الثلاثاء 21 مايو 2024

هوامش‭ ‬على‭ ‬نصر‭ ‬أكتوبر


د . هدي زكريا

مقالات21-11-2021 | 15:40

د . هدي زكريا

منذ‭ ‬أيام‭ ‬قليلة‭ ‬ذرفت‭ ‬مصر‭ ‬دموعها‭ ‬الغزيرة‭ ‬على‭ ‬واحد‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬رجالها‭ ‬البواسل‭ ‬وصناع‭ ‬التاريخ‭ ‬المجيد‭ ‬لجيشها‭ ‬النبيل‭ ‬هو‭ ‬المشيرمحمد‭ ‬حسين‭ ‬طنطاوي‭ ‬والذي‭ ‬تصدرت‭ ‬مواقفه‭ ‬الوطنية‭ ‬الحاسمة‭ ‬عناوين‭ ‬الأخبار‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬كله‭ ‬وذلك‭ ‬عندما‭ ‬أخذ‭ ‬على‭ ‬عاتقه‭ ‬مهمة‭ ‬صعبة‭ ‬بل‭ ‬شبه‭ ‬مستحيلة‭ ‬وهي‭ ‬الخروج‭ ‬بمصر‭ ‬من‭ ‬أنياب‭ ‬الإخوان‭ ‬المسلمين‭ ‬وقياداتهم‭ ‬الإرهابية‭ ‬فقام‭ ‬على‭ ‬رأس‭ ‬جيش‭ ‬مصر‭ ‬باحتضان‭ ‬ثورة‭  ‬لشعب‭ ‬لم‭ ‬يجد‭ ‬من‭ ‬يحنو‭ ‬عليه‭ .‬

ووجدتني‭ ‬أندفع‭ ‬إلى‭ ‬دفتر‭ ‬مذكراتي‭ ‬لأستعيد‭ ‬تاريخا‭ ‬شخصيا‭ ‬ووطنيا‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬الوقت‭ ‬فبدأت‭ ‬بالصفحة‭ ‬التي‭ ‬سجلت‭ ‬أحداث‭ ‬يوم‭ ‬9‭ ‬يونيه‭ ‬1967‭ ‬وكنت‭ ‬طالبة‭ ‬بالسنة‭ ‬الأولى‭ ‬بكلية‭ ‬الآداب‭ ‬بجامعة‭ ‬القاهرة‭.‬

الزمان‭ ‬الخامسة‭ ‬مساء‭ ‬9‭ ‬يونيه‭ ‬1967‭ ‬والزعيم‭ ‬الخالد‭ ‬جمال‭ ‬عبدالناصر‭ ‬يبدأ‭ ‬خطاب‭ ‬التنحي‭ ‬التاريخي‭ ‬عن‭ ‬منصبه‭ ‬كرئيس‭ ‬للجمهورية‭. ‬

ولم‭ ‬أنتظر‭ ‬حتى‭ ‬ينهي‭ ‬الزعيم‭ ‬خطاب‭ ‬التنحي‭ ‬في‭ ‬9‭ ‬يونيه‭ ‬1967‭ ‬ووجدتني‭ ‬أهرول‭ ‬لارتداء‭ ‬ثيابي‭ ‬بسرعة‭ ‬لأنضم‭ ‬لصفوف‭ ‬الجماهير‭ ‬الثائرة‭ ‬الرافضة‭ ‬لقراره‭ ‬بالتنحي‭ ‬عن‭ ‬الحكم‭ ‬وتحمله‭ ‬المسئولية‭ ‬كاملة‭ ‬عن‭ ‬نتائج‭ ‬حرب‭ ‬الأيام‭ ‬الستة‭.‬

