الأحد 19 يناير 2025

مقالات

آليات مواجهة الخطاب المُعَادي لمصر والسعودية عبر السوشيال ميديا (2)

  • 4-12-2021 | 20:19
طباعة

نستكمل في هذا المقال عرض نتائج الدراسة المهمة التي أجراها د. أيمن بريك أستاذ الصحافة المساعد بكلية الإعلام جامعة الأزهر ود. إيمان محمد مدرس الإعلام بجامعة الأزهر، والتي استهدفت رصد وتحليل وتفسير اتجاهات النخبة المصرية والسعودية نحو آليات مواجهة الخطاب المعادي لمصر والمملكة العربية السعودية عبر شبكات التواصل الاجتماعي، وذلك من خلال الوقوف على مدى تعرض النخبة للمحتوى المواجه للخطاب المُعَادي عبر السوشيال ميديا، ودوافع هذا التعرض، والصفحات التي تواجه هذا الخطاب في مصر والسعودية، والقضايا التي يركز عليها، ونوع الصراع الذي يرتكز عليه المحتوى المتعلق بالرد على الخطاب المُعَادي، وآليات واستراتيجيات الرد عليه، وتقييم النخبة لمدى فعالية هذه الآليات، ومقترحاتهم لتطويرها، وذلك في إطار مفهوم حروب الجيل الخامس.

فالبنسبة لشبكات التواصل الاجتماعي التي يتم توظفيها في نشر الخطاب المُعَادي لمصر والسعودية، جاء "تويتر" على رأس منصات التواصل الاجتماعي التي ترى النُخبة أنه يتم توظيفها في توجيه الخطاب المُعَادي لمصر والسعودية وذلك بنسبة 77 %، يليه "تليجرام" بنسبة 73 %، ثم "فيس بوك" بنسبة 50 %، فـ "يوتيوب" بنسبة 40 %، ثم "سناب شات" بنسبة 32 %.

ولعل مجيء "تويتر" في المرتبة الأولى يرجع إلى طبيعة هذا الموقع، والذي يركز على التغريدات القصيرة فضلًا عن كونه الأشهر من حيث استخدام الوسوم (الهاشتاجات)، والتي كثيرًا ما تُستخدم في توجيه الخطابات والتغريدات المُعَادية عبر مواقع التواصل الاجتماعي سعيًا وراء صناعة معدلات تداول وتفاعل أعلى لهذا المحتوى عن طريق ما أصبح يُطلق عليه صناعة "الـترند" Trend، كما أن مجيء منصة "تليجرام" في المرتبة الثانية على الرغم من كونها ليست الأكثر استخدامًا بين النُخبة عينة الدراسة ربما يرجع إلى طبيعة هذه المنصة خاصةً تلك المتعلقة بتشفير الرسائل وغيرها، الأمر الذي جعلها المنصة الأهم خاصةً بين الجماعات الإرهابية التي كانت تستخدمها في توجيه خطاباتها الإرهابية والمُعَادية.

وفيما يتعلق بالآليات التي يعتمد عليها الخطاب المُعَادي لمصر والسعودية على السوشيال ميديا، جاء تضليل الجماهير على رأس هذه الآليات كما ترى النُخبة عينة الدراسة وذلك بنسبة 88 %، يليه خلق الأكاذيب بنسبة 84 %، ثم فبركة الأحداث بنسبة 73 %، فالترويج للشائعات بنسبة 72 %، يليها التجييش الإلكتروني بنسبة 70 %، فالتشكيك في الإنجازات بنسبة 55 %، ثم التركيز على السلبيات بنسبة 28 %، فالتخوين بنسبة 31 %.

ولعل مجيء "تضليل الجماهير" في المرتبة الأولى يرجع إلى طبيعة هذه المنصات، والتي هى منصات جماهيرية بالأساس تقوم على التواصل الاجتماعي بين هذه الجماهير، ومن ثم فإن الصفحات المُعَادية تعتمد على هذه المنصات في توصيل مواقفها وآرائها وخطابها المعادي لهذه الجماهير بغية تضليلها، كما أن مجيء "خلق الأكاذيب" في المرتبة الثانية يشير إلى وعي النُخبة المصرية والسعودية بأهداف هذا الخطاب ومَن يقفون وراءه، فإذا كان الهدف هو تضليل الجماهير فمن الطبيعي أن يكون هذا من خلال أكاذيب ومعلومات مضللة.

ومن الواضح تقدم مصر في نسب ومعدلات توظيف هذه الآليات كما يرى النخبة، ولعل هذا يرجع إلى طبيعة التطورات التي مرت بها مصر بعد عام 2011 وما شهدته من أحداثٍ وخطاباتٍ مُعَادية استمرت لسنواتٍ طويلة ولا تزال، في حين تتعرض السعودية من آنٍ لآخر لمثل هذا النوع من الخطابات التي تستهدف أمن المملكة واستقرارها.

