‬بيننا‭ ‬وبين‭ ‬أعدائنا”‭.‬

ختامًا‭ ‬يجمُلُ‭ ‬قوله،‭ ‬إن‭ ‬المشير‭ ‬طنطاوي‭ ‬رجل‭ ‬أدَّى‭ ‬الأمانة‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭ ‬بشكل‭ ‬يفوق‭ ‬الوصف،‭ ‬وأن‭ ‬يشهد‭ ‬له‭ ‬أعداؤه‭ ‬بهذه‭ ‬الكلمات‭ ‬العطرات‭ ‬لهو‭ ‬أكبر‭ ‬فضل،‭ ‬وذلك‭ ‬فضل‭ ‬الله‭ ‬يؤتيه‭ ‬من‭ ‬يشاء‭.‬