ووجدتني‭ ‬أصطدم‭ ‬بصديقتي‭ ‬وزميلة‭ ‬الدراسة‭ ‬التي‭ ‬تسكن‭ ‬الدور‭ ‬العلوي‭ ‬من‭ ‬منزلي‭ ‬وهي‭ ‬تسرع‭ ‬إلى‭ ‬الشارع‭ ‬معي‭ ‬وتصرخ‭ ‬معي‭ ‬ومع‭ ‬الناس‭:" ‬لا‭ ‬يا‭ ‬ريس‭ ‬لا‭ ‬تتركنا‭" ‬وصحت‭ ‬بها‭: ‬لماذا‭ ‬ارتديت‭ ‬ثيابك‭ ‬العسكرية‭ ‬يا‭ "‬نجاح‭"‬؟‭ ‬فردت‭ ‬وهي‭ ‬تندفع‭ ‬إلى‭ ‬شارع‭ ‬رمسيس‭ ‬بالعباسية‭ ‬حيث‭ ‬كان‭ ‬بيتنا‭: ‬زي‭ ‬ما‭ ‬انتي‭ ‬لابسة‭ ‬الكاكي‭ ‬ولا‭ ‬مش‭ ‬واخدة‭ ‬بالك؟‭ ‬ونظرت‭ ‬لثيابي‭ ‬لأكتشف‭ ‬أنني‭ ‬أرتدي‭ ‬ثياب‭ ‬التدريب‭ ‬العسكري‭ ‬مثلها‭.‬

وفوجئنا‭ ‬بصوت‭ ‬كوكب‭ ‬الشرق‭ ‬أم‭ ‬كلثوم‭ ‬وهي‭ ‬تهتف‭ ‬بصوت‭ ‬باك‭ ‬في‭ ‬الراديو‭ ‬بالمقهى‭ ‬المجاور‭: ‬قم‭ ‬واسمعها‭ ‬من‭ ‬أعماقي‭ ‬فأنا‭ ‬الشعب‭ ...‬ابق‭ ‬فأنت‭ ‬السد‭ ‬الواقي‭ ‬لمنى‭ ‬الشعب‭." ‬

واستجاب‭ ‬الزعيم‭ ‬لنداء‭ ‬الجماهير‭ ‬وأعلن‭ ‬تراجعه‭ ‬عن‭ ‬قرار‭ ‬التنحي‭ ‬في‭ ‬التاسعة‭ ‬مساء‭ ‬اليوم‭ ‬التاريخي‭ ‬الذي‭ ‬شاركتنا‭ ‬فيه‭ ‬شعوب‭ ‬الأمة‭ ‬العربية‭ ‬التي‭ ‬خرجت‭ ‬إلى‭ ‬الشوارع‭ ‬في‭ ‬دمشق‭ ‬وبيروت‭ ‬والخرطوم‭ ‬وطرابلس‭ ‬وتونس‭ ‬والجزائر‭..‬

وعدنا‭ ‬إلى‭ ‬الجامعة‭ ‬لنستأنف‭ ‬الدراسة‭ ‬في‭ ‬أعقاب‭ ‬معركة‭ ‬رأس‭ ‬العش‭ ‬التي‭ ‬كبدت‭ ‬من‭ ‬الهزائم‭ ‬ما‭ ‬جعله‭ ‬يرتبك

ويفيق‭ ‬من‭ ‬أوهام‭ ‬نصر‭ ‬يونيو‭ ‬الزائف‭ ‬ليفيق‭ ‬على‭ ‬هزيمته‭ ‬المنكرة‭ ‬في‭ ‬رأس‭ ‬العش،‭ ‬وليبدأ‭ ‬الصهاينة‭ ‬معاناتهم‭ ‬في‭ ‬حرب‭ ‬استنزاف‭ ‬طويلة‭ ‬أذاقهم‭ ‬فيها‭ ‬الجيش‭ ‬المصري‭ ‬الباسل‭ ‬خلال‭ ‬السنوات‭ ‬الست‭ ‬التالية‭ ‬مرارة‭ ‬الهزيمة‭ ‬اليومية‭ ‬التي‭ ‬دفعت‭ ‬رئيسة‭ ‬وزرائهم‭ ‬جولدا‭ ‬مائير‭ ‬وموشى‭ ‬ديان‭ ‬قائد‭ ‬جيشهم‭ ‬إلى‭ ‬تغيير‭ ‬قوانين‭ ‬التجنيد‭ ‬للكيان‭ ‬الصهيوني‭ ‬المسمى‭   ‬إسرائيل‭".‬

حيث‭ ‬يؤكد‭ ‬جوزيب‭ ‬كافوريو‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ ‬الموسوعي‭ ‬الصادر‭ ‬في‭ ‬2010‭ "‬علم‭ ‬الاجتماع‭ ‬العسكري‭" ‬أن‭ ‬قوانين‭ ‬التجنيد‭ ‬قد‭ ‬أعلنت‭ ‬مد‭ ‬مدة‭ ‬التجنيد‭ ‬للجندي‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬حتى‭ ‬سن‭ ‬55‭ ‬سنة‭ ‬ويشمل‭ ‬التجنيد‭ ‬الرجال‭ ‬والنساء‭ ‬من‭ ‬سن‭ ‬18‭ ‬إلى‭ ‬55‭ ‬وتستثنى‭ ‬النساء‭ ‬الحوامل‭ ‬فقط‭.‬

