بقلم : عاطف بشاى
فى عدد خاص من أعداد «الكواكب» عن «السينما والفكاهة» صدر عام 1971 استلفتنى مقال مهم للأستاذ بكر الشرقاوى عن الكوميديا فى السينما المصرية يستهله بالتأكيد على أن إقبال المتفرجين على الأفلام الكوميدية سيظل دائماً يعبر عن رغبة النظارة فى التخلص من واقعهم وتغييره إلى ما هو أفضل مع حاجاتهم إلى تفهم هذا الواقع والكشف عن أعماقه، فحقيقة احتياج الناس إلى الضحك حقيقة جوهرية تتصل بجوهر حياة الإنسان على الأرض وتتشابك مع رغبته العميقة فى الخلاص من مآسيه المختلفة سواء كانت تلك المآسى نابعة من مجتمعة أو من حقيقة وجوده، والكوميديا تسقط الأقنعة المزيفة من وجه الإنسان وتعريه من مخازيه وسفالاته حتى يرتد بريئاً وخالصاً من شوائب حياته وعادات عالمه المزيف، أو يتهاوى صريعاً أمام الساخرين منه والساعين إلى تعريته والقضاء على نموذجه الموجود بينهم فى المجتمع.
إذا كان الأمر كذلك.. فأين هذا فى أفلامنا التى تبدو لنا دائماً صفقة تجارية يقبل عليها المنتج كأنه غافل عن أهمية الإضحاك، والسخرية فى قصة الحياة الإنسانية، والتوليفة التجارية للضحك القائمة على التهريج والإسفاف والسخرية من العاهات وأفيهات قعدات المقاهى والزغزغة الخشنة.. وتفاهة المضمون والابتذال فى الحركة والأداء والبلاهة والسطحية.. هذه التوليفة التى لا تدرك أهمية بروز البعد الإنسانى والاجتماعى وهموم البشر فى مجتمع قاهر.. قد تحقق ربحاً لكنها لا تقدم قيمة حقيقية أو تعكس واقعاً يعيشه الناس.. وما ينطبق على السينما ينطبق على المسلسلات.
تذكرت وأنا أقرأ المقال موقفاً حدث مع كوميديان معروف اختاره مخرج لدور البطولة فى مسلسل من تأليفى.
فاكتشفت منذ اليوم الأول للتصوير أنه لم يقرأ المسلسل، بل ولا يعرف إطلاقاً مجرد «الحدوتة» أو أبعاد الشخصية التى يجسدها، ولم يسعَ حتى إلى السؤال ولو من باب الفضول عن طبيعة الدور الذى يجسده. فقط لجأ إلى أن يسأل مساعد المخرج قبل تصوير أى مشهد له، ما هو الموقف الذى سيجسده فى المشهد، ثم يلقى بسيناريو الحلقة جانباً، وبجرأة غريبة يرتجل حواراً مسفاً مع بقية الممثلين الذين يشاركونه فى المشهد، لا علاقة له بالموقف أو الشخصية، أو الحلقات.
أفزعنى ما يفعله، وأدركت أنه إذا استمر على هذا المنوال فسوف يدمر النص تماماً.. ويفشل العمل الذى أمضيت فيه شهوراً طويلة أكتبه وأعانى فى إبداع تفاصيله، فقررت أن أعلن له غضبى وقلقى وأطالبه بالالتزام بالنص، مؤكداً له فى اعتزاز بمهنتى أن حقوق الملكية الأدبية للمؤلف صاحب السيناريو مقدسة ولا يجوز انتهاكها، وأن النص ينسب إلى مؤلفة نسب الابن لأبيه، فإذا به يواجهنى باستخفاف غريب أن له أسلوبه الخاص فى الأداء الذى يميزه وصنع نجوميته.. وهو يعتمد على الارتجال وعلى «الفارس» والضحك الذى لا يحمل أى مضمون، أو أى قيمة فكرية أو إنسانية أو سياسية أو اجتماعية، والناس قد تعودوا منه ذلك ولن يتقبلوا منه غيره.
إنه يؤدى «الشويتين بتوعه» أو ما يسمى «لزمات» معينة اشتهر بها.. والتى لا علاقة لها تماماً بالشخصية التى يؤديها، فهو لا يجسد الشخصية التى رسم أبعادها المؤلف.. ولكن يجسد نفسه بكل هزلها وفجاجتها ورخصها.. وفى النهاية الجمهور عاوز كده.
المهم، أنه عندما خرج من البلاتوه بعد تجسيد المشهد بطريقته داعبنى بغلظة وسماجة مردداً: «إيه رأيك؟!.. المشهد فيه شبه برضه من اللى إنت كتبته.. مش كده؟».
لا فائدة إذاً من مناقشته.. فلم أجد ما أفعله، خاصة أن المخرج الجهبذ كان راضياً عن ذلك الهزل الرخيص، بل وكان يستلقى على قفاه من الضحك على المواقف التى يفاجئه بها هذا الممثل.
وكانت النتيجة كما توقعت.. فشل المسلسل فشلاً ذريعاً.