وأوضحت الدراسة أن ثمة دول وجهات تقف وراء الخطاب المُعَادي عبر صفحات التواصل الاجتماعي، حيث جاءت دولٌ عربية في مقدمة الجهات التي تقف وراء الخطاب المُعَادي لمصر والسعودية وذلك بنسبة 82 %، يليها منظمات إرهابية بنسبة 59 %، فدولٌ أجنبية بنسبة 47 %، ثم جهات داخلية بنسبة 12 %، يليها ً أشخاص بنسبة 11 %.

ولعل مجيء دولٍ عربية في المرتبة الأولى من حيث الجهات التي تقف وراء الخطاب المُعَادي لمصر والسعودية عبر مواقع التواصل الاجتماعي يرجع إلى ما تشنه قطر من حملات عدائية ممنهجة ضد دول المقاطعة العربية وبخاصة السعودية ومصر عبر صفحاتها الرسمية والإعلامية وكذلك باستخدام أساليب التجييش والكتائب الإلكترونية، وهو ما يُنتظر أن يتغير بعد إنهاء المقاطعة وعودة العلاقات، وإن كان الأمر لا يزال يشوبه الحذر حتى الآن.

كما أن مجيء الدول الأجنبية في المرتبة الثانية يرجع أيضًا إلى الحملات التي تشنها تركيا ومنصاتها الإعلامية الرسمية وغير الرسمية تجاه مصر والمملكة العربية السعودية خاصةً تلك المنصات التابعة للنظام والحزب الحاكم في تركيا.

ومن الواضح تقدم مصر فيما يتعلق بالمنظمات الإرهابية، وذلك في ظل الهجمات التي تشنها هذه المنظمات ضد الدولة المصرية، والتي لا يزال بعضها موجودًا بالداخل، ويتم من حين لآخر الكشف عنه، وهو ما يفسر تقدم مصر أيضًا فيما يتعلق بالجهات الداخلية وذلك على خلاف السعودية والتي يتم أيضًا شن هجمات عليها من قبل الجماعات الإرهابية، غير أن ساحتها الداخلية بعيدة عن هذه الخطابات المُعَادية، فدائمًا ما يأتي الخطاب المُعَادي للسعودية من الخارج حتى لو كان من أشخاص سعوديين إلا أنهم غالبًا ما يكونون مقيمين بالخارج.

ويرى الباحثان أن تعدد الجهات التي تقف وراء الخطاب المُعَادي لمصر والسعودية على شبكات التواصل الاجتماعي وتنوعها بين الداخل والخارج والدول والمنظمات كما ترى النخبة عينة الدراسة، يؤكد أهمية مواجهة هذا الخطاب بآليات قوية وفاعلة من شأنها التصدي لهذه الخطاب وتفكيك مضامينه.

ورصدت الدراسة حجم تأثير الخطاب المُعَادي لمصر والسعودية على السوشيال ميديا؛ حيث يرى 46 % من النخبة المصرية والسعودية عينة الدراسة أن تأثير الخطاب المُعَادي على كلا البلدين جاء متوسطًا بنسبة 46 %، يليه منخفضًا بنسبة 28 %، وأخيرًا مرتفعًا بنسبة 26%.

ولعل مجيء المستوى المتوسط لتأثيرات هذا الخطاب في المرتبة الأولى وبنسبة تقترب من 50 % يشير إلى خطورة هذا الخطاب، خاصةً في ظل ما أصبحت تحظى به شبكات التواصل الاجتماعي من معدلات استخدام وتفاعل مرتفعة، وهو ما يؤكد ضرورة التصدي لمثل هذا النوع من الخطابات التي تشنها بعض الدول والجهات على الدولة المصرية والمملكة السعودية في إطار حروب الجيل الخامس.

 ومن الواضح تقدم مصر فيما يتعلق بالتأثيرات المرتفعة، ولعل هذا يرجع إلى طبيعة الأحداث التي شهدتها مصر خلال السنوات الأخيرة والتي كان لمواقع التواصل الاجتماعي دورًا رئيسًا فيها، وذلك على خلاف السعودية والتي جاءت متقدمة على مصر من حيث معدل التأثير المنخفض وذلك كما يرى النُخبة.

وتتفق هذه النتيجة ـ إلى حدٍ ما ـ مع ما توصلت إليه إحدى الدراسات الأجنبية، والتي أشارت إلى أن وسائل التواصل الاجتماعي أصبح لها دورٌ مؤثرٌ في مفهوم الحرب الحديثة، مع الأخذ في الاعتبار الاختلاف بين الدراستيْن، ففي حين أُجريت الدراسة الحالية على النخبة الصحفية المصرية والسعودية، استهدفت الدراسة الأجنبية المُشَار إليها التعرف على استراتيجية الجيش الأمريكي في توظيف وسائل التواصل الاجتماعي في حروب الجيل الرابع.

ونواصل الأسبوع القادم بإذن الله استعراض نتائج هذه الدراسة المهمة.

 

 

الاكثر قراءة