وانطلقت‭ ‬مع‭ ‬زميلاتي‭ ‬إلى‭ ‬المنطقة‭ ‬العسكرية‭ ‬بملاعب‭ ‬كلية‭ ‬الزراعة‭ ‬بجامعة‭ ‬القاهرة‭ ‬ونحن‭ ‬نرتدي‭ ‬الكاكي‭ ‬لنعلن‭ ‬رغبتنا‭ ‬في‭ ‬ممارسة‭ ‬التدريب‭ ‬العسكري‭ ‬على‭ ‬استخدام‭ ‬السلاح‭ ‬وصناعة‭ ‬المفرقعات‭ ‬وتحدثنا‭ ‬مع‭ ‬الضباط‭ ‬القابعين‭ ‬بتلك‭ ‬المنطقة‭ ‬ولكنهم‭ ‬استكثروا‭ ‬علينا‭ ‬موضوع‭ ‬السلاح‭ ‬ونصحونا‭ ‬بالتدريب‭ ‬على‭ ‬أعمال‭ ‬التمريض‭ ‬وضرب‭ ‬الحقن‭ ‬بدلا‭ ‬من‭ ‬ضرب‭ ‬النار‭ ‬ولما‭ ‬ألححنا‭ ‬عليهم‭ ‬بجدية‭ ‬قرروا‭ ‬أن‭ ‬يعطونا‭ ‬الفرصة‭ ‬بالتدريب‭ ‬على‭ ‬مدفع‭ ‬بورسعيد‭ ‬الرشاش‭ ‬المسمى‭ "‬كلاشنكوف‭" ‬وكذلك‭ ‬على‭ ‬تركيب‭ ‬وتفعيل‭ ‬قنابل‭ ‬المولوتوف‭.‬

وأمضينا‭ ‬أسبوعا‭ ‬شاقا‭ ‬في‭ ‬التدريب‭ ‬الصعب‭ ‬وتزيد‭ ‬الصعوبة‭ ‬من‭ ‬تعليقات‭ ‬الضابط‭ ‬المدرب‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يسخر‭ ‬من‭ ‬البنات‭ ‬ويتهمهن‭ ‬بالنعومة‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬ينبغي‭ ‬أن‭ ‬يتمتع‭ ‬بها‭ ‬الجندي‭ ‬الخشن‭ ‬فالحرب‭ ‬ليست‭ ‬مغامرة‭ ‬أو‭ ‬لعبة‭.‬

وكان‭ ‬يتعمد‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬السخرية‭ ‬من‭ ‬الفتاة‭ ‬التي‭ ‬تظهر‭ ‬حماسا‭ ‬رغم‭ ‬أنها‭ ‬ترتدي‭ ‬نظارة‭ ‬سميكة‭ ‬لكنه‭ ‬فوجئ‭ ‬أنها‭ ‬استطاعت‭ ‬التصويب‭ ‬على‭ ‬الهدف‭ ‬بأربعة‭ ‬طلقات‭ ‬صائبة‭ ‬فصاح‭ ‬ضاحكا‭: ‬برافو‭ ‬عليك‭" ‬أم‭ ‬أربع‭ ‬عيون‭" ‬سأوصي‭ ‬بدفعك‭ ‬إلى‭ ‬الجبهة‭ ‬مكافأة‭ ‬على‭ ‬حماسك‭ ‬وشطارتك‭.‬

رددت‭ ‬عليه‭ ‬قائلة‭ : ‬إذن‭ ‬عليك‭ ‬سيدي‭ ‬أن‭ ‬تدربني‭ ‬على‭ ‬الأهداف‭ ‬المتحركة‭ ‬لأنني‭ ‬لم‭ ‬أتدرب‭ ‬إلا‭ ‬على‭ ‬الأهداف‭ ‬الثابتة‭ ‬كما‭ ‬تعلم،‭ ‬فانفجر‭ ‬ضاحكا‭ ‬وهو‭ ‬يقول‭ ‬انتي‭ ‬أخدتي‭ ‬الموضوع‭ ‬بجد‭ ‬؟‭!‬

