الجمعة 26 ابريل 2024

هوامش على تفسير الطبري: من هم أصحاب الأخدود؟ (3)

مقالات22-11-2021 | 15:33

السؤال المركزى الذى سوف نحاول الإجابة عليه فى هذه السلسلة "من هم أصحاب الأخدود؟" فحسب تفسير الطبرى لهذه الآية، قد اختلف أهل العلم فى أصحاب الأخدود؛ من هم؟، وتعددت روايات الطبرى وتناقضت حول ماهية أصحاب الأخدود دون الوصول لنتيجة مقنعة للقارئ، ومن هنا يتبادر إلى الذهن عدد من الأسئلة التى ربما تساعدنا الإجابة عنه على معرفة أصحاب الأخدود، ليس هذا فقط بل معرفة أيضا كيف كان يتم إنتاج الروايات فى العصور المتعاقبة على عصر نزول الرسالة على سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام، وبداية تلك الأسئلة ألم يكن يعلم صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم من هم أصحاب الأخدود، أو لم يقل لهم الرسول "صلى الله عليه وسلم" شيئا عنهم، ولماذا لم يتفق الرواة على رواية واحدة تكون أقرب للحقيقة، وماذا يعنى اختلاف الروايات حول أصحاب الإخدود، وأخيرا ما هى حقيقة أصحاب الإخدود، من هم وأين كانوا، ذلك السؤال الذى نحاول الإجابة عنه من خلال استعراض روايات الطبرى ومناقشتها بهدف الوصول إلى الحقيقة.

 

ناقشنا فى السابق روايتين مصدرهما الإمام على رضى الله عنه ووجدنا تناقض كبير بين الروايتين وعددنا الملاحظات التى تبين كذبهما، وهناك رواية قصيرة عن ابن عباس تقول أن أصحاب الأخدود من بنى إسرائيل، ورواية مقتضبة أيضا لمجاهد قال: كان شقوق فى الأرض بنَجْرَان كانوا يعذّبون فيها الناس، أما الضحاك فقد اعتمد رواية ابن عباس وقال فى قوله:( قُتِلَ أَصْحَابُ الأخْدُودِ) يزعمون أن أصحاب الأخدود من بنى إسرائيل، ولاختلاف الروايات باختلاف الراوى يتضح أن مدونة التفسير لم تتفق بحال على من هم أصحاب الأخدود، حتى تلك الرواية التى نعرض لها اليوم رغم ما بها من اسلوب حكى أو أسلوب روائى غير سابقتها يوضح أنه الأحدث فى انتاج الرواية وهى الرواية التى ينتهى رواتها برسول الله صلى الله عليه وسلم.

