السؤال المركزى الذى سوف نحاول الإجابة عليه فى هذه السلسلة "من هم أصحاب الأخدود؟" فحسب تفسير الطبرى لهذه الآية، قد اختلف أهل العلم فى أصحاب الأخدود؛ من هم؟، وتعددت روايات الطبرى وتناقضت حول ماهية أصحاب الأخدود دون الوصول لنتيجة مقنعة للقارئ، ومن هنا يتبادر إلى الذهن عدد من الأسئلة التى ربما تساعدنا الإجابة عنه على معرفة أصحاب الأخدود، ليس هذا فقط بل معرفة أيضا كيف كان يتم انتاج الروايات فى العصور المتعاقبة على عصر نزول الرسالة على سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام، وبداية تلك الأسئلة ألم يكن يعلم صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم من هم أصحاب الأخدود، أو لم يقل لهم الرسول "صلى الله عليه وسلم" شيئا عنهم، ولماذا لم يتفق الرواة على رواية واحدة تكون أقرب للحقيقة، وماذا يعنى اختلاف الروايات حول أصحاب الإخدود، وأخيرا ما هى حقيقة أصحاب الإخدود، من هم وأين كانوا، ذلك السؤال الذى نحاول الإجابة عنه من خلال استعراض روايات الطبرى ومناقشتها بهدف الوصول إلى الحقيقة.
ناقشنا فى السابق روايتين مصدرهما الإمام على رضى الله عنه ووجدنا تناقض كبير بين الروايتين وعددنا الملاحظات التى تبين كذبهما، وهناك رواية قصيرة عن ابن عباس تقول إن أصحاب الأخدود من بنى إسرائيل، ورواية مقتضبة أيضا لمجاهد قال: كان شقوق فى الأرض بنَجْرَان كانوا يعذّبون فيها الناس، أما الضحاك فقد اعتمد رواية ابن عباس وقال فى قوله:( قُتِلَ أَصْحَابُ الأخْدُودِ) يزعمون أن أصحاب الأخدود من بنى إسرائيل، ولاختلاف الروايات باختلاف الراوى يتضح أن مدونة التفسير لم تتفق بحال على من هم أصحاب الأخدود، حتى تلك الرواية التى نعرض لها اليوم رغم ما بها من اسلوب حكى أو أسلوب روائى غير سابقتها يوضح أنه الأحدث فى انتاج الرواية وهى الرواية التى ينتهى رواتها برسول الله صلى الله عليه وسلم.
كما ناقشنا الرواية الأخيرة والتى تنفى هى الأخرى معظم الروايات السابقة، والعكس بالعكس فكل رواية تنفى سابقتها ويحاول راويها أن يؤكد صدق روايته، وكما سابقتها من الروايات لم تبين لنا حقيقة من هم أصحاب الأخدود، ومن هنا تأتى الإجابة عن السؤال المركزى الذى دارت حوله هذه الروايات ولم يستطع الطبرى أو غيره الإجابة عنه لاعتمادهم على الرواية وليس الدراية.
ومن خلال الروايات التى ناقشناها فى المقالات السابقة نجد أنه بعد عصر الرسول (صلى الله عليه وسلم) سمى مكان بنجران باسم الإخدود وكأنه هو ما تتحدث عنه آيات سورة البروج، مثلما سمى وادى القرى بمدائن صالح وكأنه هو مكان قوم ثمود لأن القرآن وصفهم بأنهم ينحتون فى الجبال بيوتا، آيات سورة الحجر (80-82).
وهناك عدد من الآيات التى ترشدنا على أصحاب الأخدود، والتى تتحدث عن فتنة المؤمنين وتعذيبهم بالنار لتبين لنا أنه ليس المقصود قوم سابقون على عهد النبي، من بينها آيات سورة المسد، والتى تتحدث عن أبو لهب ولما سمى بهذا الإسم بعيدا عن الرواية التى تقول بأنه سمى بهذا الإسم لحسنه وإشراق وجهه وجماله، وكذلك الحديث عن زوجته "أم جميل" سيدة قومها والتى لديها من العبيد والموالى ما يغنيها عن مشقة حمل كوب ماء، فكيف يصفها القرآن بـ "حمالة الحطب" فهل كانت هذه صنعتها، وهى سيدة قوم وزوجها من سادات قريش ويملكون عددا لا بأس به من العبيد والموالى الذين يقومون على خدمتهم، أم أنها فى هذه الحادثة "اشعال النار فى المؤمنين" حملة الحطب بنفسها تشجيعا لباقى سيدات قريش وتحفيذا لهم لاشعال النار فى المؤمنين بمحمد "صلى الله عليه وسلم" ورسالته.
فكان كبراء قريش يستخدمون كافة الوسائل أثناء تعذيبهم للمؤمنين ومنها إشعال النار فيهم، ويتبين من ذلك أن آيات سورة البروج تتحدث عن هؤلاء "كبراء قريش"، وتعذيبهم للموالى والعبيد الذين آمنوا بمحمد " صلى الله عليه وسلم " ورسالته، لأن ايمانهم هذا سيشل الحياة العامة فى مكة، كون هؤلاء الموالى والعبيد عصب الحياة فيها بقيامهم بكل الأعمال الخدمية والشاقة.
فآيات سورة البروج تتوعد كبراء قريش بعذاب جهنم، جزاء بما فعلوا بالمؤمنين، فهى تتحدث عن وقائع حدثت زمن الرسول وفى وقت نزول الآيات، ولا تتحدث عن وقائع تاريخية قديمة هنا أو هناك، كما تقول قصص وروايات المفسرين والمحدثين المختلفة.
ولو كان مفسرو القرآن أو المحدثين شغلوا أنفسهم بتدبر القرآن وفهمه، وناقشوا تلك الروايات لجنبونا كثيرا مما نعانيه فى فهم القرآن فهما عقليا حكيما يقربنا من الله، بعيدا عن الاختلاف فيما بيننا باختلاف الروايات التى تسبب مشكلات فى الفهم والتأويل، ما يؤدى للفرقة واشتعال الفتنة وتعصب كل منا لفهمه ومحاولات فرضه على الأخر باللين تارة وعنوة وقهرا وارهابا فى كثير من الأحيان.
أقول قولى هذا وأستغفر الله لى ولكم
هوامش على تفسير الطبري: من هم أصحاب الأخدود؟ (1)
هوامش على تفسير الطبري: من هم أصحاب الأخدود؟ (2)
هوامش على تفسير الطبري: من هم أصحاب الأخدود؟ (3)