قلت‭ ‬بصوت‭ ‬هامس‭: ‬ليس‭ ‬معنى‭ ‬أنني‭ ‬فتاة‭ ‬ولن‭ ‬يتم‭ ‬تجنيدي‭ ‬أن‭ ‬لا‭ ‬آخذ‭ ‬قضية‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬المحروسة‭  ‬بجد‭.‬

فقد‭ ‬كنت‭ ‬شاهدة‭ ‬على‭ ‬عصر‭ ‬نبيل‭ ‬غني‭ ‬بالأحداث‭ ‬الوطنية‭ ‬الحلوة‭ ‬والمرة‭ ‬توحدت‭ ‬فيه‭ ‬تجربتي‭ ‬الإنسانية‭ ‬الخاصة‭ ‬بتجربة‭ ‬وطني‭ ‬مصر‭ .‬

وشاء‭ ‬القدر‭ ‬أن‭ ‬أتعرف‭ ‬على‭ ‬فرع‭ ‬جديد‭ ‬من‭ ‬فروع‭ ‬علم‭ ‬الاجتماع‭ ‬الذي‭ ‬أدرسه‭ ‬في‭ ‬كلية‭ ‬الآداب‭ ‬بجامعة‭ ‬القاهرة‭ ‬العريقة‭ ‬هو‭ ‬علم‭ ‬الاجتماع‭ ‬العسكري‭ ‬عندما‭ ‬أخبرتني‭ ‬أستاذتي‭ ‬الدكتورة‭ ‬حكمت‭ ‬أبو‭ ‬زيد‭ ‬أول‭ ‬وزيرة‭ ‬مصرية‭ ‬أنها‭ ‬تشرف‭ ‬على‭ ‬زميلنا‭ ‬الذي‭ ‬سبقنا‭ ‬في‭ ‬التخرج‭ ‬عام‭ ‬67‭ ‬وانضم‭ ‬إلى‭ ‬الجنود‭ ‬ليقضي‭ ‬فترة‭ ‬تجنيده‭ ‬التي‭ ‬امتدت‭ ‬حتى‭ ‬73‭ ‬وكان‭ ‬أحد‭ ‬أبطال‭ ‬حرب‭ ‬الاستنزاف‭ ‬وقد‭ ‬قرر‭ ‬أن‭ ‬يعد‭ ‬دراسته‭ ‬للماجستير‭ ‬في‭ ‬موضوع‭ ‬جديد‭ ‬هو‭ ‬علم‭ ‬الاجتماع‭ ‬العسكري‭ ‬وعندما‭ ‬تساءلنا‭ ‬هل‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يصبح‭ ‬الجيش‭ ‬موضوعا‭ ‬لعلم‭ ‬الاجتماع‭ ‬ردت‭ ‬أستاذتي‭ ‬بثقة‭ ‬العلماء‭ :‬نعم‭ ‬فالجيش‭ ‬هو‭" ‬الفئة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬الوحيدة‭ ‬القادرة‭ ‬على‭ ‬الفعل‭ ‬السياسي‭ ‬المنضبط‭ "‬واندفعنا‭ ‬إلى‭ ‬مدرج‭ ‬74‭ ‬بكلية‭ ‬الآداب‭ ‬لنجد‭ ‬زميلنا‭ ‬المجند‭ ‬أحمد‭ ‬خضر‭ ‬وقد‭ ‬جلس‭ ‬تحيطه‭ ‬قلوب‭ ‬زملاؤه‭ ‬وفي‭ ‬مقدمتهم‭ ‬رفاقه‭ ‬المجندين‭ ‬وقادته‭ ‬من‭ ‬الضباط‭.‬

فوجدتني‭ ‬أحاول‭ ‬التعرف‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬العلم‭ ‬الجديد‭ ‬ولكن‭ ‬على‭ ‬استحياء‭ ‬فكوني‭ ‬فتاة‭ ‬لن‭ ‬يمكنني‭ ‬من‭ ‬الاقتراب‭ ‬والاحتكاك‭ ‬بخير‭ ‬أجناد‭ ‬الأرض‭ ‬فلن‭ ‬أتمكن‭ ‬من‭ ‬نيل‭ ‬شرف‭ ‬الجندية‭ ‬أو‭ ‬الالتحاق‭ ‬بالكليات‭ ‬العسكرية‭.‬

