الإثنين 6 مايو 2024

وأصبحت المشاعر.. «أونلاين»

مقالات27-11-2021 | 10:31

قديما.. كنا نتبارى في تقديم ما يعرف بـ«الواجب» لحضور عزاء أو زفاف أو المشاركة في أي مناسبة تتطلب وجودنا بجانب أحبائنا وأصدقائنا وجيراننا، كانت كلمة الواجب تدل على قيمتها ومقدارها في نفوس الجميع، لما لها من دلالة على المحبة والمشاركة في قاموس العادات والتقاليد والموروثات الشعبية والاجتماعية.

تقلص دور أداء الواجب قليلا بمرور الوقت عن طريق التعبير عن المباركة في الفرح أو مشاطرة الحزن من خلال استخدام الهاتف، فقل التواجد الفعلي لنا في المناسبات التي من الضروري حضورها.

بتقدم وسائل الاتصال أنستنا أو تناسينا ما نشأنا عليه، لا تزال أمام عيني أيام الصغر عندما يكون لدى جيراننا أو أقاربنا أو أحبائنا أي مناسبة سعيدة كانت أو حزينة أو مناسبة عادية يومية ترانا أول المتواجدين لمساندتهم للتحضير واستقبال الحضور وتقديم «الواجب».

أصبح العزاء بضغطة «كليك» على الإنترنت على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" لتختار صورة الوجه الباكي؛ لتعبر لصاحب «البوست» الحزين عن حزنك ومشاركتك له أحزانه، سواء كانت حالة وفاة أو حادث أو مروره بضائقة أو بمرضه أو مرض أحد من أحبائه.

كما أنك بنفس الضغطة تبارك وتعبر عن فرحك على منشور سعيد فيه مناسبة سعيدة، أو حفل زفاف أو إعلان نتيجة امتحان أو التوفيق في الحصول على عمل؛ لتبدي للطرف الآخر مشاركتك له سعادته والتعبير عن أنك حقا فرحت لفرحه.

أيضا يمكنك الإعجاب بما كتبه شخص ما على صفحته الشخصية بالضغط على علامة الإعجاب بعدما كنت تتصل به لتبدي له رأيك أو تهنئه أو تشاطره حزنه، ومن قبلها كنت تتواجد بجواره في مناسباته جميعها.

باختيار صورة القلب ترسل للطرف الآخر مودتك ومحبتك، تعبر له عن ما يجيش به صدرك تجاهه أو تجاهها، بعدما كانت من قبل عن طريق اللقاءات، وهي ليست بالضرورة أن تكون بين العاشقين فقط، ولكن من الممكن أن تكون بين الأصدقاء وأفراد الأسرة الواحدة والأقارب والجيران.

نتساءل فيما بيننا هل ستذهب لتشييع جثمان قريب صديقنا اليوم؟.. لا لقد كتبت له عزاءً على «فيسبوك».. هل ستحضر زفاف زميلنا في العمل غدا؟.. لا لقد باركت له على صورة كان قد نشرها على خاصية «ستوري» برفقة خطيبته.. هل سنذهب لزيارة جارنا المريض؟.. لا لقد تمنينا له الشفاء بعدما علمنا بمرضه عن طريق «فيسبوك».

أصبحت مشاعرنا «أونلاين».. التهنئة والعزاء والمساندة كلها افتراضية، لا شك أنها أضعف الإيمان أفضل من لا شيئ، ولكنها أنستنا أو جعلتنا نتناسى عادات وتقاليد جميلة ودافئة طالما تربينا ونشأنا عليها، تجعل الجميع يشعرون بأنهم كيان واحد في الفرح والحزن.

 أصبحنا ملاصقين لأجهزة الكمبيوتر أكثر من تواجدنا مع أصدقائنا أو عائلاتنا.. أصبح الهاتف المحمول شغلنا الشاغل حتى خلال عبورنا الطريق.. خلال تواجدنا في وسائل المواصلات.. خلال تناولنا الطعام.. حتى خلال تشييع الجنائز.. لا شك أننا جميعا في دائرة من الانشغال بأمور حياتنا وأعمالنا التي لا تنتهي، إلا أنه لا بد من عودة - ولو مؤقتة أو فاصل زمني - لأنفسنا وإنسانيتنا ولحياتنا الطبيعية.. لآبائنا وأبنائنا وأصدقائنا.. لحياة حقيقية وليست افتراضية افتقدناها كثيرا.

Egypt Air