الرواية الأخيرة (24/339): حدثنى محمد بن معمر، قال: ثنى حرمى بن عمارة، قال: ثنا حماد بن سلمة، قال: ثنا ثابت البُنانيّ، عن عبد الرحمن بن أبى ليلى، عن صهيب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كان فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ مَلِكٌ، وَكَانَ لَهُ ساحِرٌ، فَأَتَى السَّاحِرُ الْمَلِكَ فَقَالَ: قَدْ كَبِرَتْ سِنِّي، وَدَنَا أجَلِي، فَادْفَعْ لِى غُلامًا أُعَلِّمْهُ السِّحْرَ "، قال: " فَدَفَعَ إلَيْهِ غُلامًا يُعَلِّمُهُ السِّحْرَ "، قَالَ: " فَكَانَ الغُلامُ يَخْتَلِفُ إلى السَّاحِرِ، وكَانَ بَيْنَ السَّاحِرِ وَبَيْنَ المَلِكِ رَاهِبٌ "، قال: " فَكَانَ الغُلامُ إذَا مَرَّ بالرَّاهِبِ قَعَدَ إلَيْهِ فَسَمِعَ مِنْ كَلامِهِ، فَأُعْجِبَ بِكَلامِهِ، فَكَانَ الغُلامُ إذَا أَتَى السَّاحِرَ ضَرَبَهُ وَقَالَ: مَا حَبَسَكَ؟ وَإذَا أَتَى أَهْلَهُ قَعَدَ عِنْدَ الرَّاهِبِ يَسْمَعُ كَلامَهُ، فَإذَا رَجَعَ إلى أَهْلِهِ ضَرَبُوهُ وَقَالُوا: مَا حَبَسَكَ؟ فَشَكَا ذَلِكَ إلى الرَّاهِبِ فَقَالَ لَهُ الرَّاهِبُ: إذَا قَالَ لَكَ السَّاحِرُ: مَا حَبَسَكَ؟ قُلْ حَبَسَنِى أَهْلِي، وَإذَا قَالَ أَهْلُكَ: مَا حَبَسَكَ؟ فَقُلْ حَبَسَنِى السَّاحِرُ. فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إذْ مَرَّ فى طَرِيقٍ وَإذَا دَابَّةٌ عَظِيمَةٌ فِى الطَّرِيقِ قَدْ حَبَسَتِ النَّاسَ لا تَدَعُهُمْ يَجُوزُونَ، فَقَالَ الْغُلامُ: الآنَ أَعْلَمُ: أَمْرُ السَّاحِرِ أَرْضَى عِنْدَ اللهِ أَمْ أَمْرُ الرَّاهِبِ؟ قَالَ: فَأَخَذَ حَجَرًا "، قَالَ: فَقَالَ: " اللَّهُمْ إنْ كَانَ أمْرُ الرَّاهِبِ أحَبَّ إلَيْكَ مِنْ أَمْرِ السَّاحِرِ، فَإنِّى أَرْمِى بِحَجَرِى هَذَا فَيَقْتُلَهُ وَيَمُرُّ النَّاسُ، قَالَ: فَرَمَاهَا فَقَتَلَهَا، وَجَازَ النَّاسُ؛ فَبَلَغَ ذَلِكَ الرَّاهِبَ "، قَالَ: وَأَتَاهُ الْغُلامُ فَقَالَ الرَّاهِبُ لِلْغُلامِ: إنَّكَ خَيْرٌ مِنِّي، وَإنِ ابْتُلِيتَ فَلا تَدُلَّنَّ عَلَى "؛ قَالَ: " وَكَانَ الْغُلامُ يُبْرِئُ الأكْمَهَ وَالأبْرَصَ وَسَائِرَ الأدوَاءِ، وَكَانَ لِلْمَلِكِ جَلِيسٌ، قَالَ: فَعَمِيَ، قَالَ: فَقِيلَ لَهُ: إنَّ هَاهُنَا غُلامًا يُبْرِئُ الأكْمَهَ وَالأبْرَصَ وَسَائِرَ الأدْوَاءِ فَلَوْ أَتَيْتَهُ؟ قَالَ: " فَاتَّخَذَ لَهُ هَدَايا "؛ قَالَ: " ثُمَّ أَتَاهُ فَقَالَ: يَا غُلامُ، إنْ أَبْرَأْتَنِى فَهَذِهِ الهَدَايَا كُلُّهَا لَكَ، فَقَالَ: مَا أَنَا بِطَبِيبٍ يشْفِيكَ، وَلَكِنَّ اللهَ يَشْفِي، فَإذَا آمَنْتَ دَعَوْتُ اللهَ أَنْ يَشْفِيَكَ "، قَالَ: " فَآمَنَ الأعْمَى، فَدَعَا اللهَ فَشَفَاهُ، فَقَعَدَ الأعْمَى إلى الْمَلِكِ كَمَا كَانَ يَقْعُدُ، فَقَالَ لَهُ المَلِكُ: أَلَيْسَ كُنْتَ أَعْمَى؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَمَنْ شَفَاكَ؟ قَالَ: رَبِّي، قَالَ: وَلَكَ رَبٌّ غَيرِي؟ قَالَ: نَعَمْ رَبِّى وَرَبُّكَ اللهُ "، قَالَ: " فَأَخَدَهُ بِالْعَذَابِ فَقَالَ: لَتَدُلَّنِى عَلَى مَنْ عَلَّمَكَ هَذَا "، قَالَ: " فَدَلَّ عَلَى الغلامِ، فَدَعَا الغُلامَ فَقَالَ: ارْجِعْ عَنْ دِينِكَ "، قَالَ: " فَأَبَى الْغُلامُ "؛ قَالَ: فَأَخَذَهُ بِالْعَذَابِ "، قَالَ: " فَدَلَّ عَلَى الرَّاهِبِ، فَأَخَذَ الرَّاهِبَ فَقَالَ: ارْجِعْ عَنْ دِينِكِ فَأَبَى "، قَالَ: " فَوَضَعَ المِنْشَارَ عَلَى هَامَتِهِ فَشَقَّهُ حَتّى بَلَغَ الأرْضَ "، قَالَ: " وَأَخَذَ الأعْمَى فَقَالَ: لَتَرْجِعَنَّ أو لأقْتُلَنَّكَ "، قَالَ: " فَأَبَى الأعْمَى، فَوَضَعَ المِنْشَارَ عَلَى هَامَتِهِ فَشَقَّهُ حَتّى بَلَغَ الأرْضَ، ثُمَّ قَالَ لِلْغُلامِ: لَتَرْجِعَنَّ أو لأقْتُلَنَّكَ "، قال: " فَأَبَى "، قَالَ: " فَقَالَ: اذْهَبُوا بِهِ حَتَّى تَبْلُغُوا بِهِ ذِرْوَةَ الْجَبَلِ، فَإنْ رَجَعَ عَنْ دِينِهِ، وَإلا فَدَهْدِهُوهُ، فَلَمَّا بَلَغُوا بِه ذِرْوَةَ الْجَبَلِ فَوَقَعُوا فَمَاتُوا كُلُّهُمْ. وَجَاءَ الغُلامُ يَتَلَمَّسُ حَتّى دَخَلَ عَلَى الْمَلِكِ، فَقَالَ: أَيْنَ أصْحَابُكَ؟ قَالَ: كَفَانِيهمُ اللهُ. قَالَ: فَاذْهَبُوا بِهِ فَاحْمِلُوهُ فِى قُرْقُورٍ فَتَوَسَّطُوا بِهِ البَحْرَ، فَإنْ رَجَعَ عَنْ دِينِهِ وَإلا فَغَرِّقُوهُ " قال: " فَذَهَبُوا بِهِ، فَلَمَّا تَوَسَّطُوا بِهِ الْبَحْرَ قَالَ الْغُلامُ: اللَّهُمَّ اكْفِنِيهِمْ، فَانْكَفَأَتْ بِهِمُ السَّفِينَةُ. وَجَاءَ الغُلامُ يَتَلَمَّسُ حَتّى دَخَلَ عَلَى الْمَلِكِ، فَقَالَ المَلِكُ: أَيْنَ أصْحَابُكَ؟ قَالَ: دَعَوْتُ اللهَ فَكَفَانِيهمْ، قَالَ: لأقْتُلَنَّكَ، قَالَ: مَا أَنْتَ بِقَاتِلِى حَتّى تَصْنَعَ مَا آمُرُكَ "، قَالَ: " فَقَالَ الْغُلامُ لِلْمَلِكِ: اجْمَعِ النَّاسَ فِى صَعِيدٍ وَاحِدٍ، ثُمَّ اصْلُبْنِي، ثُمَّ خُذْ سَهْمًا مِنْ كِنَانَتِى فَارْمِنِى وَقُلْ: باسْمِ رَبِّ الْغُلامِ فَإِنَّكَ سَتَقْتُلُنِى "، قَالَ: " فَجَمَعَ النَّاسَ فِى صَعِيدٍ وَاحِدٍ "، قَالَ: " وَصَلَبَهُ وَأَخَذَ سَهْمًا مِنْ كِنَانَتِهِ فَوَضَعَهُ فِى كَبِدِ الْقَوْسِ ثُمَّ رَمَى، فَقَالَ: باسْمِ رَبِّ الغُلامِ، فَوَقَعَ السَّهْمُ فِى صُدْغِ الْغُلامِ، فَوَضَعَ يَدَهُ هَكَذَا عَلَى صُدْغِهِ وَمَاتَ الْغُلامُ، فَقَالَ النَّاسُ: آمَنَّا بِرَبِّ الْغُلامِ، فَقَالُوا للْمَلِكِ: مَا صَنَعْتَ، الَّذى كُنْتَ تَحْذَرُ قَدْ وَقَعَ، قَدْ آمَنَ النَّاسُ، فَأَمَرَ بِأَفْوَاهِ السِّكَكِ فَأُخِذَتْ، وَخَدَّ الأخْدُودَ وضَرَّمَ فِيهِ النِّيرَانَ، وَأَخَذَهُمْ وَقَالَ: إنْ رَجَعُوا وَإلا فَأَلْقُوهُمْ فِى النَّارِ "، قَالَ: " فَكَانُوا يُلْقُونَهُمْ فِى النَّارِ "، قَالَ: " فَجَاءتِ امْرأةٌ مَعَها صَبِى لَهَا "، قَالَ: " فَلَمَّا ذَهَبَتْ تَقْتَحِمُ وَجَدَتْ حَرَّ النَّارِ، فَنَكَصَتْ "، قَالَ: " فَقَالَ لَهَا صَبِيُّهَا يا أُمَّاهُ امْضِى فَإنَّكِ عَلَى الْحَقِّ، فَاقْتَحَمَتْ فِى النَّارِ".