وانتصر‭ ‬الجيش‭ ‬المصري‭ ‬في‭ ‬حرب‭ ‬السادس‭ ‬من‭ ‬أكتوبر‭ ‬1973

ولم‭ ‬يكتفي‭ ‬بالدفاع‭ ‬عن‭ ‬الحدود‭ ‬الجغرافية‭ ‬والسياسية‭ ‬لمصر،‭ ‬وإنما‭ ‬استمر‭ ‬يمارس‭ ‬دوره‭ ‬التاريخي‭ ‬في‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬تماسك‭ ‬الكيان‭ ‬الاجتماعي‭ ‬وقد‭ ‬مثل‭ ‬السياج‭ ‬المنيع‭ ‬ضد‭ ‬التشرذم‭ ‬والتفكك‭ ‬اللذان‭ ‬أصابا‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الأمم‭ ‬فزالت‭ ‬عن‭ ‬الوجود‭ ‬وغيبتها‭ ‬دهاليز‭ ‬التاريخ‭.‬

وقد‭ ‬استطاع‭ ‬الجيش‭ ‬المصري‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ "‬الضمير‭ ‬الجمعي‭"‬

لشعبه‭ ‬فتحقق‭ ‬للأمة‭ ‬المصرية‭ ‬البقاء‭ ‬والاستمرار‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬التاريخ‭ ‬فما‭ ‬هو‭ ‬المقصود‭ ‬بالضمير‭ ‬الجمعي‭".‬

نقصد‭ ‬بالضمير‭ ‬الجمعي‭"‬حالة‭ ‬الذوبان‭ ‬الفردي‭ ‬الأناني‭ ‬بطبعه

في‭ ‬الكيان‭ ‬الجمعي‭ ‬بصورة‭ ‬إيثارية‭ ‬يقدم‭ ‬فيها‭ ‬الفرد‭ ‬الهدف‭ ‬الجمعي‭ ‬للوطن‭ ‬على‭ ‬الهدف‭ ‬الفردي‭ .‬ويختصرالضمير‭ ‬الجمعي‭ ‬مجموع‭ ‬القيم‭ ‬والعادات‭ ‬والتقاليد‭ ‬التي‭ ‬يعتنقها‭ ‬المجتمع‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬الدين‭ ‬والأفكار‭ ‬ونمط‭ ‬الحياة‭ ...‬إلخ‭.‬

وتكاد‭ ‬المجتمعات‭ ‬الإنسانية‭ ‬أن‭ ‬تتفق‭ ‬على‭ ‬خاصية‭ ‬امتلاك‭ ‬الضمير‭ ‬الجمعي‭ ‬لكنها‭ ‬تختلف‭ ‬بالطبع‭ ‬على‭ ‬تحديد‭ ‬العناصر‭ ‬الأساسية‭ ‬لضميرها‭ ‬الجمعي،‭ ‬ويرجع‭ ‬ذلك‭ ‬لطبيعة‭ ‬التكوين‭ ‬التاريخي‭ ‬والديني‭ ‬والثقافي‭ ‬لكل‭ ‬مجتمع،‭ ‬وما‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬ذلك‭ ‬المجتمع‭ ‬أصيلا‭ ‬بالمعنى‭ ‬التاريخي‭ ‬أو‭ ‬مصطنعا‭ ‬بفعل‭ ‬سياسات‭ ‬وأغراض‭ ‬دولية‭..‬إلخ‭.‬

وبقدر‭ ‬وعي‭ ‬أفراد‭ ‬الشعب‭ ‬بمناطق‭ ‬القوة‭ ‬في‭ ‬ضميرهم‭ ‬الجمعي‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬يتمتع‭ ‬هذا‭ ‬المجتمع‭ ‬بالحصانة‭ ‬التاريخية‭ ‬والبقاء‭ ‬والاستمرار‭ ‬بدليل‭ ‬أننا‭ ‬نشاهد‭ ‬بعض‭ ‬المجتمعات‭ ‬والدول‭ "‬تزول‭"‬

من‭ ‬صفحة‭ ‬التاريخ‭ ‬لكونها‭ ‬قد‭ ‬عجزت‭ ‬عن‭ ‬تطوير‭ ‬وعيها‭ ‬الجمعي‭ ‬بما‭ ‬يحفظ‭ ‬عليها‭ ‬نضج‭ ‬وثبات‭ ‬وعيها‭ ‬الجمعي‭.‬

