مرت على مصر الكثير من المحن والأزمات, ودائما كان لها رجالها الذين يتحملون المسئولية, ويصونون العهد والوعد بالحفاظ على مصر وأهلها, الوطن والسكن, فمصر دائماً ولّادة برجالها السمر الشداد, رجال يعرفون قدرها وقدر أهلها أصحاب الحضارة التي لاتزال تبهر العالم منذ سبعة آلاف سنة وحتى يومنا هذا, مصر التي لا يمكن أن تحيد عن مسارها الذي خُلقت له, أن تظل حرة.. شامخة.. أبية لا تنكسر أبدآ بإذن الله.
من هؤلاء الرجال الشداد كان الأب والقائد المشير محمد حسين طنطاوي – رحمه الله – ذلك الرجل العظيم الذي تحمّل المسئولية في وقت كان فيه الحمل ثقيلاً، وكادت مصر أن تكون في مهب الريح، لكن القائد العظيم كان الوتد الذي ثبّت أركان الدولة، والقبطان الماهر الذي استطاع أن يقود سفينة الوطن لبر الأمان، محافظا على تماسك المؤسسة العسكرية المصرية العريقة، مدركاً أنه بسقوط المؤسسة العسكرية تسقط مصر، ولأنه مقاتل لا يشق له غبار وأحد أبناء المؤسسة العسكرية المصرية وأحد أبطالها، خاض أربع حروب دخلتها مصر ضد إسرائيل، حيث كان أحد أبطال حرب 56، وشارك فى حرب النكسة سنة 1967، وبعدها فى حرب الاستنزاف، التي قال عنها إنها إحدى الفترات الزاهرة فى تاريخ القوات المسلحة المصرية، حيث كان الجيش يقاتل ويستعد ويعيد بناء القوات فى الوقت نفسه، حتى يخوض حرب الشرف والكرامة، فكان أحد أهم أبطال حرب أكتوبر 1973 المجيدة، إذ كان قائداً للكتيبة 16 مشاة، التى حققت بطولات كبيرة خلال ملحمة عبور قناة السويس وتحرير سيناء، لذا فهو مقاتل لا يعرف اليأس لقلبه طريقاً، بل كان قلبه مؤمناً بأن النصر حليفه، لإيمانه الشديد بقوة مصر وعزيمة أبنائها لذا عند وفاته عم الحزن على البلاد وشعر المصريون بفقدهم لعزيز غالٍ.
إنه المشير محمد حسين طنطاوي الذي تولى المسئولية الجسيمة عقب ثورة الخامس والعشرين من يناير في 11 فبراير، وهو يعلم ما يحيق بالوطن من مؤامرات وما يحاك له في الظلام لإسقاط القوات المسلحة عماد الوطن، لكنه جابه كل ذلك متسلحاً بإيمانه القوي بالله وبعشقه لوطنه وبعزيمة أبنائه من القوات المسلحة، عالماً بمقتضيات المرحلة ومتطلبات الحفاظ على الأمن القومي المصري، وسط أمواج سوداء تحاول أن تطول بر مصر، لكنه وقف بالمرصاد لكل محاولات زعزعة الاستقرار، وكان -رحمه الله- وكما ذكر الرئيس عبدالفتاح السيسي في شهادته بحق المشير يوم وفاته أنه كان دائم القول " أعلم أنني أمسك بجمرة في يدي لكنني أعلم أيضاً أنه لو سقطت تلك الجمرة من يدي سوف تحرق مصر كلها"، فقد آثر على نفسه وتحمل المسئولية، لهذا كان -رحمه الله - سبباً حقيقياً في حماية مصر من السقوط في مرحلة كانت من أهم وأخطر المراحل التي مرت بها مصر في العصر الحديث، حقاً لقد كان ذلك الرجل العظيم السند الحقيقي لمصر من السقوط في تلك المرحلة.
لقد استطاع القائد أن يصون الوطن ويحافظ على أرواح المصريين، وأستشهد هنا بكلام الرئيس السيسي وقسمه بالله أن الأب والقائد محمد حسين طنطاوي بريء من أي دم حدث في أحداث محمد محمود، واستاد بورسعيد، وماسبيرو، والمجمع، بل وأي تآمر لإسقاط الدولة، بل كان مهتماً بوحدة المصريين وعدم الانجراف للمخطط التآمرى ضد مصر وشعبها، فكان رحمه الله محباً للمصريين، بل عاشقاً لكل ما هو مصري، فلو طال أن يضع مصر في عينيه ويحرسها بأجفانه لفعل ذلك، بل لقد فعل ذلك حقا، دون أن يكون طامحاً لمنصب، فهو المتواضع لوطنه، وهو القائد الذي تعلمت منه أجيال الالتزام والجدية وحب الوطن، والأب الذي علمنا تحمّل المسئولية مع الحنو على الأقربين، ومن أقرب للجيش سوى المصريين ليحافظ عليهم ويصونهم ليحيوا حياة كريمة في وطن كريم وتذكروا معى أيام الفوضى وكيف كان رغيف الخبز متوفر وكان يتم تأمين المواد الغذائية في كل ربوع مصر حتى لا تحدث كارثة إنسانية أو مجاعة في أى منطقة.
