الحديث عن المشير طنطاوي, حيث الحديث عن رجل يمثل تاريخ دولة بمعنى الكلمة, عن دور رجل وطني شارك في حرب 1967, وحرب الاستنزاف, وحرب أكتوبر 1973 وقائد الجيش الثاني الميداني 1987, ثم قائد الحرس الجمهوري 1988, ثم قائدا عاما للقوات المسلحة ووزيرا للدفاع في 1991, ورئيسًا للمجلس الأعلى للقوات المسلحة بعد تنحي الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك في 11 فبراير 2011, و ظل على رأس السلطة حتى تسليم منصبه وأداء اليمين الدستورية في 1 يوليو 2012, وأحيل للتقاعد بقرار رئاسي في 12 أغسطس 2012, ما مكن المشير من أن يحتل موقعا متقدما في قلب مركز صنع القرار السياسي والاستراتيجي في مصر٠
ظل ممسكا بقوة بموقعه في ظل حالة من التباين السياسي والاستراتيجي، ولم يدخل في صراعات مثلما تردد على لسان البعض من الذين حاولوا أن يقيموا المرحلة السياسية في توقيت معين، فالرجل كان زاهدا في السلطة، ولم يجري وراء موقع وظل رمزا للمؤسسة العسكرية، ورفض المساس بالوطن في أصعب لحظاته، ولم يسلم الحكم للإخوان كما تردد من الذين أشاعوا الأمر، واتهموا المشير بهذا الأمر في مراحل معينة، والغريب أن أكثر الشخصيات التي نعت المشير بعد وفاته كانت من الشخصيات التي انتقدت المشير، وآليات حكمه وممارساته السياسية والرجل كان أبعد الناس عن السياسة وشر السياسة بل كان رجلا عسكريا من طراز حقيقي وبارز.
كنت قريبا من الأحداث مراقبا ومتابعا في الفترة ما بعد ثورة 25 يناير، ولدي ذاكرة كبيرة تتضمن الكثير من الوقائع والشواهد التي قد تعطي قادة عسكريين كبار حقهم الكبير في التاريخ السياسي لا العسكري فقط في تلك الفترة عكس ما كان شائعا وتمت صياغته بطريقة صحيحة، وفي ظل الجلبة التي صاحبت مرحلة ما بعد 25 يناير حيث قفز على السطح شخصيات لا تاريخ لها، وحاول البعض أن يصنع تاريخا من لا شيء، ومنهم أسماء كبيرة معلومة للجميع والقاصي والداني، ومن الذين هاجموا المؤسسة العسكرية وقتها هم مجموعة من المنتفعين الذين تصوروا أنهم يمكن أن يحصلوا على مواقع في عهد الإخوان الذي لم يطل، وكانت ثورة التصحيح العظيمة ممثلة في 30 يونيو وهو الأمر الذي أعاد حكم مصر للمصريين، وكانت خطوات البناء والتشييد التي تعيشها مصر في الوقت الراهن، وما زال مشروع مصر السياسي والاقتصادي يعبر عن مرحلة جديدة في تاريخ المصريين الذين يؤمنون بدور الرئيس السيسي، والذي كانت تربطه بالمشير الراحل أواصر عديدة يعلمها الجميع في المؤسسة العسكرية المصرية العظيمة فقد كان والده الروحي وكان الأقرب له من بين قيادات المؤسسة بأكملها، وكان تكريمه في حياته جزءا من رسائل الانتماء والولاء التي نتعلمها في العمل في المؤسسة العسكرية، ونعلمها للقطاعات المدنية، وأشهد أنها قيم الوفاء والانتماء والانضباط، وكان من حسن طالعي أنني عملت منذ سنوات طويلة في أكاديمية ناصر العسكرية العليا، وهو شرف ما بعده شرف، وتابعت عن قرب كيف تؤدي المؤسسة العسكرية دورها الشامل في حياة هذا البلد الشامخ، والذي تكرس بعد ذلك في نص التعديلات الدستورية عن استحقاق، ومكان يليق بالمؤسسة العسكرية الشامخة حيث قيم الولاء أكبر وأعظم، والانتماء للوطن أعلى وأبقى، وقد التقيت المشير حسين طنطاوي مرتين بعد أحداث 25 يناير، وبعدها بسنوات ولم يتغير الرجل العظيم، الذي كان وسيظل علما من أعلام