والحقيقة‭ ‬أن‭ ‬الجيش‭ ‬المصري‭ ‬قد‭ ‬مثل‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬التاريخ‭ ‬جهاز‭ ‬المناعة‭ ‬الذي‭ ‬يحمي‭ ‬الضمير‭ ‬الجمعي‭ ‬المصري‭ ‬من‭ ‬التعرض‭ ‬لآليات‭ ‬التفكيك‭ ‬التي‭ ‬تعمل‭ ‬على‭ ‬هدم‭ ‬المجتمع‭ ‬بفعل‭ ‬انتشار‭ ‬قيم‭ ‬الأنانية‭ ‬والتراخي‭ ‬والعزلة‭ ‬والتوقف‭ ‬عن‭ ‬شحذ‭ ‬الحس‭ ‬الوطني،‭ ‬ويثبت‭ ‬الهوية‭ ‬في‭ ‬ذاكرة‭ ‬الأفراد‭.‬

فإذا‭ ‬افترضنا‭ ‬أننا‭ ‬نتوزع‭ ‬على‭ ‬خريطة‭ ‬افتراضية‭ ‬للضمير‭ ‬الجمعي‭ ‬تكون‭ ‬على‭ ‬شكل‭ ‬دائرة‭ ‬فلا‭ ‬شك‭ ‬أننا‭ ‬نتوزع‭ ‬على‭ ‬أرضية‭ ‬تلك‭ ‬الدائرة‭ ‬وفقا‭ ‬لدرجة‭ ‬شعورنا‭ ‬القوي‭ ‬بالانتماء‭ ‬وإخلاصنا‭ ‬في‭ ‬لعب‭ ‬الدور‭ ‬الوطني‭ ‬الواجب‭ ‬لصالح‭ ‬الوطن‭ ‬والأمة‭ ‬وبقدر‭ ‬تجاوزنا‭ ‬لأنانيتنا‭ ‬الفردية‭ ‬بقدر‭ ‬اقترابنا‭ ‬من‭ ‬مركز‭ ‬دائرة‭ ‬الضمير‭ ‬الجمعي‭ ‬فلا‭ ‬يمكننا‭ ‬أن‭ ‬نضع‭ ‬المجرم‭ ‬والخائن‭ ‬والأناني‭ ‬والجشع‭ ‬من‭ ‬الأفراد‭ ‬إلا‭ ‬خارج‭ ‬الضمير‭ ‬الجمعي‭ ‬الذي‭ ‬يلفظهم،‭ ‬أما‭ ‬من‭ ‬يحرصون‭ ‬على‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬مصالح‭ ‬الوطن‭ ‬والتضحية‭ ‬في‭ ‬سبيله‭ ‬فموقعهم‭ ‬في‭ ‬قلب‭ ‬دائرة‭ ‬الضمير‭ ‬الجمعي‭ ‬كالفريق‭ ‬عبدالمنعم‭ ‬رياض‭ ‬بطل‭ ‬حرب‭ ‬الاستنزاف‭ ‬وعبدالعاطي‭ ‬صائد‭ ‬الدبابات‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬في‭ ‬حرب‭ ‬أكتوبر‭ ‬والشهيد‭ ‬أبانوب‭ ‬ومحمد‭ ‬أيمن‭ ‬شويقة‭ ...‬إلخ‭ .‬فهؤلاء‭ ‬الذين‭ ‬اختاروا‭ ‬التضحية‭ ‬بالحياة‭ ‬والشهادة‭ ‬في‭ ‬سبيل‭ ‬بقاء‭ ‬الوطن‭.‬

وقد‭ ‬أكدت‭ ‬قراءاتي‭ ‬للتاريخ‭ ‬المصري‭ ‬والدولي‭ ‬أن‭ ‬الجيش‭ ‬المصري‭ ‬يتمتع‭ ‬بخاصيتين‭ ‬لا‭ ‬يتمتع‭ ‬بهما‭ ‬أي‭ ‬جيش‭ ‬من‭ ‬الجيوش‭ ‬الأخرى‭ :‬