كان الرئيس حزينآ يوم وفاة المشير محمد حسين طنطاوى الأب والمعلم كما وصفه الرئيس عبد الفتاح السيسي،"هذا الرجل والله بريء من أي دم حدث خلال الفترة وأنا كنت مسؤولاً...المشير طنطاوي كان له كلمة بأن إدارة مصر كأنها جمرة من النار في يده تحرقها لكنه لا يستطيع أن يتركها حتى لا تسقط وتحرق الكل"، مضيفاً "الرجل بريء من كل ما قيل من مسؤوليته في كل الدماء التي سقطت سواء في محمد محمود أو استاد بورسعيد أو ماسبيرو هو وكل المسؤولين في هذا الوقت".
ملامح الرئيس هذه المرة كانت حزينة وخلا وجه من الابتسامة ككل المصريين فالحزن يسيطر على الجميع.
وكأن المشير في يوم وفاته يوصينا بسيناء، فيوم وفاته توافق مع افتتاح عدد من المشروعات القومية لتنمية شبه جزيرة سيناء، وهنا جاء الرئيس وكأنه كان يقصد عدم تأجيل هذه الافتتاحات ليدلي بشهادته في حق المشيرأمام الله وشعب مصر حيث أدلى الرئيس بشهادة للتاريخ في حق المشير محمد حسين طنطاوي، ببراءته من أي دماء، مضيفا أنه كان أحد المسؤولين وقت تولي المجلس العسكري إدارة البلاد بعد يناير، وشاهدا على هذه الفترة، وأن الراحل طنطاوي، تولى فيها مسئولية هائلة من 2011 حتى تسليم السلطة عقب الانتخابات، وهي فترة قاسية قاد خلالها البلاد بحكمة واقتدار وإخلاص منقطع النظير، وحمى مصر من الانهيار، ومر بها بأقل نسبة من الأضرار، حيث كان له كلمة يرددها دائما، بأن إدارة مصر كأنها جمرة من النار في يده تحرقها، لكنه لا يستطيع أن يتركها حتى لا تسقط وتحرق الجميع.
وشدد الرئيس على شهادته للتاريخ بقوله: "الرجل بريء من أي دم أسيل في أحداث محمد محمود، ماسبيرو، المجمع، ستاد بورسعيد، وكل ما تم من تآمر لإسقاط الدولة، وكل من كان مسئولا وقتها أبرياء، وأن التاريخ لن ينسى له أنه كان شريفا ومخلصا وأمينا".
شهادة الرئيس عبد الفتاح السيسى أعادت لذاكرة المصريين المرحلة الصعبة والدقيقة التي عاشها الوطن عقب ثورة يناير، حيث كانت الفوضى والشغب هما لسان حال كل القطاعات داخل الدولة بهدف النيل من مصر نظرا لمكانتها داخل الوطن العربي.
فى هذا الوقت تحمل الراحل المشير محمد حسين طنطاوي كامل المسؤولية لحماية الوطن من المؤامرات التي كانت تحاك له داخل وخارج مصر، واستطاع بقيادة حكيمة مواجهة العديد من الأزمات التي تعرضت لها الدولة المصرية بأقل الخسائر، فحرص على أرواح المصريين وحماية الممتلكات المصرية، خاصة بعد أن أصاب بعضها الحرق جراء أعمال الشغب.
وبحكمة ورشد، وضع المشير محمد حسين طنطاوي خبرته وحنكته لقيادة الدولة فى ظروف فى منتهى الخطورة.
تحمل المشير طنطاوي فى هذه الفترة من عمر الوطن ما لا يستطيع تحمله أي بشر من الذين قدمهم الإعلام العميل على أنهم قادة هذا المخطط، وتحمل أيضا سوء نية البعض ممن خدعوا الشعب وكانوا ضالعين فى مخطط الفوضى الخلاقة.
حقاً.. لقد فقدت مصر رجلاً من أخلص أبنائها وأحد رموزها العسكرية الذي وهب حياته لخدمة وطنه لأكثر من نصف قرن.. أدى خلالها الأمانة على أكمل وجه، وهذا ليس بجديد على بطل من أبطال حرب أكتوبر المجيدة ساهم خلالها في صناعة أعظم الأمجاد والبطولات التي سُجلت بحروف من نور في التاريخ المصري، منذ أن كان ضابطا وحتى توليه مسئولية وزارة الدفاع التي كان حريصاً وقتها على تحديث قدرات القوات المسلحة في جميع القطاعات، وقد شهد الجميع على التطور الملحوظ في الارتقاء بالعنصر البشري وهنا جاءت تحية الرئيس السيسي للمشير طنطاوى لتصحح الصورة التي ربما تكون لدى البعض، بل كشف الرئيس أن رجال الجيش المصرى ظلوا 20 عامًا يتقاضون نصف رواتبهم لتحقيق قدرة اقتصادية تساعد الجيش، كاشفا للمرة الأولى أن المشير طنطاوى هو صاحب هذه الفكرة.
لقد فقدت مصر قائداً.. ورجل دولة، تولى مسئولية إدارة دفة البلاد في فترة غاية في الصعوبة تصدى خلالها بحكمة واقتدار للمخاطر المحدقة التي أحاطت بمصر..
لقد فقدت مصر مُعلماً وقائدآ عظيمآ لا نزال وسنظل ننهل من نبعه..
كان رحمة الله عليه قائدًا عظيمًا وإنساناً أعظم، أدى الرسالة وحفظ الأمانة.