 

ومع طول الرواية تكثر الملاحظات والأسئلة التى تبين عدم صدقها والتى نختصرها في:

- تعليم الراهب للغلام الكذب مرتين فى هذه الرواية الأولى حينما قال للغلام: إذَا قَالَ لَكَ السَّاحِرُ: مَا حَبَسَكَ؟ قُلْ حَبَسَنِى أَهْلِي، وَإذَا قَالَ أَهْلُكَ: مَا حَبَسَكَ؟ فَقُلْ حَبَسَنِى السَّاحِرُ.

والمرة الثانية حينما قال له: إنَّكَ خَيْرٌ مِنِّي، وَإنِ ابْتُلِيتَ فَلا تَدُلَّنَّ عَلَيَّ، ومن هنا نسأل الراوى هل كلن رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلم أصحابه "التقية"..؟ كما هو واضح من حديث الراهب مع الغلام.

  1. الملاحظة الثانية وهى لماذا لم يشق الملك الغلام بمنشاره كما فعل مع الأعمى ولماذا أرسله إلى جبل شاهق وع بحارة ليقتل وكان من السهل عليه أن يقتله فى الحال أو يأمر بحبسه، ولكن الموضوع فى الرواية هو التشويق عملية تشويق المتلقى للرواية، ولهذا تعد هذه الرواية من الروايات المتقدمة فى الفن القصصى أو الحكائى الذى انتشر انتشارا واسعا فى ظل الدولة العباسية.
  2. هذه الرواية تنفى معظم الروايات السابقة، والعكس بالعكس فكل رواية تنفى سابقتها ويحاول راويها أن يؤكد صدق روايته
  3. وأخيرا كما سابقتها من الروايات لم تبين لنا حقيقة من هم أصحاب الأخدود

وبعد أن انتهينا من الروايات التى أتت فى تفسير الطبرى حول أصحاب الأخدود فهل لنا أن نعرف حقيقة من هم أصحاب الأخدود، وأعتقد أن الإجابة تكمن فى القرآن نفسه.. ولننتظر الحلقة الأخيرة فى هذه السلسلة

هوامش على تفسير الطبري: من هم أصحاب الأخدود؟ (1)

 

هوامش على تفسير الطبري: من هم أصحاب الأخدود؟ (2)

Dr.Randa
Dr.Radwa

الاكثر قراءة