‭  ‬الأولى‭ : ‬أن‭ ‬رجال‭ ‬جيشنا‭ ‬منيعون‭ ‬ضد‭ ‬آفة‭ "‬الارتزاق‭" ‬التي‭ ‬أصيبت‭ ‬بها‭ ‬الجيوش‭ ‬الأخرى‭ ‬منذ‭ ‬كانت‭ ‬الجيوش‭ ‬تتكون‭ ‬من‭ ‬العبيد‭ ‬والمرتزقة‭ ‬والمماليك‭ ‬والانكشارية‭.‬

الثانية‭: ‬أن‭ ‬الضابط‭ ‬المصري‭ ‬مثقف‭ ‬مهموم‭ ‬بالمعارف‭ ‬والثقافات‭ ‬المدنية‭ ‬علاوة‭ ‬على‭ ‬العلوم‭ ‬العسكرية‭ ‬وقد‭ ‬عرفنا‭ ‬في‭ ‬تاريخنا‭ ‬الحديث‭ ‬الضابط‭ ‬الشاعر‭ ‬محمود‭ ‬سامي‭ ‬البارودي‭ ‬الذي‭ ‬اشتهر‭ ‬بلقب‭ "‬رب‭ ‬السيف‭ ‬والقلم‭" ‬لشهرته‭ ‬المدوية‭ ‬في‭ ‬الشعر،‭ ‬وكذلك‭ ‬الشاعر‭ ‬حافظ‭ ‬إبراهيم‭ ‬والروائي‭ ‬يوسف‭ ‬السباعي‭ ‬ووزير‭ ‬الثقافة‭ ‬ثروت‭ ‬عكاشة‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬له‭ ‬الفضل‭ ‬في‭ ‬تأسيس‭ ‬وزارة‭ ‬الثقافة‭ ‬في‭ ‬ستينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭.‬

ولا‭ ‬تزال‭ ‬الذاكرة‭ ‬الوطنية‭ ‬تسجل‭ ‬كيف‭ ‬أنقذ‭ ‬الجيش‭ ‬المصري‭ ‬الوطن‭ ‬من‭ ‬الوقوع‭ ‬في‭ ‬براثن‭ ‬التنظيمات‭ ‬الإرهابية‭ ‬للإخوان‭ ‬المسلمين‭ ‬في‭ ‬أعقاب‭ ‬ثورة‭ ‬يناير‭ ‬2011‭  ‬فكانت‭ ‬استغاثة‭ ‬الشعب‭ ‬المصري‭ ‬واضحة‭ ‬في‭ ‬هتاف‭ ‬المدنيين‭ : ‬واحد‭ ‬اثنين‭ ‬الجيش‭ ‬المصري‭ ‬فين؟‭! ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬عانينا‭ ‬من‭ ‬الفوضى‭ ‬التي‭ ‬ضربت‭ ‬استقرار‭ ‬المجتمع‭ ‬المصري‭ ‬وأمنه‭.‬

وعندما‭ ‬انطلقت‭ ‬الدبابات‭ ‬والعربات‭ ‬المجنزرة‭ ‬لنصرة‭ ‬الشعب‭ ‬القلق‭ ‬وقد‭ ‬اعتلاها‭ "‬ملائكة‭ ‬الكاكي‭" ‬استقبلتهم‭ ‬نساء‭ ‬مصر‭ ‬بالزغاريد‭ ‬فعاش‭ ‬المصريون‭ ‬لحظة‭ ‬العناق‭ ‬بين‭ ‬الشعب‭ ‬والجيش‭ ‬

وأنشد‭ ‬الشاعر‭ ‬عبد‭ ‬الرحمن‭ ‬الأبنودي‭:‬
‭  "‬والجيش‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬رباه‭ ‬شعبه‭ ‬على‭ ‬كيفه‭ ‬
‭  ‬الجيش‭ ‬يحمي‭ ‬شعبه‭ ‬والشعب‭ ‬يحتمي‭ ‬بجيشه‭"‬
ووجدتني‭ ‬أجلس‭ ‬إلى‭ ‬مذكراتي‭ ‬لأسجل‭ ‬لحظة‭ ‬الانتصار‭ ‬الجديدة‭ ‬
وأهتف‭ : ‬عاش‭ ‬الجيش‭ ‬المصري‭ ‬الذي‭ ‬خرج‭ ‬من‭ ‬رحم‭ ‬شعبه‭ ‬ليضم‭ ‬الوطن‭ ‬إلى‭ ‬قلبه‭ .‬