الإثنين 20 مايو 2024

أخلاقنا فى رمضان

12-6-2017 | 00:37

بقلم: د. ناهد عبدالحميد - مديرة النشاط الثقافي والفني بقطاع الإنتاج الثقافي

يحتاج أى مجتمع إلى ثاث دعامات حتى ينهض ويتقدم ويتطور ويبنى حضارته ويرتقي وهى: الماديات، الروحانيات، القيم والأخلاق، وقد تميزت الحضارة الإسامية بأنها مزجت بن هذه الدعامات الثاث واعتمادها على ثبات الأخاق الذى هو أساس علاج الإنسانية، ومن سن العرب قديما تكوين الكلمة من أكثر من مقطع فإذا نظرنا إلى كلمة أخاق سنجدها تتكون من تركيب صوتى من مقطعن صوتين الأول «أخلا » وتعنى الخلو أو الخاء الذي يكون فيها الصفاء والنقاء والهدوء وجميعها عناصر أساسية لبروز الأخلاق، وتعنى خلو النفس الإنسانية من أى شيء مزموم، والثاني «لاق » بمعنى العثور على أى شيء قد فقد أو تعنى الإيجاد، وقد تكون كلمة أخاق إشارة بليغة إلى الإبداع، الابتكار، الرقى، التقدم، التطور. ومعنى ذلك أننا إذا أردنا التقدم والرقي والإبداع فعلينا بالقيم والأخاق، وإذا أردنا التعاون والمحبة والتعايش فعلينا بالأخاق مصداقا لقول رسولنا الكريم - صلى الله عليه وسلم - «عليكم بمكارم الأخاق فإن الله عز وجل بعثني بها »، وقال أيضا «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق »، وعندما سئل عن أكثر ما يدخل الجنة قال «التقوى وحسن الخلق »، وقد مدح الله سبحانه وتعالى رسوله الكريم بقوله «وإنك لعلى خلق عظيم ،» وحينما سئلت السيدة عائشة رضى الله عنها عن خلق النبي قالت: «كان خلقه القرآن »، وقال الشاعر: «إنما الأممم الأخاق ما بقيت فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا »، وهو كلام نحفظه جميعا لأنه كان مقررا دراسيا لكننا لا ندرك دلالته العميقة لأهمية القيم والأخاق خاصة بعد كل هذه المتغيرات السياسية والاجتماعية والاقتصادية المتلاحقة التي حدثت في مصر بعد ثورتن متتاليتن، ولكن ما نشاهده من انفات أخلاقي تسبب فى إحداث اهتزاز أو اهتراء لمنظومة القيم والأخلاق وأصبح كل إنسان لا يرى إلا ذاته ولا يسمع إلا صوته.

وقد اكتشف الشيخ المستنير محمد عبده رائد حركة التنوير هذه الظاهرة حن قال مقولته الشهيرة: «وجدت فى أوروبا إساما با مسلمين، ووجدت في وطنى مسلمين با إسام »، وهنا لا أتحدث فى سياق دينى لكنه أخلاقي حيث أن كل الأديان بما فيها غير السماوية تحض على الأخاق كالبوذية والكونفوشسية فما حدث من حالة التردي الأخلاقي فى مجتمعنا تحتاج من علماء الاجتماع وعلم النفس الأخلاقي والسلوكي البحث والتمحيص عما حدث للشخصية المصرية ؟! أو ماذا جرى للمصرين ؟! بطريقة أستاذنا د. جلال أمن.

تحتاج دولة القانون إلى وضع قوانن ضابطة لمحتوى الفكر والإبداع بما يتناسب مع القيم والأخاق لمجتمعنا المصري دون تقييد للحريات حيث إن القوانن الحالية ومواد الدستور الحالي تحتاج إلى تفسير قانوني وأخلاقى أكثر عمقا لمفهوم حرية الإبداع، فكذلك وجود هيئة ضابطة لصناعة الإعام بجميع أنواعه «المجلس الأعلى للإعام، الهيئة الوطنية للصحافة، والهيئة الوطنية للإعام » ضرورة ملحة حتى يكون لها دور كبير في إعادة منظومة القيم والأخاق في المجتمع عبر وسائل الإعام المختلفة باعتبار الإعام من أهم محاور نهضة مصر فى الفترة المقبلة إذا تم إدارته بشكل يخدم قضايا الوطن، كما أن التعليم والثقافة ووسائل التواصل الاجتماعي «السوشيال ميديا » بمختلف صورها لها دور مهم وكبير فى نشر الإيجابيات وترك السلبيات إلى جانب زيادة التوعية بخطورة تفشي الظواهر السلبية وأثرها في المجتمع من خال الندوات والمحاضرات والملتقيات الثقافية.

لذا يجب أن نستثمر هذا الشهر الكريم فى استعادة منظومة القيم والأخاق فى المجتمع المصرى وترسيخ ثقافة التسامح والاختاف وقبول الآخر مهما كان وإرساء مبدأ إعمال العقل والمنطق خاصة لدى الشباب حتى يتصدوا للأفكار الظلامية الهدامة التى أوقعتنا فى براثن التطرف والإرهاب حتى الآن، فأينما وجدت القيم والأخاق على نحو صحيح والضمير الإنسانى وجد الالتزام بالقوانن الوضعية التزاما تاما يحقق من خلاله المجتمع مكسبا كبيرا. «اللهم أهدنا لأحسن الخلق، لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عنا سيئها لا يصرف عنا سيئها إلا أنت .»