المؤسسة العسكرية العظيمة ويكفي أنه تصدر بشجاعة في لحظات صعبة وقاد مصر وقتها إلى بر الأمان وعمل على تجاوز أفعال الصغار، ولم يتوقف أمام تيارات ضالة لم يكن لها دور أو ثقل سياسي وحاولت أن تخطف الوطن لواجهة مجهولة، ولم يقتصر الأمر على الجماعة الشاردة الضالة وإنما امتد لشرائح أخرى لا أريد أن أسميها كانت تريد أن تقفز على ما تم لاحقا، وبقيت المؤسسة العسكرية العظيمة في موقعها تراقب وتصون وتحمي وتعمل في صمت لإعادة لم شمل مصر، والبناء من جديد، وهو ما يتم من خلال رؤية القيادة السياسية الراهنة، والتي تملك رؤية مختلفة في التفاعل مع متطلبات العصر وحاجة مصر للتنمية وبناء بلد جديد، فقلب مصر مفتوح من خلال عشرات بل آلاف المشروعات في ربوع الوطن الغالي، وفي ظل مخطط مدروس وبناء للوصول إلى جمهورية جديدة بمعنى الكلمة حيث يقف المراقب طويلا ليشهد على إنجازات مصرية كبيرة في العهد الحالي، وحجم ما يجري من تنفيذ لطموحات وبما يمثل ذلك من نقلة نوعية، ومرحلة مهمة في تاريخ مصر الجديد.
في هذا السياق الوطني المتواصل سيظل المشير طنطاوي الرمز والنموذج الذي يمثل للأجيال الصاعدة بوصلة الأمل والعمل ويكفي أن أشير هنا إلى دور مقدم حسين طنطاوى قائد الكتيبة 16 في حرب أكتوبر، فقد خاض معركة المزرعة الصينية إحدى أهم المعارك التي كان لها تأثير كبير سواء من الناحية التكتيكية على أرض المعركة، أو من الناحية النفسية فى حرب أكتوبر، حيث أوجدت هذه المعركة فكراً عسكرياً جديداً يُجرى تدريسه إلى الآن فى جميع الكليات العسكرية العليا، وكتب عنها كبار الخبراء والاستراتيجيين، ومن بينهم محللون إسرائيليون كبار، وقد أبرزت معركة المزرعة الصينية مواقف بطولية عديدة لأفراد الكتيبة 16 مشاة وهى الكتيبة التى أذهلت المفكرين الإسرائيليين، وكان لها دور كبير فى تحقيق النصر بهذه المعركة بسبب إفشالها لهجوم الجنرال شارون واستطاع طنطاوي ورجال مصر المخلصين إفشال هجوم شارون على الكتيبة، حيث كان الأخير يحاول التقدم بلواء مدرع ولواء مشاة للعبور إلى الضفة الغربية للقناة، وهى معركة استمرت 36 ساعة انتهت بفشل شارون الذريع باختراق الكتيبة 16.
أنقل هنا تأكيدات السيد الرئيس عبدالفتاح السيسي وشهادته الكبيرة للمشير طنطاوي من أن التاريخ سيتوقف أمام الدور الجليل الذي أداه المشير حسين طنطاوي لحماية مصر حيث نجح القائد التاريخي للجيش المصري في العبور بمصر، للمرة الثانية في حياته، فالأولى كانت حين عبر قناة السويس لتحرير سيناء من الاحتلال، والثانية حين احتوى الصدمات التي واجهت الدولة المصرية بحنكة، حتى سلّم الأمانة للرئيس المُنتخب في التوقيت المُحدد وفقا لخريطة الطريق، وما استتبعه ذلك من إجراءات استهدفت تولى جيل جديد من القادة للمسؤولية في قواتنا المُسلحة العظيمة والشامخة والتي ما تزال تُذكر للمشير الراحل كيف
استمر في الارتقاء المستمر بمؤسساتها الكبرى ومنظومة عملها قدر الإمكان، وتوسعه في المشروعات المختلفة التي نفذتها القوات المسلحة، ليس لتدعيم قدراتها فقط، ولكن لتكون ظهرا للشعب حيث تدخلت في حل مشكلات كثيرة للبنية التحتية طوال السنوات الأخيرة وتنفيذ المشروعات القومية الكبرى والتي كان آخرها مبادرة حياة كريمة، ختاما سأظل أذكر للمشير الراحل مقولته التاريخية للشعب المصري : مصر هي المراد وهتستمر شعلة الأمن والأمان.